الفصل الثالث
إعادة بناء حدود السوق
المبدأ الأول في استراتيجية المحيط الأزرق هو إعادة بناء حدود السوق للانفلات من المنافسة، ومن ثم إيجاد المحيط الأزرق. يتناول هذا المبدأ مخاطر البحث التي تكافح ضدها الكثير من الشركات. يكمن التحدي في التحديد الناجح للفرص التجارية المواتية لإيجاد المحيط الأزرق من كومة الاحتمالات الموجودة. يعد هذا التحدي مفصلياً لأن المديرين لا يستطيعون أن يقامروا باستراتيجيتهم اعتماداً على الحدس وحده، أو على اختيار عشوائي للورقة الرابحة.
حاولنا خلال قيامنا بالبحث أن نكتشف إن كانت هناك نماذج منهجية لإعادة بناء حدود السوق وإيجاد المحيطات الزرقاء. وأردنا فيما لو وجدنا مثل هذه النماذج، أن نعرف إن كانت هذه النماذج تنطبق على كل أنواع الصناعة وقطاعاتها من البضائع الاستهلاكية، مروراً بالمنتجات الصناعية، إلى التمويل والخدمات، والاتصالات وعلوم الصيدلة. أم أن هذه النماذج محددة بصناعة معينة.
وجدنا نماذج واضحة لإيجاد المحيطات الزرقاء. وجدنا على وجه الخصوص ستة مناهج أساسية لإعادة وضع حدود السوق: نسمي هذه المناهج الستة إطار العمل ذا المسارات الستة. ويمكن تعميم هذه المسارات على قطاعات الصناعة المختلفة، وهي تقود الشركات ضمن معبر أفكار المحيط الأزرق القابلة للتطبيق تجارياً. ليس بين هذه المسارات ما يتطلب رؤية خاصة أو تنبؤاً بالمستقبل، وتركز كلها على إمعان النظر في البيانات المتعارف عليها لكن من منظور جديد.
تتحدى هذه المسارات الافتراضات الأساسية الستة التي تشكل أساس استراتيجيات العديد من الشركات، وهذه الافتراضات التي تبني الشركات استراتيجياتها على أساسها وهي شبه مُـنوّمة، لتجد نفسها باستمرار عالقة في منافسات المحيطات الحمراء، وخاصة الشركات التي تميل إلى فعل شيء مما يلي:
التحديد النمطي لقطاع الصناعة الذي تعمل فيه والتركيز على أن تكون الأفضل فيه.
النظر إلى صناعتها بمنظار مجموعة الاستراتيجيات المقبولة بشكل عام (مثل السيارات الفاخرة، السيارات العائلية)، وصراع هذه الشركات للتميز ضمن المجموعة الاستراتيجية التي وضعت نفسها فيها.
التركيز على نفس الشريحة من المستهلكين، لتكون المورد لها (كما في صناعة التجهيزات المكتبية)، أو المستخدم (كما في صناعة الألبسة)، أو المتأثر (كما في الصناعات الدوائية).
تحديد الغرض من المنتجات والخدمات المقدمة من قبل صناعتها بشكل متشابه.
القبول بالاتجاه الوظيفي أو العاطفي لمجال صناعتها.
التركيز على النقطة نفسها دائماً عند صياغة الاستراتيجية أو بشكل خاص عند ظهور تهديدات المنافسة.
الفصل الخامس
امتدّ إلى أبعدَ من الطلب الحالي
ليس هناك شركة ترغب بالخروج من المحيط الأحمر لكي تجد نفسها في بركة وحل. السؤال هو كيف تزيد حجم المحيط الأزرق الذي توجده؟ يأخذنا هذا السؤال إلى المبدأ الثالث لاستراتيجية المحيط الأزرق: (امتد إلى أبعد من الطلب الحالي).
يعتبر هذا المبدأ مكوناً أساسياً لتحقيق ابتكار القيمة.
تخفف هذه المقاربة من كفة المخاطرة المرتبطة بإيجاد سوق جديدة من خلال تجميعها لأكبر حجم من الطلب على العرض الجديد.
لتحقيق هذا يتوجب على الشركات أن تتحدى ممارستين استراتيجيتين تقليديتين. الأولى هي التركيز على الزبائن الحاليين، والأخرى هي النزعة إلى تقسيم السوق إلى شرائح أكثر دقة وتفصيلاً للتكيف مع الاختلافات الدقيقة بين الزبائن في السوق. تجاهد الشركات سعياً لزيادة حصتها من السوق، وتكافح للإبقاء على زبائنها الحاليين وزيادتهم. يقود هذا في الغالب إلى تقسيم السوق إلى شرائح أكثر تفصيلاً، كما يقود إلى تكييف أكبر للعروض لتلبية تفضيلات الزبائن بشكل أفضل، وكلما زادت حدة المنافسة زادت بالمتوسط شدة تخصيص العروض المقدمة، وخلال تنافس الشركات لملاقاة تفضيلات الزبون ومن خلال التقسيم الدقيق للسوق تخاطر هذه الشركات بخلقها لسوقٍ مستهدفة ضيقة جداً.
تحتاج الشركات إذا أرادت زيادة حجم محيطها الأزرق أن تأخذ مساراً معاكساً. فبدلاً من التركيز على الزبائن، عليها أن تنظر إلى غير الزبائن، وبدلاً من التركيز على الفروق بين الزبائن عليها أن تبني عملها على القواسم المشتركة القوية في القيمة بالنسبة إلى المستهلكين. يسمح هذا الأمر للشركات بالامتداد لأبعد من الطلب الحالي لفتح المجال أمام كتلة جديدة من الزبائن لم تكن موجودةً من قبل.
يمكن أن نأخذ مثل Callaway Golf ) التي جمعت طلباً جديداً لعرضها من خلال توجيه نظرها إلى غير المستهلكين. في الوقت الذي صارعت فيه صناعة الغولف الأمريكية لكسب حصة أكبر من الزبائن الحاليين فإن Callaway Golf ) أوجدت محيطاً أزرق من الطلب الجديد عندما تساءلت عن سبب عدم اعتبار الغولف رياضةً من قبل الرياضيين وبقية الناس في الأندية المختلفة في البلد. وجدت الشركة من خلال نظرها في سبب خجل الناس من ممارسة لعبة الغولف أن السبب الشائع بين كتلة كبيرة من غير الزبائن هو اعتقادهم بأن ضرب كرة الغولف أمر صعب جداً، وصغر حجم رأس مضرب الغولف يتطلب تنسيقاً كبيراً بين العين واليد، ويتطلب وقتاً لإجادته، وبالنتيجة لم يبق شيء من المرح بالنسبة إلى المبتدئين.
أعطى هذا الفهم رؤيةً لكيفية جمع طلب جديد على عرضها، وجاءت الإجابة في مضرب الغولف Big Bretha ) وهو مضرب برأس كبير، صُـنع خصيصاً لضرب الكرة بسهولة أكبر. لم يكتف هذا المضرب بتحويل غير الزبائن إلى زبائن فحسب، بل إنه أسعد لاعبي الغولف وحقق أعلى نسب المبيعات.
مقدمة
يتعلق هذا الكتاب بالصداقة، والولاء، وبإيمان أحدنا بالآخر. فالصداقة والإيمان جعلتانا نبحر في رحلة لاستكشاف أفكار هذا الكتاب ونخلص إلى كتابته.التقينا قبل عشرين سنة خلَـت في غرفة دراسية كان أحدنا فيها أستاذاً والآخر طالباً، ومنذ ذلك الوقت ونحن نعمل معاً، ونرى أنفسنا خلال الرحلة أحياناً كثيرة مذهولَيْن كجرذين في مياه المجارير. لا يعد هذا الكتاب نصراً لفكرة إنما هو نصر لصداقة وجدناها أهم من أي فكرة في عالم الأعمال، صداقة جعلت حياتنا أكثر غنىً وعالمنا أكثر جمالاً. صداقة جعلت كلاً منا يشعر أنه ليس وحده.ليست هناك رحلة سهلة، ولا صداقة بالفرح وحده. لكننا شعرنا بالإثارة كلَّ يوم من أيام هذه الرحلة، لأننا كنا في مهمة بحث عن التعلم و التطور. يربطنا بأفكار هذا الكتاب إيمانٌ عميق، وهي أفكار لا تناسب من يطمح في حياته لمجرد البقاء و الاستمرار بشكل ما، فهذا لم يكن أبداً ضمن اهتماماتنا، فإذا كنت ممن يكتفون بهذا فلا تقرأ هذا الكتاب. أما إذا أردت أن تحدث فرقاً، وتنشئ شركة، تبني للمستقبل الذي يربح فيه الزبون كما يربح الموظفون وذوو العلاقة والمجتمع فتابع قراءتك. ولا نزعم أن هذا شيء سهل، لكنه يستحق المحاولة.تؤكد أبحاثنا أنه ليس هناك شركة مثالية على الدوام. كما أنه ليس هناك صناعات مثالية، وهذا ما وجدناه في طريق رحلتنا الوعرة. نقوم كلنا، كما تقوم الشركات بأشياء تنم عن الذكاء وأشياء أقل ذكاءً، ولكي نتطور ونحسّـن نوعية نجاحنا علينا أن ندرس كل ما نفعله ونُحدث فارقاً إيجابياً، وعلينا أن نفهم كيف نعيد الكرّة بشكل مستمر. وهذا هو ما نسميه التحركات الاستراتيجية البارعة، ولقد وجدنا أن التحرك الاستراتيجي ذا الأثر الجوهري هو خلق المحيطات الزرقاء.استراتيجية المحيط الأزرق هي بمثابة تحدٍّ أمام الشركات لتنتشل نفسها من المنافسة الدموية التي تميّـز المحيطات الحمراء، وذلك عبر خلق مساحةٍ من السوق لا منازع فيها، بحيث تصبح المنافسة أمراً غير مطروح. فبدلاً من تقسيم الطلب - الذي هو قليل أصلاً- وملاحقة المنافسين وتقليدهم، فإن استراتيجية المحيط الأزرق تقوم على زيادة الطلب والانعتاق من المنافسة. يقوم هذا الكتاب بأكثر من مجرد تحدي الشركات، فهو يقدم الطريقة لإنجاز هذا.نقدم أولاً مجموعة من أدوات التحليل، وإطار العمل الذي يشرح كيف تتعامل مع هذا التحدي، ونفصّـل ثانياً المبادئ التي تحدد وتفصِل استراتيجية المحيط الأزرق عن الاستراتيجية المبنية على أساس فكرة المنافسة.هدفنا هو صياغة استراتيجية المحيط الأزرق وتنفيذها بشكل منهجيّ، وجعلُها قابلة للتنفيذ كما هي حال المنافسة في سوق المياه الحمراء المعروفة. عندها فقط تتمكن الشركات من إتاحة أقصى ما يمكن، وتخفيض نسبة المخاطرة إلى أدنى حد لها.ليس هناك شركة، صغيرةً كانت أم كبيرة، ذاتُ مكانة عريقة أو جديدة يمكنها أن تدخل بمغامرة أشبه بمقامرة، ولا يفترض بالشركة أن تقوم بهذا أيضاً.محتويات هذا الكتاب هي نتيجة خمسة عشر عاماً من البحث في بيانات تعود إلى أكثر من مئة سنة خلت، وسلسلة من مقالات حول إدارة الأعمال من منشورات جامعة هارفارد، إضافة إلى مقالات أكاديمية تناولت أبعاداً عدّة في هذا الموضوع. تم اختبار الأفكار والأدوات وإطار العمل المعروضة في هذا الكتاب وتقويمها على مدى سنوات من العمل التعاوني في أوربة، والولايات المتحدة، وآسية. يبني الكتاب على هذا العمل ويوسعه عبر منحنيات بيانية، ترسم هذه الأفكار معاً موفّرة إطار عمل موحد.لا يكتفي إطار العمل هذا بالتوجه إلى المفاهيم التحليلية الكامنة وراء إيجاد استراتيجية المحيط الأزرق فقط بل يشمل كل المفاهيم الإنسانية المتعلقة بعمل الشركة و العاملين فيها وبإنجاز هذه الرحلة، مع العزم على تطبيق هذه الأفكار ووضعها في الفعل، وهنا فإن فَـهم كيفية بناء الثقة والالتزام، إضافةً إلى فهم أهمية التمييز الفكري والعاطفي، هما أمران مهمان بحيث أخذا مكانهما في لبّ الاستراتيجية.كانت كل الفرص التي يتيحها المحيط الأزرق موجودة دائماً، ومع اكتشافها أخذ عالم السوق بالاتساع، ونعتقد بأن هذا التوسع هو أساس النمو وجذره. ومع ذلك فإن الفهم القاصر ما زال يُـلاحظ في النظرية وفي التطبيق، وذلك فيما يخص كيفية إيجاد هذه المحيطات الزرقاء، وإحكام القبضة عليها. ندعوك لقراءة هذا الكتاب و تعلُّـم كيفية توجيه هذا التوسع في المستقبل.
كتاب يتعلق بالصداقة والولاء وبإيمان الفرد بالآخر من أجل بناء المستقبل والحصول على الزبائن دون منافسة، وإنشاء العلاقات الناجحة، ورفع مستوى الأداء.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام سمى المؤلفان كل قسم منها جزءاً، وقسما الأجزاء إلى فصول ثمانية في مجملها.
عنون المؤلفان الجزء الأول باسم الكتاب، وفيه فصلان، الفصل الأول (إيجاد المحيطات الزرقاء) لإنشاء مساحة سوق جديدة والتأثير فيها والتحرك بها التحرك الاستراتيجي. والفصل الثاني (الأدوات التحليلية وأطر العمل)، فذكرا منها أربع فعاليات وثلاث ميزات استراتيجية.
وقُسم الجزء الثاني (صياغة استراتيجية المحيط الأزرق) إلى أربعة فصول؛ الفصل الأول لإعادة بناء حدود السوق، والفصل الثاني للتركيز على الصورة الكبيرة لا على الأرقام، والفصل الثالث للامتداد في السوق إلى أبعد من الطلب الحالي من أجل الانطلاق نحو الغنيمة الأكبر، والفصل الرابع للسعاية نحو السياق الاستراتيجي الصحيح من خلال خطوات مدروسة.
وانقسم الجزء الثالث (تنفيذ استراتيجية المحيط الأزرق) إلى فصلين؛ الفصل الأول للتغلب على العقبات المنظماتية، وجاءت فيه مقترحات عديدة حيوية في سبيل ذلك. والفصل الثاني جاء تحت عنوان (اجعل التنفيذ متكاملاً مع استراتيجيتك وجزءاً منها).
وانتهى الكتاب بخاتمة في استمرارية استراتيجية المحيط الأزرق وتجديدها، بعدها ثلاثة ملاحق (لمحات من النموذج التاريخي لإيجاد المحيط الأزرق) و (ابتكار القيمة) و(حركة السوق لدى ابتكار القيمة).