الكتاب
هذا الكتاب وثيقة تاريخية من أهم الوثائق الباقية في التاريخ الأندلسي، بل أقول: لعلَّه الشاهد الوحيد الذي يسجل الأحداث الأخيرة لدولة غرناطة قبل سُقوط مدينة غرناطة بنحو خمسة عشر عاماً.
( وهو تأليف سجَّله شاهد عيان شارك في بعض المعارك الأخيرة، وكتبه بقلم عربي مُؤرَّق على مصير أمته، والدولة التي يعيشُ في ظلها، ومُشفق من غد وما يكون فيه!
( وهو - أيضاً - يجمع بين خصائص الكتابة التاريخية الْمُدوَّنة بعفوية وصدق وانطلاق؛ وبين المذكرات الشخصية، واليوميات المدونة التي تسجل بعض الأحداث الجسام. ومن اجتماع هذين العنصرين تبدو أهمية هذا الكتاب.
( وفائدته الجليلة أنه تاريخ لدولة بني الأحمر (بني نصر) ملوك غرناطة في أيامها الأخيرة، وهو أيضاً صفحة من صفحات نضال الأمَّة وكفاحِها الذي يصحُّ - من خلال تلك الأحداث الدامية - أن يُقال فيه: إنه كان كفاح المستميت!
( لقد سطر المجاهدون بدمائهم آخر صفحات تاريخ العرب والإسلام في الأندلس، وكأنَّ أبا تمام يعني كل واحد فيهم، وهو يُنشد في محمد بن حُميد الطائي:
تقومُ مقامَ النصر إذ فاتَهُ النَّصْرُ فتىً ماتَ بين الضّرب والطعنِ ميتةً
من الضّرْبِ واعتلتْ عليهِ القَنا السُّمْرُ وما ماتَ حتّى مات مضرِبُ سيفهِ
قَبَس من التاريخ
( ((يعرض لنا تاريخ الأندلس منذ قيام الدولة الأموية ثلاث مراحل تمتاز كل منها بميزات خاصة: الأولى مرحلة القوة والتفوّق؛ والثانية مرحلة الفوضى والكفاح خلال عصر الطوائف والمرابطين والموحدين؛ والثالثة: مرحلة الضعف والانحلال أيام مملكة غرناطة، وهي مرحلة الكفاح الأخير)).
( لما دنَت وفاةُ المنصور الموحدي أبي يوسف يعقوب (554 - 595 هـ) جمع بنيه، والموحدين ووصاهم بوصايا منها:
((أيها الناس أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالأيتام واليتيمة. فقال له الشيخ أبو محمد الهنتاتي: يا سيدنا ومولانا: وما الأيتام واليتيمة؟ فقال: الأيتام أهل جزيرة الأندلس، وهي اليتيمة (أي الأندلس) فإيّاكم والغَفلة عمّا يُصلحها من تشييد الأسوار وحماية الثغور (الحدود) وترتيب أجنادها، وتوفير رعايتها...)).
( أرسل أمير مدينة بلنسية أبو جميل زيان سنة 636هـ الشاعر الأندلسي البلنسي ابن الأبار برسالة استنجاد إلى صاحب إفريقية (تونس) حين دهمهم خطر الاجتياح الإسباني، وأنشد ابن الأبار في تونس قصيدته المشهورة:
إن السبيل إلى منجاتها دَرَسا أدركْ بخيلكَ خيلِ اللهِ أندلسا
فلمْ يَزلْ منكَ عِزُّ النَّصْرِ مُلْتمَسا وهَبْ لها من عَزيزِ النّصرِ ما التمَستْ
( كتب لسانُ الدّين بن الخطيب في مقدمة كتابه (أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام)، ((توفي لسان الدين سنة 776 هـ)):
((إلا أن - الأندلسَ - اليومَ لم يبق لها إلا عُلالة لا تروي غُلَّة، ونُفاضة مِزْوَدة (وعاء الزّاد) لا تَحْسُن بها قلة؛ لم تحفظ ذَماءَها إلا فِتن شغلت العدو، وشرعت الهدوَّ؛ لطف الله يمر بها مرّ النسيم بقدرته...)).
( ودخل - قاضي الجماعة بغرناطة أبو عبد الله محمد بن علي بن الأَزْرَق مدينةَ تِلمسان لَمّا استولى العدوّ على مُعظم بلاد الأندلس. ثم ارتحل إلى بلاد المشرق فدخل مصر واستنهض عزائم السلطان قايتباي لاسترجاع الأندلس...)).
المقدمة
كان الوجود العربي في الأندلس امتداداً لحركة الفتح الإسلامي التي انطلقت من الجزيرة العربية شَرْقاً وغَرْباً. وبلغت الفتوحات مداها في القرن الهجري الأول، وفي سنوات قليلة من بداية القرن الثاني. ثم استقر العرب والفاتحون في بلاد الأندلس من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
1- واختلّت أُمورُ الأندلس أوّل مَرّة في مُدّة ضعف الدولة الأُموية في المشرق، وفي الفترة الفاصلة بين سقوط تلك الدولة 132 هـ وجواز عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس سنة 138 هـ. ((ولو لم تطأ قدم عبد الرحمن الداخل في أرض هذه البلاد لصار تاريخ الإسلام فيها إلى ما سيصيرُ إليه في صِقلّية بعد ذلك بنيف وثلاثة قرون: اختلاف وتفرق وحروب. ثم يكتسحهم أعداؤهم وينتهي أمر الإسلام في الجزيرة)).
وكــان نفرٌ من (الإسبان) قد تجمّعُــوا في أَقْصى الشّمـــال. ثم انتهزوا فُرصَة الفِتَن (الحُروب الأهلية) التي عاشت الأندلس في ظلالها في مدة الولاة (93 - 138 هـ) ثم غلَبُوا على الأراضي الشاسعة التي أخلاها الْمُسْلِمُون في الشمال (من عرب وبربر) لأسباب مختلفة. وحين بدأ عبد الرحمن حُكمه كانت القطعة الشمالية الغربية الوعرة من أرض الأندلس خارج السيادة العربية الإسلامية.
2- وكانت أيام الدولة الأموية أيام قوة وغلبة ظاهرة. فلما سقَطت في أوائل القرن الخامس (422؟) أضحت البلاد نهباً لِدُويلات صغيرةٍ مُستضعفة يضربُ بعضها بعضاً، ويأكلُ القويّ منها الضعيف. صار بأسُهم بينهم، وكان عَدُوُّهم - أحياناً - أقرب إليهم من ذويهم. وقَوِيَ العدوُّ عليهم واستَكْلَب. وسقطت في هذه المدة مدينة طليطلة دُرَّة وسط الأندلس سنة 478 هـ إلى قلاع وحصون أخرى غيرها.
3- وتغلّب أهل الرأي والحل والعقد، وأَلْزَمُوا المعتمدَ بنَ عبَّاد في نفرٍ من أُمراء الطّوائف أن يستنجدَ بالمرابطين حُكّامِ الدولةِ الفتيّةِ الجديدةِ الناشئةِ في المغرب. وأثمرَ التحالفُ المرابطيُّ (المغربي) الأندلسيّ ثماره وشيكاً، وكان نصرُ (الزلاّقة) على ألفونسو السّادس وجيشه المؤيَّد بقوى خارجيّةٍ سنة 479 هـ علامةً بارزةً على عودة الكفاح، والثّبات؛ وعلى تغيّر مجريات الأمور في الأندلس إلى تعادلٍ وتكافؤ، بل إلى رُجحان كفّة قوى التحالف الإسلامي إلى حين.
4- وقضى يوسف بن تاشفين أميرُ المسلمين، زعيمُ دولةِ المرابطين على دُوَل الطوائف بعد أن تبيّنَ له أن بقاءَهم في أماكنهم خطرٌ على سلامَة البلاد. وتوحّدت العُدْوتان الأندلسيّة والمغربية. واستمر هذا في عهد المرابطين، وفي عهد الدولة التالية لهم والتي حلت محلهم في القطرين: دولة الموحدين.
5- وكان إحياءُ رسم الجهاد، واسترداد بعض المدن والمناطق الضائعة (أحياناً) الشّغلَ الشاغل لأمراء المرابطين، ثم معظم أمراء الموحدين عدا قلَّة قليلة انهارت وتخاذلت، وأدى انهيارها وتخاذلها إلى تَهاوي الأندلس بسرعةٍ غريبةٍ تحت ضربات تحالف الدول الإسبانية - البرتغالية المؤيَّدة من قوى أوربيّة متطوعة في حرب عاتيةٍ تُماثل الحربَ التي اندفعت نحوَ المشرق في الوقت نفسه تقريباً (راجع تواريخ الحروب الصليبية).
وقد بدأت دُول الطّوائف تقتطعُ أجزاءَ الدّولة الأُموية منذ نشوب الفتنة القُرطبية سنة 400 هـ تقريباً. واستمرّ زمانُ هذه الدول إلى أن دخَل الْمُرابطون على نِيّة القضاءِ علَيهم للمرّة الرّابعة سنة 484 هـ وتساقَطت دُوَلهم تباعاً. وكانت منطقةُ إلبيرة، وعاصِمَتُها غَرناطة تحتَ سُلطة بني زيري. وهُم الذين جَعلُوا غَرْناطَة عاصمةً للمنطقة وحولوها عن مدينة إلبيرة.
6- ثم دخلَ الموحّدون إلى الأَندلس سنة 541 هـ على نيّةِ إتمام مهمة الدفاع والجهاد والتوحيد بين العدوتين. وخاض الموحدون حرباً مع الدول الشمالية من قشتالة وليون والبرتغال. واستردّوا مُدناً وحُصوناً كثيرة. وانتصرَ أبو يوسف يعقوب الْمَنْصُور في (الأرك) سنة 591 هـ. ولكنّ الهزائمَ توالت على خُلفائه مثل هزيمةِ (العقاب) سنة 609 هـ.
- وتساقطَتْ كُبريات المدُن أمام قوات الدول الشمالية التي تتلقى المدَد الصليبيّ الْمُستمر من أنحاء أوربة، والتي كثر فيها الْمُغامرون والسّفاحون، والرّاغبون في السّلب والنهب.
7- وقامت حركاتٌ في عدد من الأقاليم الأندلسية في هذه المدة مستغلّةً ضعفَ الموحدين واضطراب الأحوال، مثل حركات ابن هود، وابن مَرْدَنِيْش، وابن الأحمر.
واستطاع محمّد بن الأحمر الثائر بِجَيَّان أن يتماسك بالبقية الباقية بعد تساقط الثوار الآخرين وأن ينحاز إلى مدينة غرناطة، ويَتَّخِذَها برضا الجَماعة دارَ دولةٍ جديدةٍ عُرِفَت في التّاريخ باسم دولة بني نصر أو بني الأحمر (الأحمر لقب لجدّهم).
8- ومن غرائب التّاريخ، ومَوازين القُوى على اعتبار أيِّ حسابٍ، أن يقاوِمَ الأندلسيّون أكثرَ من قرنين ونصف قرن منذ 635 هـ بداية الدولة النصرية إلى سقوط غرناطة سنة 897 هـ. والحقّ أن غَرناطة وَرثت تُراثاً ضخماً من المعرفة والثّقافة والحضارة. وتماسكت عسكريّاً وحربياً، واستمرت الأحوال الحربية زماناً طويلاً سجالاً بين الفريقين، إلى أن تَمّ استغلاب البقية الباقية للحضارة الإسلامية بعد كفاح مرير.
- واستعانَ النصريون بدولة بني مَرِيْن التي وَرِثَت دولة الموحّدين بالمغرب (الأقصى). وكان الموَحّدون بعد ضعفهم قد خَلّفُوا من ورائهم ثلاث دويلات: دولة بني مَرِين، ودولة بني زَيّان أو بني عبد الوادي وعاصمتهم تِلمْسان (في المغرب الأوسط)، ودولة بني حَفْص أو الحَفْصيّين في تونس (المغرب الأدنى).
9 - وكان لمشيخة الغُزاة التي رَتّبها المرينيون في الأندلس، لمتابعة الدفاع والجهاد، في القرن السابع أثَرُها في مساعدة الأندلسيّين وترجيح كِفّتهم أحياناً. غير أنّ قوة المرينيين لم تصل إلى درَجة قوّة المرابطين، أو الموحّدين في أيام قوتهم. زِدْ على ذلك أنّ بني زيان طالَما أزْعَجُوا بني مرين، أو تعَرّضُوا لهجمات على بلادهم وعاصمتهم تِلمْسان في حُروبٍ مُتَبادلة، لقد كان لهذا أثره في إضعاف قُوّة بني مرين وشغلهم عن مَهمّة الجهاد.
- وضَعُفَ شأنُ مشيخة الغزاة في مجموعة من حوادث النزاع بين بني نصر وبعض سلاطين بني مرين وقلّت أهميتها. وكان هذا العامل من الأسباب المباشرة للتعجيل بسقوطِ دَولة غَرناطة وإضعافها. وسيطر الإسبان على كثيرٍ من مَواقع جيش الغُزاة المغربي القديمة، في الوقت الذي كان المدَدُ المغربيّ شريان الحياة الرئيسي.
10- وتضافرَ على العَلاقات الأندلسيّة المغربيّة في النصف الثاني من القرن الثامن عاملان اثنان مُهِمّان:
أ - أحَدُهما دخولُ الْمَغرب في حال ضَعْف، وبدء انحلال دولة بني مَرِين بعد وفاة السّلطان أبي الحسن المريني.
ب - والثاني انقلابُ العلاقات بينهما إلى علاقات بلاط ((تغلبُ علَيها دسائسُ القُصور)). قال الأستاذ عنان معلّقاً: ((وانقطعت الجُيوش المغربيّة عن العُبور إلى الأندلس لمقاتلة النصارى... وتركتْ غرناطة من ذلك الحين إلى مصيرها داخل الجَزِيرة...)).
11- وشهد القرن التاسع مجموعةَ أمورٍ خطيرة:
( فقد تقلّب على عَرش غَرناطة عددٌ من الأمراء غير ذوي الكفاية. وصار بأسُ أمراء بني نصر بينَهُم. واختلفوا واقتَتَلُوا أحياناً، بل حَالفَ بعضُهم ملوكَ العدوّ ضدّ بعضهم الآخر. وكانت الطامّة في الخلاف بين أبي الحسن وأخيه أبي عبد الله الزّغل، ثم بين الزّغل وابن أخيه أبي عبد الله الصّغير. وعلى يدي هؤلاء ضاعت الأندلس في أيّامها الأخيرة.
( وضَعُفت دولة بني مرين ضعفاً شديداً، وتغلّب على حكم المغرب الأقصى دولة بني وَطّاس. وكان بنو وطاس أشد ضعفاً من بني مرين في أيامهم الأخيرة. ولم يكن أمراؤهم وسلاطينهم قادرين على التماسك أو ترك التّنابذ والاقتتال. كأنما وكلوا - أيضاً - بأن يُعِيْنُوا البرتغاليين والإسبانيول!! وكان قيام دولتهم سنة 869 هـ.
( واستولت دولة البُرتغال - التي قويت من جهة البحر والأسطول - على عدد من مدن المغرب حتى وضعت يدها على معظم السواحل والمدن المهمة (استولوا على سبتة سنة 818 هـ، وقصر المجاز 862 هـ وآنفى 874 هـ وأصيلا 876 هـ وعلى طنجة 869 هـ) وتوالى سقوط المدن المغربية بعد سقوط غرناطة أيضاً.
12- وقد أدت هذه الأحداث في المغرب والأندلس إلى اضمحلال أحوال المسلمين وتراجعهم وضعف جيوشهم في الأندلس. ويستغرب الدارس قدرة الأندلسيين على ذلك الثبات العجيب أمام تحالف دولتي أراجون وقشتالة (بزواج فرناندو وإيزابيلا)، ودحرهم جيوشهم عدداً من المرات.
13- وقد وَضع الأندلسيون في حُسبانهم أن يستنجدوا بالمشرق، بعد تهافت قوة دولة بني مرين في المغرب، وبعد سقوط غرناطة، وسقوط أعلام المدن المغربية في يد البرتغال.
فقد أُرسلت سفارة سياسية من غَرناطة إلى القاهرة سنة 844 هـ، كان أمير غرناطة يومها السلطان أبو عبد الله الأيسر محمد بن يوسف فقد ((أرسل إلى مصر يرجو فيها سلطان مصر الإنجاد والغوث؛ لما رآه من اشتداد وطأة النصارى على أراضي مملكته)) وكان سلطانُ مصر آنها السّلطان جَقْمَق. ووعد جقمق بأن يطلب إلى (ابن عثمان) أي سلطان القسطنطينية المفتوحة. فقد كان المماليك رجال خيل وبَرّ ولم يكونوا رجال بَحْرٍ وأسطول.
ويرجّح الأستاذ عنان ((أن السفارة لم تسفر عن أية نتائج عملية)).
- وفي أخبار أبي عبد الله الزَّغل (عم أبي عبد الله الصّغير) ومنافسه على السلطة أنه أوفد وفوداً برسائل استغاثة واستنجاد إلى ملوك إفريقية ومصر والقسطنطينية. ولم تكن هناك جدوى عملية من هذه الرُّسل وتلك الرسائل. فقد كان الضعف تسرب إلى دول المغرب أو دويلاته. أما مصر والدولة العثمانية فلم يسفر تحاورهما في موضوع نجدة الأندلس عن شيء إيجابي.
14- وكانت المعاهدات التي يبرمها فرناندو مع المدن والقرى والقلاع والحصون حبراً على ورق. سرعان ما ينقض ما فيها، ويذيق الشعب الأندلسي ضروب العسف والهوان. ويجبره على ترك الماضي بكل ما فيه من معاني الحضارة والثقافة والولاء.
وكانت معاهدته لتسليم غَرناطة من هذا النوع. وصَبر الأندلسيّون على الإخلال بنصوص المعاهدة نصاً نصاً. ثم قامت لأهالي مملكة غرناطة وغيرها ثورات عنيفة، عُرفت باسم ثورات الْمُوريسكيين، امتدّت خلال القرن العاشر الهجري وصَدْراً من القَرن الحادي عشر، تَمّ قَمْعُها بقسوةٍ بالغةِ الوحشية في ظلالِ مَحاكم التفتيش، والقوانين الصارمة التي أطفأت سراج تلك الأمة العريقة وجعلتها في ظلام دامس.
15- وتَبْقى لهذا الكتاب أهميّةُ الوثيقة التّاريخية النّادرة.
ويَبْقى أيضاً نموذجاً رائعاً لما يُشبه المذكّرات الشّخصية التي يَصْلُح أن نقولَ: إنّها كُتبت من خلال عَواطف كُلّ واحدٍ من أفرادِ الشّعب في الأندلس، في تلك الْمُدّة القاسية من تاريخ الأُمّة. ويَزيدُ في صِحّة هذا الْمَلْمَح أنّ الكتاب غُفْلٌ من اسمِ المؤلِّف نفسه، ترَكه غُفْلاً؛ لأنّه رسالةٌ ناطقة باسمِ غَرْناطة، ومُدنِ المملكة الذاهبة جميعاً!
* * *
هذا الكتاب وثيقة تاريخية من أهم الوثائق الباقية في تاريخ الأندلس، ولعله يمثل الشاهد الوحيد الذي يسجل الأحداث الأخيرة لدولة غرناطة قبل سقوط المدينة بنحو خمسة عشر عاماً سجلها شاهد عيان، بقلم يجمع بين العفويّة والصدق والمذكرات الشخصية واليوميات المدونة.
وفائدته الجليلة أنه تاريخ لدولة بني الأحمر (بني نصر) ملوك غرناطة، وصفحة من نضال الأمة وكفاحها الذي يمكن أن يوصف أنه دفاع المستميت.
آخر أيام غرناطة - نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر تأليف: مجاهد مجهول من المقاومة الإسلامية في غرناطة تحقيق: د. محمد رضوان الداية يمثل هذا الكتاب أهم وثيقة تاريخية باقية في التاريخ الأندلسي، ويسجل وحده الأحداث الأخيرة لدولة غرناطة قبل سقوطها بنحو خمسة عشر عاماً، يسجلها مشارك في المعارك الأخيرة، قلق على مصير أمته ودولته وغدها. ويجمع الكتاب بين خصائص الكتابة التاريخية المدوّنة بعفوية وصدق، وبين المذكرات الشخصية واليوميات المسجلة لبعض الأحداث الجسام. ويؤرخ لدولة بني الأحمر (بني نصر) ملوك غرناطة في أيامها الأخيرة، ويصور صفحة من نضال الأمة المستميت خلال الأحداث الدامية. ويعرض قبساً من تاريخ الأندلس، وآخر أيام غرناطة وأخبار ملوك بني نصر، وما وقع للأمير علي بن سعد، وعرض الجيش والفرسان في حمراء غرناطة، وحادثة سيل غرناطة العظيم. ويسجل انقضاء معاهدة الصلح بين النصارى والمسلمين واستئناف الحرب، وحصار مدينة الحمة، وموقعة لوشة وبلش مالقة، واللسانة، واستيلاء النصارى على حصني قرطمة وذكوين، وعلى رندة وضواحيها، وحصن قنبيل ومدينة لوشة، وإلبيرة وحصن المكلين وقلنبيرة. ويبحث في خروج الأمير محمد بن علي إلى حصون الشرقية واستئناف القتال، ونزول ملك قشتالة في ضواحي مدينة بلش، وحصار مدينتي مالقة وبسطة، ومبايعة الأمير محمد بن سعد ملك قشتالة الذي ينقض معاهدة الصلح، وانتصار المسلمين واستيلائهم على قرى إقليم البشرة وفرار الأمير محمد بن سعد، واستئناف الحرب وحصار حصن مرشانة وانتصار المسلمين، ورجوع ملك قشتالة إلى أرض المسلمين وحصار غرناطة وتسليمها. ويذيل الكتاب بتذييل وملاحق هامة.