مقدّمة كتاب خطب ابن نباتة الفارقي
شهدَتْ عصور الأدب العربي حضوراً لفنّ الخطابة؛ جعلها في مقدّمة الفنون النثرية ذات الصبغة الشّفاهية، فالعصر الإسلامي يُعدّ العصر الذهبي لتطوّر الخطابة. وبمجيء العصر الأموي اتسعت موضوعات الخطابة وتطوّرت شكلاً ومضموناً،وانعكس ذلك بالدرجة الأولى على اللغة والأدب. وكانت الخطابة تمثّل ذروة البيان وعموده، لذا نجد أنّ مَنْ أحكم الخطابة فقد جاد بيانه وسهل عليه إيصال أفكاره والتأثير في سامعيه واستمالة قلوبهم إليه.. وكم رأينا في التاريخ من خطباء مفوّهين كان لهم الصّدر في الكلام، ومن الأمثلة على ذلك الحجاج بن يوسف الثقفي، وزياد بن أبيه، وواصل بن عطاء في العصر الأموي، وأبو جعفر المنصور ووزيره داود بن علي، والخليفة المأمون في العصر العباسي الأول.. وغيرهم من الخطباء المَصَاقِع. أمَّا في العصر العباسي الثاني، فقد بزغ نجم (ابن نباتة الفارقي)، موضوع دراستنا، فهو من كبار الخطباء والقادة السياسيّين الذين عرفوا بالفصاحة والبلاغة في هذا العصر. وعلى الرغم من بلاغة خطبه، وتوظيفه السياسي لها (إذْ كانَت المحرِّضَ الأول لجيوش سيف الدولة الحمداني، لقتال الروم)، لم تُدْرَس، ولم تُذْكَر إلا عَرَضاً في بعض المصادر والمراجع.. وقد يكون لهم في ذلك بعض العذر؛ لأنّ الخطابة (السياسية والاجتماعية والحَفْلِيّة) اضمحلّت تقريباً في القرن الرابع الهجري، واقتصرت على الخطابة الدينية، والخطابة الحربيّة على نحوٍ أقلّ، لأسبابٍ كثيرة.. ولأهميّة النّص الخطابي عند ابن نباتة، وما ينطوي عليه من سماتٍ وخصائص فنيّة، وما يَزْخر به من صور بيانيّة جعلَتْه في صدارة النصوص التراثية الجديرة بالبحث والدراسة، فقد رأيتُ أن أقتحم حصون هذه النصوص الخَطَابيَّة، عند هذه الشخصية الأدبية والسياسية المتميّزة، فجاءت دراستي هذه الموسومة بـ (خطب ابن نباتة الفارقي: البنية والأسلوب/ دراسة تحليلية)..
ابن نباتة الفارقي من كبار الخطباء والقادة السياسيّين، عرف بالفصاحة والبلاغة في العصر العباسي. وعلى الرغم من بلاغة خطبه، وتوظيفه السياسي لتلك الخطب؛ إذْ كانَت المحرِّضَ الأول لجيوش سيف الدولة الحمداني لقتال الروم، فإنها لم تُدْرَس الدراسة التي تستحق، ولم تُذْكَر إلا عَرَضاً في بعض المصادر والمراجع.. وقد يكون للدارسين في ذلك بعض العذر.
ولأهميّة النّص الخطابي عند ابن نباتة، وما ينطوي عليه من سماتٍ وخصائص فنيّة، وما يَزْخر به من صور بيانيّة جعلَتْه في صدارة النصوص التراثية الجديرة بالبحث والدراسة جاء هذا البحث ليغطي الحاجة إليها. وكذلك للحاجة الملحّة في قراءة تراثنا النثري العربي، ولا سيما الخَطابيّ، وتعرُّف معانيه ومضامينه، وأساليبه.
والبحث يعرّف كذلك ببلاغة ابن نباتة وجودة قريحته، ووظائف خطبه (التأثيريّة، والتعبيريّة، والسياسيّة، والجماليّة)، فضلاً عن الهيكل والبناء الفكري، هذا وقد حاول البحث تتبع الدلالات المتنوّعة، من نفسية، أو فكرية، أو فنية، وتتبع الجماليّات التي تقف وراء هذه الانزياحات لدى الخطيب.