السؤال: هل يجوز للمسلم إخفاء الأنشطة الاقتصادية، والموارد المالية له، للحصول على المساعدات الاجتماعية من المؤسسات الرسمية والأهلية؟
الجواب: شرع الإسلام عدة وسائل لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتطبيق التكافل بين الناس، وإظهار التضامن عند الحاجة والأزمات، ونذكرها إجمالاً:
1- الزكاة: وهي حق معلوم للفقراء في مال الأغنياء، وهي فرض ديني، وأحد أركان الإسلام، وجاء فيها آثار كثيرة، وأحاديث عديدة، ولها شأن كبير في الحياة، وحدد القرآن الكريم مصارفها، وأولهم {الفقراء والمساكين} [التوبة: 9/60].
2- الوقف: وهو حبس العين، وإنفاق الريع في وجوه البر والإحسان، وثبتت مشروعيته في السنة، وله باب مستقل في الفقه،وسار عليه المسلمون طوال التاريخ الإسلامي، وحتى اليوم، وتسابق المسلمون من علماء وأفراد، وأغنياء وتجار، وحتى متوسطي الحال، إلى الوقف مما نرى آثاره في كل مجال.
3- الصدقات المتنوعة التي دعا لها القرآن الكريم، وأكدتها السنة النبوية، للتصدق "فيما عدا الزكاة" في وجوه الخير، بدءاً من الأقارب وذوي الرحم والجيران حتى سائر المسلمين والذين في المجتمع الإسلامي .
وقامت اليوم الجمعيات الخيرية لجمع التبرعات، وتفقد العائلات المستورة، وأصحاب الحاجة والنكبات، وتؤدي خدمات جلى، ويقاس عليها النقابات المهنية، وشركات الضمان الخيرية، والتضامن الاجتماعي.
4- بيت المال، وهو خزينة الدولة التي تبقى في حيز الاحتياط للموارد السابقة، وتغطية الحاجات المتعددة، وهو ما يعرف اليوم بالضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي وغيره من مؤسسات الرعاية الاجتماعية المعاصرة ، ويضاف إلى ذلك ما بينه الفقهاء، وطبقه المسلمون من قانون المساعدة، وقانون الضيافة، وقانون المشاركة، وقانون الماعون، وقانون الإعفاف في الزواج، وقانون الإسعاف الخيري للمرضى، وقانون الطوارئ، وقانون التعويض العائلي، والإرث، والوصية وغيرها من قوانين التكافل المعاشي في الإسلام وعند المسلمين .
وإذا عجزت الوسائل السابقة عن تحقيق أهداف المساعدات الإنسانية فيحق، بل ويجب على الدولة أن تجبر الأغنياء وأصحاب الثراء والخيرات على تقديم جزء مما لديهم لتأمين الضمان الاجتماعي .
حكم إخفاء المعلومات لطلب المساعدات الاجتماعية:
وهنا تأتي النازلة المعاصرة، والمشكلة المعقدة، في سعي بعض الناس لتقديم أوراق مزورة، أو غير صحيحة، أو مبالغ فيها، مع إخفاء المعلومات المتعلقة به، ككونه موظفاً، أو عاملاً، أو كون زوجته موجودة، أو أحد أبويه أو كلاهما على قيد الحياة، أو أنه لا يحصل على دعم، أو مساعدة من جهة أخرى، أو أن يغير في إيصالات الرسوم لمدارس أولاده، أو للجامعة، أو للضرائب أو أجرة البيت، أو أجور المعالجة الطبية، وبالتالي يحصل على مساعدة أكبر مما يستحق أو يحتاج، أو على مساعدة لا يستحقها أصلاً، ولا يحتاجها.
والحكم الشرعي أن جميع هذه الوسائل محرمة، وأن صاحبها آثم، ويستحق العقاب في الدنيا والآخرة، وأن المال الذي يحصل عليه حرام وسحت.
والأدلة على ذلك كثيرة، أهمها:
1- إن هذه الأعمال كذب وافتراء، وهذا من أكبر الكبائر في الإسلام.
2- إن ذلك خديعة وغش، وهذا حرام شرعاً.
3- إنه وسيلة للتسول والجشع وسؤال الناس فيما لا يحتاج، وورد في ذلك أحاديث كثيرة ترهب من السؤال بغير حاجة، وتنفر من الجشع والطمع، وخاصة إن كان ذلك بغير حق، وبالوسائل المحرمة، مع طلب الشرع حفظ ماء الوجه، وغنى النفس .
4- إن إخفاء المعلومات، أو تقديم أوراق غير صحيحة هو تزوير إما في الوثائق والبيانات، وإما في الأقوال، وإما في اليمين الذي يقسمه، والتزوير محرم شرعاً وقانوناً، واليمين الغموس من أكبر الكبائر.
5- إن هذه الأعمال تعد خديعة تتنافى مع الأمانة المطلوبة، وتنقض عدالة المسلم، وافتراض الثقة في أعماله.
6- إن إخفاء المعلومات، وتقديم البيانات الكاذبة، والمزورة، تؤدي إلى معاقبة الفاعل، شرعاً وقانوناً، وبالتالي فلا يليق بالمسلم والمؤمن ومن يحترم نفسه، أن يعرضها لعقاب، وقد يؤدي ذلك لاسترداد المساعدة، وإلقاء صاحبها بالسجن، وقد يعرضه للضرب، مع سوء الذكرى والعاقبة في الدنيا والآخرة.
7- إن إقدام المسلم - وخاصة في أوربا أو أمريكا - على هذه الأعمال المشينة، والمحرمة شرعاً، تعطي الناس صورة سيئة عن المسلمين، وتسيء للإسلام أيضاً، وتنفر الناس من الدين الإسلامي، وقد تؤدي لإبعاده وطرده من البلاد، أو حرمانه من العمل والمصالح الأخرى.
8- إن حصول الشخص على مساعدات لا يستحقها يحرم المحتاجين والفقراء منها، وكأنه أكل حقهم، أو أثَّر على مقدار مساعدتهم، وكذلك يرهق المؤسسات الخيرية في ميزانيتها وأعمالها، ويمنع تكافؤ الفرص أمام الناس.
9- إن الزكاة تصرف لأصناف محددة، وبشروط وصفات معينة، فإن دفعت لغير من يستحقها فلا تبرأ بها الذمة، ويجب إعادتها، وإذا كانت مؤسسةٌ ما تقوم بتوزيعها فيجب عليها التأكد من هذه الصفات والشروط والأصناف، وإلا كانت مقصرة وآثمة ومسؤولة.
10- إن الوقف غالباً يصرف للموقوف عليهم المعينين من الواقف حصراً بصفات وشروط، ويجب التقيد بذلك، وكذلك معظم الصدقات والتبرعات والمساعدات تصدر من أصحابها مقيدة لجهة معينة، وبشروط خاصة.
11- إذا كان الشخص يستحق المساعدة الاجتماعية، وأخذ زيادة في المقدار بسبب إخفاء المعلومات، أو تقديم بيانات غير صحيحة، فالزيادة حرام وإثم وسحت، لما ورد في حديث قبيصة رضي الله عنه قال: «تحملت حمالة فأتيت النبي (ص) أسأله، فقال: يا قبيصة، أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة (الزكاة) فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة: إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة (ضماناً أو كفالة أو غرماً) فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة (فقر وحاجة) حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلان فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً من عيش، أو قال سِداداً من عيش، فما سواهن في المسألة يا قبيصة، سحتاً، يأكلها صاحبها سحتاً» ، ويؤيد ذلك قوله (ص): «لا تحل الصدقة (الزكاة) لغني، ولا لذي مرة قوي» .
12- وإذا أخذ الشخص مالاً، وخاصة من الزكاة والوقف، فيجب عليه أن يرده إلى الجهة التي أخذ منها لتبرأ ذمته، لأنه لا يستحقه، وأنه أخذ مالاً من حق عليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" .
وأخيراً فقد وردت أحاديث كثيرة في وجوب العفة، والاستعفاف عن السؤال، وحرمة السؤال وكراهة الحرص على الدنيا .
ونهيب بالمسلم أن يكون صادقاً، أميناً، عفيفاً، تقياً لله تعالى، صبوراً على البلاء، بعيداً عن الكذب والغش، والخيانة، والخديعة، ومواطن التهم، أو أن يسيء لدينه بتصرفاته، وأن يكون كالشامة، داعية بعمله وسلوكه.
مفهوم الفتوى وأهميتها، وأركانها، وشروطها، وأنواعها، وضوابطها، وخاصة الفتاوى الجماعية، هذا ما يتناوله الكتاب القيم للدكتور محمد الزحيلي، فضلا عن أهم الفتاوى التي تعرض لها خلال دراسته وتدريسه في عدد من الجامعات. والتي تتناول كل جوانب حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والدينية.. مما يجعله أحد المراجع المهمة، في مجاله، لكل بيت وعائلة .
مايزال المسلمون في حياتهم بحاجة إلى الرجوع لأهل العلم، يستفتونهم فيما يجد لديهم في أمور دينهم ودنياهم من نوازل، يريدون فيها معرفة الحلال والحرام والخروج إلى الحكم الصحيح.. ولم تنقطع الفتاوى منذ عهد النبي والصحابة رضي الله عنهم، ثم العلماء العاملين. حتى صنف في الفتاوى كبار العلماء المشهورين.
ومع تغير الحياة في مستجداتها تظهر مشكلات جديدة، بتصدى لبيان حكمها العلماء، ويجدد الوقوف عليها، مما لم يكن يحدث مثله من قبل وهذا الكتاب بعض أهم الفتاوى، التي تعرض لها الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي، خلال دراسته وتدريسه في عدد من الجامعات وعلى مدى اكثر من أربعين عاماً، صنفها ورتبها بحسب موضوعاتها. وهذا أمر مفيد منه وجديد؛ ليرجع القارئ إلى الموضوع الذي يريد، وذلك فيما يتعلق بالعبادات، أو بالأحوال الشخصية، أو المعاملات المالية، أو الطب والمعالجات، أو العقيدة، أو الكفاءات، وسوى ذلك..
مما رأى ترتيبه مفيداً، لتسهيل المراجعة . قدم الفتاوى إلى ذلك بأسلوب علمي سهل وواضح.
الكتاب ضروري لكل طالب علم، ولكل امرئ مهتم بأمر دينه؛ إذ الاطلاع على الفتاوى معرفة بأحوال المجتمع الذي تصدر فيه فتاواه.