? بطاقة الائتمان
لقد غدت بطاقات الائتمان اليوم في العديد من الدول أداة رئيسية لدفع ثمن السلع وأجور الخدمات، مستغنين بذلك عن حمل النقود وما يعتريه من مخاطر، وخاصة في البلدان المتقدمة.
- تعريف بطاقة الائتمان: تعددت التعاريف التي تبين المعنى المراد من بطاقة الائتمان.
فقد عرفها أعضاء المجمع الفقهي بأنها: مستند يعطيه مصدر لشخص طبيعي أو اعتباري -بناء على عقد بينهما- يمكّنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ومن أنواع
هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف .
أو هي: بطاقة بلاستيكية تتيح لحاملها شراء سلع وخدمات في حدود قيمة معينة أو بحد أقصى معين حسب
نوعها، على أن يتم السداد خلال فترة معينة وبشروط معينة، إما دفعة واحدة أو بالتقسيط مع فوائد عليها ، والتعريفان يفيان بالغرض.
لكني وجدت أن التعريف الذي يزيد هذه البطاقة وضوحاً هو:
«بطاقة خاصة يصدرها المصرف لعميله، تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من محلات وأماكن معينة عند تقديمه لهذه البطاقة، ويقوم بائع السلع أو الخدمات بالتالي بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف مصدر الائتمان، فيسدد قيمتها له، ويقدم المصرف للعميل كشفاً شهرياً بإجمالي القيمة لتسديدها، أو لخصمها من حسابه الجاري لطرفه» .
ولعل التعريف الأخير هو أكثر التعريفات بياناً للوصف الحقيقي لبطاقة الائتمان.
• أنواع بطاقات الائتمان
لبطاقة الائتمان أنواع كثيرة، وسأقتصر على ذكر أبرزها وأشهرها، وهي ثلاثة:
1- بطاقة الحسم الفوري (Debit Card) : ويطلق عليها اسم: بطاقة السحب المباشر من الرصيد، وتستخدم لسداد قيمة المشتريات والسحب النقدي بتحويل النقود من حساب صاحب البطاقة إلى حساب البائع، فيتم الخصم مباشرة من حساب العميل بموجب هذه البطاقة.
لذا فإن هذا النوع لا يشكل أي مخاطر ائتمانية على البنك مصدر هذه البطاقة .
2- بطاقة الدفع الآجل (Charge Card) : ويطلق عليها اسم بطاقة الخصم الشهري، التي يلتزم فيها العميل بعدم تجاوز المبلغ أو السقف المتفق عليه، وقيامه بالدفع في وقت محدد من كل شهر، فلا يشترط على العميل فتح حساب دائن في البنك المصدر لها .
3- بطاقة الائتمان (الآجل) ( Credit Card ): وهي التي لا يشترط فيها أن يكون لحاملها حساب لدى البنك المصدر، وفي حال وجود حساب له لا يشترط توافر الرصيد لحسم ما عليه من مبالغ الاستخدام، حيث تتم مطالبة العميل بتسديد دفعة أولية، والدخول بعد ذلك في برنامج تقسيط، ويستوفي البنك من حامل البطاقة نسبة فائدة مقابل الاستفادة من هذا البرنامج، كذلك يستوفي البنك عمولات إصدار على هذه البطاقات أعلى من العمولات التي يستوفيها على البطاقات الأخرى .
إذن فلا يشترط كون البطاقة مغطاة إلا بالنسبة للنوع الأول منها، عندما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف، وأما بقية الأنواع فيمكن أن يكون الدفع من حساب البنك مصدّر البطاقة، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية. إضافة إلى أن البنوك المصدرة لهذه البطاقات، منها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال فترة محددة من تاريخ المطالبة ومنها ما لا يفرض، والأكثر يفرض رسماً سنوياً على حاملها.
• كيفية إجراء العقود من خلال بطاقة الائتمان
عند شراء بضاعة ما يقدّم حامل البطاقة إلى التاجر بطاقته، فيقوم التاجر بتمرير البطاقة على جهاز اتصال لديه، يسجل بدوره معلومات البطاقة الموجودة في الشريط الممغنط، ويدخل قيمة البضاعة، ويتم الاتصال إلكترونياً بمصدّر البطاقة (البنك) للحصول على تفويض بالدفع. ويتأكد التاجر من شخصية حامل البطاقة من خلال مقارنة توقيعه على البطاقة مع توقيعه على الفاتورة في نقطة البيع.
هذا بالنسبة لكيفية دفع حامل البطاقة لقيمة البضاعة المشتراة، أما بالنسبة لكيفية تحصيل التاجر لقيمة البضاعة من مصدر البطاقة، فيقوم التاجر بالإجراءات التالية:
- يرسل التاجر إلكترونياً للبنك المصدّر جميع العمليات على أساس يومي.
- فيدفع البنك للتاجر قيمة العمليات المستلمة ناقصاً بعض الرسوم حسب الاتفاق بين الطرفين.
- ويتم تحويل العمليات بواسطة الشبكة الإلكترونية من العملة التي تغطي البطاقة إلى عملة التاجر في حال كان رصيد البطاقة بعملة مغايرة، وذلك حسب أسعار الصرف في ذلك الوقت.
- فإن كانت البطاقة مغطاة، فإنه يتم تثبيت ما خصم من حسابات العملاء في قيودهم، وإن كانت غير مغطاة، فتستعمل القوائم لعمل فواتير لتحصيلها من حاملي البطاقات فيما بعد حسب الاتفاق معهم، وهذا يتعلق ببطاقات الدفع الآجل على وجه الخصوص: Credit Card .
• التكييف الفقهي لبطاقات الائتمان
تتنوع التكييفات الفقهية لبطاقة الائتمان، وقد ذكر الفقهاء المعاصرون لكل من العلاقة التي تربط بين البنك مصدر البطاقة وحاملها، والعلاقة التي تربط بين حامل البطاقة والبائع، والعلاقة التي تربط بين البنك مصدر البطاقة
والبائع تكييفات خاصة بها لا ترابط بينها، قالوا: «تتضمن بطاقات الائتمان ثلاثة عقود، كل واحد منفصل عن
الآخر في أطرافه ومسؤولياته» .
ثم إن أقوال الفقهاء المعاصرين قد تعددت لكل علاقة من هذه العلاقات في سبيل بيان التكييف الشرعي لها.
والتكييف الفقهي للعلاقة التي تربط بين مُصدر البطاقة (البنك) وحاملها (العميل). فيه أقوال عدة، أبرزها:
- على أساس الكفالة: لكون مصدر البطاقة كفيلاً بالمال لحاملها تجاه الدائنين من التجار ونحوهم، والعلاقة بينهما علاقة ضمان. وهي من قبيل ضمان ما لم يجب، والذي نص عليه الفقهاء وأجازه الجمهور إلا الشافعية في الجديد . وهذا لا ينطبق على النوع الأول من بطاقات الائتمان (الحسم الفوري) المغطاة، ومن ثم فلن يكون البنك كفيلاً للعميل في هذه الحالة وإنما وكيلاً له.
- على أساس الحوالة: فيكون البنك محالاً عليه، وحاملها محيلاً والتاجر الدائن محالاً، بدليل قوله ?: «مطل الغني ظلم، وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع» .
- على أساس الوكالة: ويعتبر البنك مصدر البطاقة في هذا القول وكيلاً لحاملها بتسديد ما يقع عليه من التزامات مالية.
والتكييف الفقهي للعلاقة التي تربط بين حامل البطاقة والتاجر فيه أقوال عدة؛ أبرزها:
- إما أن تكون بيعاً، إذا استخدمها حاملها في شراء ما يحتاجه من السلع.
- أو أن تكون إجارة، إذا استخدمها حاملها للحصول على منافع الأعيان والأشخاص.
- أو أن تكون حوالة، كما قد ذكرنا بالنسبة للعلاقة التي تربط بين البنك وحامل البطاقة، فيكون حاملها محيلاً، والتاجر محالاً.
وكذلك الحال بالنسبة للتكييف الفقهي للعلاقة التي تربط بين البنك مصدر البطاقة والتاجر ، فتتنوع الأقوال فيها أيضاً، وأبرزها:
- إما أن تكون علاقة كفالة: لكون البنك يضمن للتاجر قيمة مبيعاته بواسطة البطاقة.
- أو أن تكون علاقة وكالة بأجر: لكون التاجر يوكل البنك في تحصيل قيمة الفاتورة، «فإن كانت من مال العميل فهي وكالة، وإن كانت البطاقة غير مغطاة فتكون كفالة».
- أو أن تكون من قبيل الحوالة: لأن العميل يحيل البائع على البنك بكامل الثمن، ومن ثم تبرأ ذمة حامل البطاقة براءة تامة.
والتكييف الفقهي الذي يجمع بين الأطراف الثلاثة هو الحوالة، وهو الراجح لدي، فحكم شراء السلع والخدمات ببطاقة الائتمان هو: الجواز بالنسبة للنوع الأول (بطاقة السحب المباشر من الرصيد)، والثاني (بطاقة الخصم الشهري). أما بالنسبة للنوع الثالث، الذي هو الأصل في بطاقات الائتمان فلا يجوز التعامل بها، لكون عماد التعامل بها قائماً على الإقراض الربوي والفائدة. أما بالنسبة للصرف فالحكم كما يلي:
بالنسبة للنوع الأول (بطاقة السحب المباشر من الرصيد): وذلك عندما يقوم البنك بصرف النقود للعملة المحلية
بمجرد سداده بالعملة الأخرى عن طريق البطاقة، وإن كان بدل الصرف لا يتم استلامه إلا لاحقاً حقيقة، فالراجح لدي في هذه الحالة الجواز؛ لكون ما يتم من تثبيت لعملية تحويل المال لرصيد الطرف الثاني في القيود يقوم مقام القبض الحكمي، وذلك عندما يتم تمرير البطاقة على الجهاز الآلي، فيقوم الجهاز بقراءة شريط المعلومات فيه، وتوصيل هذه المعلومات إلى الحاسب الآلي في البنك مصدر البطاقة، الذي يتولى بدوره قيد المبالغ على حساب العميل، وتحويلها إلى الحساب الآخر، ولا يختلف الحكم هنا عما مر معنا من أحكام صرف ما في الذمة سابقاً. وهذا بشرطين هما: تحري عدم وجود شبهة أجل في العقد، إضافة لاشتراط أن تكون البطاقة مغطاة تماماً.
أما بالنسبة للنوع الثاني والثالث فلا يجوز الصرف من خلالهما، إذ من المعلوم أن الصرف لا يجوز ديناً، كأن يتفق المتعاقدان على تسديد أحد البدلين حالاً وجعل الآخر مؤجلاً، وكلاهما قائم على أساس الإقراض، إذ لا يشترط فيهما الغطاء أصلاً، فضلاً عما يعتري النوع الثالث من فائدة تضاف على العميل عادة، وهذا ما ذهب إليه أعضاء المجامع الفقهية؛ ففي الهند ذهبوا إلى أنه: «لا يجوز استخدام بطاقة كريدت - الائتمان- لاشتمال صورتها السائدة على الربا» . وجاء في قرارات المجمع الفقهي في جدة: «لا يجوز شراء الذهب والفضة، وكذا العملات النقدية، بالبطاقة غير المغطاة» .
أما واضعو المعايير الشرعية فقد ذهبوا إلى الحكم بالجواز بالنسبة للأنواع الثلاثة، لكن بشرط إمكانية قيام مصدّر البطاقة بتسديد المبلغ المستحق بدون أجل؛ قالوا: «يجوز شراء الذهب أو الفضة أو النقود ببطاقة الحسم الفوري، كما يجوز ببطاقة الائتمان والحسم الآجل في الحالة التي يمكن فيها دفع المؤسسة المصدرة المبلغ إلى قابل البطاقة بدون أجل» .
وعند التحقيق نرى أن هذا الرأي غير ممكن الوقوع شرعاً، لكون المطلوب هو تطبيق ضابط الحلول وليس مجرد التقابض، بألا يعتري العقد شبهة أجل مطلقاً، ومن ثم فلا يمكن تصور وقوع القيد الذي نص عليه واضعو المعايير إلا إن جرى العقد ضمن المؤسسة مصدّرة البطاقة، وإلا غدا الأجل موجوداً في العقد، وإبرام عقد صرف بين متصارفين أحدهما يحمل بطاقة ائتمان داخل حرم البنك مصدّر البطاقة نادر، لكون البطاقة عندئذ لن تعطي العميل حاملها النتيجة المرجوة منها، أي تسهيل المعاملات اليومية من خلالها، ومن ثم الاستغناء عن حمل النقود. وما مر معنا من أحكام ينطبق عليه حكم شراء الذهب عن طريق بطاقة الائتمان المصرفية جملة وتفصيلاً.
هذا البحث مظهر من مظاهر صلاح أحكام الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان،ففي شقه الأول نجد أن متقدمي الفقهاء قد فصّلوا القول في ضوابط عقد الصرف التي جاءت بها النصوص الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها،ثم في شقه الثاني (التطبيقات المعاصرة) نجد أن متأخريهم قد بيّنوا حكم الشريعة الإسلامية فيما جدَّ من وقائع وصور لهذا العقد،وليس هناك حكم نصّ عليه متأخروهم إلا ومبناه على أصل شرعي قد بيّنه متقدموهم.
وتكمن أهمية هذا البحث في ضرورة التبصر بأحكام الصرف؛ الذي يعد باباً من أهم أبواب المعاملات الكثيرة، ولاسيما أننا نشهد ما يجري على أرض الواقع من مخالفات شرعية جسيمة؛ يقع فيها كثير من المسلمين، نتيجة جهل أو تهاون وعدم مبالاة بأحكام هذا الباب.
إضافة إلى شيوع ظاهرة المصارف الإسلامية؛ التي تمثّل عمليات الصرف وتبديل النقود، جانباً مهماً من جوانب نشاطاتها.
عقد الصرف: مسألة عملية واقعية يخوض غمارها بشكل شبه يومي – ومن دون الاطلاع على حكم الشريعة الإسلامية فيها - شريحة واسعة من الناس.
ومن خلال هذا البحث يتعرف القارئ على سائر الجوانب المحيطة بموضوع صرف النقود وتحويلها من عملة لأخرى من الناحية الشرعية، وأبرز هذه الجوانب.
فيتعرف بداية على مراحل نشأة النقود حتى وصلت للشكل الذي نشهده اليوم، ونتعرف على مصدر قيمة النقود التي عرفت على مر التاريخ إلى اليوم؛ بدءاً بالنقود الذهبية وانتهاء بالأوراق النقدية (البنكنوت)، مروراً بالنقود المعدنية الخالصة والمغشوشة والفلوس.
ثم يتعرف على ضوابط عقد صرف النقود في الشريعة الإسلامية. وذلك عند تماثل جنس البدلين والتي هي: التماثل،والتقابض،والحلول،وخلو العقد عن خيار شرط،وخلوه عن شرط أجل. وكذلك عند اختلافهما؛ وهي الضوابط السابقة خلا ضابط التماثل.
ومن خلال هذا البحث يمكن للقارئ أن يتعرف على طريقة وماهية تحقيق كل ضابط من هذه الضوابط؛ وذلك من خلال اطلاعه على مسائل هذا البحث الفرعية، وأبرزها: التقابض الحقيقي، والتقابض الحكمي، وموقع كل منهما في عقد الصرف، ومسألة التوكيل في الصرف، ومتى يعد الوعد جائزاً في عقد الصرف.
وفي هذا البحث تحقيق موسع عن الأوراق النقدية المتداولة اليوم، هل تعتبر جنساً واحداً مهما تعددت دول إصدارها؟ ومتى تعتبر أجناساً مختلفة؟!
وتعرض الباحث لمسألة حكم إجراء عقد صرف بين عين ودين عند الفقهاء، وحكم إجراء عقد صرف بين دينين (المقاصة). وحكم تحويل العملة بأمر خطي داخل البنك دون تقابض،وعقود الخيارات وعقود التحوط الشائعة في البنوك التقليدية، وحكم صرف النقود من خلال الشيك أو بطاقة الائتمان بأنواعها، وكذلك حكم إجراء عقد الصرف من خلال وسائل الاتصال المعاصرة كالهاتف والفاكس والإنترنت