مقدمة
مَن منَّا لا ينشدُ السعادةَ؟ مَن منَّا لا يبحثُ عنها في صبحِه ومسائِه، في حلمِه ويقظتِه، في سرِّه وجَهرِه؟ مَن منَّا لا يشتاقُ إليها، ويحدِّثُ نفسَه بها، ويتخيَّل مقدَمَها بين الفينة والأخرى؟ شوقُنا إلى السعادة متأصِّلٌ في ثنايا قلوبنا، ويتردَّدُ صداه مع كل نبضةٍ، ويومِض سناهُ مع كل رمشَة جفن. ما أشبهَ شوقَنا للسَّعادة بشوق الخزامى إلى الندى، وشوقِ الطيور المغرِّدة إلى المدى، وشوق الشَّفَة إلى البسمة، وشوقِ العين إلى الكُحل، وشوق المناجِل إلى السَّنابل؟!! أينَ تختبئُ هذه السعادة؟ وأينَ تسكُن؟ أحسبُ أنها تسكنُ أحداقَ القيم سُكنى العبيرِ في أكمام الورد، وسكنى الحنانِ في قلوب الأمَّهات، وسكنى الشوق في قلوب المحبين. ويتجاوز حُسنُها عوالمَ الأحداق، فيسري في الأعماقِ كما يسري الماءُ في الأوردة الظامئة، وكما يسري الحنين في قلوب الغرباء. عندما تجودُ سحابةُ القيم بغيثِ السعادة؛ تجودُ شفَة الفجر الحالم ببَسمات الأمل، ويتهلَّل الضياء من جبين الشمس، ويعزِف الربيع ألحانَ الخصب والنماء. تأنسُ الروحُ للسَّعادة، وترتاحُ النفسُ إليها، كيف لا وهي معزوفةُ الفضيلةِ على أوتارِ الفطرةِ السَّليمة، وقطراتُ الندى على خميلةِ الفكر، وامتدادُ الأفقِ في أحداقِ العيون المشتاقَة، وبشائرُ الأملِ في مسامع اليائسين؟!! لكم نتمَنَّى لقاءَ السَّعادة، لأنَّ اللقاءَ بها لقاءٌ بالجمال والرَّوعة؛ يشبِه لقاءَ العصافيرِ بالأفنان وهي تشكو الغرام، ولقاءَ الشُّطآنِ المشتاقة مع الأشرعة الحالمة برؤى الوَصل وهي تتجاذبُ أطرافَ الحنينِ الدَّافق، ولقاءَ السَّحابِ العاشق بخمائلِ الفلِّ والنِّسرين وهي تقاومُ الذُّبول. تبدِّدُ السعادةُ آثارَ العَنا والألم كما تبدِّدُ الابتسامةُ الصَّافيةُ أماراتِ الحزن، وكما يشقُّ الفجرُ ستائرَ الظُّلمة. ورحلةُ الإنسان معَ السَّعادة أمتعُ من رحلةِ الخيالِ في عوالمِ الأحلامِ الورديَّة، وأكثرُ شفافية ورقَّة من خُدودِ السَّوسن وأوراق الأقحوان عندما تقبِّلها الفراشاتُ المحبَّة، والنَّحَلات المشتاقَةُ، وتنهلُ منها الرحيق. القِيمُ غراسُ السعادة، وأقمارُ الكونِ العاشقِ ونجومُه السنيَّة، تلبَسُ حُللَ البهاء القشيبةَ، فتبدو كلَّ يومٍ أحلى من الذي قَبْله. تُباري القمرَ بالحُسن، وتجاري الألماسَ بالبريق، وتفوقُ الزهرَ بطيبِ الأريج. القيمُ نهرٌ يصافحُ شوقَ الصَّحاري المُجْدبة فتخضرُّ، ونسمةٌ شذيَّة تلامسُ خدودَ الأزهار الغافية فتضوعُ رائحةُ العطر، وابتسامةٌ صافيةٌ تلامسُ نبضَ القلوبِ الحالمة فيورقُ السلامُ، ويحيا الأمل، وموجةٌ عاشقة تقبِّلُ الرملَ فيعشوشبُ ويزدهي. هي تلكُمُ الوصفةُ الرائعةُ التي كان يعالِج بها الأنبياءُ الناس على اختلافِ طبائعهم وأفكارهم. لكَم أحبُّ هذه الفضائل! أراها أكثرَ روعةً من الربيع وهي تتبدَّى في سلوكِ أصحابِها الرَّائعين، قصَّتي معها مشوِّقَةٌ ومُمتِعةٌ؛ لذا أجدُني أكتبُ عنها وفاءً لرحيقِها الذي كانَ شرابي المفضَّل في وقتٍ جفَّت فيه أنهارُ الأمل، وهاجرت طيورُ الفرح. كانت يراعتي الحنونَ في وقتٍ تاهَ فيه مدادي الحائرُ فوق سطورِ خريطتي الجريحة المبلَّلة بدموعِ الكلمات. كان يطوفُ في نفسي جوٌّ من التأمُّل والإجلال الآسرِ عندما أتدثَّر بها، وأشعر أنَّ عجلةَ الزمن تتوقَّف عن السَّير، وتغفو تحت ظلالها الممدودة. أكتب عنها في غربتِها التي طالَت واستطالَت، فلا سائِلٌ يسألُ، ولا صوتٌ ينادي. أكتبُ عنها استجابةً لنداءِ الفطرة الذي يطالبُني بإلحاحٍ شديدٍ أن أدعوَ إلى القيم، وأعرِّف بها، وأسخِّرَ لساني وقلمي لذكرِ محاسِنها. أكتبُ عنها لأزيحَ عن وجهِها النَّاضر ملامحَ الأسى، وصدأ الهَجر والقطيعة. أكتبُ عنها لأميطَ اللِّثامَ عن حُسنها الفتَّان، وقدِّها الميَّاس، ومِسْكِها الفوَّاح، وضفائرِها السَّاحرة، وأقدِّمَها في حلَّة لا أدَّعي أنَّها من أجمل الحُلَل، ولكن أحسبُ أنها جديدةٌ، وأثرُ الحاضرِ واضحٌ في ثنايا كلِّ سطرٍ من سُطورها. أصحابُ القيمِ دعاةٌ للسَّلام، وبناةٌ للمحبَّة، يسطِّرونَ على جبهةِ الزَّمنِ الأغرِّ في كلِّ يومٍ ملحمةً من الإصلاحِ والرَّوعة والبَذْل وحبِّ الأمن والسلام. تمشي قافلةُ الحياة على سكَّة الزمن لتقتربَ من محطَّتها الأخيرة شيئاً فشيئاً، ودواتُها السَّائرةُ تدوِّن مآثرَ أهلِ القيم والفضائل، وتعلِّقُها على جيدِ التاريخ قلائدَ من ياقوتٍ وزمرُّد. يفنى المال، ويبلى الشباب، وتشيخُ الأيامُ، وتبقى قيمُ الناسِ وفضائلُهم عالقةً في أذهانِ الزَّمن، منقوشةً على جدرانِ ذاكرته، ويتناقلُها الرُّواةُ جيلاً عن جيل. واعلَموا أيها الأحبَّة أنَّ تأثيرَ الوجدانِ أبلغُ من قوَّة السُّلطان، وجمالَ الأرواح أقوى من السيوف والرماح. واعلموا أنَّ القيمَ بلسمُ الأدواء، وغذاءُ الأرواح، وربيعُ الدُّنيا، ومظلَّة الأفكار النقيَّة، وجنى السعادة النديَّة. يزهرُ ربيعُ السعادةِ عندما تنتصرُ الحروفُ على السيوفِ، وتنتصرُ الزنابقُ على البنادقِ، ويحلُّ الحوارُ بدَلاً منَ الشِّجار، والصَّفاءُ بدلاً من الجفاء. يُضيءُ قمرُ السَّعادة في دنيا نفوسِنا عندما نبدِّدُ غيومَ الأنانيَّة والجشَع، ونسقي غراسَ المحبَّة بماء التَّعاون والعطاء، ونتعهَّد بذورَ الإنسانيَّة بالرعايةِ الصادقة. ولله دَرُّ محمود سامي البارودي إذ يقول: لولا الفضيلة لم يخلُد لذي أدبٍ ذكرٌ على الدَّهر بعد الموت والعدمِ المؤلف: - بدر محمد عيد الحسين - badrhussain@hotmail.com - الرياض: 1432هـ/ 2011م
أ.د.وليد قصَّاب
أستاذ البلاغة والنقد في جامعة الإمام، ومدير تحرير مجلة الأدب الإسلامي: يمتلك الأخ الشاب بدر الحسين قلماً سيالاً، يشبه النخلة الطيبة التي لا تكفُّ عن الإثمار والعطاء. أسلوبه جميل، اغترف من الشِّعر رشاقته وفنِّيته وكثيراً من صوره المعبرة، فاجتمع له نثر فني، بعضه أجمل مما يسمى شعراً. وقد جَمعتْ هذه النصوص التي هي أقرب إلى الخواطر الأدبية بين سموِّ المعنى وجمال الأداة، وهذان هما جناحا طائر الأدب الرفيع اللذان لا يحلِّق إلا بهما. المفكر والأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار
(مفكر ومؤلف معروف) حين يباشر القارئ مطالعة هذا الكتاب يشعر أنه يمضي في روضة من المعاني والألفاظ الأنيقة. قد شدَّني ما لمسته فيه من إحياء للكثير من القيم النبيلة التي نحتاج إلى إنعاشها على وجه ملح. أمل أن يلقى هذا الكتاب ما هو جدير به من الحفاوة والتقدير.
د. محمد حسان الطيان عضو مجمع اللغة العربية بدمشق، ورئيس قسم اللغة العربية في الجامعة المفتوحة بالكويت: هذا الكتاب الأدبي يجلو المكارم والقيم على نحو يؤنس القلوب، ويمتع النفوس، وينير العقول، فيتمنى كل قارئ له أن يتحلى بها، من خلال عرض الكاتب الشائق, وحرفه الذي يمتزجُ بأجزاء النفس لطافةً.. وبالهواء رقَّةً.. وبالماء عذوبةً.. وبالطِّيب أريجاً.. وبالنغم إيقاعاً وجرساً. هنيئاً لك بما تبوَّأت من مكان في دنيا البيان.. وهنيئاً لأهل البيان بوجود أمثالك في هذا الزمان. دمتَ.. ودام حرفك سامقًا يُمرع ويُخصب.
الأستاذ الأديب حمد بن عبد الله القاضي عضو مجلس الشورى في السعودية، ورئيس تحرير المجلة العربية سابقاً: مؤلف هذا الكتاب عرفته مربياً فاضلاً في مدرسته كما هو مربٍّ صادق في حرفه. عندما تقرؤه في شعره ونثره تحسُّ بنبض قلبه وفيض إحساسه يحمل رسالة جليلة وهي رسالة مستمدة من روح الإسلام الصافية التي ترسخ القيم الفاضلة، فتجد في كتاباته قيم التسامح والبر والخير والإحسان والمودة مبثوثة فيما يسطره من نثر، أو يبدعه من شعر.
د. يحيى مير علم أستاذ في جامعة الكويت- عضو مجمع اللغة العربية بدمشق: مقالات الكتاب -الذي بين أيدينا- لوحات فنية بديعة أخَّاذة، رسمت المعاني الجليلة بلغة أدبية عالية، وصور متنوعة جديدة آسرة، بل هي شعر منثور، حاكته بعناية يدٌ صنَاعٌ ساحرة، ولعمري إن في كلامه ما يفوق كثيراً من الشعر، تكثيفاً للمعاني، وعلواً في البيان، وغزارة وجدَّة في الصور، وتحليقاً في الخيال، وسموّاً في العاطفة.
يقدم هذا الكتاب وصفة تجلب السعادة؛ التي تتجلى في طمأنينة النفس، واتزان التفكير، والرضا بواقع الحال، ومدِّ جسور المحبة مع الآخرين، وممارسة ثقافة العطاء والبذل. سعادة روحانية حقيقية، ليست قشوراً وبهارج أو زخارف مصطنعة. هو وصفةٌ تعيدُ لنفس القارئ الكريم الصفاء المحبب والسَّكن الجميل، ولقلبه نبضات الفرح، وهمسات الحنان، وتحمله على التوقف لبعض الوقت ليتأمل روعة القيم، وجمال الفضائل، وسحر البيان، وروعة القراءة، ودور المعاني الخيرة في نيل السعادة الحقيقية في وقت انصرف فيه جلُّ الناس إلى الانشغال بالعوالم الماديَّة، والمظاهر الخادعة، والصور المزيفة، واتباع السبل التي تحقق المنافع والمكاسب الشخصية التي سرعان ما تتلاشى حلاوتها، ويخبو بريقها. هذا الكتاب رسالة إلى كل قارئ؛ ليعيد النظر في أسلوب حياته، وطريقة تفكيره، وحدود أحلامه الوردية، لعله يصحو، ويشرع في ترتيب أولوياته من جديد عندما يتفكر بنهاية هذه الحياة وقِصَر مدتها، وماهية الرسالة التي ينبغي أن يؤديها، ومن ثم يبدأ بالإعداد لحياة سعيدة وذات مغزى في الآجل والعاجل؛ حياة تقوم على المودة والمحبة والصفح والتسامح والإصلاح والتعاون وصلة الرحم، حياة تقوم على تقديم صورة مشرقة عن ذاته الإنسانية الحقيقية. ولا يخفى على القارئ الكريم أن نفحة السعادة الصافية أينما وُجدت حلَّت اللمسة السَّاحرة والقيمة المأنوسة، تتسلَّل عبر الكلمات فتحولها إلى بيان يأخذ بالقلوب والألباب. تهامس القلب فينبض بالحب والصفاء. تسكن في العيون فتجلو بلَّور أحداقها لتشاهد المحاسن، وتغض الطرف عن المساوئ، وترى جميل صنع الخالق في كل شيء. ما أشبه حضور السعادة بسريان الكهرباء في الأسلاك وتدفق الماء في الصحاري، وسكنى القطر في الغمام، والأرج في الورد! يدعو هذا الكتاب القارئ الكريم للاهتمام بالجانب الروحاني، وليغذِّيه بالعبادة، ويسقيه قَطر الخير، وينشطه بتطبيق القيم الفاضلة، وممارسة العادات الإيجابية. نحسب أن هذا الكتاب يساعد القارئ الكريم على أن يجلوَ الغبار الذي غطى بلَّور النفس الشفيف، ويذيبَ الجليد من فوق المشاعر الدافئة والأحاسيس النبيلة، ويوقظ الفطرة الصافية في النفس، ويرأب الصدوع التي حلَّت في بنيان القلب المتماسك، ويحفزه إلى تلمُّس جمالِ الفضائل والقيم، والاستمتاع بروعة آثارها التي تجعل من نبضات القلب أجنحة بيضاء تطير فوق الخمائل الناضرة، والأزاهير الشذية العطرة. كما يقدم الكتاب أطيافاً منوعة، وضروباً متعددة من ضروب الترويح عن النفس من خلال أقوال الحكماء المعبرة، ونفائس الشعراء الموحية، ولطائف اللغويين الممتعة، فضلاً عن مجموعة من القصص المؤثرة من الموروث الإسلامي، والعربي والعالمي.