5 - 4: التعريب والمصطلح
هناك علاقة قوية وطيدة بطبيعة الحال بين التعريب والمصطلح، لأن الأول يحتاج الثاني، أي يحتاج المقابل العربي للأصل الأجنبي، حتى يستطيع مسايرة التطور، وبخاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وهي الركائز القوية التي تقوم عليها نهضة الشعوب.
وتعاني العربية اليوم في هذا المجال من مجموعة مشكلات أهمها تعدد المصطلحات العربية الموضوعة مقابل المصطلح الأجنبي الواحد، ومردُّ ذلك أساساً إلى اختلاف تكوين العلماء العرب اللغوي في دراستهم العليا، إذ منهم من تابع هذه الدراسة في الجامعات الأمريكية، ومنهم من تابعها في الجامعات الفرنسية، أو في الجامعات الروسية، وإلى عدم الالتزام العام بما تقره مؤتمرات التعريب ولجانه العلمية في مجال المصطلحات، فضلاً عن ضعف قناعة البعض بضرورة تعريب العلوم الطبية والهندسية وما إليها، اعتقاداً منهم أن تعريب هذه العلوم يؤدي إلى تأخرها في الديار العربية، وإلى تدني مستوى الدارسين.
ومعلوم أن النص العلمي ليس مجموعة مصطلحات فحسب، بل هو في حقيقة الأمر ليس أكثر من ألفاظ وجمل عادية تتكرر، وتتنوع بداخلها، هنا وهناك، مصطلحات فنية معينة، يتولى النص أمر شرحها، ودراستها، وتعليلها، وتوضيحها، إذ لا يعقل أن تكون الدراسة الطبية أو الصيدلانية مثلاً عبارة عن مجموعة من المصطلحات لا غير، بعيداً عن اللغة العادية الميسورة.
كما تعاني اللغة العربية في ميدان المصطلحات أيضاً من بطء العمل على وضع المصطلحات البديلة للمصطلحات الأجنبية، فهناك حوالي (7500) مصطلح علمي جديد يوضع كل عام في ميادين العلوم والتكنولوجيا، يضع العرب بديلاً لحوالي (2500) مصطلح منها بلغتهم، ويبقى النقص يتمثل بحوالي (5000) مصطلح، تتراكم سنة بعد أخرى لتصبح بعشرات الآلاف، إن لم نقل بمئاتها، ولا سيّما بعد أن ارتفع عدد المصطلحات الجديدة التي تولد سنوياً إلى (40) ألف مصطلح.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تصلح اللغة العربية لاستيعاب العلوم والتكنولوجيا الحديثة المتطورة يوماً بعد يوم، والتعبير عن مبتكرات لم يكتشفها العرب، ولا ولدت فوق أرضهم؟ والإجابة عن هذا السؤال تكون إما بنعم، وهو عين الحق والصواب، أو بلا، وهنا تكون الطامة الكبرى، إذ علينا في هذه الحالة أن نهجر لغتنا الوطنية التي هي عماد أصالتنا، وجوهر وجودنا لنعتمد لغة أجنبية، فنخسر استقلالنا الوطني، وهويتنا العربية، لأن تمسكنا بلغتنا العربية في ضوء الإجابة السلبية هذه، يعني بقاءنا في دائرة التخلف.
ويوجد بيننا من يعتقد أن افتقار اللغة العربية إلى المصطلحات العلمية يجعل استخدامها في ميادين العلوم والتكنولوجيا أمراً مرفوضاً جملةً وتفصيلاً. هذا القول فيه الكثير من التَّجنّي على اللغة العربية، لأن المصطلح كما سبق أن ذكرنا ليس أكثر من أداة للتأليف والترجمة، إنه ضرورة ماسَّة فعلاً للتعريب، ولكن النص ليس جملة مصطلحات فقط، بل هو عرض، وشرح، وتفسير، وإيضاح، وفيه مجموعة من المصطلحات.
فالعرب في العصر العباسي لم يقرؤوا العلوم الأجنبية المعروفة آنذاك باللغات اليونانية، أو الفارسية، أو الهنديَّة، بل نقلوها إلى العربية، ووضعوا لها المصطلحات الكثيرة التي أخذوها عن هذه اللغات، وعن المؤلفات، التي قاموا بترجمتها إلى لغتهم العربية، معتمدين في ذلك مجموعة من الأسس والقواعد اللغوية، التي تمكن اللغة من التطور، واستيعاب المصطلحات الحديثة، وهي ما زالت صالحة للاستخدام، قابلة للتطبيق في هذا الميدان إلى اليوم.
5 - 5: أسس وضع المصطلحات في اللغة العربية
تمتلك اللغة العربية مجموعة من القواعد اللازمة لوضع المصطلحات كانت وما زالت صالحة لتوليد الألفاظ الجديدة أهمها ما يلي:
5 - 1: اشتقاق ألفاظ جديدة من أصول عربية، أي أخذ لفظ من لفظ آخر مع وجود تناسب بين اللفظين في المعنى، بحيث يصف تغير اللفظ زيادة في المعنى الأصلي. وهناك ثلاثة أنواع من الاشتقاق في اللغة العربية، هي:
5 - 1 - 1: الاشتقاق الصغير: وهو توليد الصيغ الصرفية المختلفة من الأصل الواحد للكلمة. وعدد هذه الاشتقاقات عشرة، هي: الفعل الماضي، المضارع، الأمر، اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة باسم الفاعل، اسم التفضيل، اسم الزمان، اسم المكان، اسم الآلة. مثال ذلك (سلم) بمعنى السلامة نستخرج منها الصيغ التالية: سلم، يسلم، اسلم، سالم، سلمان، سلمي، سلامة، سليم.
5 - 1 - 2: الاشتقاق الكبير: وهو توليد كلمة من كلمة أخرى بتغيير مواضع حروفها مثل (شرب) نولِّد منها: برش، شبر، ربش، رشب. وهكذا تنقلب اللفظة الثنائية الأحرف إلى صورتين، والثلاثية إلى ستة صور، والرباعية إلى أربع وعشرين صورة، والخماسية إلى مئة وخمسين صورة.
5 - 1 - 3: الاشتقاق الأكبر: وهو اتفاق كلمتين في حرفين من حروفهما، واختلافهما في الثالث مع وجود صلة بينهما بالمعنى. مثل: كدَّ وكدح، قصَّ وقصم، نعق ونهق. والاشتقاق في اللغة العربية هو أحد مظاهر حيويتها، وقدرتها على التطور والتجديد، ومن خلاله يمكن معرفة الألفاظ الدخيلة والأصلية.
5 - 2: تضمين الألفاظ العربية معاني جديدة عند الحاجة لم تكن لها في الماضي. مثل: السيارة التي كانت تستخدم للقافلة، والطيارة التي كانت تعني الفرس الشديدة. وهو ما يسمى بالمجاز، ويفيد في استخدام ألفاظ قديمة موجودة في معجماتنا العربية، ولم تعد مستخدمة اليوم، لمعان جديدة حديثة. ومن الأمثلة الأخرى على المجاز نذكر استخدام لفظة (رشاش)
(Mitrailleuse) وهي من رشَّ الماء، واستخدام لفظة (عاصمة) (Capitale) وهي من عصم وحمى، ولفظة (جريدة) (Journal) وهي من جريدة النخل، وغيرها كثير. وفي هذا المجال يمكن الرجوع إلى كتب الفقه لوضع المصطلحات القانونية، وكتب الطب للمصطلحات الطبية، وكتب النبات للمصطلحات النباتية.
وتكمن سلبيات هذه الطريقة باحتمال اختلاط مفهوم اللفظة الحديثة بمفهومها القديم، مما قد ينتج عنه ترادف، واشتراك لفظي غير محبَّذ.
5 - 3: وضع كلمة جديدة من كلمتين تكون آخذة منهما بحظ، وهو ما يسمى بالنحت، مثل: البسملة، من بسم الله الرحمن الرحيم، والحمدلة، من الحمد لله ربِّ العالمين، ومثل: برمائية، من بر - مائية، وحينبات، من حيوان - نبات، والتركيب المزجي هو أحد وسائل النحت أيضاً مثل: لاسلكي، لامتناهي، فوبنفسجي، تحشعور، إلخ...
5 - 4: الاقتراض والاستعارة من اللغات الأخرى، واللغات يستعين بعضها ببعض منذ القدم، وما زال ذلك يحدث إلى اليوم لدى جميع الأمم. فلو بحثنا في بطون معجماتنا العربية مثلاً عن أصول عربية للميكروسكوب، والترمومتر، والإلكترون، والنيترون، والتلفزيون وما إليها، ولم نجد الألفاظ المناسبة التي يمكن أن تؤدي معناها، ففي الاقتراض والاستعارة متسع لها. وقد سمح مجمع اللغة العربية في القاهرة بذلك، ولكنه قيَّده بالضرورة، خشية أن تغمر لغتنا العربية بطوفان من الألفاظ الأجنبية، ذلك ((لأن اللغة العربية غنية عنها، ولأن في بطون معجماتنا مئات الألوف من الكلمات المهجورة، الحسنة النغم والجرس، الكثيرة الاشتقاق، مما يصلح أن توضع للمسميات الحديثة، ولأن بعثها من مراق الإهمال والنسيان يصيِّرها كأنها موضوعة وضعاً جديداً))، وللتذكير فإن العرب قاموا بوضع المجمعات اللغوية، قبل أن يؤلف أول معجم باللغات الأوروبية الحديثة بما لا يقل عن تسعة قرون (أول معجم عربي أُلِّف في القرن التاسع الميلادي، بينما لم يخرج أول معجم أوروبي إلاّ في القرن السابع عشر الميلادي). وللتذكير أيضاً فإن معجم الصحاح للجوهري يقع في ستة مجلدات ويحوي (40) ألف مادة مشروحة، ومعجم لسان العرب لابن منظور يقع في خمسة عشر مجلداً، وفيه (80) ألف مادة مشروحة، ومعجم تاج العروس للزبيدي يقع في طبعته الحديثة في ستة وعشرين مجلداً، وفيه (120) ألف مادة مشروحة. أما المكانز (Thesauris) التي تستخدم اليوم في مجال التخزين والاسترجاع الآلي للمعلومات عن طريق الحواسيب، والتي ينسب الأوروبيون أصلها إلى العالم البريطاني (روجيه) عند منتصف القرن التاسع عشر في معجمه:
(Roget, s international thesaurus of English words and phrases)
فإن العرب قد سبقوا هذا الأخير في وضع هذا النوع من المؤلفات اللغوية، بما لا يقل عن تسعة قرون أيضاً. أما الألفاظ التي يفضل أخذها عن طريق الاستعارة والاقتراض فهي المصطلحات ذات الصيغة العلمية مثل: (إليكترون، ترانزيستور، كالوري، وغيرها)، كذا الألفاظ المركبة من حروف ومختصرات متعارف عليها دولياً مثل: (يونسكو، الفاو، يونيدو، يونسيف، إلخ...)، ثم الأسماء الكيميائية للعناصر الحديثة مثل: (بلوتوينوم، يورانيوم، ألومنيوم، إلخ...). وقد وضع العرب في العصر الحديث عشرات الآلاف من المصطلحات الحضارية والعلمية، صنَّفوها داخل معجمات متخصصة، أصدر مكتب تنسيق التعريب في الرباط (34) معجماً منها، وأعدَّ (20) أخرى للنشر.
وفي مجال المعجمات الطبية أصدر العرب حتى 1983م ثلاثة وخمسين معجماً طبيّاً. وقد أسهم في هذه المجهودات الكبيرة المجامع اللغوية في دمشق، والقاهرة، والعراق، والأردن، وكذا الجامعات العربية وأساتذتها، ولا سيما من قام منهم باستخدام اللغة العربية في التدريس، وجدير بالذكر أن الجامعات السورية تستخدم اللغة العربية لتدريس جميع العلوم بما فيها الطب والصيدلة والهندسة وجميع الفروع العلمية الأخرى عدا اللغات الأجنبية. وقد أسهمت هذه الجامعات إسهاماً كبيراً في إغناء المكتبة العربية بالمؤلفات المبتكرة والترجمة في هذه الميادين.
5 - 6: قواعد النقحرة (الكرشنة)
يكــــون من المفيـــد، ونحن نتحدث عن التعريب والمصطلح، أن نشير إلى قضية أساسية تعدُّ من صلب هذا الموضوع الهام، ألا وهي قضية النقحرة، أي رسم الحروف اللاتينية وغيرها بالحروف العربية، وبخاصة الأصوات التي لا يوجد ما يعبّر عنها بالحروف العربية مثل الأصوات (é, è, g, q, u, v)، فالحرف (v) مثلاً يرسم في العربية بحرفين هما (ف، ق) والثاني منهما ليس من الحروف العربية المعروفة، وصوت (G) يرسم بالعربية بالحروف (غ، ك، ج)، وهكذا فإن لفظة (Angleterre) مثلاً ترسم في العربية بأشكال متعددة هي: إنجلترا، انكلترة، انكلترا، انقلتيرا، كما أن لفظة (Strasbourg) ترسم ستراسبورغ، استراسبورغ، شتراسبورج، وهكذا...
وكان المعهد القومي للمواصفات والملكية الصناعية بتونس، قد وضع الجزء الأول من مواصفة تونسية لتعريب الأصوات الأعجمية الخاصة بالصوامت، معتمداً في ذلك أربعة مبادئ أساسية هي على التوالي:
6 - 1: الصوت الأعجمي له صوت عربي واحد، مهما اختلف لفظ الصوت الأعجمي.
6 - 2: المصطلحات المخالفة لقواعد هذه المواصفة، ولكنها أصبحت شائعـــة، لا تخضـــع لقواعد المواصفة، بل تبقى على حالها الذي اشتهرت به.
6 - 3: الصوت المكرر يتم تمثيله بصوت واحد مشدَّد لا صوتين.
6 - 4: تهمل الحروف التي لا صوت لها في المصطلح.
إنه الكتاب الأول ضمن سلسلة (المعلومات ثروة والمعلوماتية ثورة)، يعالج العديد من الموضوعات المتعلقة بالكتاب والقراءة والنشر، وكذلك ما أدخلته تكنولوجيا المعلومات من متغيرات جديدة في عالم المكتبات ومراكز المعلومات.
كما يقدّم الكثير من القضايا المتعلقة بالمعلومات، التي أخذت شكلاً جديداً لها في هذا العصر، مما يدفع إلى إعادة النظر في أساليب التعامل معها. وتطوير خدماتها.
ويأتي الكتاب ثمرة لأبحاث عديدة تقدّم بها المؤلف - وهو علم من أعلام علم المعلومات في الوطن العربي - إلى الملتقيات والمؤتمرات العلمية المهتمة بهذا الشأن.
يضم مجموعة البحوث والدراسات التي تتصل بالكتاب والنشر، ويبحث بالتربية المدرسية ودور المكتبة والأسرة والمدرسة في تنمية الميول القرائية، ويعالج آثار العزوف عن القراءة وواقع النشر في الجزائر، كما يضم للمعلومات وإمكاناتها وأهميتها ، وانتقال المكتبات إلى مبانيها الجديدة وحاجياتها، ويبحث في المكتبات الإسلامية ودورها في النهضة الأوربية ويدرس الانترنت وإمكاناتها وأدواتها وجدوى وجودها.