بين يدي الكتاب مضى على تأسيس دار الفكر زهاء ستين عاماً، أمضتها في خدمة المعرفة. ماذا حققت الدار على مدى السنوات المذكورة؟ ماذا كانت حصيلتها؟ ماذا يقال عنها؟.. وهل رضي قراؤها؟ وكيف ينظرون إليها اليوم؟ وهل ترضى هي عن نفسها؟ وكيف كانت تتصرف إزاء المشكلات التي تعترض مسيرتها؟ هذه أسئلة إذا أجيب عنها بالجواب المنصف؛ استطعنا أن نضع دار الفكر في حيزها الصحيح بين دور النشر. ولكن قبل الإجابة عن تلك الأسئلة؛ يجب أن نسأل السؤال الكبير: ما مسوؤلية الناشر؟ أهو تاجر كسائر التجار، يطبع الكتاب ليبيعه في السوق بزيادة على التكلفة فيحقق الربح؟ أم هو يضع نفسه في خدمة الكلمة؟ ربما يحدد السوق قيمة الناشر بالكمية التي أنتجها من الكتب..! وربما يشيرون إلى عمقه في الزمان.. أو امتداده في المكان.. بعضهم يفضل الناشر الذي يهتم بالتراث. وآخرون يقولون إن المعاصرة والتجدد هما الأسمى! وناشرون متخصصون بالعلوم البحتة أو التطبيقية.. ودور تقصر همّها على الأطفال.. وآخرون ينوعون نتاجهم لعموم المعرفة.. كل هؤلاء مقبول مرتضى.. وكلهم يحترمه القارئ المنصف.. أما أن يسعى الناشر في تجارة الكتب، ولا وجهة له من إيمان بالكلمة، أو حمل لمسؤولية، أو تحديد لهدف، فذلك الذي يجب أن يبحث عن عمل آخر غير النشر، على أن يكون عملاً هيّناً.. ليس من ورائه تبعة ولا تكليف ولا إرهاق.. ليس معنى هذا أن ننتقص من الأعمال الأخرى أبداً، فكل عمل شريف محترمٌ، ما دام صاحبه يلتزم أمانة العمل وآدابه.. ولكن في بعض الأعمال أخطاء ليست بذات خطر، بخلاف النشر وصنعة الكتاب، فربما يؤذي انحراف كِتاب جيلاً يُدخل في عقله عفناً يزيّنه له، ورب كلمة يروّج لها كاتب يهوي بها الذي يتبعها إلى الدرك الأسفل من الخسران. إن الناشر شريك الكاتب، والناشر الذي يهمه ربح الكتاب قبل أن ينتبه إلى مضمونه، لهو رجل غير جدير بالاحترام، ولا يخدم عمله إلا جيبه، ولا يدري أنه مأجور مثل صاحب العمل أو مأزور.. ولن يحوز عنوان الشرف الذي يحوزه حامل الرسالة الذي قال فيه الشاعر: أرأيت أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني ويُنشئ أنفساً وعقولا؟ فلينظر كل ناشر بما يصنع.. فإنه على خطر عظيم. ويكفي دار الفكر فخراً ما يصل إليها كل حين؛ من عبارات الثناء وكلمات الشكر، من قراء يقدرونها قدْرها.. ويعرفون منزلتها ومنزلة القائمين عليها. بهذه المناسبة أحب أصدقاء الأستاذ محمد عدنان سالم؛ المدير العام لهذه الدار؛ أن يهدوا إليه كلماتهم، ليكون هذا الكتاب ذكرى وفاء ومحبة له وللدار، في ذكرى سنواتها الستين.. راجين لها موفور العطاء. نزار أباظة ?( من كتاب عاشق الفكر والثقافة ) شهادة أ. حسين العودات ذات يوم، قبل ربع قرن ونيف،التقيت بأبي حسن في مكتبه بدار الفكر، لم أكن قد (تورطت) بمهنة النشر في ذلك الوقت، وكنت أحمل مخطوطاً أود طباعته على حسابي، وقيل لي إن دار الفكر موصوفة بجودة عملها، ويمكن ائتمانها على مثل هذا العمل، وبعد أن ترددت كثيراً لأنني كنت أسمع أن دار الفكر تهتم بالتراث والفكر السلفي، بل والأكثر أنها ملتزمة بموقف إيديولوجي وسياسي وثقافي متطرف دينياً، وترفض مسبقاً الرأي الآخر أو الاهتمام بالفكر الآخر، لأن قناعتها لا تتزحزح، ومن ثم فلا مكان للحوار أو قبول الفكر المخالف؛ حتى لو كان الأمر يتعلق بطبع كتاب من غير منشوراتها، وهذا ما اكتشفت زيفه فيما بعد، وكان ترددي مفهوماً، وربما مقبولاً؛ لأن مخطوطي ليس بتراثي ولا سلفي، بل كان بعيداً عن هذا التيار الفكري، إلا أنني وجدتها مناسبة للتعرف على فكر دار الفكر ومعرفة آراء أهله، وإن أمكن محاورتهم، خاصة أن دار الفكر أهم دور النشر السورية ومن أهم دور النشر العربية، وربما يفيد الحوار - هكذا تصورت - في زحزحة أهلها وخاصة مديرها عدنان سالم عن رأيه، والأمر محاولة حوار على أية حال، وفي النهاية أخذت موعداً من أبي حسن وقابلته، ولم أفاجأ بترحيبه ووده فذلك قيل لي مسبقاً، إنما فوجئت بما لديه من ثقافة متنوعة، غنية، عميقة، ليس في إطار الفكر السلفي والتراثي، وإنما بمختلف أصناف الثقافة ومنابعها، إلا أن الذي فاجأني أكثر؛ هو فكره المتحرر وقبوله للرأي الآخر، مهما كان هذا الرأي متطرفاً، وكاد يرد إلي بضاعتي، وذهب بعيداً في توجعه من أحادية الرأي السائدة، وإيمانه بأهمية التعدد، وانطلاقه في ذلك كله من ثوابت إسلامية؛ تستند إلى جوهر الدين والثقافة الإسلامية، وتستند إلى خطاب إسلامي متنور بريء من التلفيق الذي كنا وما زلنا نشهده في هذا المجال، وقد عرض رأيه بعفوية عز نظيرها، ودون ادعاء أو (استعراض)، وبتواضع شديد الوضوح، وقد أسعدني رأيه و (أغواني)، وأذكر أنني لفرط سعادتي شعرت بحاجة إلى تدخين سيجارة رغم اللصائق التي ملأت مكتبه تذكّر الضيف بضرورة عدم التدخين، فاستأذنت منه بعدوانية لم يجد معها ومع تواضعه وتسامحه بداً من قبول خرق هذا التقليد. لاحقاً، وبعد أن أصبحت ناشراً، عملنا معاً في اللجنة المؤقتة لاتحاد الناشرين التي مهدت لتأسيس الاتحاد؛ بقيت مؤقتة سنوات كثيرة، وعرفته عن قرب أكثر فأكثر، فوجدت فيه الناشر المثقف الذي يشعر بمسؤولية تجاه عملية النشر حتى تماهى معها، ودأبه الذي لا يصدق في سبيل رفع مستوى المهنة ومستوى الإبداع، وأعجبت بصبره وأناته وتحمله نقد الناشرين الآخرين، واستعجالهم تحقيق ما لم تكتمل الظروف لتحقيقه، واحترامه لصغيرهم وكبيرهم، للمتطرف منهم والمعتدل، لمن يوافقه الرأي أو يخالفه، وولعه بعملية النشر التي كادت تصبح مبرر وجوده واستمراره، ومتابعته كل ما يتعلق بالمهنة، أو صبره على بيروقراطية مؤسسات الدولة التي كانت تعيق ازدهار المهنة، و (اختراعه) المستمر لأفكار وممارسات من شأنها أن تفيدها، فيوم الكتاب العالمي هو يومه الذي يجب أن يجعل منه مهرجاناً وعملاً ثقافياً يعم الناس جميعاً، ودأبه كي يكون لدار الفكر أسبوع سنوي تحتفي فيه بمؤلفين مبدعين، وإصراره المحمود على إنجاح مشروع القارئ النهم، وعلى تفعيل مشاريع عديدة تصب في تحقيق هذا الهدف. كنا معاً عضوين في المكتب التنفيذي لاتحاد الناشرين العرب، وكان معظمنا أقدم على ترشيح نفسه لمزيد من الهيبة والسمعة، وربما للاستفادة من المنصب، إلا عدنان سالم، فقد كنا جميعاً، ومن مختلف البلدان العربية، ندفعه دفعاً للبقاء في قيادة الاتحاد، مع أنه بدءاً من اليوم الثاني للانتخاب كان يغرقنا باقتراحاته ومشاريعه الكاملة المتكاملة، ولا يمل من ملاحقتنا لتنفيذ قراراتنا التي لم تكن تجد طريقها للتنفيذ؛ شأن معظم القرارات العربية. لم يكن يكلّ أو يتذمر من المتابعة بالرغم من بطء قيادة الاتحاد في تنفيذ برامجها، ومع تواضعه المعهود وتسامحه المشهود، فقد كان حاداً كالسيف عندما يتعلق الأمر بالمهنة والحرية والحق والعدالة. تحية لعدنان سالم الصابر الدؤوب، المتابع المتسامح، الديمقراطي، الشاعر بالمسؤولية دائماً سواء كانت مهنية أم وطنية.. مع التمنيات له بدوام الصحة وطول العمر ومزيد من النجاح.
كلمات وأبحاث مهداة إلى محمد عدنان سالم ليس هذا الكتاب فريدا في بابته؛ من حيث إهداء كتب إلى الشخصيات الهامة والأعلام، وإنما هو فريد إذ لا يتحدث عن شخصية معروفة فحسب، وإنما عن أهم دار نشر عريقة في سورية ؛ ما تزال تقدم المعرفة وتهتم بالثقافة على مدى نحو ستين عاما..فضلا عن كونها إحدى دور النشر الهامة في الوطن العربي. ما هذه الدار ؟ ومن الأستاذ محمد عدنان سالم ؟ وماذا قدم للدار ؟ وماذا قدمت الدار للمجتمع ؟! من مؤلفوها الذين التفوا حولها وأولها عنايتهم، فبادرتهم بما يستحقون ؟ في الكتاب وقفات تستحق النظر والتأمل !!
ليس هذا الكتاب فريداً في بابته؛ من حيث إهداء كتب إلى الشخصيات الهامة والأعلام، وإنما هو فريد إذ لا يتحدث عن شخصية معروفة فحسب، وإنما عن أهم دار نشر عريقة في سورية؛ ما تزال تقدم المعرفة وتهتم بالثقافة على مدى نحو ستين عاماً.. فضلاً عن كونها إحدى دور النشر الهامة في الوطن العربي. ما هذه الدار؟ ومن الأستاذ محمد عدنان سالم؟ ماذا قدم للدار؟ وماذا قدمت الدار للمجتمع؟! من مؤلفوها الذين التفوا حولها وأولوها عنايتهم، فبادرتهم بما يستحقون؟ في الكتاب وقفات تستحق النظر والتأمل!!
كتاب تقدم به محبو الأستاذ محمد عدنان سالم وأصدقاؤه؛ بعد اعتذاره عن تجديد انتخابه رئيساً لاتحاد الناشرين السوريين، واختياره رئيساً فخرياً.. ليكون عربوناً لمحبتهم له، واعترافاً بجهوده البارة في خدمة الثقافة والمعرفة والكتاب؛ من خلال دار الفكر على مدى ستين عاماً. الكتاب قسمان؛ الأول تضمن كلمات مهداة إليه؛ من عارفي فضله، أو من زملائه في صناعة النشر، أو من كبار المؤلفين الذين تعاملوا معه، وهي لخمسة عشر كاتباً، تحدثوا بما يعرفون عنه، وما وجدوه فيه من صفات ليس يعرفها كل أحد، وهي تتعلق بفكره وشخصيته وتوجهاته.. أما القسم الثاني من الكتاب؛ فقد تناوله ثمانية مؤلفين من الكبار الجادّين؛ أهدوا إليه بحوثهم القيمة؛ بعضها يتصل بحوارات دار الفكر، وأخرى تقف عند حقوق الملكية الفكرية وأثرها في تطوير الإنتاج الفكري، وثالثة تهتم بالتراث، ورابعة تتعلق بالموضوعية في الكتابة والبحث العلمي، وخامسة في نقد الشعر.. وهكذا. الكتاب على تشكيلته هذه يمثل فرادة؛ لأنه يضم عدداً من الكتّاب المشاهير الذين التفوا حول الدار، ويظهر من هم مؤلفوها، وما جهودها في النشر.