3- الخطبة الأخيرة
وتذكر أحاديث متعددة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أراقوا عليه من سبع قرب.. خرج عاصباً رأسه بعصابة دسماء ملتحفاً بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد الله والثناء عليه أصحاب أُحد فاستغفر لهم ودعا لهم. ثم قال:
((يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون والأنصار على هيئتها لا تزيد.. وإنهم عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم. أيها الناس إن عبداً من عباد الله قد خيَّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله)). ففهمها أبو بكر رضي الله عنه من بين الناس فبكى وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((على رسلك يا أبا بكر! انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدّوها إلا ما كان من بيت أبي بكر، فإني لا أعلم أحداً عندي أفضل في الصحبة منه)). وأضاف في رواية: ((ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن خلة الإسلام أفضل)). وفي رواية: ((وإن ربي اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً. وإن قوماً ممن كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك))(1). وكانت هذه الخطبة يوم الخميس قبل أن يقبض عليه الصلاة والسلام بخمس أيام. يقول ابن عباس: فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض. يعني آخر خطبة خطبها عليه السلام.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أشد لهفتك على أمتك.. تطوي جناحك على ألمك وتعصب رأسك وتخرج إليهم.. توصيهم.. تمهد لهم كي يتقبلوا خبر موتك تذكرهم بمكانة أبي بكر.. تودعهم.. فلا يتصورون أنه الوداع.. إلا أبـا بكر..
ولنمض مع الخطبة القصيرة بنداً بنداً:
1 - الوفاء لأصحاب أُحد تلك الوقعة التي امتحن فيها المسلمون وزلزلوا.. والشهداء الذين ثبتوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدونه بأرواحهم.. يذكرهم ويستغفر ويدعو لهم.
2 - الوصية بالأنصار الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملوا الدعوة على أكتافهم وآثروا على أنفسهم.. وسيؤثرون على أنفسهم فلا يتطلعون إلى إمارة أو حكم.. هؤلاء الذين رضوا برسول الله صلى الله عليه وسلم نصيباً.. يقول عنهم الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا المحسن منهم وتجاوزوا عن المسيء)).
3 - ويحاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يمهد لأصحابه خبر موته.. إن ما عند الله هو خير وأبقى فلا تحزنوا على موت مؤمن.. ولم ينتبه للموضوع إلا أبو بكر.. فلقد علمته صحبته الطويلة للرسول صلى الله عليه وسلم أن يفهم عنه بشكل لمّاح.. ويبكي أبو بكر ويعبر عن حبه الصادق..
4 - ويواسيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبين فضله للناس ويأمر بسد الأبواب المفتوحة على المسجد إلا باب أبي بكر.. وكأنها إشارة إلى خلافته، فباب بيته ينبغي أن يبقى مفتوحاً على المسجد تسهيلاً لخروجه إلى الصلاة في المسلمين.. والحكم بين الناس. ويعبر عن حبه الشديد له إلى درجة أن يكون خليلاً له.. لكنه خليل الله وحبيبه.
5 - وينهى عن اتخاذ القبور مساجد.. ولو كانت قبور أنبياء وصالحين. خوفاً من الوقوع في التقديس والتوسل بصاحب القبر.. وحرصاً على نقاء التوحيد الذي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربع قرن بجهود متواصلة لنشره في الجزيرة العربية.
واعتبروا من أخطاء من كان قبلكم.. ولكن كثيراً من المسلمين صاروا حريصين على الدفن في المساجد.. حتى تكاد لا تجد مسجداً خالياً من قبر..!! ومن المؤلم أن تجد المساجد قد أصبحت كالمقابر.. وفقدت إشعاعها الحيوي على الأحياء.. إنني أرى في هذا النهي تألقاً حضارياً غفلنا عنه.. لقد أدخلنا الموت إلى المساجد.. وخلطنا عالم الأحياء بالأموات.. فأصبحنا أمواتاً غير أحياء. إن المسجد للأحياء وينبغي أن يحرر من قبضة الموت دوره العظيم بين الناس فلقد كان مركزاً للعبادة ومركز إشعاع علمي.. وملاذاً للمؤمنين في كل مشاكلهم.. تعقد فيه الزيجات وتُحل الخصومات وتعقد الألوية والرايات. فما دخل الأموات بهذا المكان الذي يمثل نبع الحضارة والحياة..؟!
* * *
إشارات أخرى إلى أبي بكر:
وأتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك - كأنها تقول الموت - قال: ((إن لم تجديني فأتِ أبا بكر))(1). وعن عائشة قالت: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي قال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)). قلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غير أبي بكر. قالت: والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فراجعته مرتين أو ثلاثاً فقال: ((ليصلِّ بالناس أبو بكر فإنكنَّ صواحب يوسف)). وفي رواية: فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، ثم أُتي به حتى جلس إلى جنبه. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر.
فقوله للمرأة: إن لم تجديني فأتِ أبا بكر.. قالوا: إنه قالها في مرض وفاته.
وحديث عائشة صريح في الإشارة إلى أن أبا بكر أولى الناس بالإمامة. وفي رواية أخرى أن أبا بكر كان غائباً فقال عبد الله بن زمعة لعمر: قم يا عمر فصلِّ بالناس، فلما كبر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقال: فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون (وكررها) فبعث إلى أبي بكر.
لكن عائشة لا تريد أن يقف أبوها بدلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يتشاءم الناس منه فتراجع النبي صلى الله عليه وسلم مرات وتذكر عذراً آخر غير ما في نفسها.. إلى أن يغضب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: أنتن صواحب يوسف.. تظهرن شيئاً وتخفين شيئاً آخر..
ومن المؤسف أن المرأة تقع في هذا الخطأ كثيراً.. تبطن مشاعرها ببطانة أخرى.. لماذا؟ أحياناً يكون السبب إحساسها بالضعف وأن البيئة لا تسمح لها بالتصريح بمشاعرها الحقيقية.. وهو عيب في البيئة وفي المرأة المستضعفة التي لم تصل بعد إلى مرحلة التوازن أو الصحة النفسية.. بحيث تعرف ما تريد وتصرِّح بما تريد. وأحياناً تلجأ إلى ذلك لأنها تدرك أن مشاعرها خطأ.. لو صرَّحت بها لكانت موضع إدانة أو مساءلة.. وفي تلك اللحظة كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تدرك في أعماقها أن تحيزها لأبيها يتصارع مع الموقف الصائب الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.. ولهذا صرَّحت حين روت الحديث بعد ذلك بدوافعها.. وبرد النبي صلى الله عليه وسلم عليها..
وفي الحقيقة إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تدهشني في أمانتها العلمية وموضوعيتها فهي تروي الحديث ولو كان فيه لوماً لها.. وتتحدث عما فعلت وما ساورها من شعور.. لقد كانت إنسانة من لحم ودم.. صريحة مع نفسها ومع الآخرين.. وتتقبل نفسها على أنها من البشر الذين يخطئون ويصيبون. وهذا هو التوازن النفسي أو (الصحة النفسية).
* * *
ذكاء لَمّاح..
وعن عروة بن الزبير - ابن أخت عائشة رضي الله عنها - أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها: فمات صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي وقبضه الله وإن رأسه لبين سحري ونحري وخالط ريقه ريقي. ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستنُّ به فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستنَّ به وهو مسند إلى صدري.
- هنا نجد أم المؤمنين عائشة الذكية المحبة.. تفهم على النبي صلى الله عليه وسلم من النظرة وتتفحص كل شيء لتلتقط ما يمكن أن يخفف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه.. وما يمكن أن يرضي نفسه.. فليس غريباً أن تنال من قلب النبي صلى الله عليه وسلم أطيب مكان وهي صاحبة الذكاء اللماح والشباب الفعال.. واللسان الحر الفصيح.. والذاكرة المتوقدة والأمانة في التحديث والنقل ولو على النفس. وقد سبق أن ذكرنا أن عمرو بن العاص سأل النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب الناس إليك؟ فقال: عائشة. قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها.
كل هذا وهي لم تتجاوز الثامنة عشرة عند وفاته صلى الله عليه وسلم.
حقاً إنها بنت أبي بكر.. وزوج النبي صلى الله عليه وسلم وحبيبته.. وأم المؤمنين.
* * *
حسبنا كتاب الله..
ويقول ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس؟! اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً. فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي تنازع - فقالوا: ما شأنه يهجر (أي يهذي من المرض) استفهموه.. فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه. ويظهر من السياق أن الصحابة ما خطر في بالهم التنازع على الحكم وإنما ظنوا أنه يعني الضلال في الدين. وفي رواية فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.. فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا.
قال ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم.. وفي الرواية الأولى: فأوصاهم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد (أي أعطوهم) بنحو ما كنت أجيزهم. وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها.
- ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفاً على أمته.. وإلى آخر لحظة يتمنى أن يفعل شيئاً يحول بينهم وبين الضلال.. وبعض الباحثين يقول: أراد أن يكتب بالخلافة لأبي بكر.. وبعضهم يقول: بل كان يريد أن يكتب لعلي بن أبي طالب.
_ واسمح لي يا حبر الأمة يا ابن عباس أن أخالفك الرأي.. فإن الله سبحانه وتعالى لم يمض هذا الأمر لأنه لم يكن ضرورياً لهذه الأمة التي بين يديها كتاب الله غضّاً طريّاً.. إن القرآن قد وضع لهم القواعد وعقولهم ما زالت يقظة وضمائرهم ما زالت مرهفة.. وهم قادرون على الاسترشاد بالقرآن والاهتداء بهديه.
اطمئن يا رسول الله إنهم يعيشون حالة الرشد التي ربَّيتهم عليها.. اسمعهم وهم يقولون: (حسبنا كتاب الله).. وإن ارتفع لغطهم فإن المصاب جليل يكاد يفقدهم صوابهم.
* * *
والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخرج علي بن أبي طالب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئاً. فأخذ بيده العباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر؟ إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا. فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حوار جدير بالتأمل والتحليل. وكأنه حدث قبل يومين من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، العباس عم النبي الذي تأخر إسلامه إلى السنة الثامنة يفكر في الحكم لمن يكون بعده صلى الله عليه وسلم؟! وربما لأنه كبير العائلة اعتاد أن يفكر في مصالحها.. ولعل الأمر يراوده بأن تحتفظ هذه العائلة بالسلطة والجاه فهم آل النبي صلى الله عليه وسلم.. وهو ينظر إلى الحكم على أنه امتياز يستحقه آل النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة علي رضي الله عنه، الذي كرم الله وجهه فلم يسجد لصنم والذي نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة.. والذي تزوج الزهراء.. وأنجب السبطين.. والذي.. والذي..
ولا ينتبه إلى أن الحكم تعب ونصب ومسؤولية وهمّ وابتلاء للحاكم المؤمن.. وكما قال عمر: (عندما قيل له استخلف ابنك): يكفي آل الخطاب واحد يقف أمام الله ليسأل عن الناس..!! ها هو العباس ينتحي بعلي جانباً ليقول: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا..؟!! غفر الله لك يا عباس ورضي عنك.. أهذا هو مقدار علمك بأصحاب النبي.. المهاجرين الذين هجروا المال والأهل والوطن في سبيل الله.. والأنصار الذين آووا ونصروا وافتدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرواحهم وآثروا على أنفسهم..؟! أهذا هو علمك بالعشرة المبشرين بالجنة..؟! وبالخلفاء الراشدين..؟!
هذه العبارات خرجت من التراث الجاهلي المتراكم في الأعماق. ولو قيلت بعد أربعين عاماً من ذاك التاريخ لكان لها مبرراتها.
أما ما بعد العبارة الأولى من كلام العباس فهو أخف وطأة.. وإن كان يوحي بأنه يشعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يوصي بهم حتى لا يُظلموا..
وأما علي رضي الله عنه فيشعر بعدم الفائدة من هذا السؤال.. وكأنه يتوقع رفض النبي صلى الله عليه وسلم لأن يجعل الأمر فيهم.. ألم يقل لأهله: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس.. ولقد سبق لعلي أن طلب من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يوم فتح مكة فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية.. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض أن يختص أهله بشيء من التمييز ورد مفاتيح الكعبة لعثمان (من بني شيبة لأن الحجابة كانت لهم في الجاهلية) فما الفائدة من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً أنت في شك من أن تناله منه.. ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريده ويرى فيه خيراً لبادر إليه ولجعله في جملة وصاياه..
وعلي ينظر إلى البعيد ويقول لو سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعطنا لأصبحت حجة ضد وصولنا إلى الحكم.. وسيقول الناس: رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لهم ذلك.. فلنترك الأمر إلى أوانه.. فإن اختارنا الناس كان بها.. وإلا فليس الأمر بمأسوف عليه..
تحليلي هذا هو مقدار فهمي لمواقف الرجلين والله أعلم بالدوافع.. فلئن أخطأت الفهم فلا غرابة.. ومن منا منزه عن الخطأ.. فاللهم اغفر لنا وسددنا وزدنا علماً وحباً بك وبرسولك صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضوان الله عليهم.
* * *
إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم معين لاينضب لكل دارس ومتأمل، ففيها الوقائع والسير والدروس والعبر التي تمد من يتأملها ويعمل بهديها بالعون على مصاعب الحياة متاعبها.
في هذه الرواية الجديدة للسيرة تبدأ المؤلفة باستعراض البيئة التي نشأ فيها الرسول الأعظم، والحالة الاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الوقت وكيف كانت الأسر والقبائل والعشائر تتصارع وتتعايش أحياناً، في هذه المنطقة، رغم اختلافاتها الدينية.
ثم كيف عانى الرسول صلى الله عليه وسلم من اليتم والحياة الصعبة بعد
أن توفي جده ومن ثم كفله عمه، لتبدأ معها رحلة ثانية مختلفة في مهمتها ومسؤوليتها وهي رحلة الدعوة إلى الله الواحد الأحد.
ماذا قدمت للرسول صلى الله عليه وسلم أسرته وزوجته وأعمامه وعشيرته؟ وماهي مواقفها من دعوته التي كانت جديدة عليهم في نهجها وأفكارها؟
ما نوع الصراع الذي جرى بين الدعوة الجديدة، والمجتمع الآبائي الذي يأبى أن يغير ما رباه عليه الآباء والأجداد.
ثم كيف أسس الرسول صلى الله عليه وسلم المجتمع المؤمن المتكافل والمتراحم في المدينة؟ ليصبح مثالاً وحلماً لكل فرد ومجتمع مسلم، برغم شح الموارد وضيق ذات اليد. ولكن لم يرضِ هذا الوضع أهل مكة الجاهليين فبدأ الصراع المسلح يأخذ مجراه مع المسلمين في شكل غزوات والمعارك المتتالية.
ولكن شاء الله أن تكون النصرة للدعوة التوحيد والسلم والعدل والإحسان على قوى الشر السائدة.
إن السيرة النبوية نبراس لكل مسلم يهتدي بها في حياته. وكتاب هدي السيرة النبوية جاء من هذا الباب ليمد المسلم بالدروس والعبر المستخلصة والعمل بها.
هدي السيرة النبوية في التغيير الاجتماعي - حنان لحام
يتناول هذا الكتاب معالم ومواقف من هدي السيرة النبوية في التغيير الاجتماعي، وكيف اختار الله النبي محمداً صلى الله عليه وسلم وأعده فكرياً ونفسياً وأخلاقياً واجتماعياً.
ويتحدث عن نزول الوحي وبدء التكليف بالدعوة وخطتها في مكة، وعالميتها، وظهورها، والمقاطعة القرشيّة للمؤمنين، وهجرة بعضهم، ومواساة الله للنبي صلى الله عليه وسلّم في عام الحزن بالإسراء والمعراج، أول رحلة فضائية للإنسان، والهجرة إلى المدينة وتأسيس المجتمع المؤمن فيها.
ويسجل الإذن بالقتال وبدء السرايا والغزوات مع التأمل في بدايتها وفي غزوات بدر وأحد والخندق ونقض اليهود لعهودهم، وحكم سعد بن معاذ في بني قريظة.
ويتناول أحداثاً في الحبشة، وزواجاً بأمر الله، وأخبار بني المصطلق، والغارة على المدينة، ومنع قريش النبي صلى الله عليه وسلّم من أداء العمرة، والتوصل إلى صلح الحديبية، ثم الخروج إلى خيبر وإنهاء الكيان السياسي لليهود في الجزيرة، وأداء النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء، وإسلام عمرو بن العاص، ويبحث في غزوة مؤتة، وإرسال النبي صلى الله عليه وسلم الكتب إلى ملوك الدول ورؤسائها.
ويعرض لفتح مكة وحصار الطائف وغزوة تبوك، وعام الوفود وعام البعوث، وإمارة أسامة بن زيد الشاب على جيش فيه كبار الصحابة، وحجة الوداع وخطبته فيها، وآخر وصاياه، وموقف الناس وأبي بكر الصديق من موته، مع لقطات أخيرة في مباشرته إلغاء الرق، وأمره بتعلم كتاب يهود، وبيان السر في نجاح الدعوة الإسلامية في دروس راقية تزخر بالحياة.