المسيحية الصهيونية والقدس على الرغم من تعدد الطوائف والفرق والاتجاهات المذهبية المسيحية، فإن التعبير الأوضح والأقوى عن الميول الأصولية في المجتمعات المسيحية يتركز في الطائفة البروتستانتية التي تفرع عنها أيضاً مذاهب متعددة، لعل أشدها تطرفاً هو مذهب البيوريتانية (التطهرية) الذي ساد في إنجلترا في القرن السابع عشر. وكان البيوريتانيون شديدي المحافظة على التقاليد العبرانية. وكان مذهبهم بمثابة بعث للروح اليهودية القديمة[(63)]، وقد تميزوا باعتمادهم الشديد على كتاب "العهد القديم" فاعتبروه وحياً سماوياً، يغذي الفكر ويرشد نحو الصلاح... وأدى غلوهم في إجلال "العهد القديم" من الكتاب المقدس، إلى التماثل في المشاعر والطموحات بينهم وبين اليهود (شعب الله المختار). وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر أسفر الواقع السياسي في إنجلترا عن ظهور جيل جديد من المسيحيين المتصهينين، اقترنت في إيديولوجيتهم الحوافز الدينية بالحوافز الإمبريالية. أو قلْ بدأ العمل على توظيف الدافع الديني لتحقيق مكاسب سياسية ذات أبعاد استراتيجية. فقد أثارت كتابات المسيحيين المتهودين الموالية للصهيونية موجة من التعاطف في أوساط الرأي العام. وتوضحت تماماً المزايا الاستراتيجية التي يمكن جنيها من خلال وجود منطقة نفوذ بريطانية في الشرق المتوسطي. وهكذا راحت فكرة ضم فلسطين لبريطانيا، عن طريق زرع كيان يهودي فيها بحماية بريطانية، تروق لكثيرين ممن كانوا لا يكترثون بها قبل ذلك، واحتلت مكانة بارزة في أذهانهم مسألة الترابط بين العمل البشري من أجل تحقيق إرادة الله بعودة اليهود إلى أرض فلسطين، وبين المصالح الاستراتيجية البريطانية[(64)]. لا شك أن المسيحيين المتصهينين لم ينظروا إلى القضية الفلسطينية من زاوية الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، بل من زاوية النفي القطعي لوجود وطن فلسطين القومي والسياسي والحضاري. وباختصار، فإن المسيحية الصهيونية التي تعتبر عنصراً أساسياً في التاريخ الديني والاجتماعي والسياسي الغربي، انتعشت في البيئات البروتستانتية، إذ بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر مع بداية التوسع الاستعماري والإمبريالي. وقد كان مركزها في البداية بريطانيا، حين كانت هذه الأخيرة قائدة المعسكر الإمبريالي ومركز الرأسمالية العالمية، لكنها انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاحقاً، وأصبحت نصير الحركة الصهيونية العالمية، متبنية أهدافها، وعاملة على تحقيق أهدافها التي تمثلت أخيراً في قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين. وهكذا أضحت فلسطين في نظر إيديولوجية المسيحية الصهيونية البروتستانتية الوطن الذي أعطاه الله لبني "إسرائيل". وتؤمن المسيحية الصهيونية في أمريكا بعقيدة "هرمجدون". يقول القس بيلي غراهام، الذي ظل منذ العام 1970 يحذر من أن العالم يسير بسرعة كبيرة نحو هرمجدون، أن الجيل الحالي من الشباب قد يكون آخر جيل في التاريخ. وظل يردد في اجتماعاته الكنسية وبرامجه التلفزيونية مقولته الشهيرة: «يتساءل الكثيرون: أين تقع هرمجدون؟ وما مدى قربنا منها؟». وفي محاولته الإجابة يقول: «حسناً إنها تقع إلى الغرب من نهر الأردن، بين الجليل والسامرة في سهل يزرعيل. عندما وقف نابليون في هذا الموقع العظيم قال: إن هذا المكان سيكون مسرحاً لأعظم معركة في العالم». ويضيف غراهام: «إن الكتاب المقدس يعلمنا بأن آخر حرب عظيمة في التاريخ، سوف تخاض في ذلك الجزء من العالم: الشرق الأوسط»[(65)]. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة أكرون العام 1996 حول الدين والسياسة أن 31% من المسيحيين يعتقدون أن نهاية العالم ستكون في معركة "هرمجدون"، ونسبة الـ31% تعني أن 62 مليون أمريكي يوافق على هذه الملحمة الغيبية. من المؤكد أن النخب المسيحية الصهيونية، أجادت استغلال العقائد الراسخة في المخيال الاجتماعي الأوربي والأمريكي، المقبولة والمفهومة لدى قطاعات واسعة من الشعوب الغربية، وتمكنت من استقطاب نفر غير قليل من الدعاة المتحمسين الذين عملوا على نقل المنظور المسيحي الصهيوني إلى شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي. وأشهر الكهنة الدعاة الذين يبشرون بهذه العقيدة الغيبية في الولايات المتحدة، هم: 1- جاك فان إيمب من ولاية متشيجن، الذي يقدم برنامجاً تلفزيونياً أسبوعياً تنقله أكثر من 40 محطة تلفزيونية، و43 محطة إذاعية أمريكية دولية موجهة حول العالم. 2- تشارلز تايلور من ولاية كاليفورنيا، الذي يبث برنامج "نبوءات الكتاب المقدس" عبر أكثر من 20 محطة وطنية. 3- بول كراوش، الذي يقدم برنامج "نبوءات اليوم الآخر" عبر شبكة بث "ترينيتي " إلى البيوت في الولايات المتحدة وعبر الأقمار الصناعية في العالم. 4- أورال روبرتسون، كاهن تولسا، الذي أخبر مستمعيه مرة أنه بحاجة إلى ثمانية ملايين دولار، «وإلا فإن الله سوف يستدعيني إليه»، وماكان من أتباعه إلا أن استجابوا له، وجمعوا المبلغ فوراً. 5- بات روبرستون الذي بنى شبكة البث المسيحية ( CBN )، وهي محطة تجمع سنوياً نحو 97 مليون دولار كأرباح معفاة من الضرائب، وتقدم هذه المحطة برنامجاً اسمه "نادي السبع مئة"، وهو برنامج يقول عنه الكاتب روبرت بوسطن: «إنه يتناول قضايا السياسة بنفس النسبة التي يتناول بها الدين». ويقول بوسطن في كتابه عن حياة روبرستون "الرجل الأخطر في أمريكا": إن المال الذي جمعه من البرامج الدينية المعفاة من الضرائب مول، ووفر الأساس لمشاريع أخرى ذات طابع سياسي، خاصة لدى "التحالف المسيحي". وهذا التحالف يملك موازنة قدرها 25 مليون دولار سنوياً، وأصبح لديه 1.7 مليون عضو، و1600 مركز في 50 ولاية من الولايات المتحدة. ويقول بوسطن: «إن هذا التحالف يشكل منفرداً المنظمة السياسية الأوسع نفوذاً في الولايات المتحدة». وقد أدركت النخب المسيحية الأمريكية أن الحياة الثقافية الأمريكية تخضع لسيطرة وسائل الإعلام وللكنائس. ولما كان هذان البوقان (الإعلام والكنيسة) من التأثير والقوة والفاعلية، فقد استطاعت المسيحية أن تستغلهما إلى أقصى الحدود لغرس إيديولوجيتها في أذهان المجتمع الأمريكي، ولكي تترسخ في الثقافة السياسية الأمريكية. ومما لا يدعو إلى الدهشة أن المسيحية الصهيونية الأمريكية تتبنى أفكار الأصولية اليهودية ومفاهيمها، ومن ثم فإن الأصوليتين تنبعان من المصدر عينه، وتصبان في بركة واحدة، ألا وهي خدمة الأهداف الإمبريالية الأمريكية والأهداف الصهيونية. والمسيحيون الأصوليون في نصف الكرة الغربي، يؤيدون اليهود الأصوليين في طرحهم برنامجاً سياسياً يركز على بسط السيادة اليهودية على "أرض إسرائيل الكاملة". وهم يعتبرون مثلهم أن هذه الخطوة الحاسمة تؤدي إلى التعجيل في إتمام عملية الخلاص الكونية التي قضت الإرادة الإلهية بها، والتي، باعتقادهم طبعاً، قد بدأت فعلاً[(66)]. وتؤيد المسيحية الصهيونية منذ القديم قيام دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وتعتقد أن قيام إسرائيل هو تحقيق للوعد الإلهي بالأرض حسب العهد القديم. «إنها ليست لأولئك الذين يسمون أنفسهم "فلسطينيين"» كما قال بات روبرستون في نيسان/أبريل2002. ويوجد الآن في الولايات المتحدة تلاحم قوي بين السياسة الأمريكية الرسمية والشعبية، التي تعتنق خطاباً رائجاً حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبين الأطروحات المسيحية الصهيونية الغيبية، التي تطمح إلى جمع شتات اليهود في أرض الميعاد، وإعادة بناء الهيكل المزعوم على أنقاض الحرم القدسي الشريف استباقاً لقدوم السيد المسيح، ويأتي من بعد ذلك حكم الله على الأرض. لقد شكل تيار الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة على الدوام رافداً استندت إليه الصهيونية في تحقيق مشروعها، وفي تشكيل مجموعات ضغط تعمل لمصلحة إسرائيل، بل في كسب قطاع واسع من الأوساط البروتستانتية الأصولية في أمريكا وعلى أعلى المستويات. وإذا كانت الصهيونية المسيحية تبرز الآن كقوة محركة ودافعة للسياسة الأمريكية ونزوعها إلى معاداة العرب والمسلمين وحقوقهم، والتحريض على خوض الحروب ضدهم تحت شعار محاربة "الإرهاب"، أو غيرها من الشعارات، بعد وصول أركانها إلى السلطة، فالحقيقة أن تيار الصهيونية المسيحية موجود منذ سنوات طويلة وبدرجات مختلفة في مراكز صنع القرار الأمريكي في مختلف العهود، وبالذات ابتداء من وصول اليمين المحافظ أو "المحافظين الجدد" إلى الحكم في الولايات المتحدة في عهد حكم الرئيس رونالد ريغان عام 1980، وقد أسس هذا اليمين برامجه السياسية والاجتماعية والثقافية على مبادئ دينية خطيرة، وشكل مع قوى الصهيونية المسيحية تحالفات وثيقة[(67)]. وقد كان للقوى الصهيونية المسيحية دور رئيسي في صياغة الأبعاد الإيديولوجية والتصورات الفلسفية والأخلاقية لقوى اليمين المحافظ، كما أمدته بعناصر وكفاءات بشرية بارزة، وساندته بمؤسساتها ومنظماتها المختلفة، بحيث أضحى أبرزُ مفكري هذا اليمين المحافظ يعبرون عن جوهر المنطلقات الفكرية لتيار الصهيونية المسيحية، وأخذوا يوظفون هذه المنطلقات في صياغة الفكر الاستراتيجي الحاكم في الولايات المتحدة، كما تجلى ذلك في عهد الرئيس جورج بوش.
القدس أولى القبلتين وثاني الحرمين مقصد مهج العرب والمسلمين.تهفو النفوس إليها. وعندما سقطت بيد الصهاينة، انتزع جزء من قلب كل عربي ومسلم، لهذا يسعى كل واحد منهم لاستعادتها مهما طال الزمن. استعرض المؤلف في الكتاب تاريخ القدس . وذكر كيف تعاقب على سكناها العرب لأكثر من 2000 عام منذ اليبوسيبن والكنعانيين، الذين تتحدث آثارهم عنهم، من أجل ذلك سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى محو تلك الآثار، وإنشاء المستوطنات، وتشويه معالم القدس. وقد صدرت مجموعة واسعة من القرارات وصُدِّق على العديد من الاتفاقات الدولية الخاصة بالقدس لكونها ما تزال رهينة في أيدي جلاديها. بل إن القرارات الدولية فرزت إشكالات كثيرة تتعلق بفلسطين. القدس وقف إسلامي يملكه المسلمون من العالم. القدس تدعونا الآن وتبقى حيةً في عقولنا وقلوبنا،بتجديد معرفتنا بكل ما يتعلق بها.
إن قضية القدس، هي قضية العرب والمسلمين جميعاً، وهي وقف إسلامي لكل المسلمين، وهي تشكل محور الصراع العربي الصهيوني. يستعرض المؤلف في القسم الأول التاريخ الموجز لمدينة القدس، ويفند دعاوى الصهاينة بأن اليهود أول من سكنها، وبين أن هذه المغالطات التاريخية والدينية يُمارسها أتباع الإيديولوجية الصهيونية، ووضح كيف كانت فلسطين عامة أرضاً للعرب اليبوسيين، ثم تعاقب عليها الكنعانيون، والفينيقيون والحثيون والعموريون، واستمر الحكم العربي لأكثر من ألفي عام. ثم ذكر المؤلف كيف وقعت القدس تحت الانتداب البريطاني، الذي جيّر احتلاله للاستيطان اليهودي منذ وعد بلفور 1917م، واستعرض القرارات الدولية المتعلقة بها. وتحدث المؤلف عن غياب موضوع القدس عن اتفاقيات كامب ديفيد، وذكر الإشكالات التي نشأت عن اتفاقات أوسلو وملحقاتها، ثم عن وضع القدس في وثيقة جنيف التي تعدّ وثيقة خطيرة لأنها غير رسمية، وفي مفاوضات كامب ديفيد 2 ومقترحات كلينتون عام 2000م. يبين المؤلف في القسم الثاني من الكتاب موقف الغرب من احتلال القدس منذ عام 1948م حتى هزيمة عام 1967م، وصولاً إلى حرب رمضان /تشرين 1973م والذي اتخذ الغرب فيه موقفاً عدائياً من مصر والدول العربية المقاومة. ثم استعرض المؤلف وضع القدس في ضوء قرارات الأمم المتحدة المتتالية، منذ قرار التقسيم والتناقضات التي نشأت عن الموقف الرسمي والعملي. كما وضح موقف أمريكا من موضوع القدس وخاصة التيار الديني المسيحي الصهيوني المتشدد الذي يشكل الداعم الرئيسي لإسرائيل.