أثر خصوصيَّة الصحابة في القول بقضايا الأعيان
هذا المطلب معقود لذكر بعض الأحاديث التي أدخلها بعض العلماء في قضايا الأعيان الناشئة عن تخصيص بعض الصحابة بأحكام شرعية تخفيفيَّة؛ لمكانتهم في الإسلام.
فمن ذلك:
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «أنَّ رجلاً على عهد النَّبِيِّ ? كان اسمه عبد الله، وكان يُلَقَّبُ حِمَاراً، وكان يُضْحِكُ رَسُولَ الله ?، وَكانَ النَّبي ? قَدْ جَلَدَهُ في الشّراب، فَأُتِيَ به يوماً فأمَرَ به فَجُلِدَ، فقال رَجُلٌ مِنَ القَوْم: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى به، فقال النَّبِيُّ ?: لا تَلْعَنُوه، فَوَالله ما عَلِمْتُ إلا إِنَّهُ يُحِبُّ الله ورسولَه» .
فقد ذهب الجمهور إلى أنَّ هذا الحديث ناسخ لأمر النبي ? بقتل من شرب الخمر بعد الرابعة ، وشارب الخمر المذكور في الحديث قد شربه أكثر من أربع؛ «لأنَّ قول الذي لعنه (ما أكثر ما يؤتى به) يقتضي حدّاً من العدد، وما يدخل في حيِّز الكثرة، إن لم يكن أكثر من أربع فليس بدونها» .
وذهب بعض العلماء إلى أنَّ الحديث هو قضية عين خاصة بنُعَيمان ، فقد ذكر السيوطي الأحاديث في قتل
شارب الخمر بعد الرابعة، وردَّ القول بالنسخ؛ لأنّ «الحديث واقعة عين لا عموم لها» ، ثمَّ قال _ح مبيّناً ذلك: «إنَّ الصحابة خُصُّوا في ترك الحدود بما لم يُخَصّ به غيرهم، فلأجل ذلك لا يفسّقون بما يفسّق به غيرهم، خصوصية لهم، وقد ورد بقصة نُعيمان لمَّا قال عمر رضي الله عنه : «أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به»، فقال النبي ?: «لا تطعنْه، فإنّه يحب الله ورسوله»، فعلم النبي ? من باطنه صدق محبته لله ورسوله، فأكرمه بترك القتل، فله ? أن يخصّ من شاء بما شاء من الأحكام» . إلى أن قال: «والصحابة رضي الله عنهم جديرون بالرخصة إذا بدرت من أحدهم الزلّة في الحين، وأما هؤلاء المدمنون للخمر الفَسَقَة، المعروفون بأنواع الفساد، وظلم العباد وترك الصلاة، ومجاوزة الأحكام الشرعية، وإطلاق ألسنتهم في حال سُكْرهم بالكفريَّات وما قاربها، فهؤلاء يُقتَلون في الرابعة، لا شكَّ في ذلك» .
وكذلك فإنَّ النبي ? نهى عن لعنه، وعلَّل ذلك بأنّه يحب الله ورسوله، «مع أنّه ? لعن الخمر وشاربها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، والظاهر أنّ علم النبي ? بصدقه كان بالوحي، وهو من علامات الخصوصية» .
وإلى القول بعدم نسخ حكم قتل شارب الخمر ذهب ابن حزم الظاهري .
2- عن سيدنا عليّ رضي الله عنه ، قال: «بَعَثَني الرسول ? أنا والزُّبَيْرَ والْمِقْدَادَ، قال: انطلقوا حتّى تأتوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فإنَّ بها ظَعِينَةً، ومعها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تَعَادَى بنا خَيْلُنَا حتَّى انْتَهَيْنَا إلى الرّوضة، فإذا نحن بِالظَّعِينَة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتابٍ، فقلنا: لَتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ من عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بها الرسول ?، فإذا فيه من حَاطِب بن أبي بَلْتَعَةَ إلى ناسٍ من المشركين من أهل مَكَّةَ، يخبرهم ببعض أَمْرِ النَّبي ?، فقال النبيّ ?: يا حاطب، ما هذا؟ فقال: يا رسول الله، لا تَعْجَلْ عليَّ، إِنِّي كُنْتُ امرأً مُلْصَقاً في قريشٍ، ولم أكُنْ مِنْ أَنْفُسِها، وكان من معك من المهاجرين لهم قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ، يَحْمُونَ بها أهليهم وأموالهم، فَأَحْبَبْتُ إِنْ فاتني ذلك من النَّسَبِ فيهم أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يداً يَحْمُونَ بها قرابتي، وما فَعَلْتُ كُفْراً ولا ارتداداً، أو لا أرضى بالكفر بعد الإسلام، فقال النَّبِي ?: قَدْ صَدَقَكُمْ، قال عمر: يا رسولَ الله، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هذا المنافق، قال: إِنَّه قد شَهِدَ بَدْراً، وما يدريك لعلَّ الله أن يكون قدِ اطَّلَعَ على أهل بَدْر، فقال: اعملوا ما شئتم، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» .
وقد استَدَلَّ به من يرى قتله من المالكية، لاستئذان عمر في قتله ولم يَرُدَّهُ النَّبي ? عن ذلك إلاَّ لكونه من أهل بَدْر .
وقال في (نيل الأوطار): «قوله ?: (إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً) ظاهر هذا أنَّ الْعِلَّةَ في ترك قتله كونُه مِمَّن شَهِد بَدْراً، ولولا ذلك لكان مُستَحِقّاً لِلقتل، ففيه مُتَمَسَّكٌ لمن قال: إنَّه يقتل الجاسوس ولو كان من المسلمين» .
واستدلّ ابن القيم _ح على أنّ هلال بن أمية ومُرَارة بن الربيع لم يكونا من أهل بدر، بأنَّهُما لو شهدا بَدْراً ما عوقبا بالهجر، عندما تخلَّفا عن رسول الله ? في غزوة تبوك، بل كانا يُسامَحَان بذلك كما سُومِح حاطبُ بن أبي بَلْتَعَة.
قال _ح في (زاد المعاد): «وكذلك ينبغي ألا يكونا من أهل بدر، فإنَّ النَّبيَّ ? لَمْ يَهْجُرْ حاطباً، ولا عاقبه وقد جَسَّ عليه، وقال لعمر لَمَّا همَّ بقتله: «وما يدريك أَنَّ الله اطَّلَع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، وأين ذنب التَّخَلُّف مِن ذنب الْجَسِّ» .
والظاهر من هذا أنَّ ابن القيِّم يرى أنَّ شهود بدر موجِبٌ للتخفيف في العقوبة، قياساً على قصة حاطب.
وذهب أكثر العلماء أن الجاسوس المسلم لا يُقتل، وأمره إلى الإمام .
أثيرت في الإعلام ضجة كبرى حول إمامة امرأة للرجال في صلاة جماعة في أمريكا, ودافعت تلك المرأة ومن وافقها عن ذلك بأن له دليلاً من السنة الشريفة, وكذلك فقد أثير –ولايزال- لغط كثير حول فتوى نشرت على نطاق واسع تجيز للكبير الرضاعة من أجنبية, إذا دعت الحاجة إلى الخلوة بها, والمستند أيضاً نص من نصوص السنة الشريفة كما قال صاحب الفتوى, وكم تتكرر أمثال هذه الفتاوى.
وما ذلك إلا مظهر من مظاهر عدم الإحكام لذلك المصطلح الأصولي, أعني مصطلح (قضايا الأعيان), وهو ما يكشف الحاجة الماسّة إلى بيان معنى هذا المصطلح الذي تداوله الأصوليون والفقهاء, بما يجعله مصطلحاً واضحاً ومنضبطاً قدر الإمكان, وبما يُعين الناظر في نصوص الشريعة على استدعائه والاعتماد عليه كلَّما اقتضت الحاجة ذلك, وإلا فإن إهمال هذا المصطلح وما يتعلق به من قواعد قد يفضي إلى خلل عظيم في تنزيل نصوص الشريعة على محالهِّا التي قصدهاالشارع, فيُعمَّم ما قصد الشارع تخصيصَه, ويُخصَّص ما قصد الشارع تعميمه, ولاعجب بعد ذلك أن تكون مُخرَجات العملية الاستنباطية أحكاماً غريبة عن منظومة الاستدلال والنظر الفقهي كما أوضحنا في الأمثلة السابقة.
أثيرت في الإعلام ضجة كبرى حول إمامة امرأة للرجال في صلاة جماعة في أمريكا, ودافعت تلك المرأة ومن وافقها عن ذلك بأن له دليلاً من السنة الشريفة, وكذلك فقد أثير –ولايزال- لغط كثير حول فتوى نشرت على نطاق واسع تجيز للكبير الرضاعة من أجنبية, إذا دعت الحاجة إلى الخلوة بها, والمستند أيضاً نص من نصوص السنة الشريفة كما قال صاحب الفتوى, وكم تتكرر أمثال هذه الفتاوى.
وما ذلك إلا مظهر من مظاهر عدم الإحكام لذلك المصطلح الأصولي, أعني مصطلح (قضايا الأعيان), وهو ما يكشف الحاجة الماسّة إلى بيان معنى هذا المصطلح الذي تداوله الأصوليون والفقهاء, بما يجعله مصطلحاً واضحاً ومنضبطاً قدر الإمكان, وبما يُعين الناظر في نصوص الشريعة على استدعائه والاعتماد عليه كلَّما اقتضت الحاجة ذلك, وإلا فإن إهمال هذا المصطلح وما يتعلق به من قواعد قد يفضي إلى خلل عظيم في تنزيل نصوص الشريعة على محالهِّا التي قصدهاالشارع, فيُعمَّم ما قصد الشارع تخصيصَه, ويُخصَّص ما قصد الشارع تعميمه, ولاعجب بعد ذلك أن تكون مُخرَجات العملية الاستنباطية أحكاماً غريبة عن منظومة الاستدلال والنظر الفقهي كما أوضحنا في الأمثلة السابقة.
يتحدث الكتاب عن مباحث تتعلق بأصول الفقه الإسلامي، وفي العموم والخصوص من هذه المباحث.
فتخصيص ما هو عام أو تعميم ما هو خاص من الأحكام الشرعية، يؤدي إلى خلل كبير، حين تنـزَّل الأحكام في غير موضعها، مما يدفع إلى التشكيك بها.
يتعرض الكتاب لمفهوم مصطلح العين والقضايا والحوادث المتعلقة به، ومرادفات هذا المصطلح التي استعملها الأصوليون، وكيفية الحكم على واقعة بأنها حادثة عين، وبيان أثر الاختلاف في قضايا العين بالنـزاع الفقهي. وقد حصر المؤلف قضايا الأعيان وأورد اختلافات الفقهاء فيها واعتمادهم عليها أو تأويلها أو ما يترتب على ذلك من خلاف فقهي حول دلالة هذه القضايا في حال اعتُمدت على أنها قضايا أعيان خاصة، أو أنها دليل لا يختص بأصحابها، بل يتعداهم إلى غيرهم من الحوادث والأشخاص.
وعالج الكتاب أيضاً أسباب تخصيص بعض الأعيان بأحكام معينة، وأثر الاختلاف في هذا النوع من قضايا الأعيان في الفروع الفقهية.
وتطرق لقضايا الأعيان المتعلقة بشخص النبي ?كما عالج موضوع حكايات الأحوال، من حكايا الأحوال القولية والفعلية والقواعد الأصولية المتعلقة بحكايات الأحوال وأثر الاختلاف في الفروع.