تقديم
عندما أخبرتني الأخت الفاضلة نور جندلي، في رسالة إلكترونية، عن رغبتها في كتابة رواية عن العراق، وسألتني بعض الأسئلة عن أسماء الأحياء وأسئلة عامة أخرى، لا أُخفي أنني أبديت استغرابي من الأمر، بل حتى تشككي من قدرتها على ذلك.. ليس تقليلاً من موهبتها التي لا تحتاج إلى دليل ولكن لأن ذلك أمر قد يكون خارج قدرة أي كاتب مهما علا شأنه.. فكيف يكتب عن المدينة من لم يزرها؟ ومن لا يعرف حتى أسماء أحيائها؟.. عبّرت يومها عن استعدادي للمساعدة.. ولم أتلق طلباً من الأخت نور بذلك.. وتصورت أن الأمر انتهى عند المحاولة، كما يحدث مع المبدعين في أحيان كثيرة..
بعد بضعة أشهر، وكنت قد قاربت نسيان الأمر فاجأني بريدي الإلكتروني برسالة من الأخت نور تضم مرفقاً هو الرواية الصغيرة الكبيرة.
لن أدّعي هنا الموضوعية والحياد في النقد. بل سأعلنها صريحة وواضحة: أنا منحاز إلى هذه الرواية.. منحاز إليها دون شرط أو قيد.. دون أخذ المعايير الفنية بالنظر أو أي شيء من هذا القبيل، ليس لخروج الرواية عن هذه المعايير؛ بل لأن تعاطفي مع أحداثها وانحيازي إلى أبطالها أبطل تماماً كل حواسي النقدية، تماماً كما لن يفكر المصاب الجريح بتقييم شهادة الطبيب المسعف قبل أن يسمح له بإسعافه!..
هذه الرواية اقتربت من جروحي البغدادية بشكل كبير، ولذا فإن الانحياز إليها هو انحياز إلى جروحي.. هل ثمة خيار آخر أمامي؟ هل يمكنني غير الانحياز لأبطال الرواية؟ بل أن أجد نفسي فيهم.. فيهم جميعاً بلا استثناء ولا تخصيص..؟
منذ الصفحات الأولى، صفحات قرار الخروج الصعب، شدتني الرواية من تلابيبي، ذكرتني بقرار مماثل، في لحظة حرجة استغرقت مني شخصياً أشهراً طويلة من الجدل مع ذاتي ومع من حولي.. استطاعت الرواية هنا أن تجسد ذلك القرار الصعب الذي لا أشك أن كل من خرج يوماً من بيته، قد مرَّ به بطريقة أو بأخرى..
لا أريد أن "أحرق" الرواية على قرائها.. لكنني أحب هنا أن أذكّر، أن سورية، كل سورية، التي كانت الدولة الوحيدة التي فتحت حدودها للعراقيين في ذروة أزمتهم، هي أيضاً التي تقدم لنا اليوم هذه الرواية التي توثق، بطريقة أدبية راقية، جانباً من مأساة العراقيين في الوقت الذي أشاح عنهم الجميع تقريباً..
فشكراً سورية..كل سورية.. بالنيابة عن أولئك الملايين الذين التجؤوا إليك وحمّلوك أعباءً فوق أعبائك..
وشكراً نور.. بالنيابة عن كل أولئك الذين تركوا بيوتهم ذات يوم، في لحظة مدببة حرجة، لم يكن فيها أمامهم خيار آخر.. شكراً..كل الشكر..
د.أحمد خيري العمري
?
بادئة
إلى أقمار بغداد..
كل الذين رحلوا عنها وهم يذودون عن حماها..
وكل من صمدوا حتى هذه اللحظة بشجاعة نادرة في وجه إعصار النّار..
ومن لملموا حقائبهم مسافرين عنها، ليعودوا محملين بترياق يشفي جراحها..
وإلى الشّرفاء الذين تداعوا بسهرٍ قلق، وحمى ثقيلة، منذ لحظة سقوطها، وحتى اليوم منتظرين أن تنهض..
سنبقى نتألم معاً جسداً واحداً، حتى نحيا، ويسقط الوجع..!
نور مؤيد الجندلي
تتحدث الرواية عن معاناة العراقيين في ظلّ الحرب، وآثارها النفسيّة والمادية والمعنوية فيهم، عبر سردها لقصّة بطلها (طارق) مع أسرته النازحة إلى دمشق، هرباً من ويلات الحرب. بكل ما تحمله من هموم وأحزان ووجع، وبكل ما تحملهم إياه من رغبة في الحياة والتغيير..
وتلقي الضوء على كثير من المشكلات التي يتعرضون لها، وكيف استطاعوا التغلب على المحن التي تتالت عليهم واحدة تلو الأخرى، وكيف تجاوزوها بإصرار، وقد حملوا في قلوبهم حب بغداد، تلك المدينة الصامدة دائماً، والتي تعرضت لنكسات كثيرة، لم تزدها إلا قوّة وحضارة وصموداً.