تقديم
المحقَّقُ أنَّ أحفاد ضحايا الهولوكوست الألماني ضد اليهود هم الذين ارتكبوا الهولوكوست ضدَّ الفلسطينيين في غزة، وذلك حين المقارنة بين المشهدين إذ تحلُّ الذكرى الأولى لمحرقة غزة في 27 كانون الأول/ديسمبر 2008، عندما بدأت إسرائيل في ذلك اليوم هجوماً منسقاً مدبراً كاسحاً بكل أنواع الأسلحة على غزة؛ بحجة إرغام حماس على وقف إطلاق الصواريخ من غزة صوب جنوب إسرائيل، والبحث عن شاليط، وادعت إسرائيل أن حماس هي التي أنهت اتفاق الهدنة أو التهدئة، وللأسف، ناصرت مصر إسرائيل في ذلك، واستقبلت مصر السيدة ليفني وزيرة الخارجية آنذاك في لقاء بهيج، وبدا على السيد وزير الخارجية أحمد أبو الغيط السرور والحبور، وهي تعلن من القاهرة أن إسرائيل سوف تغير قواعد اللعبة في غزة، وأن إسرائيل سوف تشن حرباً طاحنة على غزة، وصاحب ذلك تصريح السيد الوزير بأن حماس هي التي نقضت التهدئة بما فسر حينذاك أن مصر أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل وبررت لها عملها، ثم نقل في الصحف الفرنسية حديث بين الرئيس مبارك وساركوزي؛ مفاده أن مبارك يبارك ضرب حماس والانتهاء من سيطرتها على غزة بأسرع وقت.
وقد أدت أعمال الإبادة الإسرائيلية التي وقعت بعد عامين من الحصار المنسق بين إسرائيل ومصر وإرهاق سكان غزة، إلى كارثة حقيقية ودمار شامل، واستخدام بربري لكل أصناف الإبادة في مشهد استمر 23 يوماً، لم يحرك فيه العرب ساكناً، بل أعلن وزير خارجية مصر اعتزازه بأن مصر أفشلت قمة في الدوحة حاربتها مصر، ومن الواضح أن مصر أحبطت أي جهد يشوش على العمليات ضدّ إسرائيل، وحرمت القطاع من الإغاثة الخارجية واستعدت الشعب المصري على الفلسطينيين، ولكن الحكومة، وقد رأت الشعب المصري يغلي ضدها أصدرت تصريحات جوفاء، ولكنها تصرفت بما خدم المخطط الإسرائيلي تماماً. وقد عجزت قمة الكويت هي الأخرى عن ردع إسرائيل، ولكن اللافت هو موقف مصر التي تذرعت بأن إغلاقها للمعبر انصياع لالتزام قانوني في اتفاق المعابر الذي ليست طرفاً فيه، كما أنه انقضى عام 2006.
وقد عوض موقف الحكومة المخزي أن الحركة الوطنية حاولت عدة مرات كسر حصار غزة؛ حيث بدا أنه تقرر بشكل غير رسمي أن إنقاذ غزة صار جريمة في الممارسات الحكومية؛ راح ضحيته بعض الشرفاء سجناً واعتقالاً ومطاردة. ويجب أن نسجل المبادرة المصرية المنحازة لإسرائيل والناقدة للمقاومة ووصفها بالإرهاب، وعرقلة صدور قرار مجلس الأمن بإعلان المبادرة قبل صدور القرار بربع الساعة، رغم مشاركة وزير خارجيتها في الجلسة.
ومن الواضح أن التركيز على موقف مصر المسؤول عن معظم هذه الكارثة سببه الوحيد ليس أن الأمل معقود على مصر لمواجهة إسرائيل، ولكن لأن مصر هي المنفذ الوحيد لغزة على الخارج عبر معبر رفح. غير أن محرقة غزة كانت مشهداً عملياً على سقوط النموذج الأخلاقي الإسرائيلي، كما كان صدمة للعالم الحر الذي ساندت حكوماته إسرائيل وحاربت كل جهد لمعاقبتها. توالت التحقيقات الجنائية وزيارات الوفود الميدانية، كما توالت جهود العمل على إعادة إعمار غزة، ولكن بشرط استسلام حماس.
المشهد في غزة بعد مضي عام على المحرقة يبدو محزناً؛ فلا إعمار ولا مؤن، وإغلاق للمعابر وضرب للأنفاق، تبعه جدار فولاذي تبنيه أمريكا وإسرائيل في الأراضي المصرية، مع استمرار الشقاق الفلسطيني، وإخفاق المصالحة المصرية، واستمرار أزمة شاليط، والأزمة السياسية الدستورية والإنسانية في كل فلسطين، وفي الخلفية استمرار تهويد القدس واستيطان الضفة.
أما الوجه المشرق فهو بداية فصل جديد من المواجهة القانونية الشعبية في أوربا لجرائم إسرائيل، فإذا كانت إسرائيل قد تفوقت عسكرياً وسياسياً إلا أنها لم تعتقل إرادة الشعب رغم التجويع والعدوان والحصار، وإرادة أحرار العالم الذين يواظبون على محاولات كسر الحصار من البر والبحر ويتحدون قدرات إسرائيل وقرصنتها.
على الجانب الآخر، نشطت فرق لمحاصرة المجرمين الإسرائيليين خاصة الذين شاركوا في المحرقة، وكانت قضية ليفني في لندن هي أعلى نقطة بلغها هذا الجهد المبارك.
في الصفحات التالية يجد القارئ تسجيلاً لكل هذه الأحداث بهذه المناسبة، ويبقى أمران؛ الأول: استمرار الحصار والإغلاق رغم المواقف الرسمية المنادية برفع الحصار، ولهذا اقترحنا تدويل المعابر، مما أدى إلى استمرار آثار الدمار وعدم إعمار غزة، وذلك كله حتى يثمر الضغط على حماس فتقبل بشروط إسرائيل. الأمر الثاني أن مخاطر العدوان الإسرائيلي وتصديه لحماس لن يتوقف.
لكل ذلك؛ لابد من دعم خيار المقاومة وإعمار غزة وفتح معبر رفح وتحقيق المصالحة الفلسطينية، والأهم أن تستعيد مصر قدرتها على الرؤية الصحيحة لمشكلة غزة. كما نطالب بلجنة تحقيق دولية في الهولوكوست اليهودي في غزة حتى ينال كلٌّ حقه وجزاءه.
إن الإصرار على الملاحقة الجنائية لإسرائيل أصبح أكثر لزوماً وإلحاحاً خاصة بعد جريمة أسطول الحرية في أيار/مايو2010، وتملص إسرائيل من المسؤولية، بل إعلانها نتيجة التحقيق الذي أجرته إسرائيل في الجريمة، وبعد أن نصبت نفسَها خصماً وحكماً في كلِّ جرائمها.
والله غالبٌ على أمره.
السفير د. عبدالله الأشعل
القاهرة تموز/يوليو 2010م
هولوكوست غزة
إن الهجوم الكاسح الذي شنه الصهاينة على غزة بدءاً بيوم 27/12/2008 وعلى مدى 23 يوماً كان محرقة حقيقية استعملت فيها أنواع محرمة من الأسلحة بحجة إرغام حماس على وقف إطلاق الصواريخ، وللبحث عن الأسير الإسرائيلي شاليط. وقد جاء هذا الهجوم بعد عامين من حصار خانق أرهق الغزاويين، وكاد يؤدي إلى كارثة حقيقية من الدمار الشامل..
فماذا حصل؟
* خاضت حماس ملحمة غير متوقعة بالرغم من الهجوم الشرس، ولم يتمرد الغزاويون عليها كما توقع الإسرائيليون، واستمر إطلاق الصواريخ على الصهاينة، وقُتل عدد من جنودهم مع تفوقهم في العدد والعدة.
* وتدنت سمعة إسرائيل إلى الحضيض، وظهرت بصورة المعتدي على المدنيين والمنشآت الدولية.
* ووقف أحرار العالم يتحدونها ويدعمون غزة، ورفعوا في هذا السبيل قضايا دولية ضد قادتها الذين عدوهم مجرمي حرب.
الكتاب سجل للأحداث الإجرامية للعدوان وتحليل قانوني سياسي وتاريخ واقعي لبطولات المقاومين.