تمهيد أغلق عينيه ثم فتحهما من جديد، إنَّه الكابوس ذاته يتكرَّر في كلِّ مرَّة، يتكرَّر مع محاولته الهروبَ منه بقطع عشرات الكيلو مترات. وقد أدرك اليوم أنَّه لم يَخطُ نحو الاختيار الصَّحيح. كان عليه أن يفكِّر من أجل إيجاد حلٍّ للمشكلة، فالمُفتَرسُ لم يكن شخصاً! بل هو ظلٌّ أسود، إنَّه مجموعة مجرمين مقنَّعين لا يستطيع تحديد هويَّتهم. أمعنت النَّظر في عينيه لأكتشف مناطق مجهولة، كأنَّهما نافذتان مفتوحتان على عالمٍ آخر تؤجِّجه براكينُ ثائرة، وتملؤه غربانٌ ناعقة، فتمطره بوابل من الحجارة المتساقطة من فم السَّماء. كانت الحرارة اللّاهبة تذيب كلَّ شيء، وكأنَّ البراكين قد سيطرت على الحياة فصارت سيِّدتها، وفي هذا المكان القذر قضى هذا الولد سنواتٍ من عمره، تحدَّى كلَّ شيءٍ بشجاعةٍ عظيمة، ولو كنت مكانه لعجزت عن التَّصرف مثله في تلك المواقف. أمسكت ورقةً وحاولت أن أحلَّ المعادلة وأكشف عن سرِّ هذا الولد الغامض، لم أستطع أن أصل إلى نتيجةٍ مع ساعاتِ التَّفكير الطَّويلة.. وفهمت عندها أنَّه ما من حلٍ ممكن، وآدم وحده هو الَّذي يعرف مكامن قوَّته. كان متمدِّداً على سريره عندما لاحت لعينيه غيمةٌ كبيرة، وما حدث في ذلك المساء لا يعدُّ أمراً مألوفاً.. فقد سمحتْ له مغامراته باكتساب قدرةٍ خارقة، ليدخل بها عالماً جديداً، هو عالم الثِّقة بالنَّفس، لقد نجح بتلفُّظ كلمةٍ كانت حتى ذلك الحين تموت على أطراف شفتيه، إنَّها كلمة (لا). هذان الحرفان سيساعدانه منذ اليوم لكي يتغلَّب على أسوأ المصاعب. بدأت القصَّة عندما كان آدم في الثَّامنة من عمره، ومهما تكن الأحوال صعبةً أو بائسةً أو ميسورةً فلن يتغيَّر شيء؛ فعند كلِّ انتقالٍ كانت تظهر له حوادث جديدة، تتخلَّلها مواقف تدعو للابتسام في بدايتها، لكنَّها ما تلبث أن تخبو شيئاً فشيئاً، لتنتهي بالبكاء والحزن على نحوٍ لا يصدَّق.. كانت الحوادث مثل كرةٍ سوداء ضخمة، تتدحرج خلف ضحيَّتها أينما ذهبت. ولم يكن الآخرون ــ لحسن الحظِّ ــ يعيشون نصيبهُ من هذه التَّجارب. وخلافاً للأحلام الأخرى، كان حلم آدم بسيطاً صادقاً، فهو يتمنى أن يعيش نزق الطُّفولة وحلاوتها، ولا يطلب شيئاً أكثر من ذلك. غير أنَّ بعض الأفراد كانوا يفكِّرون بشكلٍ مختلف، فيَضَعون عقباتٍ تعطِّلُ طريقه. ماهي قصة آدم.. وما حكايته. رواية " بين النمور" تكشف عن حياة آدم.. والأيام الصعبة في حياة التلاميذ
رواية واقعية يكتبها طفل نابغة لا يتجاوز الخامسة عشر من العمر، يتحدث فيها عن أشكال التمييز والمضايقات (التنمر) التي يتعرض لها بعض التلاميذ في المدرسة، سواء أكانت من الزملاء أو المعلّمينأو من الإداريين، والتي قد تؤدي إلى الحاق ضرر بالغ بالتلميذ من الناحية العائلية والاجتماعية والدراسية تدفعه أحيانا إلى ترك المدرسة باكرا. رواية شيقة جديرة بالقراءة.
لم يكن ذلك كله يساوي شيئاً بالمقارنة مع المشكلة التي واجهتني مرة أخرى؛ لا أحد يتحدث معي، فكنت منعزلاً عن الجميع، وقد ازدادت هذه العزلة عندما حظر علي استعمال الجوال حتى أنني لم أستطع أن أتصل بأمي لأبثها همومي. بقيت مذهولاً للحظات، وكأن جسمي وعقلي في مكان آخر، وكنت غارقاً في الحزن الشديد. في الخارج كان الجو جميلاً جداً، وكان الأولاد يخرجون إلا أنا. كان لدي انطباع أنني أقضي أجمل لحظات وجودي، أوقات شبابي، تلك المرحلة التي تمضي سريعة بلا رحمة. انقطع نفسي، وجف حلقي، وارتفعت حرارتي، وأخذت الدموع تثقل أجفاني فكنت أحاول أن أمنع ظهورها. لم يكن لشيء أن يسكب عليّ الهدوء، لقد مضى زمن تقديم السكاكر، والابتسامات المجاملة. وحدها كانت عاطفة أمي تستطيع أن تجعلني أتحسن.