الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تمسك بشرعته إلى يوم الدين:
وبعد:
فما يزال القوي مسموع الكلمة، نافذ الرأي، مرهوب الجانب، ويظل منطق القوة والسلطة الغالبة هو المسيطر في علاقات الدول والجماعات والأفراد. وأما الضعيف فلا يكاد يسمع قوله، ولا يؤبه له في الواقع، وإن ارتفع صوته وعلا صراخه، وكان الحق والعدل في جانبه، دون أن يستطيع حماية مصالحه وحقوقه المشروعة، أو التأثير الفعال في تقرير مصير العالم.
ويتضح الأمر بصفة جلية في عصرنا الحاضر حيث يتزعم العالم قوتان كبيرتان بزعامة أمريكة وروسية، وقد ينفرد بالزعامة الحاسمة قوة الولايات المتحدة الأمريكية في حل مشكلات الدول والظفر بنصيب الأسد في النهاية. بالرغم مما يسود المجتمع الدولي من المبادئ المثالية، والدعوات الإنسانية والمنظمات العالمية كعصبة الأمم في الماضي، ومنظمة الأمم المتحدة في الوقت الحاضر. وما يزال السلم القائم مقنعاً من وراء ستار، بقوة الجيوش الجرارة، والآلات المدمرة، والذّرة المفنية بمختلف وسائلها الحربية المروعة.
لذا فإن دعوة القرآن الكريم للمسلمين إلى ضرورة إعداد القوى المادية والمعنوية، وجعل الجهاد ذروة سنام الإسلام هي دعوة صحيحة في ميزان المنطق، والواقع المشاهد معاً.
وحال المسلمين اليوم من الضعف، والفُرقة والتخلف لا تجتذب أنظار العالم إلى الإصغاء لكلمتهم، ومعرفة فكرتهم، وتبنِّي أحكام شريعتهم مع الأسف.
فمهما تكلمنا على القيم الإنسانية والأخلاق السليمة والمبادئ السامية، ومهما أراد الكاتب أو الباحث بيان صورة الإسلام المشرفة في سلمه وحربه، في أخلاقه وكفالته الحريات وصون كرامة الإنسان، فإن ذلك يلقى فتوراً أو قلة اهتمام واكتراث، حتى من شباب الإسلام المعاصر المفتون بتقدم الغرب، وتحضر الأمم الصناعية الأخرى المتربعة على عرش الحضارة الحديثة والتقنية المعاصرة، فكل فكرة أو تنظيم بحاجة لدعم أدبي ومادي، وقوة رادعة حصينة تحمي حدود الدولة وأجزاء البلاد، وأحكام الشرائع والأنظمة، وأصول الحياة القائمة.
ولكن بالرغم مما طرأ على تصورات ومفاهيم الناس، وأنظمة المعاش من تغير وتبدل واتجاه نحو المادة والآلة، وإشباع مطالب الحياة، فإن البشرية تظل بحاجة ماسة إلى قبس من هدي السماء المتمثل في دستور القرآن الكريم، والسنة النبوية، لتخفيف حُمّى المادية وتوفير السعادة، والطمأنينة، والرخاء للإنسان. وقد أبان القرآن الكريم أهم مبادئ معاملة الرعايا الأجانب والمستوطنين في دار الإسلام من غير المسلمين وعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها، وأوضحت السُّنة تلك المبادئ.
وسأذكر هنا أصول التنظيم الدولي في الشريعة الإسلامية مقارنة بأحكام القانون الدولي الحديث، مبيناً أصول تنظيم العلاقات الدولية في الإسلام في وقت الحرب، وحال السلم مع الاهتمام بدراسة المعاهدات في الإسلام على الصعيد الفقهي، وفي الواقع التاريخي المطبق في عصور الدولة الإسلامية في عهد الرسالة النبوية، والخلافة الراشدية، وما بعدها من الدول اللاحقة. وذلك وفق الخطة التالية المشتملة على تمهيد وبابين:
التمهيد
في بيان صفة الإسلام الدينية والسياسية، وصورة المجتمع السياسي في العصور القديمة، وعصر الإسلام، وصورة المجتمع الدولي الحديث بعد ظهور فكرة الدولة، وأصول التنظيم الدولي في الشريعة الإسلامية.
الباب الأول:
تنظيم العلاقات الدولية وقت الحرب، وفيه مباحث خمسة:
المبحث الأول : الباعث على القتال في الإسلام.
المبحث الثاني : حالات مشروعية الجهاد.
المبحث الثالث : بدء الحرب.
المبحث الرابع : قواعد الحرب.
المبحث الخامس : انتهاء الحرب.
الباب الثاني:
تنظيم العلاقات الدولية حال السلم، وفيه مباحث أربعة:
المبحث الأول : أصل العلاقات الخارجية في الإسلام: السلم لا الحرب.
المبحث الثاني : تقسيم العالم إلى دارين أو ثلاث.
المبحث الثالث : السيادة في الإسلام.
المبحث الرابع : المعاهدات في الإسلام.
وسنعرف من خلال بحثنا أن العلاقات الدولية التي سادت بين المسلمين وغيرهم في الماضي لا تختلف في الحقيقة والجوهر عن العلاقات الدولية الآن، وإن اختلفت معها في الشكل والمظهر.
هل الأصل في الإسلام الحرب أم السلم؟
وإذا كان الأصل السلم فلماذا يهتم بأعداد ما يستطاع من قوة؟
وماذا عن القانون الدولي الإنساني في الإسلام؟ كيف ينظر إليه التشريع في القرآن والسنَّة؟
هذا الكتاب يبحث في كيفية تنظيم الإسلام للعلاقات الدولية وقت الحرب، ووقت السلم، ويشير إلى مشروعية الجهاد، ويبين كيف تبدأ الحروب، وما قواعدها، وكيف تنتهي؟ كما يبحث في تقسيم العالم إلى دار حرب ودار إسلام ودار عهد.. ويشرح معنى السيادة في الإسلام، ويوضح شروط المعاهدات، ويشير إلى حركة الدبلوماسية الإسلامية منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، ثم الدولتين الأموية والعباسية، ليقدم صورة كاملة عن العلاقات الدولية التي يتناولها. كل ذلك في أسلوب واضح شامل.
كتاب يبحث في القانون الدولي الإنساني الإسلامي مقارَناً بنظيره الحديث.
يشتمل الكتاب على بابين تتصدرهما مقدمة وتمهيد.
بيّن المؤلف في المقدمة سبب تأليف الكتاب وأهمية موضوعه في الوضع الحاضر من اضطراب العالم. ثم توقف في التمهيد عند عدد من الموضوعات؛ ذكر فيها صفة الإسلام الدينية والسياسية وصورة المجتمع السياسي قبل الإسلام بالمقارنة بعصر الإسلام، ثم صورة المجتمع الدولي الحديث بعد ظهور فكرة الدولة، وأخيراً أصول التنظيم الدولي في الإسلام.
تناول المؤلف في الباب الأول ((تنظيم العلاقات الدولية وقت الحرب)) وفيه خمسة مباحث حول الباعث على القتال في الإسلام وحالات مشروعية الجهاد ومواضيع بدء الحرب وقواعدها وانتهائها.
وبحث في الباب الثاني ((تنظيم العلاقات الدولية وقت السلم)) وفيه أربعة مباحث، عن أن أصل العلاقات الخارجية في الإسلام السلم لا الحرب، وعن تقسيم العالم إلى دارين أو ثلاث، وعن السيادة في الإسلام، وعن المعاهدات الإسلامية.
الكتاب مساهمة جادّة في موضوع القانون الدولي الإنساني وسبق الإسلام إليه.