تقديم سيدي الوالد
محدث الديار الشامية الأستاذ الدكتور نور الدين عتر
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وآله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد ثبت في الحديث الشريف عنه ^ أنه قال: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين بغرس يستعملهم في طاعته».
ولعل ابنتنا الدكتورة راوية أن تكون راويةً ــ وفقها الله تعالى ــ ممن شملتهم هذه البشرى الجليلة، فقد نشأت منذ نعومة أظفارها على العبادة وحب العلم والاجتهاد في تحصيله، وبرزت شخصيتها بين زميلاتها في الصف بحسن التفهم لمادة الدرس والتجاوب مع معلماتها، حتى قد وُكل إليها إلقاء بعض الدروس، فنجحت في ذلك نجاحاً باهراً، ولما تجاوز السنة الثانية في الثانوية الشرعية. واستمرت على خط التفوق بالدرجة الأولى في جميع الامتحانات: امتحانات الشهادات، والامتحانات الانتقالية، حتى تخرجت في كلية الشريعة بالدرجة الأولى، وكذا في امتحان السنة التمهيدية لمرحلة الماجستير، حتى ناقشت أطروحتها بتقدير ممتاز.
والجدير بالذكر أن هذا التفوق المميز والمستمر ما زادها إلا مزيداً من التواضع ولين الجانب وسموّ الخلق. وهي تتمثل خُلُق جدها الجليل فضيلة شيخنا الإمام الشيخ عبد الله سراج الدين، رحمه الله تعالى، وكان فضيلته يوليها اعتناءه البالغ، ويدعو لها كثيراً لما يلمح فيها من جودة الفهم الدقيق، ومكارم الأخلاق والآداب، وكانت كثيرة الزيارة له مع والدتها مما ضاعف انتفاعها به، رحمه الله تعالى وأجزل عنا وعنها مثوبته.
وكان من توفيق الله ? لابنتنا إنجازها هذه الأطروحة: (مكانة الشيخين في السنة)، وكنت أشرت عليها بهذا الموضوع؛ لما لشيخي الصحابة: الصِّديق، والفاروق ــ رضي الله عنهما وأرضاهما ــ من المكانة السامقة والمقامات العلية؛ فهما خير البرية بعد الأنبياء والمرسلين لهداية البشرية، فبيان رفعة مكانتهما وسمو صفاتهما بيانٌ للاتباع الأمثل لمبعوث الهداية الربانية. وإن حاجة المسلم للقدوة الحسنة تجعل لزاماً عليه أن يتعرف ــ بعد شمائل رسول الله ^ ــ إلى خصال أصحابه ومناقبهم؛ فهذا مما يسرج المصابيح التي تنير القلوب لمعرفة معاملة علام الغيوب، وليتبوأ أهل الكمال المنزلة اللائقة لهم في القلوب.
وقد استطاعت بحذق يراعها ولطف حسها؛ أن تجتذب القارئ بسهولة اللغة وسلامة الأسلوب، مع وقوفها في الجوانب العلمية الدقيقة وقفة تحقيق وتدقيق؛ مما ينور عقل القارئ وقلبه.
أسأل الله تعالى أن ينور حياة المسلمين أجمعين بهدي سيد المرسلين وصحابته الأكرمين.
13 ربيع الأول 1437 هـ.
وكتبه خادم القرآن والحديث
أ . د. نور الدين عتر
?
تقديم الدكتور بديع السيد اللحام
رئيس قسم علوم القرآن والسنة
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى...
وبعد:
إِنَّهما العُمَرانِ...
نَهَلا مِنَ المَعينِ الرَّقراقِ الصَّافي، أَعْني مَعينَ النُّبوَّةِ، وَكانا كَفَرَسي رِهانٍ في المسارعَةِ إلى ما يرضي الرَّحمنَ، استِجابَةً لِتَوجِيهاتِ رَسولِ اللهِ ^، بِعَزيمةٍ صَادِقةٍ وعَمَلٍ مُخْلِصٍ، إلى أنْ أَصْبَحا مِنْ راشِدي الخُلَفاءِ، أَصْحابِ السُّنَّة المُتَّبَعةِ بأَمْرِ مَنْ لا يَسَعُ المُسْلِمَ مُخالَفَةُ وَصيَّتِه، فعَنِ العِرْباضِ بنِ ساريَةَ ? قالَ: صَلَّى بِنا رَسولُ اللهِ ^ ذاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنا، فَوَعَظَنا مَوْعِظَةً بَليغَةً ذَرَفَتْ مِنْها العُيونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ، فَقالَ قائِلٌ: يا رَسولَ اللهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ موَدِّعٍ ، فَماذا تَعْهَدُ إِلَيْنا، فَقالَ : «أوصيكُمْ بِتَقْوَى الله، والسَّمْعِ والطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشيّاً، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدي فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفاءِ المَهْديّينَ الرَّاشِدينَ، تَمَسَّكوا بِها، وَعَضّوا عَلَيْها بِالنَّواجِذِ، وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ»( ).
لقد كانَت سيرَة أَبي بَكرٍ وعُمَرَ صفحَةً يتَلألأ بياضُها، مُستقيمةً لا ترى فيها عِوجاً، تَسْتَحِقُّ لسَدادِها واستِقامَتِها أَنْ تَكونَ مَنْهجاً موصِلاً لما فيه الخيْرُ والنَّجاحُ، بَلْ إِنَّني لَنْ أُغاليَ إِذا قُلْتُ: إِنَّهما لُبُّ اللُّبابِ مِنَ الأَصْحابِ، وخُلاصَةُ الخُلاصَةِ مِنَ الذينَ صَدَقوا ما عاهَدوا...، ولم يمرَّ، ولَنْ يمُرَّ على تاريخِ البَشريَّةِ ــ بعدَ المُخْلَصينَ مِنَ الأَنبياءِ ــ لَهُما شَبيهٌ.
اصَطَفاهُما حَبيبُ الخَلْقِ وخَليلُ الحَقِّ ^، فَكانا لَهُ خَيْرَ ظَهيرٍ ونِعْمَ الصَّفْوةِ، ويكْفي في هَذا المقامِ أَنْ أُثْبِتَ شَهادَةَ المُرتَضى عليٍّ كرم الله وجهه بذلك، فقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخانِ( ) عَنِ ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ ? يَقولُ: وُضِعَ عُمَرُ [يوم وفاته] عَلَى سَريرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ، يَدْعونَ وَيُصَلّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنا فيهِم، فَلَمْ يَرُعْني إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبي، فَإِذا عَليُّ بنُ أَبي طالِبٍ ?، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقالَ: ما خَلَّفْتَ أَحَداً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وايْمُ اللهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ أنّي كُنْتُ كَثيراً أَسْمَعُ النَّبيَّ ^ يَقولُ: «ذَهَبْتُ أَنا وَأَبو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنا وَأَبو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنا وَأَبو بَكْرٍ وَعُمَرُ».
بل إِنَّ النَبيَّ ^ كانَ يَشهَدُ عنهما في غيابِهِما بِصِدْقِ حَديثِه( ) وكَفى بها مِن منْقَبةٍ.
لقَد كانَ أبو بكر عبد الله العتيق والصديق الأكبر، أولَ مَنْ شَهِدَ شَهادَةَ الحَقِّ، وبَذلَ عَن طيبِ نَفْسٍ كلَّ نَفيسِ، فلا يُسْبَقُ في هذا المِضمارِ ولا يُجارى.
وكانَ أبو حَفْصٍ عُمرُ الفاروقُ أولَ مَنْ أَظْهرَ دَعْوَة الحقِّ وصَدَح بها بين ظَهراني المستكبرينَ مِن أَهْلِ الجاهِليَةِ القائلينَ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? [فصلت: 41/26].
وبعْدَ أَنِ اختارَ المُصْطَفى ^ جوارَ المَولى الكريم، قامَ الصِّديقُ بحَمْلِ الرايَة، فَكانَ الرَّجُلَ الرَّجُل الذي لم تَسطِعْ مُدلهمَّاتُ الخُطوبِ أَنْ تثْنيَ عَزْمَه عَنْ مُتابَعَةِ السَّيْرِ على خُطا الحَبيبِ، فلَم يَحِدْ عنْ درْبِه قيْدَ شَعْرَةٍ، مُعبِّراً عن نهجِه السَّويِّ هَذا بِقَوْلِه: «ما كُنْتُ لأَحُلَّ عُقْدَةً عَقَدَها رَسولُ اللهِ^ »( ) فأبانَ عَن قَناةٍ لا تَلينُ في وَجْهِ الأَعاصيرِ، وَكانَتْ تِلْكُمُ الكَلِمة مُعبِّرةً أَدَقَّ تَعبيرٍ عن صِدْقِ المُتابَعَةِ لِطريقٍ رسَمَ حُدودَه رَسولُ اللهِ ^...
نَعَمْ لقَدْ صَدَقَ الله تَعالى وأَخْلَصَ لَه، فأَيَّده المولى بِنَصْرِه وأمَدَّه بِمَددِه... وشَدَّ عَضُدَه بأَخيه الفاروق، فَكانَ نِعْمَ المُسْتَشار ونِعْمَ القاضي، فَلَم يَتَوانَ عَن صِدقِ المَشورَةِ، وعَدلِ القَضاءِ... حتَّى إِذا آلَ الأَمْرُ إِليهِ لم يكنْ هناكَ عَبْقَريٌّ يَفْري فَريَّهُ، وكانَ أنْ فَتحَ اللهُ عَلى يَدَيْه القبلَةَ الأوْلى، ومَسَرى النَّبي ^، (بيتَ المقدس) فدَخَلَه بِتَواضُعٍ وسَكينةٍ، دُخولاً يُحاكي دُخولَ النَّبيِّ ^ إلى مكَّة المكرَّمةِ، فكانَ ذَلك الدُّخولُ إيذاناً باسْتِقْرارِ عمودِ الإيمانِ في بِلادِ الشَّامِ الذي لَنْ يُرْفَعَ مِنْها إِلى أَنْ يَرِثَ اللهُ الأَرضَ وَمَن عَليها، كما كانَ فَتْحُ مكَّةَ إِيْذاناً بتطهير البَيتِ الحَرامِ مِن رِجْسِ الأَوثانِ...
أيها القارئ الكريم: إنَّ ما صوَّرتُه لَكَ في هَذِه الكُليماتِ عَنْ عِمْلاقيِ الإِسلامِ ليسَ نَسْجَ خَيالٍ، ولا وَهْمَ واهِمٍ، لأَنَّ ما ستُطالِعَهُ في طيَّاتِ هذا البَحْثِ العِلميِّ الجاد ــ الذي سطَّرَتْه يَراعُ سَليلَةِ بيْتِ العِلْمِ والوَرَعِ، بل سَليلَةُ بيتِ النُّبوَّةِ ــ مِنْ بيانٍ وتَحليلٍ لِسيرَةِ ومَناقِبِ شَيْخَي الإسلامِ وَما تَبِعَ ذَلكَ مِنْ تَسْليطِ الضَّوءِ على أَعَمالِهما؛ لَدليلٌ ساطِعٌ على ما أَلْمَحْتُ إِلَيهِ في هَذِه العُجالَةِ.
لقد عَهِدتُ الأُختَ الفاضِلَةَ الدكتورة راوية عتر ــ حفظها الله ــ مُحقِّقةً في مضمارِ البَحثِ العِلميِّ الجادِّ، وهي بِحقٍّ ابنَةُ أَبيها شيخنا العلامة المحدِّث الأستاذ الدكتور نور الدين عتر حفظه الله تعالى، وَباركَ في حَياتِه وزادَ في نَفْعِه، وبرَكَتِه( ).
أَسْأَلُ اللهَ تَعالى أَنْ يَنْفَعَ بِهَذا العَمَل، وأَنْ يَفْتَحَ به آذَاناً صُمَّت عَنْ سَماعِ الحقِّ، وأَعيُناً عَميَت عن رؤْيَتِهِ، وأَنْ يَجْعلَهُ نوراً تَرجو بِهِ الأُختُ الباحِثَةُ النَّجاةَ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? [الشعراء: 26/88- 89].
وكتب
د. بديع السيد اللحام
المقدمة
?
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمد ــ خاتم الأنبياء والمرسلين ــ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:?
فإن الصحابة هم الجيل الرباني الذين آمنوا برسول الله ^، وآزروه ونصروه، واختصهم الله ? بشرف صحبة نبيه، وإقامة شرعه.
أحياهم النبي بالقرآن، وزكّاهم فأحسن تزكيتهم، وأدّبهم فأكمل أدبهم، حتى بلغ بهم أقصى ما يبلغه السمو الإنساني، وغاية الكمال البشري المقدَّر لغير الأنبياء، فصاروا أتقى الناس وأنقاهم، وأعدلهم وأزكاهم.
ولذلك كان من أهم الواجبات العلمية والفروض الإيمانية: الاهتمام بالتراث الأصيل المتعلق بصحابة سيد المرسلين ^، وبيان ما ورد في فضلهم ومناقبهم بياناً علمياً، موزوناً بضوابط علوم الحديث، وتوضيحه حسب مقاييس المحدثين والمقاييس العلمية في التوثيق والشرح.
ومما لا يخفى على طالب علم المكانة التي يتبوؤها شيخا الصحابة: أبو بكر الصِّديق وعمر الفاروق ــ رضي الله عنهما وأرضاهما ــ فهما في القمة بين الصحابة خير الأمم، ولهما النصيب الأوفى من الصحبة النبوية والمقامات العلية، وقد كتب لهما أن يكونا خير من اتَّبع سيد المرسلين ^، وتشرَّفا بوزارته وخصوصية صحبته، وكانا أول من صنع التاريخ الإسلامي بعد الوفاة النبوية، ووضعا شارات النور ومعالم الهدى خلال رحلتهما في التاريخ؛ لذلك كان التشرف بالكتابة عنهما من أهم أبواب معرفة السنة النبوية المطهرة، والاطِّلاع على علوم شتى مستقاة من مشكاة النبوة، مما لا بد للمسلم أن يعلمه ويعمل به، في قلبه وقالبه، وحاله وقاله.
أهمية البحث والجديد فيه:
1 ــ إن دراسة صفات الصِّديق والفاروق ومناقبهما تعدُّ دراسةً لأنموذج حيّ عن تطبيق كتاب الله تعالى، وسنّة نبيّه ^.
2 ــ إن الصحابة إجمالاً، والصِّديق والفاروق خصوصاً، نقلة الدين، وأُمناء الوحي، وأول من قام بأمر الله ورسوله؛ لذلك أصبحوا غرضاً لأعداء الدين، فكانت الكتابة ــ عن الصحابة عموماً والشيخين خصوصاً ــ جلاءً لحقائق من أهم الحقائق الدينية، وإبرازاً لمعانٍ هي من صلب الإيمان.
3 ــ حاجة المسلم للقدوة والأسوة الحسنة تجعل لزاماً عليه ــ بعد دراسة شمائل رسول الله ^، وخصاله الشريفة ــ أن يفقه ويعلم شمائل أصحابه وخصالهم ومنزلتهم.
4 ــ هذه الأطروحة ــ حسب اطلاعي ــ هي أول مؤلَّف يهتمّ بمناقب الشيخين وصفاتهما وشمائلهما، على ما سأوضح في منهج البحث، في حين أن المؤلَّفات السابقة هي عبارة عن كتابة تتناول سيرة الحياة، وتاريخ الحوادث؛ فتجد في هذا البحث جمعاً لنفائس من مزاياهما لا يوجد في مؤلفات أُخر.
5 ــ على الرغم من أن المكتبة الإسلامية في وقتنا الحاضر تزخر بمؤلفات عن أحد الشيخين، إلا أن غالبيتها تتبع أسلوب أهل الأدب والإنشاء، وتفتقر إلى السمة العلمية الموضوعية. أما المصادر القديمة فلها أسلوبها الخاص بذلك العصر؛ من سرد للنصوص دون ذكر ما يجلي غموضها، ويستنبط منها. بينما حاولت في بحثي هذا أن أجمع الأسلوب العلمي الجاد، ضمن قالب جامعي حديث مناسب لتقسيم الأفكار والموضوعات، مبيِّنةً المعنى المقصود بشكل موجز، مفصِّلةً عندما يقتضي الأمر ذلك.
6 ــ عرضت النصوص في هذا البحث وفق موازين المحدثين، وضوابط القبول والرَّد لديهم، فكان أول بحث في موضوعه خاضع لمنهج النقد الحديثي، خالٍ من النصوص المردودة في هذا الباب، وهي النصوص التي في رواتها متّهم بالكذب أو شديد الضعف.
أسباب اختيار البحث:
1 ــ الرغبة بإيفاء جزء من الدَّين العظيم للصَّديق والفاروق ?، في عنق كل مسلم، وهو المتعلق بإنزالهما منزلتهما السليمة، وتوضيح مكانتهما العظيمة عند الله ورسوله، وإيتائهما حقهما من تبيين عظيم ما قاما به في نصرة الدين، وتأييد سيد المرسلين، ^. قال تعالى: ?ژ ژ ڑ ڑ? [الأعراف: 7/85].
2 ــ إن دراسة ما لسيدَيِّ المسلمين من الفضائل والشمائل لها آثار عظيمة في نفس المسلم، وفي تربية النشء، وتنشئة جيل صالح لحمل رسالة الإسلام.
3 ــ إن التوجُّه بالحبّ القلبي الصادق للصِّديق والفاروق ?، فرض إيماني على كل مسلم، والحبّ إنما هو ثمرة للمعرفة، فما لم يتعرف المسلم على خصائص صحبتهما لرسول الله، وعلى مكانتهما عنده، وعلى كريم مزاياهما، لن يتمكن من محبتهما المحبة الإيمانية المفروضة.
4 ــ الرغبة في ردِّ شبهات علقت في بعض الأذهان؛ بتأثير من ترويج بعض الفِرَق المبتدعة، وذلك فيما يتعلق بالعلاقة بين شيخي الصحابة وآل البيت النبوي الهاشمي، وكذلك أحقيتهما بخلافة النبوة أحقيةً شرعيةً؛ أذعن لها وأقرَّ بها كل من توافر من الصحابة آنذاك، فكان لا بد من تناول هذه الأمور بشيء من التوضيح يتناسب مع المقام.
5 ــ عامل شخصي، وهو الحبُّ المتأصل في أعماق القلب للعظيمين؛ وزيري رسول الله ^؛ اللذين كانا بحقٍّ هبةً إلهية، ومعجزةً من معجزات الرسول الأعظم، وبرهاناً لقدرة الإسلام على إنجاب أهل الكمال، فكانت الكتابة عنهما ليست مجرد واجب علمي، إنما سموّاً لأسمى عوالم البشر، واستجابة لشوق لا ينضب، وتقدير لا يوصف، ولو أفرغت ما جاش في القلب لما كَفَتْ آلاف الصفحات، لكن البحث الجامعي ــ حسب إرشادات أستاذي المشرف حفظه الله ــ لابد فيه من التزام الأسلوب العلمي الرصين الجاد، فامتثلت لتعليماته، جزاه الله عني وعن طلبة العلم خير الجزاء.
منهج البحث في هذه الأطروحة:
يقوم منهج البحث في هذه الأطروحة على استقراء نطاق معين من مصادر رواية الحديث الشريف، ثم انتقاء الأحاديث المعبرة عن مكانة الشيخين ومنزلتهما، ثم تصنيفها في أبواب حسب مدلولها، والكلام عنها بما يناسب، من مصادر ومراجع لشروح الحديث النبوي، وكذلك الكتب المتعلقة بالموضوع.
ويجدر التنويه إلى أن محور التركيز في هذا البحث هو: بيان منزلة أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق ?، وبيان أفضليتهما وسموّ مكانتهما، كما يظهر من العنوان؛ لذلك لم أتّبع فيه طريقة علماء السيرة والتاريخ في سرد الأحداث متسلسلة، ولا أسلوب أهل الأدب والإنشاء في سرد الجمل وإثارة العاطفة؛ بل أوردت النصوص المتعلقة بالفكرة، وخرجتها من مصادرها مبينة درجة قبولها أو عدمه، ثم قمت باستنتاج ما يستنبط من النصّ، من خلال المراجع المناسبة، متوخية سهولة العبارة، وبساطة الأسلوب، وقد أنقل حرفياً عندما يستدعي الأمر ذلك.
نطاق البحث:
من المعلوم أن النصوص الواردة فيما يبين مكانة شيخي الصحابة ــ أبي بكر وعمر ? ــ هي وافرة العدد، ضخمة الكم، فلو استوعب البحث كلها لاستغرق الآلاف من الصفحات، ولاحتاج عدداً من الأعوام؛ لذلك كان لا بد من تحديد نطاق البحث، وهو كما يلي:
تم جمع الأحاديث( ) من مصادر الأحاديث العامة:
المجامع، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، والمصنفات، وسيرة ابن إسحاق.
أما كتب الأجزاء المختصة بموضوع معين، أو جزئية خاصة، فغير معنية هنا إلا ما كان في الأصل من صلب الموضوع؛ مثل: كتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل، وفضائل الصحابة للدارقطني.
لكن في حالات محددة خرجت عن هذا النطاق؛ وهي:
المبحث الأول من ترجمة كل من الشيخين، وهو عن سيرة كل وصفاته، فهاهنا لا بد من العودة إلى كتب الطبقات والتاريخ، بشكل مختصر يبين أصل الموضوع.
وكذلك ثمة مسائل تتعلق بنقاط أساسية من البحث؛ فكان من الأفضل العودة إلى مراجع أخرى لبيان المعنى المطلوب، وهي: أسبقية الصِّديق بالإسلام، وقصة إسلام الفاروق. وكذلك حروب الرِّدة في عهد الصِّديق، واستخلاف الصِّديق للفاروق، وجهود الفاروق في الناحية الاقتصادية المالية؛ وذلك لكون هذه المسائل أساسية في بيان رفيع مكانة الشيخين، وتميزهما فيها.
منهج الانتقاء والاختيار:
وينحصر في أمور:
أولاً: اقتصر اختياري على النصوص التي تبيّن مكانة الشيخين ومنزلتهما ــ بعد تعريف بأهم ملامح شخصيتيهما ــ، فهذا موضوع الأطروحة، وليس المطلوب كتابة تاريخ حياتيهما، أو أحداث وجودهما، إنما ما يهمنا هنا هو بيان ما يعدُّ منقبةً لهما، وفضيلة تبين سموّ قدرهما. ويحسن تشبيه ذلك بكتب الشمائل( )؛ فهي تختلف عن كتب السيرة؛ فموضوع كتب الشمائل خصائص وصفات، تبين رفعة المقام وسموه. أما موضوع كتب السيرة؛ فهو مجريات وأحداث حياة رسول الله ^.
ثانياً: وزعت النصوص الواردة على أفكار أساسية، تنبثق عنها نقاط فرعية، واكتفيت بذكر حديث أو اثنين لكل من هذه النقاط، إلا إن اقتضى الأمر أكثر من ذلك، وهو نادر. فلم أستوعب جميع النصوص الواردة في نطاق البحث المذكور؛ لئلا تتحول الأطروحة إلى سِفرٍ ضخم يصعب تصنيفه، بل قراءته بإمعان.
ثالثاً: الأولوية في اختيار النص للأقوى إسناداً؛ ومن ثم فأحاديث الصحيحين مقدَّمة على غيرها، وأحاديث الكتب الستة عموماً لها الأولوية.
طريقة التبويب:
إن ما كان مدلوله أقرب على التعبير عن صفة راسخة، أو خصلة تميز المرء، وضعته ضمن باب الترجمة؛ إذ ترجمة المرء تعبر عن هويته، وميزات كيانه النفسية والجسدية.
أما ما كان مدلوله أقرب لأن يكون فعلاً أو عملاً، أو أدى إلى أفعال وأعمال؛ فهو ضمن باب المناقب: مناقب الصِّديق، مناقب الفاروق.
وهنا لابد من التداخل، والأمر تقريبي، ويختلف الاجتهاد فيه، وقد حاولت جاهدة الالتزام بما سبق، حسب المعنى الأقرب والمتبادر أولاً، وكذلك الأمر بالنسبة للعناوين، التي تدخل ضمنها النصوص.
ومما سبق يتبين أن منهج البحث الاستقراء، ثم الانتقاء، والوصف التحليلي.
لا يخفى على طالب العلم المكانة التي يتبوؤها شيخا الصحابة: أبو بكر الصِّديق وعمر الفاروق ـ رضي الله عنهماــ حيث كانا أول من صنع التاريخ الإسلامي بعد الوفاة النبوية، ووضعا شارات النور ومعالم الهدى خلال رحلتهما في التاريخ.
وعلى الرغم من أن المكتبة الإسلامية تزخر بمؤلفات عن الشيخين، إلا أن غالبيتها تتبع أسلوب أهل الأدب والإنشاء، وتفتقر إلى السمة العلمية الموضوعية. وهو الأمر الذي يتميز به هذا الكتاب .ويعتبر أول مؤلَّف يهتم بمناقب الشيخين وصفاتهما وشمائلهما .
لا أحد ينكر مكانة الصحابة في قلوب المؤمنين، وخصوصاً قدر الشيخين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما، وجهادهما وبلاءهما في الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده.
ولئن كان ذلك معروفاً، فقد توفرت المؤلفة في كتابها هذا، على دراسة خصصتها لمكانتهما في السنة النبوية.. من أجل توفية حقوقهما.
ذكرتْ سيرة كل منهما وصفاته الذاتية والدينية ومكانته، وأفضليته قبل خلافة كل منهما وبعدها.. كما ذكرت فضائلهما مجتمعين خلال صِلاتهما بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبعدما انتقل إلى الرفيق الأعلى.. والبشرى بخلافتهما.
وركزت المؤلفة على واجبات المسلم وعقيدته؛ تجاه الصحابة عموماً وتجاه الشيخين خصوصاً.
وختمت بموضوع مهم؛ وهو علاقتهما رضي الله عنهما بآل البيت في مسائل دقيقة.
الكتاب يبين الحيّز الذي شغله هذان الصحابيان الجليلان في خدمة الإسلام، وتثبيت الدولة، والعقيدة الإيمانية المتعلقة بهما!!
هذا الكتاب يبرز أثر الصحابيين الجليلين؛ أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنهما، في الاهتمام بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحلل سيرتهما ومناقبهما.. ويقتصر على النصوص التي تبين مكانتهما.
صدَّرت المؤلفة كتابها بالحديث عن أهمية البحث والحديث فيه، وأسباب اختياره ومنهجه..
ثم قسمت الكتاب إلى خمسة أبواب؛ ترجمت للصدّيق رضي الله عنه في الباب الأول؛ فذكرت سيرته وصفاته الذاتية فالدينية ثم مكانته وأفضليته.. وخصصت الباب الثاني لمناقبه قبل الخلافة وبعدها. وتناولت في الباب الثالث ترجمة الفاروق رضي الله عنه في سيرته وصفاته ومقامه، لتأتي في الباب الرابع على مناقبه قبل الخلافة وبعدها. وختمت في الباب الخامس الأخير بفضائل الشيخين مجتمعين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في فضائلهما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، والبشرى بخلافتهما، ثم الواجبات الإيمانية تجاههما. واستكملت الباب بذكر فضائل آل البيت، والصلة المتينة العميقة بين الشيخين وبينهم، وردت على شبهات في الموضوع، وتعرضت لمسألتين؛ الأولى بيعة علي بن أبي طالب للصديق رضي الله عنهما، والثانية موقف الشيخين من المطالبة بميراث النبي صلى الله عليه وسلم.
وذيلت المؤلفة كتابها بذكر المراجع والمصادر