تخطي إلى المحتوى

التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج 1 - 17

20% خصم 20% خصم
السعر الأصلي $250.00
السعر الأصلي $250.00 - السعر الأصلي $250.00
السعر الأصلي $250.00
السعر الحالي $200.00
$200.00 - $200.00
السعر الحالي $200.00
إنه تفسير للقرآن بالقرآن والسنة الشريفة،جمع فيه المؤلف العلامة الدكتور وهبة الزحيلي كل التفاسير واختار الثابت منها، فسر المفردات،وأعرب الضروري ،وبين مواطن البلاغة في الآيات،ووضح الأحكام الشرعية،ومقاصد الآيات والسور،وأسباب النزول،والقراءات المتواترة للايات،واستخلص فقهاً للحياة،أُلحق بالكتاب فهارس موضوعية شاملة

المؤلف
التصنيف الموضوعي
11600 الصفحات
24*17 القياس
2018 سنة الطبع
978-9933-10-565-5 ISBN
17.89 kg الوزن

مقدمة الطبعة الجديدة:

أحمدك يا رب ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، حمداً يوافي مزيد نعمك، ويكافئ فضل إحسانك، سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأصلي وأسلم على الحضرة النبوية التي ترجمت معاني القرآن الكريم ورسالة الإسلام إلى واقع عملي ملموس، أوجد أمة من العدم، وحدد لها مزايا دينها، وخصائص شريعتها، ورسم لها آفاق المستقبل البعيد إلى يوم القيامة، حتى تحافظ على وجودها، وتحمي نفسها من الضياع أو الذوبان أو الانحراف عن جادة الهدي الإلهي الرشيد، وبعد:

فهذه طبعة جديدة للتفسير المنير، هي الثانية في عرف دار الفكر بدمشق لما اشتملت عليه من زيادات وتنقيحات، وإضافة القراءات المتواترة التي نزل بها الوحي الإلهي أعظم نعمة كبرى على البشرية جمعاء، وعلى المسلمين بنحو خاص، وهي الطبعة السابعة بتكرار طبعات هذا التفسير، مع العناية في كل طبعة بما يتطلبه التصحيح والتعديل في خضم المعلومات الكثيرة فيه.

وإني لمدين لفضل الله جل جلاله، وواثق من تلقي المسلمين قاطبة في المشارق والمغارب لهذا التفسير بالقبول الحسن، وآية ذلك أنني وجدته مقتنى في البلاد المختلفة العربية والأجنبية، وأنه ترجم إلى التركية، ويترجم الآن إلى الماليزية، وطبع فيها بعض الأجزاء، وتصلني رسائل وهواتف من كل مكان مشحونة بعبارات الإعجاب والدعاء لي بأحسن جزاء: ((جزاك الله خير الجزاء)).

وأسباب ذلك واضحة لكل من يقارن بين هذا التفسير وما سبقه من تفاسير قديمة شاملة ومتوسطة ومختصرة، وتفاسير حديثة ذات مناهج متنوعة، فيظهر فيه الشمول والإغناء والإحاطة بكل ما يتطلبه القارئ من لغة، وإعراب، وبلاغة، وتأريخ، وتوجيه، وتشريع، وتفقيه في الدين، مع التزام الاعتدال والتوسط في البيان دون استطراد.

وأؤكد في هذه الطبعة على منهجي في التفسير وهو الجمع بين المأثور والمعقول، المأثور في السنة النبوية وأقوال السلف الصالح، والمعقول الملتزم بالأصول المعتبرة وأهمها ثلاثة:

1- البيان النبوي الثابت، والتأمل الدقيق جداً في مدلول الكلمة القرآنية والجملة وسياق الآية وسباقها وأسباب نزولها، وعمل المجتهدين وكبار المفسرين والمحدثين وثقات أهل العلم.

2- رعاية وعاء القرآن الكريم الذي احتضن آي كتاب الله المعجز إلى يوم القيامة وهو اللغة العربية في أرفع أسلوب، وأعلى بيان، وأبلغ كلام، جعل القرآن متميزاً بالإعجاز البياني والعلمي والتشريعي واللغوي وغير ذلك، حيث لا يجاريه في أسلوبه ومنهاجه كلام آخر، ومصداق ذلك قول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 17/88] أي معيناً.

3- تمييز الآراء والأقوال في مختلف التفاسير بالاحتكام إلى مقاصد الشريعة الغراء، أي الأسرار والغايات التي ترمي الشريعة إلى تحقيقها وتأصيلها.

ويعبر عن هذا المنهج الذي التزمته وهو الجمع بين المأثور والمعقول الصحيح قول الله سبحانه: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 16/44] فالجملة الأولى توضح مهمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبيان والتأويل والتطبيق العملي في مظلة المدرسة النبوية وصياغة أسلوب حياة الأمة المسلمة، والجملة الثانية تبين مدى التفاعل مع كتاب الله بتفكر المخاطبين بهذا البيان تفكراً سديداً، وتأملاً عميقاً، وإبداء رأي حصيف ينبع من التبحر في علوم الإسلام وإدراك ألوان البيان في اللغة العربية، ويحقق بحسب الاجتهاد المستطاع مقتضى مراد الله تعالى.

ويؤكد مضمون هذه الآية الكريمة قول النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وتابعيه وحزبه - فيما رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن مَعْدِيكَرِب رضي الله عنه -: ((ألا إني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه..)) أي إنه أوتي القرآن وحياً من عند الله تعالى، وأوتي من البيان مثله، فيعم ويخص ويزيد عليه، ويشرع ما ليس في الكتاب، فيكون ذلك في وجوب العمل به ولزوم قبوله، كالظاهر المتلو من القرآن، كما قال الخطابي في معالم السنن، أي إن السنة النبوية تجاور القرآن وتخدمه، أسأل الله تعالى أن يحقق مزيد النفع بهذا التفسير، ويجعله في ميزان الحسنات والعمل الصالح، والله يتقبل من المتقين.

أ. د. وهبة مصطفى الزحيلي

مقدمة الطبعة الأولى:

الحمد لله منزل الكتاب على قلب محمد النَّبي الأمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين. وبعد:

فإنه لم يحظَ كتاب في الوجود بعناية مثلما حظي به القرآن الكريم، الذي كتبت حوله مئات الكتب، وسيظل مورد العلماء، وهذا بالتالي كتاب اصطفيتُ فيه من العلوم والمعارف والثقافات المستقاة من معين القرآن الكريم الذي لا ينضب، ما هو لصيق الصلة بحاجات العصر، ومتطلبات التثقيف، بأسلوب جلي مبسَّط، وتحليل علمي شامل، وتركيز على الغايات والأهداف المنشودة من تنزيل القرآن المجيد، ومنهج بعيد عن الإطالة المملّة، والإيجاز المخلّ الذي لا يكاد يفهم منه شيء لدى جيل بعدوا عن اللسان العربي في طلاوة بيانه، وأعماق تراكيبه، وإدراك فحواه، وكأنهم أصبحوا - بالرغم من الدِّراسات الجامعية المتخصصة - في غربة عن المصادر الأصيلة، والثروة العلمية العريقة في شتى العلوم من تاريخ وأدب وفلسفة وتفسير وفقه وغيرها من العلوم الإسلامية الكثيرة الخصبة.

فكان لا بدّ من تقريب ما صار بعيداً، وإيناس ما أصبح غريباً، وتزويد المسلم بزاد من الثقافة بعيدة عن الدّخيل كالإسرائيليات في التفسير، ومتفاعلة مع الحياة المعاصرة، ومتجاوبة مع القناعة الذاتية، والأصول العقلية، والمرتكزات الفكرية السليمة، وهذا يقتضينا تمحيص المنقول في تفاسيرنا، حتى إن منها - تأثراً بروايات إسرائيلية - أحدث شرخاً غير مقصود في عصمة بعض الأنبياء، واصطدم مع بعض النظريات العلمية التي أصبحت يقينية الثبوت بعد غزو الفضاء، واتساع ميادين الكشوف العلمية الحديثة، علماً بأن دعوة القرآن تركزت على إعمال العقل والفكر وشحذ الذهن وتسخير المواهب في سبيل الخير، ومحاربة الجهل والتخلف.

وهدفي الأصيل من هذا المؤلَّف هو ربط المسلم بكتاب الله عزّ وجلّ ربطاً علمياً وثيقاً؛ لأن القرآن الكريم هو دستور الحياة البشرية العامة والخاصة، للناس قاطبة، وللمسلمين خاصة، لذا لم أقتصر على بيان الأحكام الفقهية للمسائل بالمعنى الضيق المعروف عند الفقهاء، وإنما أردت إيضاح الأحكام المستنبطة من آي القرآن الكريم بالمعنى الأعم الذي هو أعمق إدراكاً من مجرد الفهم العام، والذي يشمل العقيدة والأخلاق، والمنهج والسلوك، والدستور العام، والفوائد المجنية من الآية القرآنية تصريحاً أو تلميحاً أو إشارةً، سواء في البنية الاجتماعية لكل مجتمع متقدم متطور، أم في الحياة الشخصية لكل إنسان، في صحته وعمله وعلمه وتطلُّعاته وآماله وآلامه ودنياه وآخرته، تجاوباً في المصداقية والاعتقاد مع قول الله تبارك وتعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 8/24].

- إنه الحق سبحانه وتعالى ورسول الحق في هذه الآية اللذان يدعوان كل إنسان في هذا الوجود إلى الحياة الحرة الكريمة الشريفة بكل صورها ومعانيها.

- إنه الإسلام الذي يدعو إلى عقيدة أو فكرة تحيي القلوب والعقول، وتطلقها من أوهام الجهل والخرافة، ومن ضغط الوهم والأسطورة، وتحرر الإنسان من العبودية لغير الله، ومن الخضوع للأهواء والشهوات، ومن طغيان المادة القاتلة للشعور الإنساني السامي.

- إنه القرآن الذي يدعو إلى شريعة العدل والحق والرحمة العامة بالإنسانية، ويدعو إلى منهج سليم للحياة والفكر والتصور والسلوك، وإلى نظرة شاملة للوجود توضح علاقة الإنسان بالله تعالى وبالكون والحياة.

وهي دعوة قائمة على العلم والمعرفة الصحيحة والتجربة، والعقل والفكر الناضج الذي لا يفتر من كدّ الذهن وتشغيل المدارك، والنظر في هذا الكون سمائه وأرضه، براً وبحراً وجوّاً، وهي دعوة أيضاً إلى القوة والعزة والكرامة والثقة والاعتزاز بشريعة الله، والاستقلال، مع الاستفادة من علوم ومعارف الآخرين؛ لأن العلم ليس حكراً على شعب دون شعب، وإنما هو عطاء إنساني عام، كما أن تحرير الإنسان وتحقيق إنسانيته العليا هدف إلهي عام، يعلو على مصالح الطغاة والمستبدين الذين يحاولون مصادرة إنسانية الإنسان من أجل الإبقاء على مصالحهم الخاصة، واستعلائهم على غيرهم، وتسلطهم على بني البشر.

ولن يتأثر الاعتقاد بأصالة دعوة القرآن الخيِّرة هذه إلى الناس كافة، بما يُوضع أمامها من عراقيل، أو يُبث حول جدارتها من شكوك أمام النهضة الحضارية المادية الجبارة؛ لأن هذه الدعوة ليست روحانية مجردة، ولا فلسفة خيالية أو نظرية بحتة، وإنما هي دعوة واقعية مزدوجة تضم بين جناحيها الدعوة إلى عمارة الكون، وبناء الدنيا والآخرة معاً، وتعاضد الروح والمادة معاً، وتفاعل الإنسان مع كل مصادر الثروة في هذا الكون، الذي سخّره الله تعالى للإنسان وحده استعمالاً وانتفاعاً، واستنباطاً واختراعاً، وإفادةً واستكشافاً مستمراً، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 2/29].

والمهم من التفسير والبيان مساعدة المسلم على تدبُّر القرآن الكريم المأمور به في قوله تعالى: {كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبابِ} [ص: 38/29].

وإذا كان هدفي هو وضع تفسير للقرآن الكريم يربط المسلم وغير المسلم بكتاب الله تعالى - البيان الإلهي ووحيه الوحيد حالياً، الثابت كونه كلام الله ثبوتاً قطعياً بلا نظير له ولا شبيه - فإنه سيكون تفسيراً يجمع بين المأثور والمعقول، مستمداً من أوثق التفاسير القديمة والحديثة، ومن الكتابات حول القرآن الكريم تأريخاً، وبيان أسباب النزول، وإعراباً يساعد في توضيح كثير من الآيات، ولست بحاجة كثيرة إلى الاستشهاد بأقوال المفسرين، وإنما سأذكر أولى الأقوال بالصواب بحسب قرب اللفظ من طبيعة لغة العرب وسياق الآية.

ولست في كل ما أكتب متأثراً بأي نزعة معينة، أو مذهب محدد، أو إرث اعتقادي سابق لاتجاه قديم، وإنما رائدي هو الحق الذي يهدي إليه القرآن الكريم، على وفق طبيعة اللغة العربية، والمصطلحات الشرعية، مع توضيح آراء العلماء والمفسرين، بأمانة ودقة وبُعْد عن التعصب.

ولكن ينبغي البعد عن استخدام آيات القرآن لتأييد بعض الآراء المذهبية أو اتجاهات الفرق الإسلامية، أو التعسُّف في التأويل لتأييد نظرية علمية قديمة أو حديثة؛ لأن القرآن الكريم أرفع بياناً، وأرقى مستوى، وأعلى شأناً من تلك الآراء والمذاهب والفِرَق، وليس هو كتاب علوم أو معارف كونية كالفلك وعلم الفضاء والطب والرياضيات ونحوها، وإن وجدت فيه بعض الإشارات إلى نظرية ما، وإنما هو كتاب هداية إلهية، وتشريع ديني، ونور يهدي لعقيدة الحق، وأصلح مناهج الحياة، وأصول الأخلاق والقيم الإنسانية العليا، كما قال الله تعالى: {قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ وَيَعْفُو يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 5/15-16].

وينحصر منهجي أو خطة بحثي فيما يأتي:

1ً- قسمة الآيات القرآنية إلى وحدات موضوعية بعناوين موضحة.

2ً- بيان ما اشتملت عليه كل سورة إجمالاً.

3ً- توضيح اللغويات.

4ً- إيراد أسباب نزول الآيات في أصح ما ورد فيها، ونبذ الضعيف منها، وتسليط الأضواء على قصص الأنبياء وأحداث الإسلام الكبرى كمعركة بدر وأُحد من أوثق كتب السِّيرة.

5ً- التفسير والبيان.

6ً- الأحكام المستنبطة من الآيات.

7ً- البلاغة وإعراب كثير من الآيات، ليكون ذلك عوناً على توضيح المعاني لمن شاء، وبعداً عن المصطلحات التي تعوق فهم التفسير لمن لا يريد العناية بها.

وسأحرص بقدر الإمكان على التفسير الموضوعي: وهو إيراد تفسير مختلف الآيات القرآنية الواردة في موضوع واحد كالجهاد والحدود والإرث وأحكام الزواج والرِّبا والخمر، وسأبيِّن عند أول مناسبة كل ما يتعلّق بالقصة القرآنية مثل قصص الأنبياء من آدم ونوح وإبراهيم عليهم السلام وغيرهم، وقصة فرعون مع موسى عليه السلام، وقصة القرآن بين الكتب السماوية. ثم أحيل إلى موطن البحث الشامل عند تكرار القصة بأسلوب وهدف آخر. غير أني لن أذكر رواية مأثورة في توضيح القصة إلا بما يتفق مع أحكام الدين، ويتقبلها العلم، ويرتضيها العقل، وأيدت الآيات بالأحاديث الصحيحة المخرجة إلا ما ندر.

ويلاحظ أن أغلب الأحاديث المروية في فضائل سور القرآن موضوعة مكذوبة، وضعها الزّنادقة أو أصحاب الأهواء والمطامع، أو السؤَّال الواقفون في الأسواق والمساجد، أو واضعو الحديث حسبة كما زعموا .

وفي تقديري أن هذه الخطة تحقق بمشيئة الله نفعاً كبيراً، وسيكون هذا التأليف سهل الفهم، سريع المأخذ، محل الثقة والاطمئنان، يرجع إليه كل باحث ومطَّلع، في وقت كثر فيه القول والدّعوة إلى الإسلام في المساجد وغيرها، ولكن مع مجافاة الصواب، أو الخلط، أو مجانبة الدقة العلمية، سواء في التفسير أو الحديث أو الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية، وعندها يظلّ الكتاب هو المرجع الأمين وموضع الثقة للعالم والمتعلم، منعاً من إضلال الناس والإفتاء بغير علم، وحينئذٍ يتحقق بحق غرض النَّبي صلى الله عليه وسلم من تبليغ القرآن في قوله: ((بلِّغوا عني ولو آية)) ، لأن القرآن هو المعجزة الباقية من بين سائر المعجزات.

ولعلي أكون بهذه الخطة في بيان المراد من آي كتاب الله مفرداتٍ وتراكيبَ، قد حقَّقت غايتي من ربط المسلم بقرآنه، وقمت بالتَّبليغ الواجب على كل مسلم بالرغم من وجود موسوعات أو تفاسير قديمة اعتمدت عليها، وقد تميزت إما بالتركيز على العقائد والنّبوات والأخلاق والمواعظ وتوضيح آيات الله في الكون، كالرّازي في التفسير الكبير، وأبي حيان الأندلسي في البحر المحيط، والألوسي في روح المعاني، والكشاف للزمخشري.

وإما بتوضيح القصص القرآني وأخبار التاريخ، كتفسير الخازن والبغوي، وإما ببيان الأحكام الفقهية بالمعنى الضيِّق للمسائل والفروع والقضايا كالقرطبي وابن كثير والجصاص وابن العربي، وإما بالاهتمام باللغويات كالزمخشري وأبي حيان، وإما بالقراءات كالنسفي وأبي حيان وابن الأنباري، وابن الجزري في كتابه (النشر في القراءات العشر)، وإما بالعلوم والنظريات العلمية الكونية مثل طنطاوي جوهري في كتابه (الجواهر في تفسير القرآن الكريم).

والله أسأل أن ينفعنا بما علَّمنا، ويعلِّمنا ما ينفعنا، ويزيدنا علماً، كما أسأله أن يعم النّفع كل مسلم ومسلمة بهذا الكتاب، وأن يلهمنا جميعاً الرّشاد والسّداد، وأن يوفقنا للعمل بكتاب الله في كل مناحي الحياة، دستوراً وعقيدةً ومنهجاً وسلوكاً، وأن يهدينا إلى سواء الصراط، صراطِ الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور.

وليكن رائدنا جميعاً ما أخرجه البخاري ومسلم عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه)) .

الدكتور وهبة بن مصطفى الزحيلي

ملاحظة: لم أجرؤ على هذا التفسير إلا بعد أن كتبت كتابين شاملين في موضوعيهما أو موسوعتين: الأول: (أصول الفقه الإسلامي) في مجلدين، والثاني: (الفقه الإسلامي وأدلته) في مختلف المذاهب - أحد عشر مجلداً، وأمضيت في التدريس الجامعي ما يزيد عن ثلاثين عاماً، وعملت في الحديث النّبوي تحقيقاً وتخريجاً وبياناً بالاشتراك لكتاب (تحفة الفقهاء) للسمرقندي، و(المصطفى من أحاديث المصطفى) زهاء (1400 حديث). بالإضافة لمؤلفات وبحوث موسوعية تربو عن الثلاثين.

إنه تفسير للقرآن بالقرآن والسنة الشريفة،جمع فيه المؤلف العلامة الدكتور وهبة الزحيلي كل التفاسير واختار الثابت منها، فسر المفردات،وأعرب الضروري ،وبين مواطن البلاغة في الآيات،ووضح الأحكام الشرعية،ومقاصد الآيات والسور،وأسباب النزول،والقراءات المتواترة للايات،واستخلص فقهاً للحياة،أُلحق بالكتاب فهارس موضوعية شاملة

لم يحظَ كتاب في الوجود بعناية مثلما حظي به القرآن الكريم، الذي كتبت حوله مئات الكتب، وسيظل مورد العلماء، وهذا بالتالي كتاب اصطفيتُ فيه من العلوم والمعارف والثقافات المستقاة من معين القرآن الكريم الذي لا ينضب، ما هو لصيق الصلة بحاجات العصر، ومتطلبات التثقيف، بأسلوب جلي مبسَّط، وتحليل علمي شامل، وتركيز على الغايات والأهداف المنشودة من تنزيل القرآن المجيد، ومنهج بعيد عن الإطالة المملّة، والإيجاز المخلّ الذي لا يكاد يفهم منه شيء لدى جيل بعدوا عن اللسان العربي في طلاوة بيانه، وأعماق تراكيبه، وإدراك فحواه، وكأنهم أصبحوا - بالرغم من الدِّراسات الجامعية المتخصصة - في غربة عن المصادر الأصيلة، والثروة العلمية العريقة في شتى العلوم من تاريخ وأدب وفلسفة وتفسير وفقه وغيرها من العلوم الإسلامية الكثيرة الخصبة.

فكان لا بدّ من تقريب ما صار بعيداً، وإيناس ما أصبح غريباً، وتزويد المسلم بزاد من الثقافة بعيدة عن الدّخيل كالإسرائيليات في التفسير، ومتفاعلة مع الحياة المعاصرة، ومتجاوبة مع القناعة الذاتية، والأصول العقلية، والمرتكزات الفكرية السليمة، وهذا يقتضينا تمحيص المنقول في تفاسيرنا، حتى إن منها - تأثراً بروايات إسرائيلية - أحدث شرخاً غير مقصود في عصمة بعض الأنبياء، واصطدم مع بعض النظريات العلمية التي أصبحت يقينية الثبوت بعد غزو الفضاء، واتساع ميادين الكشوف العلمية الحديثة، علماً بأن دعوة القرآن تركزت على إعمال العقل والفكر وشحذ الذهن وتسخير المواهب في سبيل الخير، ومحاربة الجهل والتخلف.

وهدفي الأصيل من هذا المؤلَّف هو ربط المسلم بكتاب الله عزّ وجلّ ربطاً علمياً وثيقاً؛ لأن القرآن الكريم هو دستور الحياة البشرية العامة والخاصة، للناس قاطبة، وللمسلمين خاصة، لذا لم أقتصر على بيان الأحكام الفقهية للمسائل بالمعنى الضيق المعروف عند الفقهاء، وإنما أردت إيضاح الأحكام المستنبطة من آي القرآن الكريم بالمعنى الأعم الذي هو أعمق إدراكاً من مجرد الفهم العام، والذي يشمل العقيدة والأخلاق، والمنهج والسلوك، والدستور العام، والفوائد المجنية من الآية القرآنية تصريحاً أو تلميحاً أو إشارةً، سواء في البنية الاجتماعية لكل مجتمع متقدم متطور، أم في الحياة الشخصية لكل إنسان، في صحته وعمله وعلمه وتطلُّعاته وآماله وآلامه ودنياه وآخرته، تجاوباً في المصداقية والاعتقاد مع قول الله تبارك وتعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 8/24].

- إنه الحق سبحانه وتعالى ورسول الحق في هذه الآية اللذان يدعوان كل إنسان في هذا الوجود إلى الحياة الحرة الكريمة الشريفة بكل صورها ومعانيها.

التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج - د. وهبة الزحيلي
يتناول هذا الكتاب في 17 مجلداً تفسير القرآن الكريم في العقيدة والشريعة والمنهج، ويقدم لذلك ببيان بعض المعارف الضرورية المتعلقة بالقرآن، فيعرفه ويبين كيفية نزوله وطريقة جمعه ورسمه العثماني، وأحرفه السبعة وقراءاته، وأدلة إثبات أنه كلام الله بوجوه الإعجاز، ولغته العربية، والرأي في ترجمتها إلى اللغات الأخرى، وحروفه المقطعة في أوائل بعض سوره، وبلاغته، مع ذكر فوائد في عدد الأجزاء والسور والآيات وأنواعها.
ثم يفسر النصوص حسب تسلسل ترتيبها في المصحف الشريف متبعاً في ذلك المنهج الآتي:
يقسم الآيات القرآنية إلى وحدات موضوعية بعناوين موضحة، ويبين ما اشتملت عليه كل سورة إجمالاً، ويوضح اللغويات، ويورد أسباب نزول الآيات في أصح ما ورد فيها، وينبذ الضعيف منها، ويسلط الضوء على قصص الأنبياء وأحداث الإسلام الكبرى كمعركة بدر وأحد من أوثق كتب السيرة.
ويحرص على التفسير الموضوعي فيورد تفسير مختلف الآيات القرآنية الواردة في موضوع واحد، أو في قصة قرآنية واحدة، ويبين الأحكام المستنبطة من الآيات.
ويكشف أوجه البلاغة والإعراب في كثير من الآيات ليوضح المعاني بعيداً عن المصطلحات التي تعوق فهم التفسير لمن لا يريد العناية بها.
ويبين أوجه القراءات المتواترة التي نزل بها الوحي الإلهي، أعظم نعمة على البشرية جمعاء، وعلى المسلمين خاصة.