فِيهَا، فَانْتَشَرَتِ الشُّبُهَاتُ فِي مَسَائِلَ عِلْمُهَا لا يَنْفَعُ، أوْ جَهْلُهَا لا يَضُرُّ، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى مَا فَرَّقَ الأُمَّةَ الوَاحِدَةَ مَذَاهِبَ تَقَارَبَ عَدَدُهَا بَينَ مُخْتَلِفِ الأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ، مُتَمَاشِيَةً مَعَ عَدَدِ الأَفْكَارِ الفَلْسَفِيَّةِ المَطْرُوحَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ أَو تَزِيدُ.
ومِنْ أَهَمِّ مَا احْتَدَمَ عَلَيهِ الخِلافُ هُوَ القَضَاءُ وَالقَدَرُ، فَنَبَتَتْ لِلخِلافِ فُرُوعٌ وأَغْصَانٌ غَطَّتْ عَلَى المَقْصُودِ مِنْهُ، فَخَالَفَ المَفْهُومُ المُؤوَّلُ المَقْصُودَ مِنْ مَنْطُوقِ آياتِ اللهِ وَحَدِيثِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي الوَقْتِ الَّذي كَانَ عَامَّةُ المُسْلِمِينَ يَمْتَنِعُون عَنِ الخَوْضِ في مُجَابَهَةِ مَنْ أَخْطَأَ التَأويلَ، فَنَشَأَ جِيلٌ ضَعِيفٌ أَعْزَلُ تِجَاهَ أَيَّةِ هَجْمَةٍ مَادِّيَّةٍ، وَلَوْ بَانَ زَيغُهَا وخَطَؤُهَا."
.
.
.
"... وأَحْبَبْتُ بِدَايَةً أَنْ أُثِيرَ اهْتِمَامَ الحَاضِرِينَ، فَقُلْتُ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي سَاهَمْتُ فِي كِتَابَةِ اللَّوحِ المَحْفُوظِ؟ فَنَظَرَ الحَاضِرُونَ إِلَيَّ وَتَبادَلُوا النَّظَراتِ وكَأَنِّي ادَّعَيتُ لِنَفْسِي -مَعَاذَ اللهِ- مُشَارَكَةَ اللهِ فِي خَلْقِهِ وقَضَائِهِ وقَدَرِهِ.
تَبَسَّمَ الشَّيخُ زيادٌ، ثُمَّ قَالَ: هَلا أَوْضَحْتَ لِلقَومِ قَبْلَ أَنْ يَتَّهِمُوكَ بِالكُفْرِ، وَيُطالِبُوا أَنْ يُنَفَّذَ فِيكَ حَدُّ اللهِ.
فَقُلْتُ: ......" (انْظُرْ دَاخِلَ البَحْثِ)
هَلْ أَنَا مُخَيَّرٌ فِي أَفْعَالِي؟ هَلْ أَنَا مُسَيَّرٌ؟ سُؤَالٌ حَيَّرَ المَلَايينَ. المُشْكِلَةُ هِيَ أَنَّهُ حَتَّى المُقْتَنِعَ بِكَوْنِهِ مُخَيَّرًا، إِذَا أَلَمَّ بِهِ شَيٌء بِسَبَبِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ، يَقُولُ: "هُوَ مَكْتُوْبٌ عَلَيَّ" يَقْصِدُ أَنَّهُ كَانَ مُجْبَرًا.
يوضح هذا البَحْثِ المُهِمَّ مَعْرِفَتَهُ مِنَ القَضَاءِ وَالقَدَرِ، الَّذِي أدى الاخْتِلَافُ فِي فَهْمِهِ وَتَفْسِيرِهِ إلى انْقِسَامِ المُسْلِمِينَ بعضِهم عَلَى بَعْضٍ، و أَخَذَ يُكَفِّرُ كل منهم الآخَرَ، وَالعَامَّةُ مِنَ النَّاسِ يَنْسَاقُونَ خَلْفَ آَرَاءِ الأَقْرَبِ إِلَيْهِمُ، دُوْنِ أَنْ يَكُوْنَ لَهُمْ رَأيٌ مَدْرُوسٌ، فَمَرَّةً يًقُولُ قَائِلُهُم: أَنَا مُخَيَّرٌ، وَأُخْرَى يُصِرُّ عَلَى أَنَّهُ مُسَيَّرٌ، حَتَّى ضَاعَ مَعْنَى الاخْتِيَارِ وَالإِجْبَارِ، وَسَقَطَ العَقْلُ فِي غَيَاهِبِ التَّصَوُّفِ المُتَطَرِّفِ.
في هذا الكتاب نوقشت الفُرُوعِ الرَّئِيسِيَّةِ لِلْفِرَقِ المُسْلِمَةِ، مع َشَرْحُ أَسْبَابِ تِلْكَ الانْقِسَامَاتِ ومصادرها، لإعطاء القَارِئِ فِكْرَةً مُيَسَّرَةً عَنْ مَوضُوعِ القَضَاءِ وَالقَدَرِ.
وتَمَّ التَّرْكِيزُ عَلَى مَعَانِ بَعْضِ التَّعَابِيرِ الأَسَاسِيَّةِ، مِثْلِ: الطَّبْعُ والزَيغُ والخَتْمُ والغَلْفُ والغِشَاوَةُ الجَبْرُ والاخْتِيَارُ بَينَ الحَقِيقَةِ وَالمَجَازِ الفَرْقُ بَيْنَ الكَسْبِ وَالاكْتِسابِ.
وتساءل المؤلف: عَنْ تَرْجِيحُ الفِعْلِ: هَلْ مَقْدُورُ الفِعْلِ هُوَ للهِ أَمْ لِلْعَبْدِ؟ هَلِ اخْتِيَارُ العَبْدِ هُوَ مِنْ إِحْدَاثِ اللهِ فِيهِ؟ هَلِ العَبْدُ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ أَمْ لَيسَ فَاعِلًا؟ هَلْ يَلْزَمُ وقُوعُ الفِعْلِ عِنْدَ القُدْرَةِ؟ هَلْ يَلْزَمُ وُقُوعُ الفِعْلِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّاعِي؟ هَلْ يَلْزَمُ وُقُوعُ الفِعْلِ عِنْدَ حُصُولِ القُدْرَةِ وَالدَّاعِي مَعًا. مَا القَضَاءُ المُبْرَمُ وَالقَضَاءُ المُعَلَّقُ؟ مَا مَعْنَى اللهُ قَادِرٌ وَالعَبْدُ قَادِرٌ؟ اللهُ مُرِيدٌ وَالعَبْدُ مَرِيدٌ؟ اللهُ يَشَاءُ وَالعَبْدُ يَشَاءُ؟
كَمَا ألقى نَظْرَةً مُوْجَزَةً عَلَى بَعْضِ الفِرَقِ الأُوْلَى الَّتِي وَضَعَتْ أسس الخروج عَنْ إِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، كالجَبْرِيَّةِ والقَدَرِيَّةِ (المُعْتَزِلَةِ)، والأَشْعَرِيَّةِ. مما أدى إِلَى شُرُوْخٍ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، كَانُوا فِي غِنَى عَنْهَا، لَو لَمْ تَدْخُلِ الفَلْسَفَةُ وَالزَّيْغُ عُقُولَ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، نَاهِيكَ عَنْ سَعْيِ المُغْرِضِينَ لِإِبْعَادِ المُسْلِمِينَ عَنْ المُشَارَكَةِ فِي عِبَادَةِ اللهِ الوَاحِدِ الأَحَدِ، الفَرْدِ الصَّمَدِ.