تقديم
منذ غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، ورغم المساندة الإيرانية لهذا الغزو، بدأ التوتر في العلاقات الإيرانية الأمريكية يرتكز على الملف النووي الذي جعلته إسرائيل على رأس أولوياتها، بعد أن لاحظت صعود القوة الإيرانية بعد هذا الغزو، وانفتاح العراق أمام النفوذ الإيراني بسبب فشل سياسة الاحتلال الأمريكي والسياسات الأمريكية في العراق عموماً والتي أملتها المصالح الإسرائيلية، فأصبحت القوة الإيرانية بشعاراتها المعادية لإسرائيل وسياساتها في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين أكبر عقبة في سبيل تمدد المشروع الصهيوني. هكذا اتصلت إسرائيل بإيران على الفراغ الذي تركه العالم العربي، بحيث أصبحت الدولتان هما اللاعبين الأساسيين في الصورة، بالطبع تقف الولايات المتحدة مساندة لإسرائيل.
وخلال عامي (2008 - 2009) خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، وصعود حزب الله في هذه المواجهة، ثم بعد فشل العدوان الصهيوني على غزة (كانون الأول/ديسمبر 2008، وكانون الثاني/يناير 2009) برزت حماس في الساحة الفلسطينية، بدأ الاحتكاك المباشر بين بعض الدول العربية وإيران، ومع كل من حماس وحزب الله، فأدى ذلك إلى استقطاب حاد في العالم العربي بين شعوب تؤيد المقاومة، وتشكر لإيران؛ بصرف النظر عن أن هذه المساندة جزء من مشروعها الذي بدأ يتصارع مع المشروع الأمريكي من خلال المقاومة، ومع المشروع الصهيوني أيضاً، فانكشف الجسد العربي الذي يفتقد إلى مشروع غطاء عربي عربي يحمي على الأقل المصالح العربية التي صارت أوراقاً في يد هؤلاء اللاعبين الثلاثة، في هذا المناخ توترت العلاقات العربية الإيرانية لأسباب موضوعية ونفسية، وبلغ التوتر غايته بقطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران، وكذلك بما ورد من تقارير عن دور لإيران في التمرد الحوثي في اليمن، مما أشاع الاعتقاد بأن العالم العربي يوشك أن يصطف وراء إسرائيل وواشنطن في أيِّ مواجهة، عسكرياً أو سياسياً، قادمة مع إيران، خاصة بعد أن أغلقت الحكومة الإسرائيلية ملف القضية الفلسطينية، ورفع وزراء الخارجية فيها كل ما يتعلق بها من موقعها على شبكة الإنترنت، وارتفع محلها زئير المستوطنين ومعاول الهدم في القدس ومشروعها الاستيطاني والتهويد، وربط إسرائيل بين أي لين في موقفها من القضية الفلسطينية وبين المساندة العربية لإسرائيل ضد إيران.
في مناخ التوتر ارتفعت أصوات تطالب بالتصدي لإيران مع المعسكر الصهيوني والأمريكي، وضرب المقاومة، التي يضاف إلى عجزها عن تحرير فلسطين والأراضي العربية، أنها أتت بخطر إيراني أكبر، فيما ورد في تصريحات واضحة للمسؤولين المصريين، وتحذيرات واضحة حول السلوك الإيراني في العراق والخليج من جانب المسؤولين السعوديين. على الجانب الآخر ارتفعت أصوات مناهضة للخط السابق تدعو إلى الحوار مع إيران، واكتسبت هذه الأصوات دفعة جديدة رسمية بمطالبة السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية يوم 3 أيلول/سبتمبر 2009 بحوار جماعي مع إيران، وفي السابع من أيلول/سبتمبر بدا د. أحمدي نجاد مرحباً بالحوار، وإن أكد أنه لا توجد مشاكل بين العرب وإيران؛ فكلاهما في قارب واحد ضد الأطماع الصهيونية.
ورغبة في تعزيز سبيل الحوار العربي الإيراني، وتشجيعاً للباحثين في دفع هذا الاتجاه، رأينا أن نقدم مساهمة أولية تعتمد على مجموعة المقالات التي نشرناها خلال الفترة القريبة الماضية التي تعالج مختلف جوانب الموضوعات التي تشكل جدول أعمال هذا الحوار، في هذه الصفحات إجابة عن تساؤلات حول جدوى الحوار وأهميته ودواعيه وآلياته والنتيجة المتوقعة منه. وأخيراً يجب أن نشير إلى أن إقبال واشنطن على التفاوض مع طهران رفع حرجاً عن كثير من العواصم العربية في الحوار مع إيران، ولكننا نرى التفاوض الأمريكي مع إيران سوف يكون بالضرورة على حساب المصالح العربية، ولذلك فإن الحوار الإيراني العربي ربما يمثل صمام أمان لتفادي الآثار السلبية للمفاوضات الإيرانية الأمريكية، ونأمل في الإسراع في بلورة موقف عربي وأوراق عربية، قبل أن تتوزع المنطقة العربية بين سايكس الأمريكي وبيكو الإيراني هذه المرة. إيران جزء من نسيج المنطقة وثقافتها، وتجاهلها أو التآمر ضدها سيكون لمصلحة القوى الأجنبية التي تستهدف المنطقة العربية.
وقد توترت العلاقات العربية الإيرانية بشكل عام خلال النصف الثاني من 2009 بسبب اتهام اليمن لإيران بأنها تدعم التمرد الحوثي، وخاصة بعد بداية المواجهات بين القوات السعودية وقوات التمرد في منطقة الحدود اليمنية السعودية. أعقب ذلك انتقاد إيران لما أسمته بالتدخل السعودي في اليمن. ثم دخول مصر على الخط لمساندة السعودية واليمن والتصريحات الغاضبة للرئيس مبارك بالتصدي لإيران في العالم العربي. ارتبطت هذه التطورات بتعثر المصالحة الفلسطينية واتهام إيران بذلك. غير أن عام 2009 أبى أن ينصرف قبل أن يسجل حدثين هامين في هذا السياق؛ الأول هو قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت التي دعت إلى حوار عربي إيراني. الحدث الثاني هو زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني للقاهرة في إطار أنشطة الاتحاد البرلماني الإسلامي، ولقاؤه بالرئيس مبارك.
من الواضح إذن أن الحوار العربي الإيراني في كل الأحوال هدف استراتيجي، ولا بد من الإلحاح عليه قبل فوات الأوان.
هذه الصفحات رأينا أن نسجلها إسهاماً في إثراء النقاش حول خيار الحوار الإيراني العربي.
والله وحده هو الهادي إلى أقوم سبيل.
د.عبد الله الأشعل
القاهرة تموز/يوليو 2010م
تحديات الحوار العربي –الإيراني
*هل الحوار العربي- الإيراني ضرورة؟
*ماذا عن التوترات بين البلاد العربية وإيران؟
* ما موقع إيران اليوم من الصراع العربي مع الصهاينة؟
في هذا الكتاب إجابة عن تساؤلات حول جدوى الحوار العربي- الإيراني وأهميته ودواعيه وآلياته، والنتيجة المتوقعة منه. وهذا الحوار ربما يمثل صمام أمان لتفادي الآثار السلبية للمفاوضات الإيرانية - الأمريكية.. والأمل معقود على الإسراع في بلورة موقف عربي واقتراح أوراق عربية قبل أن تتوزع المنطقة بين سايكس الأمريكي وبيكو الإيراني من جديد.
المؤلف يرى أن إيران جزء من نسيج المنطقة وثقافتها، وأن تجاهلها أو التآمر ضدها سيكون لمصلحة القوى الأجنبية التي تستهدف المنطقة العربية، وأن الحوار العربي- الإيراني على أي حال هدف استراتيجي، ولا بد من الإلحاح عليه قبل فوات الأوان.
كتاب يمثل رؤية عميقة في هذا الموضوع.