مُقدّمة
الحمد لله رَبِّ العالمين، والصلاة والسلام على سَيِّد الأولين والآخرين، نَبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قُدِّر للجيل الذي ينتمي إليه كاتب هذه السطور أن يرى أُمَّته تَمرُّ بتقلُّبات مختلفة. لقد صُدِم؛ وهو في المرحلة الأخيرة من طفولته، بوقوع نكبة فلسطين، عام 1948م؛ مُتمثِّلة بقيام الكيان الصهيوني العنصري على أرض فلسطين، ونزوح كثير من الفلسطينيين من وطنهم ليصبحوا لاجئين يعيشون في مُخيَّمات هي البؤس بعينه. وبعد ست سنوات من تلك النكبة انطلقت الثورة الجزائرية المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي، الذي لم يَكتفِ باحتلال الجزائر واستلاب خيراتها الاقتصادية فحسب؛ بل كان يهدف، أيضاً، إلى طمس هُويَّتها؛ دينياً ولغة وتاريخاً. ومَرَّت ست سنوات بعد تلك الانطلاقة حدثت خلالها حوادث تبعث على التفاؤل. ومن تلك الحوادث انطلاق الفدائيين الفلسطينيين من قطاع غَزَّة، التي كانت تحت الإدارة المصرية، في عمليات جريئة ضد العدو الفلسطيني، وصمود مصر؛ قيادة وشعباً؛ مُؤيَّدةً من أُمَّتها العربية والمُحبِّين للحق في العالم، ضد العدوان الثلاثي التآمري. ومن تلك الحوادث، أيضاً، قيام الوحدة بين مصر وسورية، والإطاحة بالحكم في العراق المُتبنِّي لحلف بغداد.
على أن تلك السنوات الست انتهت حوادثها بحوادث ست سنوات أخرى كان منها ما كان مُبهجاً؛ وهو حصول الجزائر على استقلالها، لكن بدايتها شهدت ما كان محزناً؛ وهو انفصال الوحدة بين مصر وسورية. ولم تَنته إلا وقد حَلَّ بعدها عام أصِيبت فيه أُمَّتنا بهزيمة عسكرية فادحة كان من نتائجها احتلال الصهاينة لكامل أرض فلسطين؛ بما فيها القدس ومسجدها الأقصى؛ إضافة إلى مرتفعات الجولان السورية. ومع أن تلك الهزيمة العسكرية كانت فادحة، وأن نتائجها على الأرض كانت كارثية، فإن إرادة الزعامات العربية ذات الوزن الأكبر في المنطقة حينذاك بدت قوية. وتَجلَّت قوة تلك الإرادة في لاءات مؤتمر الخرطوم الثلاث المشهورة. والمتأمِّل في مجريات حرب الاستنزاف التي برهنت فيها مصر؛ قيادة وشعباً، على عظمة بطولتها؛ يدرك مدى ما تَحلَّت به الزعامة المصرية والشعب المصري من عظمة. لكن المؤسف والمؤلم أن الجبهة المصرية كانت هي الجبهة العربية الوحيدة التي انفردت بتلك العظمة. وكان من المحتمل جداً أن تتغيَّر إيجابياً أوضاع الأمة لو واكب تلك الحرب الاستنزافية تَحرُّك جبهات أخرى على حدود فلسطين، وتحرُّكٌ فلسطيني داخل تلك الحدود.
وبعد مرور تلك السنوات الست، التي كان فيها ما يَسرُّ، كما كان فيها ما يؤلم، وقعت حرب 1973م، التي أثبت في بدايتها المقاتل العربي عظمة كفاءته وبطولته، لكنها انتهت بما لا يَتَّفق مع تلك العظمة. ولم يكن مُستغرباً؛ وقد انتهت تلك الحرب بالنهاية التي انتهت بها، أن تُختتَم تلك السنوات الست التي تلتها باتِّفاقية كامب ديفيد، التي قال عنها عدد من زعماء الكيان الصهيوني إن انتصارهم بها لا يَقلُّ أَهمِّية عن انتصارهم بإقامتهم ذلك الكيان عام 1948م. وحُقَّ لهم أن يقولوا ذلك فإن تحييد مصر؛ بكل ما لها من ثِقَل سكاني وموقع جغرافي، عن مسرح المواجهة مع الصهاينة نجاح وأَيُّ نجاح لهم. وكل من قرأ التاريخ قراءة تَأمُّل صحيحة يدرك أن مصر كانت هي المنطلق لتحرير فلسطين من المُحتلِّين لأراضيها. ومجريات حوادث الحاضر - كما هو المُرجَّح في المستقبل - تَدلُّ على أن مدلول ما حدث في ماضي القرون ما زال هو الأمر المحوري في المنطقة.
بعد ذلك التحييد للجبهة المصرية في ميدان المواجهة مع الكيان الصهيوني توالت الكوارث النازلة بِأُمَّتنا. وكان من أسباب تلك الكوارث اتِّخاذ بعض الزعامات العربية سياسات هوجاء بعيدة عن الحكمة. ومن ذلك دخول الزعامة العراقية في حرب مُدمِّرة مع الزعامة الإيرانية التي قامت بثورة أطاحت بالشاهنشاه الذي كان يُمدُّ الكيان الصهيوني بالنفط، وأَحلَّت مَحلَّه حكومة قطعت العلاقات معه. ولما وصلت تلك الحرب إلى نهايتها، وفرح المخلصون من العرب بتلك النهاية، ارتكب زعيم العراق جريمته الرعناء المُتمثِّلة باحتلال الكويت. وكان من نتائج تلك الجريمة تحطيم قوة العراق الحربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية. وكان ذلك التحطيم - كما قال وزير خارجية أميركا حينذاك، جيمس بيكر - أكبر خدمة قَدَّمتها إدارة دولته للصهاينة. ذلك أن قوة العراق كانت هي الخطر الاستراتيجي الحقيقي على كيانهم. وكان من نتائج ذلك اجتماع السياسيين العرب مع زعماء الكيان الصهيوني في مؤتمر مدريد؛ وهو الاجتماع الذي ظَلَّ أولئك الزعماء الصهاينة يحلمون به أكثر من أربعين عاماً. ثم جاءت اتِّفاقية أوسلو بكل ما فيها من مواد حَتَّمت على السلطة الفلسطينية التي وَقَّعتها تغيير بعض الثوابت التي تَضمَّنها ميثاق منظمة تحرير فلسطين، وجعلت من تلك السلطة عوناً للصهاينة على الذين يَتبنَّون مقاومة الاحتلال. وتسارعت التنازلات عن المواقف التي كانت ثوابت حتى وصلت قَضيَّة فلسطين إلى ما وصلت إليه من وضع ينذر بتصفيتها.
وكنت قد بدأت أكتب مقالات أسبوعية كثير منها عن قضايا أُمَّتنا؛ وبخاصة قَضيَّة فلسطين. وكانت بداية نشر تلك المقالات في مستهل عام 2001م. وبدا لي - وأيَّدني بعض الإخوة الذين أَعتزُّ بِأخوَّتهم وآرائهم - أن أعيد نشرها بين دفتي كتاب لتشابه موضوعاتها. فأصدرتها بعنوان خَواطر حول القَضيَّة . والمراد - بطبيعة الحال - القَضيَّة الفلسطينية. وكان صدورها عام 2003م. ثم تابعت إعادة نشر المقالات التي تناولت قضايا أُمَّتنا، فأصدرت بعد ذلك الكتاب خمسة كتب آخرها بعنوان عام من الذُّل والانخداع ، الذي أصدرته؛ مشكورة، دار الفكر بدمشق عام 2010م. وهأنذا أُقدِّم مجموعة أخرى من المقالات بين دفتي كتاب لتقوم هذه الدار المُوقَّرة بطباعته ونشره؛ جاعلاً عنوانه ( بَيْعُ الأَوطان بِالمَزَاد العَلَني ). وهذا العنوان هو عنوان إحدى المقالات التي تضمَّنها. وقد استحسنت العنوان؛ لا سيما أن ما تبيَّن أخيراً للكثيرين من معلومات يؤكد ما كان يدور في أذهان بعض المهتمين بقضايا أُمَّتنا منذ عقود.
عديدة هي الكتب التي أشارت إلى بيع بعض الزعامات أوطان الأُمَّة إلى أعدائها. لكن ذلك البيع كان، في مجمله، سِرّاً، فأصبح - في الآونة الأخيرة - علناً. وكنت ممن أشاروا إلى بيع الزعامات العربية أوطانها إلى أولئك الأعداء في أبيات من قصائد كُتِبت في سنوات مختلفة. ومن تلك الأبيات ما ورد في قصيدة عنوانها: (دعاة الصمت) كُتِبت، عام 1962م، إثر انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في بغداد ذلك العام:
دار السلام وما تَغيَّر فوقها
إلا الأَساليبُ التي تَتشكَّلُ
بُغضُ التَّحرر مالك حُكَّامها
لن يتركوا طَبعاً ولن يَستبدلوا
باعوا المواطنَ في سبيلِ بَقائهم
ورَمَوا بمن فيها إلى من يَبذلُ
ومن تلك الأبيات أبيات وردت في قصيدة نُشِرت في صحيفة الجزيرة قبل أربع سنوات بعنوان (صدى العيد)، تقول:
السَّادرون من الحُكَّام دَيدنُهم
في كُلِّ نَازلةٍ شَجْبٌ وتَنديدُ
هاموا وَراءَ سَرابِ السِّلمِ زَادُهُمُ
من عَمِّهم سَام تَوجيهٌ وتَعِميدُ
وطَاعةُ السيِّد الجَبَّار وَاجِبةٌ
لها بِشـرعِ سُكارى الـذُّل تَأكيـدُ
ومُقتضَى الطَّاعةِ العَمْياء مَظهرُها
مـن الأَذلاَّء تَسبيـحٌ وتَحمـيدُ
بَاعوا المَوَاطنَ كي تَبقى مناصبُهم
يُحيطهـا من رِضـا الأَسيادِ تَأييـدُ
وفي ختام هذه المُقدَّمة يَسرُّ كاتبها أن يُقدِّم الشكر الجزيل لدار الفكر على طباعة الكتاب ونشره، وأن يلتمس العذر من قارئه الكريم لما يجده من جوانب النقص؛ سائلاً الله أن يُوفِّق أُمَّتنا؛ قياداتٍ وشعوباً، إلى انتهاج ما يعيد إليها كرامتها وحقوقها المسلوبة.
عبدالله الصالح العثيمين
بيع الأوطان بالمزاد العلني
كيف تباع الأوطان؟ ولمن؟
وكيف يكون شكل المزاد العلني؟
وإلى أي مدى تكون الدعاية له والتحضير؟
عديدة هي الكتب التي أشارت إلى بيع بعض الزعامات أوطان الأمة إلى أعدائها، لكن ذلك البيع كان في مجمله سراً، فأصبح في الآونة الأخيرة علناً..
مؤلف هذا الكتاب أحد الذين أشاروا إلى بيع الأوطان.. من خلال مقالاته التي عالج فيها قضايا العصر القائمة في الشرق الأوسط، يعرضها بقلم ساخن صادق، وبخاصة قضية فلسطين، ويضع يده على الجرح العربي النازف.
عناوين المقالات في هذا الكتاب مثيرة
ومعالجة المواضيع أكثر إثارة.. وصراحة وهي وإن كانت سجلاً لأحداث هامة إلا أنها مقدمات لتاريخِ مُستقبل.
بيع الأوطان في المزاد العلني
مستخلص
كتاب يتعلق بالدراسات السياسية، وهو مقالات حول القضايا العربية المعاصرة والأحداث المؤلمة المصاحبة للأحداث الجارية في الوطن العربي، يكتبها بقلم ملتاع.
الكتاب يضم أكثر من ثلاثين مقالة كان المؤلف نشرها خلال سنة 2010 وبدايات السنة التالية. وجعل عنوان إحداها عنواناً للكتاب.
ومن خلال عنوانات المقالات نعرف مضامينه، وهي: في فمي ماء كثير، قراءة في كتاب بنو إسرائيل في القرآن والسنة، أهو عام فيه تصفّى القضية؟ أفلا تغني النذر؟ عندما يؤرَّخ ضياع فلسطين، التهويد متواصل والخنوع يزداد، وطننا العزيز والقدس، توالي انتصارات الصهاينة، ما أسرع الرجوع إلى مستنقع الخضوع! لا تحب ولا تكره، الضرب بالميت حرام، ستظل أميركا مناصرة للصهاينة، مرة أخرى.. هذا هو العصر الصهيوني، مسخرة المجتمع الدولي، أصبحت القضية شكل المفاوضات، عُزلة الدولة الصهيونية، وعودة قادة العرب، شجن من كلام جهاد الخازن، كلام بدرخان حول نووي إيران، حديث المبارك أواخر الشهر المبارك، النداء الأخير من القدس والأقصى، بيع الأوطان بالمزاد العلني، بين فدى المقتلين وفدى الساقين، جزا اليد الممدودة عضها، ما زال الصهاينة هم المطاعين، لم أرَ زحزحة الصهاينة عن التحكم، تهويد فلسطين وإخلاؤها من أهلها، عام جديد وعقد جديد، أعداء أمتنا والفتن في أوطانها، وأراد الحياة شعب أبي القاسم، اكتمال تحقيق شعب أبي القاسم وإرادته، ما أعمق سبات بعض الرؤساء، بلدان تتحد وأخرى تتمزق.
الكتاب باقة مؤتلفة لأوضاع مختلفة.