أين يقع العرب؟ بعد أن عرضت موقع الشعوب المختلفة في أنحاء العالم، لنرَ الآن أين يقع العرب في هذه المجموعات؟. من المؤسف أن العرب لا يؤلفون في الوقت الحاضر وحدة واحدة، بل يؤلفون نيّفاً وعشرين دولة مختلفة النظم، مختلفة الرؤى، مختلفة السويات العلمية والثقافية والاقتصادية، مختلفة في كل شيء، إلا في الاستمرار على الاختلاف، ولكي تقدر قيمة هذه المجموعات لا بد من معرفة قيمة كل منها على حدة، ثم قيمتها مجتمعة لو اجتمعت، وفي كل منها يجب تقدير كل عنصر من عناصر القوة التي ذكرتها في أبحاث سابقة من هذا الكتاب. 1- العلم: العلم من أولى ركائز القوة، ولا يمكن أن ينهض شعب جاهل أبداً، فضلاً عن أن العلم وسيلة النهوض بمعظم ركائز الشعب الأخرى. والمواطن المتعلم أكثر شعوراً بكرامته، وهو أقدر على معرفة الصالح من الطالح من الأعمال، وأقدر بذلك على نفع بلده. والمتعلمون كانوا في كل بلد طليعة الوعي الوطني والقومي، ومنظمي حركات التحرر من الاستعمار الخارجي، أو التخلص من الظلم الداخلي. فما وضع العلم في البلاد العربية؟ هناك عدة مؤشرات يمكن دراستها لتكوين فكرة عن هذا الموضوع: أ- انتشار الأمية: أثبت فيما يلي الإحصاء المأخوذ عن (منظمة التربية والتعليم والثقافة التابعة للأمم المتحدة) (اليونسكو UNESCO ) عام 2011م عن نسبة المتعلمين في بعض دول العالم، وتصنف هذه الدول بحسب ذلك: ونرى أن نسبة الأمية في البلدان العربية كبيرة، ولا سيما في البلدان كثيرة عدد السكان، مثل مصر والمغرب والسودان، والتي يؤلف عدد سكانها نحو ثلثي عدد سكان كل البلاد العربية، وهي أفضل في البلدان العربية قليلة عدد السكان، ولكنها -مع ذلك- أكبر مما هي في عدد كبير من دول العالم، كما يلاحظ في الجدول الأول. وتقل نسبة الأميين في البلاد العربية عن نسبتها في الدول المتأخرة من كل الوجهات والمنتشرة في إفريقيا مثلاً، ولا يجوز أن يأخذهم العرب مثلاً لأوضاعهم!. جاء في تقرير صادر عن اليونسكو عام 2011م ما يلي: مع أن كثيراً من الدول العربية تقدمت في مجال التعليم، ولكن نوعية التعليم فقيرة، وكثير من التلاميذ يتركون المدارس باكراً، ومعدل الأمية ما زال مرتفعاً، ومع أن نسبة التلاميذ في المرحلة الابتدائية بلغت 86% مقابل 75% عام 1999م، فما زال ستة ملايين طفل خارج المدارس جلهم من البنات. وبلغ معدل طلاب المرحلة الثالثة من التعليم 21%، وهو أخفض من المعدل العالمي (26%). وقد تدنى مستوى التعليم لدرجة مخجلة أفقدت المتعلمين فرص العمل، كما يقول علاء إبراهيم الأستاذ في الجامعة الأمريكية في القاهرة، ومع أن نسبة المتعلمين زادت، ولكنها لم تلحق بزيادة عدد السكان، وعدد الأميين الكهول ما زال بازدياد. وجاء في جريدة الإيكونوميست البريطانية الصادرة 4/7/2002م أن تأخر العرب ليس ناجماً عن قلة مواردهم، بل عن نقص ثلاثة أشياء: الحرية والعلم وحقوق المرأة. ومشكلة التعليم ليست في قلة ما يخصص من أموال، بل من سوء استعمال الأموال المخصصة، مما تدنى معه مستوى التعليم لدرجة مخجلة، فليس هناك اكتشافات أو اختراعات أو بحوث، كما أن حركة الترجمة قليلة.. ب- عدد الكتب المؤلفة والمترجمة، يوجه هذا المؤشر إلى درجة الاهتمام بالعلم ونشره، وقد نشر في تقرير عن نمو الإنسان العربي ( Arab Human Development ) أن البلاد العربية جميعها تترجم خلال السنة /330/ كتاباً فقط، ويساوي هذا الرقم خُمس ما تترجم اليونان من الكتب في السنة. وإن ما يترجم من الكتب إلى اللغة العربية في السنة أقل ألف مرة مما يترجم إلى اللغة الإسبانية في الوقت نفسه. والعزوف عن التأليف والترجمة له أسباب كثيرة، أهمها أولاً سوء الحالة الاقتصادية، واهتمام من يستطيع التأليف والترجمة بتوفير أسباب معاشه قبل التفرغ لما لا يعود عليه بنفع مادي، وثانياً قلة عدد القراء في البلاد العربية، والنسخ المطبوعة من أي كتاب، على قلتها إجمالاً، لا تباع قبل بضع سنين إن بيعت، ولذلك بقي التأليف والترجمة للهواة، وأكثر من هذا للكتب المدرسية أو الجامعية فحسب. ويتبع هذا الموضوع عدد دور النشر، وهي قليلة في كل البلاد العربية، باستثناء لبنان، التي فيها عدد كبير جداً من هذه الدور يفوق ما يوجد منها في كثير من البلدان الغربية نسبة لعدد سكانها. ج- البحث العلمي: جاء في تقرير كتبه ( Thomas Freidman ) في جريدة نيويورك تايمز أن ما تنفقه البلاد العربية على البحث العلمي مجتمعة يساوي متوسط ما تنفقه كل دولة من دول العالم في هذا المجال، وهي نسبة -كما هو واضح- منخفضة جداً. ويعود السبب في ذلك إلى عدم توافر وسائل البحث العلمي في البلاد العربية، وأهمها المال والتفرغ. د- الإنفاق على التعليم: جاء في إحصاء لبرنامج النمو السكاني ( human development programme ) التابع للأمم المتحدة، النسبة المئوية المخصصة للتعليم من الدخل القومي: ولا يمكن بدراسة هذه النسب وحدها الحكم على كفاية المبالغ المخصصة للتعليم أو عدم كفايتها، لأن ذلك يخضع لعوامل أخرى يجب أخذها بالحسبان، وهي كمية الدخل القومي الكامل لكل بلد، وعدد سكانه، وسوية التعليم الموجودة فيه، فقد تكون نسبة 1% مثلاً في بلد ما أكثر من 5% في بلد آخر إذا كان الدخل القومي في البلد الأول أكبر أو عدد سكانه أقل، وقد تكون نسبة 1% كافية في بلد ما سوية التعليم فيه جيدة، في حين لا تكفي في بلد آخر ما زال بحاجة إلى التطوير، وكل هذه الأمور تحتاج إلى حسابات دقيقة، ولكن يبدو من الجدول المذكور آنفاً أن نسبة الإنفاق واحدة تقريباً في الدول المتقدمة، وتتراوح بين 6.4% و6.6%، وهي أكثر من ذلك أيضاً حتى في بعض الدول المتقدمة، ومن المعقول أن تكون هذه النسب أكبر بكثير في البلاد غير المتقدمة، وهو ما لا يذكره هذا الجدول مع الأسف. وعلى كل حال يمكن تقدير كفاية هذه النسب بالنظر إلى واقع السوية العلمية في كل بلد، فإن كانت هذه السوية جيدة، كانت نسبة الإنفاق جيدة والعكس، وواقع السوية العلمية في البلاد العربية يدل على أن نسبة الإنفاق غير كافية، مع العلم أن هذا المجال ليس الوحيد في رفع السوية العلمية أو خفضها. وقد ذكرت قبل قليل ما جاء في جريدة الإيكونوميست عن سوء استعمال الأموال المخصصة. ليس القول بانخفاض سوية التعليم سراً أو تجنياً، وإنما هو أمر معروف يتداول الكلام عليه كل الناس، ويصرح به المسؤولون عن التعليم في الندوات والمؤتمرات ووسائل الإعلام. ولهذا الانخفاض أسباب كثيرة تعود إلى برامج التعليم، ووسائل التعليم، وسوية المعلمين، وطريقة الفحوص، والتغيرات الاجتماعية التي أثرت في الطلاب وفي ذويهم وفي المعلمين وفي كل الناس، مما يتطلب إعادة النظر في كل هذه الأمور إذا أريد الإصلاح!. ويلحق بالتعليم الثقافة العامة، وقد فصلت الكلام في هذا الموضوع في بحث سابق من هذا الكتاب ولا أعود إليه. ومن المؤسف أن نرى عزوف معظم الشعوب العربية عن إيفاء الثقافة ما تستحقه، ونسبة القراء في بلادنا تكاد تكون معدومة، حتى بين المتعلمين، الذين يحسب معظمهم نيله الشهادة الجامعية غاية المنى وبلوغ الهدف، فلا يكلف نفسه حتى الاطلاع على المستجدات في اختصاصه، وقليل من الناس من يقرأ الجرائد، ونادراً منهم من يحضر المحاضرات. ومن يسافر في رحلة داخل البلاد أو خارجها، فالغاية من رحلته الترفيه فحسب، وإضاعة وقت النساء في ارتياد الأسواق لشراء ما يلزم وما لا يلزم، وإضاعة وقت الرجال في الملاهي ما حسن منها وما لم يحسن، إلا من رحم ربك وهم نادرون. وسبب هذا الجفاء بين الناس والثقافة أنهم لم يُنشَّؤوا وهم صغار على مفهوم ضرورة الاستزادة من العلم والثقافة، وأرجو أن ينتبه الناس، والمسؤولون عن التعليم بخاصة، والمسؤولون عن البلد عامة، لهذا الركن من أركان قوة الشعوب، وأن يكونوا القدوة لإصلاح ما فسد، وأن يعلموا أولادهم والأجيال القادمة المقولة القديمة: (خير جليس في الأنام كتاب)، لا أن يكون خير جليس مجموعة لاعبي النرد والورق. وإذا قالوا إن الترفيه عن النفس ضرورة لا غنى عنها، فإن هذا صحيح كل الصحة، ولكن ليعطَ هذا شطر الفراغ وليعطَ الشطر الآخر لما لا يقل عنه شأناً وضرورةً. 2- الأخلاق: أصبح الفساد ظاهرة منتشرة في كل بلاد العالم، وتدرس بحوث مختلفة أسبابه ومظاهره وأنواعه، مع إحصاءات وتعليقات بالمئات. ولا داعي للرجوع إلى هذه البحوث والإحصاءات، فإن ما يذاع من أخباره كل يوم بوسائل الإعلام المختلفة يفوق الوصف ويفي بالغرض، وهو يجري في أرقى بلاد العالم، التي كانت مشهورة بتمسكها بالنظام والأمانة ومكارم الأخلاق، كما يجري في البلاد المتأخرة، والطرفان على ما يبدو أصبحا فرسي رهان يتسابقان في حلبة تُهدر فيها مصالح الشعوب وأموالها وكراماتها. ولا يقوم بالفساد أشخاص جاهلون أو فقراء أو مختلون عقلياً أو مجرمون، وإنما يقوم به رجال من (علية القوم) ومن (النخبة)!. ولا يقوم الناس بالفساد سراً وعلى استحياء، كما كان الأمر في الماضي، بل أصبح مجالاً للفخر جهراً وعلى رؤوس الأشهاد. والبلاد العربية جزء من هذا العالم الذي تعاني شعوبه الفساد بأنواعه المختلفة: المالي، من اختلاسات ورشوات وعمولات، والأخلاقي من كذب ونفاق واعتداء جنسي، واستشرى أمره حتى عاد الناس يحسبون أنهم يعيشون في غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وظهرت آثاره في الدار والمدرسة والمصنع والمكتب الرسمي، حتى الجامع والكنيسة. ومع ذلك، يبقى فارق واحد بين الفساد في البلاد المتقدمة والفساد في البلاد المتأخرة، هو طريقة التعامل مع مرتكبيه. ففي البلاد الأولى يغلب أن يحاسب الفاسد والمفسد إذا انكشف أمره مهما يكن مركزه، سواء ما زال في هذا المركز أو بعد مغادرته إياه، في حين لا يحاسب المفسد في البلاد الثانية، ولو ملأت أخبار فساده الآفاق، وقد (تلفلف) قضيته بالسكوت عنها، أو يكون، وهو الأرجح، اكتشاف فساده مناسبة ليرفع مقامه إلى مقام أكبر يليق بكفاءاته ومؤهلاته. وهذه هي الدرجة القصوى من الفساد، التي تشجع الناس على عدم الخوف من اللجوء إليه حين الحاجة!. 3- العدل : ذكرت في بحث سابق قيمة العدل بوصفه قوة من القوى المهمة في الدول، ومن المؤسف أن العدل أصبح مفقوداً في معظم بلدان العالم، إن لم نقل فيها كلها. ومن الواضح سيطرة القوي على الضعيف بين أبناء الشعب الواحد وبين الشعوب، وهو نتيجة طبيعية للفساد الذي استشرى في العالم كما ذكرت قبل قليل. فالظلم أحد مقومات الفساد، وهو إحدى نتائجه في الوقت نفسه، فالظلم يساعد الفساد، والفساد يزيد الظلم، والبلاد العربية أصابها ما أصاب العالم كله، وقد يكون فيها أكثر مما في غيرها. وأسباب ذلك كثيرة، وأكثرها أهمية الجهل والأثرة وفقد المحاسبة، مما أدى إلى تبدل طبقات المجتمعات العربية، بتسلط بعض أفرادها على بعض، ونشوء طبقة عليا قليلة العدد تمسك بزمام كل الأمور وتسيرها لمصلحتها، وطبقة دنيا مستضعفة تتسع باستمرار، ويزيد ضعفها باستمرار، في حين كانت الطبقة المتوسطة في كل البلاد العربية هي الغالبة، لذلك كانت أكثر انسجاماً وكان العدل فيها أكثر انتشاراً. إن فقدان العدل ظاهرة واضحة في كل البلاد العربية، وهي التي دفعت كثيراً من أبنائها، وتغري الكثير من أبنائها، بالهجرة، تدفعهم إليها دفعاً وعدد المغتربين العرب في كل بلاد العالم كبير جداً، لا يتناسب وعددهم في بلادهم الأصلية. وليس صحيحاً أن كل هؤلاء اغتربوا طلباً للرزق، بل اغترب كثير منهم لشعورهم بفقد كرامتهم في بلدهم، وكان يسعدهم أن يبقوا في بلادهم التي ما فتئوا يحنّون إلى الرجوع إليها، مع ما يتمتع كثير منهم في بلاد المهجر من سعة في الرزق ورفعة في المقام. 4- الاقتصاد: منح الله البلاد العربية من الخبرات والقدرات ما يؤهلها لتكون من أقوى الدول اقتصادياً، ففيها من الموارد الطبيعية الشيء الكثير؛ النفط الغزير، والأراضي الزراعية الشاسعة، والثروة الحيوانية والسمكية الهائلة، ومصادر الطاقة العملاقة، كالشمس والرياح، إذا أهملنا بعض الثروات الأخرى الصغيرة كالفوسفات وغيرها. هذا كله عدا الطاقة البشرية الضخمة التي توفر اليد العاملة من جهة، والعقول المفكرة من جهة ثانية. ومن المؤسف أن هذه الطاقات لا تستثمر الاستثمار الصحيح، أو إنها تنفق في أوجه خاطئة. - صحيح أن بعض الدول العربية تستعمل جزءاً من واردات النفط مثلاً في مشاريع جيدة ومفيدة، ولكنها هي نفسها، وغيرها، تنفق الكثير من هذه الواردات في طرق خاطئة ومشاريع لا جدوى منها، وفيها الكثير من التبذير والفساد الذي يصل إلى درجة التغييب الكامل الذي لا يدري معه أحد ماذا يصنع بها. وإذا قلنا (لا يدري) فهو طبعاً من باب التجاهل لا الجهل، لأن كل الناس تعرف أين تنفق هذه الأموال، وكيف تنفق، ومن ينفقها! مع أن هذه الواردات -وهي تقدر بمئات مليارات الدولارات سنوياً، وأكرر مئات مليارات الدولارات سنوياً - لو أنفقت بالطرق السوية، وبأيد مخلصة، لعمرت كل البلاد العربية من المحيط إلى الخليج!. - والأراضي الصالحة للزراعة -وتقدر بملايين الهكتارات، وأكرر ملايين الهكتارات- لا يستثمر منها إلا الضئيل، وليس القليل، والأعجب من هذا أن بعض الأراضي الزراعية تحول أحياناً إلى مناطق سكنية تملأ بكتل الأسمنت والأحجار والحديد، أو تنشأ فوقها معامل تفسد الجو بمخلفاتها، وهذه وتلك تسيء إلى البيئة أيما إساءة، في حين يحاول الناس في بلاد العالم استثمار الصحارى للزراعة، مع ما لديهم من أراض زراعية واسعة، ولو استثمرت كل الأراضي العربية القابلة للزراعة -مع ما فيها من ثروات حيوانية وسمكية هائلة- لكفت كل سكانها مؤونة استيراد الأغذية من الخارج، سواء منها الحبوب والخضار والفواكه واللحوم والحليب ومشتقاته !!. - والصناعات الكبيرة معدومة تماماً في البلاد العربية ومعظم الصناعات صناعات تحويلية، تعتمد لتوفير موادها الأولية على الاستيراد من الخارج، أو صناعات غذائية، أو صناعات يدوية، ومن المؤلم تراجع بعض هذه الصناعات، ولا سيما الصناعات التي كانت تختص بها بعض البلدان العربية، وتعد من تراثها العريق، مع ما فيها من فن رفيع وجمال أخاذ، كصناعة البروكار، والمفروشات المصدّفة والنحاسيات... وإذا قيل: ويل لشعب يأكل مما لا يزرع، ويلبس مما لا يصنع، فإني أضيف: والويل له أكثر إذا كان باستطاعته صنع الأفضل وبقي بفقره يقنع وبذله يقبع!. - وما قيل في النفط والزراعة والصناعة، يقال في غيرها من المرافق الاقتصادية كصناعة السياحة، كما تسمى اليوم، وهي مرفق مهم، ولا سيما أن البلاد العربية مليئة بالمعالم الأثرية العملاقة، والمراكز الدينية المتنوعة، والمناظر الطبيعية الخلابة في جبالها وسهولها وسواحلها، وحتى في صحاريها التي يمكن أن تستغل لجلب السياح. وتعنى بعض البلدان العربية، التي تؤلف السياحة فيها الجزء الأكبر من دخلها القومي، بهذا المرفق على نحو جيد، في حين تهمل بلدان أخرى هذا المرفق بعدم عنايتها بما فيها من معالم، وعدم توفير راحة السياح الآتين لزيارتها ومتطلباتهم في الإقامة والتنقل والدخول إلى البلاد والخروج منها، وسوء معاملتهم أحياناً، ما يترك انطباعاً سيئاً عن البلاد وأهلها. - وفي كل المرافق والمشاريع الاقتصادية، زراعية كانت أم صناعية أم خدمية، ورسمية كانت أم خاصة، لابد من ذكر الفساد المستشري في إدارتها، مما تملأ أخباره وسائل الإعلام، ويشغل الكلام عليه كل المجتمعات، عدا تخبط التشريعات المتعلقة بها، وتغيرها بين حين وآخر، من تأميم إلى خصخصة، ومن خصخصة إلى تأميم، ومن منع الاستيراد إلى فتح باب الاستيراد، ومن وضع المكوس إلى رفع المكوس، عدا قوانين العمل التي كثيراً ما تسيء أكثر مما تنفع، بإفسادها العلاقة بين العمال وأرباب العمل، وفقد الناس الثقة بعضهم ببعض، وتخوفهم من الإقدام على إنشاء مشاريع ليس ما يكفل لهم بقاءها أو استمرارها دون منغصات أو تعرضها لمعوقات. - أدى كل هذا إلى تردي الحالة الاقتصادية في الواقع والحقيقة، ولو أنها تبدو أحياناً بمظهر جيد أو ممتاز، بإقامة بعض المشاريع الكبيرة ممن وصلت إليهم الأموال بطرق غير مشروعة في الغالب. وحتى هذه المشاريع لو استمرت، فإنها لا تفيد إلا أصحابها، ولا تعود بالنفع على عامة المواطنين، بل كثيراً ما تكون وسيلة لابتزاز أموالهم وتجميعها في جيوب محتكريها، مما نجم عنه تراكم الأموال لدى فئة قليلة من الناس، وتدني سوية المعيشة عند عامة الناس ومتوسطي الحال منهم، حتى كادت هذه الطبقة تزول لتلحق بطبقة الفقراء. ولمعرفة حقيقة الوضع الاقتصادي في البلاد العربية يجب أن نتذكر أن اقتناء دار للسكن أصبح حلماً عند كثير من الناس، يأملون تحقيقه في الجنة، وأن آلاف الأسر في كل البلاد العربية لا يعرفون طعم اللحم إلا في أيام معدودات من العام، وأن الآلاف لا يجدون ما يقيهم شر برد الشتاء القارس، وليس هذا في الأرياف البعيدة، بل في أحياء في قلب العواصم العربية، ولا سيما مع عدم انضباط الأسعار وارتفاعها الجنوني سنة بعد سنة، وشهراً بعد شهر، بل يوماً بعد يوم في بعض هذه البلاد. 5- الطاقة البشرية: ذكرتُ في بحث سابق أهمية العنصر البشري في قوة الأمم، فهو من جهة يوفر العلماء الذين يسهمون في رقي أممهم، ومن جهة ثانية يوفر اليد العاملة للنهوض بالمشاريع المختلفة، زراعية كانت أم صناعية أم خدمية... ومن المؤسف أن هذه الطاقة مضيعة إلى درجة تصل حد الهدر، ونسبة البطالة كبيرة، تتراوح، بحسب تقدير قدمه الدكتور مصطفى نبيل، المدير الفني في البنك الدولي عام 2004م، بين 10% و30%، وأن نسبة حائزي الشهادات العالية من هؤلاء العاطلين تتراوح بين 10% و32%، ويعني هذا أمرين: الأمر الأول عدم الإفادة من علوم حاملي الشهادات العليا في خدمة بلادهم، مع خسارة ما أنفقوا على أنفسهم من مال وجهد ووقت. والأمر الثاني خسارة المجتمع من وجود هؤلاء العاطلين؛ لأنهم بحاجة إلى من ينفق عليهم من ذويهم -لعدم وجود ضمان اجتماعي لهؤلاء العاطلين، والحكومات ليست ملزمة بإعالتهم- فهم لذلك يؤثرون في المستوى المعيشي للمعيلين، وإن كان هؤلاء من غير الموسرين قرَّبهم من الفقر فزاد الطين بلة. وهناك سبب آخر لعدم الاستفادة من حملة الشهادات العليا؛ هو هجرة كثير منهم لطلب الرزق، أو هرباً من الضغط الذي يلقونه، فهم أكثر تعرضاً لهذا الضغط في بلادهم مع الأسف لأنهم أكثر وعياً من غيرهم، وهم لذلك أكثر إلحاحاً في طلب تحسين أمور بلادهم، والسعي الحثيث لتقدمها ورفعتها، وهكذا تحرم بلادهم من علمهم وثقافتهم، كما تحرم من وطنيتهم القائمة على العقل لا المسيَّرة بالعاطفة. أما سبب البطالة فيمن لا يحملون الشهادات العليا فقلة المشروعات التي تحتاج إلى العمال بسبب سوء الحالة الاقتصادية، وعدم الاهتمام الجدي بإنشاء هذه المشروعات، مع الحاجة الملحة لإنشائها، ومع توفر القدرات لذلك، مما أدى أيضاً إلى هجرة الكثير من القوى العاملة إلى خارج البلاد. وإضافة إلى البطالة التي تكلمت عليها، هناك البطالة المقنعة التي تنجم عن ملء الدوائر الرسمية والمؤسسات العامة والخاصة بموظفين لا عمل لهم إلا قبض رواتبهم في آخر الشهر، بحجة تخفيف أزمة البطالة، وضرر هذه الخطة أكبر من نفعها؛ إذ إن هؤلاء الموظفين، والأصح أن يقال هؤلاء المنتفعين، هم غالباً من الملتمسين والمقربين من ذوي السلطة، لذلك لا يتورعون عن إساءة التصرف والإكثار من الفساد، علاوة على أن كثرة الموظفين تؤدي إلى الفوضى والإرباك وضياع التبعات. ولا بد قبل إنهاء البحث في موضوع الطاقة البشرية، من التحدث عن هدر هذه الطاقة من قبل الكثير من العاملين أنفسهم، بإضاعة الكثير من أوقاتهم في أثناء العمل؛ باستقبال الزائرين، وقراءة الجرائد، وحل الكلمات المتقاطعة، واحتساء القهوة، وتناول الشطائر، وشغل الصوف، وما يشبه هذا من (مهمات) كبيرة يقضونها في أثناء دوامهم الرسمي في أوقات عملهم!!. 6- الشعور بالانتماء: يختلف الأمر هنا كثيراً، وفيه من المفارقات الشيء العجيب، فهناك بعض الناس في كل بلد عربي ليس لهم في هذا الأمر من شيء، ولا يهمهم شأن بلدهم وما يجري فيه ما داموا يتمتعون بما يريدون من عيش رغد، أو غير رغد، وما داموا يأكلون ويشربون، وكأنهم يعيشون في عالم آخر غير عالمهم. وبعض الناس لا يتورعون عن الجهر بكرههم بلدهم، ويتمنون لو تتاح لهم فرصة للخروج منه إلى أي بلد آخر، وهؤلاء غالباً من المحرومين أو المظلومين، ومن المؤسف أن بعضهم من المتعلمين. وقد ذكرت في بحث سابق قصة الشاب الذي مزق جواز سفره العربي حين وصل إلى مطار إحدى الدول الغربية، وأقسم ألاّ يعود إلى بلده أبداً. وتدل هذه الحادثة على مدى الإحباط الذي كان يعيشه هذا الإنسان، وقد وصل إلى مكان مجهول لا يدري ما سيكون مستقبله فيه، ولكنه كان يتصور أن أي حال سيؤول إليه أمره سيكون أفضل مما كان عليه!. ومما يعجب منه ويؤسف له، أن يجاهر بهذه النزعة بعض (النخبة) من (المفكرين) أو (المسؤولين) الذين نشرت لهم كتابات، وأذيعت تصريحات تطعن بالعرب والعروبة، وتشكك في انتمائهم، وتمتدح أعداءهم، بل تدافع عن هؤلاء الأعداء وتناصرهم!. ولعل مما يدهش في الوقت نفسه أن يبدو من الأجيال التي نشأت في الحرمان، ورُبِّيت في عهود القهر والطغيان، جيل ينبض كل عرق من عروق أبنائه بحب الوطن والغيرة عليه، وتتفجر فيه طاقات غريبة لم تكن في الحسبان، وعلى هؤلاء من أبناء هذا الجيل يعوِّل المخلصون في قيام الشعوب العربية من كبوتها إن شاء الله. صحيح أن الأمور ليست مُرضية، ولكن لا يعني هذا أن نمسك بالمعول ونهدم ما بقي من أسس، بل على العكس يجب أن نسعى لتدعيم الأسس وإعادة البناء وإعلائه، ولا يتم ذلك إلا بشعور كل فرد من أفراد الأمة العربية بأنه مسؤول عن ذلك شخصياً، ومن واجبه ألاّ يقصر في القيام بدوره بكل طاقاته. 7- وحدة الهدف ووحدة الصف: كانت كل الدولة العربية المعروفة، حتى قبل أقل من مئة عام، ولايات في دولة واحدة، هي الإمبراطورية العثمانية، وريثة الدولة الإسلامية العظيمة. وأدت خسارة هذه الإمبراطورية الحرب العالمية الأولى، وتكالب دول الغرب المنتصرة، إلى تقسيمها إلى دويلات، وضعت جميعها تحت استعمار أو انتداب أو وصاية ثلاث دول أجنبية، كان بعضها قد احتل بعض هذه الدول الناشئة فعلاً قبل الحرب. وقامت في كل هذه الدول الجديدة ثورات متعاقبة مطالبة باستقلالها ورافضة الاحتلال، وعوملت كل هذه الدول معاملة واحدة سيئة من الدول المحتلة، لا فرق بين واحدة وأخرى، وكان من نتيجة هذه الثورات، أن نالت بعض الدول العربية امتيازات ظهرت معها بمظهر الدول المستقلة، بموجب معاهدات بينها وبين الدول المحتلة، في حين لم تظفر بقية الدول بشيء من ذلك. وبعد عشرين عاماً من انتهاء الحرب العالمية الأولى نشبت الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهائها نالت الدول العربية استقلالها واحدة بعد أخرى، إلى أن استقلت كلها، عدا فلسطين، التي أعطيت ظلماً وعدواناً لليهود، وقد عدَّت كل الدول العربية موضوع فلسطين موضوعاً أساسياً، وقامت بين بعضها وبين الدولة اليهودية المحدثة حروب عديدة انتهت إلى الوضع الذي يعرفه الجميع الآن. وحدثت في كل البلاد العربية بعد استقلالها جملة من التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كثيرة التشابه، وكأن كل الأحداث التي مرت بها، فصول رواية واحدة، كتبها كتّاب مختلفون فتشابهت هذه الفصول مع تغير أسماء أماكن الأحداث وأسماء أبطال القصة وممثليها. عرضت هذه المقدمة لأخلص إلى النتيجة التالية: إن الشعوب العربية، في كل بلادها، ذات أصل واحد، وماضيها البعيد واحد، وماضيها القريب واحد، وظروفها الحالية واحدة، وقَدَرُها واحد، لذلك يجب أن تجتمع على كلمة واحدة سواء، وأن يشد بعضها أزر بعض لإكمال طريقها إلى نهايته المنشودة، وهي رفع شأن الأمة العربية الواحدة، لاستعادة ماضيها المجيد، ولأخذ مكانتها التي تليق بها بين أمم العالم اليوم، ولها في رجالها وفي قدراتها ما يؤهلها لذلك، فهل هي سائرة في هذا الطريق؟. الجواب المؤلم: كلا!. فبدلاً من أن ترفض الدول العربية الفُرقة والتقسيم منذ استقلالها، وتسعى إلى إزالة الحدود بينها، قنعت بقسمتها واستساغتها، وفرحت كل دولة بما وصلت إليه، ما دامت تملك علماً يرفرف، ونشيداً يصدح في المناسبات، وجيشاً يستعرض حين الملمات، ورئاسات ووزارات وميزانيات.... كل هذه الأشياء التي تدعو إلى البهجة، وتوحي بالعظمة، هل يمكن الاستغناء عنها بسهولة؟ قامت محاولات بين حين وآخر لجمع بعض الدول باءت كلها بالفشل، وانتهت بنتائج معكوسة، بعقد اتفاقات رسمية موثقة بين الدول العربية على أن تحترم كل دولة (عربية) حدود جاراتها (الدول العربية)، وعلى عدم التدخل في شؤونها، وعدم خدش (سيادتها على أراضيها)، أو الانتقاص من (كرامتها). وأكثر من هذا سوءاً عقد بعض الدول العربية تحالفات مع دول أجنبية ضد أخواتها الدول العربية، ووقوفها مواقف عدائية صريحة ضد جاراتها العربيات، وبعض هذه الدول الأجنبية لا تخفي عداءها الصريح للعرب كلما سنحت لها الفرصة، وبعضها يظهر المحبة ويخفي البغض ويكيد للعرب ومصالح العرب في كل مناسبة... فالعرب إذن حتى الآن، لم يتفقوا على أمر ولم يوحدوا كلمتهم في القضايا الكبيرة التي تواجههم جميعاً في مستقبلهم القريب والبعيد، ولم يحددوا حتى الآن هدفهم، وهو أمر في غاية الخطورة. ألهمهم الله الهدى ودلهم على طريق الرشاد. 8- أكتفي بهذا القدر من تحليل وضع البلاد العربية في مختلف عناصر القوة عند الأمم. ولو حاولنا طرح ما جاء فيه على استطلاع للرأي، للتقييم بالطريقة العلمية، ووضع درجة لكل عنصر من عناصره بحسب إحدى الطرائق المستعملة للتقييم، إما وضع درجات (أ) و(ب) و(ج) و(د)، أو استعمال طريقة الشهادات في سورية مثلاً التي تذكر فيها درجة النجاح بين هلالين كالتالي: نجح فلان بدرجة (جيد جداً)، ونجح فلان بدرجة (جيد)، ونجح فلان بدرجة (-)، وهذه الإشارة يسميها الناس (شحطة) ويقولون نجح فلان بدرجة شحطة أي نجح جراً. لو طبقنا أحد هذين المعيارين، وعرضنا على العالم العربي استطلاع رأي هذا نصه: 1- أتُعتبر البلاد العربية ناجحة أم فاشلة في التعامل مع المقومات الأساسية للقوة العلمية والثقافية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها؟ 2- إذا كانت ناجحة فما الدرجات التي تعطيها لها حسب أحد المعيارين التاليين: أ، ب، ج، د؛ أو جيد جداً وجيد و(-)؟ أعتقد أن النتيجة ستكون كالتالي: الجواب عن السؤال الأول 50% ناجحة، 50% فاشلة. الجواب عن السؤال الثاني: 98% درجة د، أو (-)، 5،1% درجة جيد أو (ب)، 5،0% درجة جيد جداً أو (أ). ويجب -استكمالاً للموضوع- إجراء دراسة مفصلة، لتحديد مستوى المشتركين في هذا الاستطلاع، ودرجة ثقافاتهم، ونوع انتماءاتهم، وما سوى ذلك من العوامل التي أدت إلى قناعاتهم. أما استطلاع الرأي حول الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج، أو القناعات، فلم يحن وقته بعد (لأسباب فنية) و(لعوائق لوجستية)!.
مقدمة الحرص على الحياة، وحب البقاء، من أولى الغرائز التي وضعها الله في الحيوانات، والإنسان منها. وحب البقاء يتطلب العمل لتوفير الغذاء، والعمل يتطلب الجهد والمثابرة، والجهد يتطلب القوة، ولذلك قيل: البقاء للأقوى. كان الإنسان البدائي يعتمد على قوته البدنية لتوفير حاجاته، وحتى حين بدأ يستعمل الأدوات الأولى في الصيد أو الزراعة كان بحاجة إلى القوة، فرمي النبال، وإصلاح الأرض، وبناء الأكواخ، كلها تحتاج إلى القوة. ولما عجزت قوة الفرد عن تحقيق كل مطالبه، كان لا بد له من الاستعانة بمن يساعده، وأقرب من يقوم بهذه المساعدة أولاده وأفراد أسرته، وأصبحت كثرة أفراد العائلة، ثم القبيلة أو العشيرة، مظهراً من مظاهر القوة، ولا سيما في الغزوات والحروب، مع بقاء قيمة القوة الفردية في هذه أيضاً، إذ كانت الحروب -على الغالب- تبدأ بالمبارزات التي تستند إلى القوة الجسدية، عدا المهارة في استعمال السلاح. ثم تقدم الإنسان، فاخترع كثيراً من الأدوات التي تساعده في حالتي السلم والحرب؛ صنع أدوات لانتقاله، ولحمل أثقاله الضخمة ونقلها إلى أماكن بعيدة براً وبحراً وجواً، وأدوات للاتصال ونقل المعلومات، وطوّر وسائله القتالية البدائية إلى وسائل أشد تأثيراً وأكثر فتكاً؛ من المنجنيق، إلى السلاح الناري الفردي، إلى المدفع، فالدبابة، فالطيارة المقاتلة، ثم الطيارة بلا طيار، عدا البارود، فالقنابل العادية والقنابل المنشطرة، حتى القنابل الذرية والهيدروجينية، وما ندري وما لا ندري من أسلحة مكتومة ومدّخرة لحين الحاجة!. وهكذا، عادت القوة الفردية غيرَ ضرورية، وأصبح بعض (المقاتلين) يستعملون عقولهم وحواسيبهم لتحريك كل شيء وهم في أماكن بعيدة عن ساحات القتال، قابعون في غرفة صغيرة، أمامهم لوحة مليئة بالأزرار، يستطيعون بوساطتها توجيه طائرات بلا طيار، تلقي ما حُمِّلت من القنابل والصواريخ، على أهداف لا يرونها بأعينهم، لأنها بعيدة عنهم مئات الأميال أو آلافها، وأصبح الدماغ بذلك قوة تقهر قوة العضلات، وأصبح العلم قوة تغلب القوة الجسدية، وليس من المستغرب أن يكون بعض هؤلاء (المقاتلين) معوّقين جسدياً!!. ومع تقدم الإنسان، وامتلاكه أجهزة وأدوات كثيرة التنوع، تقوم عنه بكثير من الأعمال في حياته العادية، استغل بعض هذه الأجهزة لاستعمالها في الحروب. ثم عمل المفكرون في كل شعب على محاولة القضاء على خصومهم من الشعوب الأخرى؛ بتوهينها، وجعلها غير قادرة على المواجهة حربياً، والطرائق إلى ذلك كثيرة؛ منها إفقارها أو تجهيلها أو إفساد أخلاقها أو القضاء على معتقداتها، وغير هذا كثير.. وهكذا أصبحت كل هذه الأمور قوى تفوق أحياناً قوة السلاح، مهما يكن فتاكاً. فالقوة عادت ذات أشكال كثيرة، ربما كان الشكل المادي منها أقلها أثراً، ولو أنه يبقى ظاهراً المؤشر الأوضح والدليل الساطع عليها. سأحاول في هذا الكتاب عرض أنواع القوة المختلفة، وهي مجتمعة، دعامة من دعائم بقاء الشعوب، ودليل حيويتها، ومبعث عزها وكرامتها، وسبب احترامها. راجياً من الله التوفيق.
- ما أشكال القوة؟ - أهي العضلات؟ أم السلاح بأنواعه؟ أم قوة الفكر والمعتقدات؟ أم قوة المكر. للقضاء على الشعوب بتوهيتها وإفقارها وتجهيلها وإفساد أخلاقها ومعتقداتها؟ هذا الكتاب -أحد أجزاء سلسلة "أدركوا الدعائم: اللغة، الأخلاق، القوة". يبحث في تطور أنواع القوة المختلفة من القوة البدائية حتى القوة الفتاكة وهي مجتمعةً دعامةً من دعائم بقاء الشعوب ودليل على حيويتها، ومبعث عزها وكرامتها وسبب احترامها. -يقول المؤلف: "ليست القوة الصراع، وإنما القوة الإيمان بها، والشعور بالانتماء، ووحدة الهدف، والعدل، والعلم، والثقافة، والتخطيط، واستثمار الوقت، وتدبير الاقتصاد، والسعاية إلى إقرار الأمن والأمان، وتفعيل الصبر". -ويتساءل: فأين يقع العرب من هذه القوة؟ وما العمل؟ -إنه كتاب جدير بالقراءة والتأمل.
مستخلص هذا الكتاب يمثل الجزء الثالث من سلسلة ((أدركوا الدعائم: الأخلاق، اللغة، القوة)). ينقسم إلى ثلاثة مباحث، الأول ((أنواع القوة ومظاهرها))، والثاني ((العرب وشعوب العالم))، والثالث ((ما العمل؟)). عدّد المؤلف في المبحث الأول تلك الأنواع وتوقف عندها، فرأى أن الإيمان وهو الثقة قوة، وأن الشعور بالانتماء إلى الوطن قوة، وأن وحدة الهدف بين المواطنين قوة، وأن العدل الذي يسع الناس قوة، وأن الأخلاق الصحيحة إحدى دعامات القوة الحقيقة، وأن العلم قوة، وأن الثقافة الحق قوة، وأن التخطيط الصحيح قوة، وأن استثمار الوقت قوة، وأن الإعلام القوي قوة، وأن الاقتصاد بأشكاله المختلفة قوة، وأن الأمن والأمان قوة، وأن الصبر قوة، وأن الإنسان بحد ذاته قوة. وأشار المؤلف إلى مصادر أخرى للقوة، كالأحلاف والموقع الجغرافي، وطبيعة البلاد الجغرافية، وطول الحدود وطبيعتها، وعلاقة الشعوب بما يجاورها، وطبيعة الشعب ورقيّه. وتحت عنوان البحث الثاني ((العرب وشعوب العالم))، قدم نظرة في شعوب العالم اليوم، وتساءل: أين يقع العرب في مجموع هذه الشعوب؟ فبيّن عناصر الضعف فيهم. وأخيراً انتهى إلى البحث الثالث ((ما العمل؟)) قدّم فيه رؤيته للنهوض بالعرب، وتجاوز نقاط الضعف لديهم.