لقد عمد المؤلف في هذا الكتاب " الجينوم البشري وأخلاقياته: جينات النوع البشري وجينات الفرد البشري " إلى إضافة براهين جديدة على نظريته: " التطور الجزيئي الموجه ذو المعنى "، التي كرس بها كتابه الموسوم بالعنوان: " موجز تاريخ الكون، من الانفجار الأعظم إلى الاستنساخ البشري " ( دار الفكر دمشق، 2003 )، وتذكيراً بهذه النظرية، فإن الكون بمادته الملموسة اللاحية والحية - 4 في المئة تقريباً - وبمادته السواء الباردة - 26 في المئة - وبطاقته المعتمة - 70 في المئة - أي بمتصلة مكانه - زمانه ذات الأحد عشر بعداً؛ خُلق بحدث الانفجار الأعظم، وولدت، من خلال هذا الحدث، القوى الطبيعية الأربع ( إرادة الله؛ الخالدة في متصلة المكان - الزمن ). لقد وجهت هذه القوى - التي استولدت القوى أو الروابط التكافؤية واللاتكافؤية - العلاقة بين أنواع المادتين الحية واللاحية من خلال ألفة الربيطة Ligand للمستقبل Receptor ؛ مُعبراً عن هذه الألفة بثابتة الترابط Ka Association Constant ( مثال ذلك ألفة الجين السري كربيطة في متخالفي الزيجوت في مرض فقر الدم المتجلي في إنزيم بوليميزا RNA كمستقل ؛ مقارنة بألفة هذا المستقبل للجين المعيب )؛ وجهت هذه القوى إذاً التطور من الأبسط إلى الأعقد في ما يتعلق بالبنية، ومن الأقل إلى الأكثر أداءً وكفاية في ما يتعلق بالوظيفة، ليأتي هذا النطور على شكل تطور ذي معنى؛ يؤدي إلى نشوء حياة ذكية، يتوجها خلق الإنسان ( خليفة الله في الأرض ). كما أن تلاؤم الثوابت الطبيعية ( الثقالة وسرعة الضوء، وثابتة بلانك Planck Constant وكتل وشحن الجسيمات الأولية )، التي تقوم على أسسها قوانين العلم؛ إن تلاؤم هذه الثوابت الطبيعية مع بعضها البعض تلاؤماً غاية في الدقة والأناقة هو خير برهان على خلق الكون على الشكل الذي نراه ونرصده. ولولا دقة هذا التلاؤم وأناقته لما كان الكون على الشكل الذي هو عليه. وليس التطور سوى السباق المستمر لتفاعلات ربيطة - مستقبل للفوز بأعلى ثابتة ترابط (Ka ) ممكنة. ويصيغ المؤلف في هذا الكتاب، بعد أن يعرض لموضوع الجينوم البشري ببعض التفصيل، ويناقش موضوعات المعالجة الجينية والاستنساخ البشري الخلايا الجذعية؛ يصيغ إذاً نظرية جديدة ثانية، تفسر الفروق بين أفراد النوع الواحد عامة، وبين أفراد النوع البشري على وجه التخصيص. فالجينات البشرية ( ويقدر عددها حالياً بما يقرب من 23688 جيناً، وينزع هذا التقدير إلى بعض التناقص )، تشكل أقل من 1.5 في المئة فقط من كمية DNA الإنسان، وتمثل النمط الجيني Genotype أو الإكسونات، وهي مسؤولة عن كل ما هو أساسي وعام في جسم النوع البشري: بدءاً من مخطط الجسم وتناظره الجانبي وقطبيته وأعضائه وكل بنية من بناه؛ حتى تركيز الغلوكوز العام في الدم مثلاً. إن هذه الجينات - وتعرف بالجينات التقليدية - تؤثر ( تُكَوَّد ) النمط الشكلي Phenotype ( أي البروتينات، حصان الشغل أو البيولوجيا )، الذي يوجد في كل فرد من أفراد النوع البشري. أمّا طول القامة وقسمات لوجه، وحجوم أعضاء الجسم البشري ( الدماغ والفلب والكبد والكلوة، وهلمَّ جرّاً )، وأداء هذه الأعضاء ووظائفها؛ حتى المستوى الدقيق لتركيز الغلوكوز في الدم؛ والذكاء، وهلمَّ جرّاً؛ خِلال تختلف من فرد لآخر مُرمَّزة ( مكوّدة ) إما داخل DNA ولكن خارج الجينات التقليدية ( أي في ما يقابل المادة السوداء الباردة والطاقة المعتمة ؛ تشبيهاً ببنية الكون؛ أي في الإنترونات وDNA بين الجينات التقليدية [ جينات Rna الصغرى غير المرمزة للبروتينات - أي التي لا تحتوي على إكسونات؛ بما في ذلك RNA الاعتراضي (isnRnai ) - وما يعرف بالجينات " الكاذبة "، وتعدد الأشكال الناتج عن تغير نكلبونيد واحد SNP Single nucleotide pilymorphsims، ومكررات السوائل الصَّغرية microsatellites ( يبلغ طول الواحد منها ما بين 4و 6 نكلبوتيدات )، وتسلسلات أليو Alu ( يباغ طول الواحد منها ما بين 300 و 400 نكليوتيد )، وتنوعات عدد النسخ CNV copy number vaniants ( التي تشكل ما يقرب من 12 في المئة من الجينوم ؛ وتوجد في بعض الأفراد، وغائبة في البعض الآخر )]. أو أن هذه الخلال موجودة خارج DNA ، وتعرف عندئذ بالواسمات ما بعد الجينات epigenetic marks؛ ونعني بذلك الراموز ( الكود ) الهسنوني، وأسئلة هذه الهسنونات وفسفرتها وتمتيلها، وتمثيل DNA ، وفاعلية الترنسبوزنات، والمحولات الربيبة، وعوامل تأثير البيئة. إن هذه البنى وهذه التغيرات الكيمائية - بالإضافة إلى التعابر الصبغي crossing - over ,والإخصاب العشوائي - تختلف في النوع البشري بين فرد وآخر، ومسؤولة عن الفروق البنيوية والوظيفية التي تميز كل إنسان عن إنسان آخر، وتتباين حتى بين الإخوة والأخوات ضمن أفراد العائلة الواحدة. إنها تعمل كمفاتيح الراديو في اختيار الموجه، وفي ضبط نعومة الصوت وشدته. ثم يعرض المؤلف إلى أهمية كل من DNA الذي هو مجرد آلة للتنسخ، والبروتينات ( حصان الشغل )، التي تشكل بنى الجسم وتنجز وظائفه. ويقيم الدليل على أن RNA هو سيد البيولوجيا. وأخيراً، يناقش المؤلف الصدوع الموجودة في صيغ paradigms علمية ومعينة؛ اعتبرت وتعتبر نظريات مسلماً بها؛ لا يأتيها الباطل من أي جانب من جوانبها، ويورد مثالين مهمين على هذه النتائج العلمية: المنداية في تفسير توريث الخٍلال، والداروينية الجديدة في تفسير الفروق بين الأنواع كما يعرض المؤلف إلى الأزمة التي تمر بها البيولوجيا المعاصرة، ممثلة في تبعية البحث العلمي لرأس المال التجاري، وفي العيوب الموجودة في المندلية والداروينية الحديثة. ويُنهي المؤلف الكتاب في مناقشة كيف أن نشوء الجينيوم البشري؛ شأنه شأن نشوء الكون؛ قابل تماماً للإدراك، وغير عصي أبداً على الفهم؛ يصارع باستمرار ضد الأنتروبية.