لم يحظَ كتاب عربي بما حظي به (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي؛ قراءة ودراسةً، وتلخيصاً وشرحاً، ونقداً.. ولم يكتب الإمام الغزالي كتابه (الإحياء) إلا بعد أن خاض في سائر علوم عصره خوض الباحث الجسور؛ يتوغل في البحث عن كل مشكلة، ويتفحص عقيدة كل فرقة، ويستكشف أسرار كل مذهب وطائفة؛ ليميز بين كل محق ومبطل - كما عبر هو عن تجربته المعرفية - وبعد أن ألف في كل ذلك متمكناً؛ كما فعل في كتابه (المستصفى) في أصول الفقه، ومناقشاً متحدياً كما فعل في كتبه: مقاصد الفلاسفة، وتهافت الفلاسفة، والمنقذ من الضلال!!
وعلى الرغم من الاهتمام بتزكية النفوس، والنزعة الصوفية التي ألف كتابه (الإحياء) في ظلها؛ فقد احتوى الكتاب في ثناياه على الكثير من البحوث الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية، التي تنمُّ عن سعة مخزونه العلمي والفكري؛ أشارت إليها دار الفكر في الفهارس والكلمات المفتاحية التي ألحقتها بطبعتها المميزة للإحياء!!
لذلك نجد الإمام الغزالي قد خص الناشئين بكتابٍ بعنوان (أيها الولد)؛ ضمنه وصاياه لهم، والأسس التربوية التي يرى ضرورة مراعاتها في تربيتهم، وكان ذلك سبقاً منه في التوجه بالخطاب إلى هذه الشريحة من المجتمع، بوصفها بذور المستقبل!!
وانطلاقاً من هذه الرؤية؛ وثقة من دار الفكر بالأهمية التربوية لكتاب (الإحياء)، ورغبة منها في تقريبه من أذهان الناشئة، ووضعه بين أيديهم بأسلوب سهل مبسط يعينهم على استيعاب مضامينه وتطبيقها، فقد رأت في الكتاب الذي نشرته دار (فونس فيتاي للنشر) الأمريكية للنشر باللغة الإنجليزية؛ ما كانت تتطلع إليه من تبسيط، وتقديم له بأسلوبٍ قصصي يلائم الأطفال ويشدهم لقراءته، وتعاقدت مع الناشر الأمريكي على الاضطلاع بترجمته من الإنجليزية إلى العربية، ونشره بها.
لم يكن عمل دار الفكر في ترجمة الكتاب سهلاً؛ فبالإضافة إلى أسلوبها في الترجمة، الذي يقوم على مراحل؛ تعمد في بدايتها إلى ترجمته حرفياً لتحقيق الأمانة العلمية فيها، ثم على إخضاعه إلى عمليات صقل متتابعة، لتكييفه مع البيئة اللغوية العربية، ثم تعمد إلى وضعه في مكانه المناسب من برنامجها؛ الذي يهدف إلى إعداد المجتمع للانتقال من عصر الصناعة الآفل بمنطلقاته المادية التي تعتمد على قوة السلاح، إلى عصر المعرفة الراهن بمنطلقاته الفكرية التي تعتمد على قوة الأفكار، وتنمية القيم الأخلاقية، وعلى التعدد، والاعتراف بالآخر، والحوار بدلاً من الصراع معه !!
هكذا ترى دار الفكر أهمية فكر الإمام الغزالي في كتابه (الإحياء)، وضرورة تقديمه للأجيال الجديدة؛ زاداً يغذيها بالقيم الأخلاقية، والعمل الإيجابي، ويعصمها من الانحراف، ويعينها على اجتياز هذا المنعطف الخطير في تاريخ الإنسانية!!
أعزائي الأطفال..
أنتم مقبلون على قراءة كتاب إحياء علوم الدين الرائع، الذي يُقدِّم بعض الأفكار الأساسية للإمام الغزالي.
يَستخدم الإمام الغزالي صاحب هذا الكتاب الكثير من القصص والأفكار الرائعة التي تجعل أفكاره واضحةً ومُمتعة. وإذا كُنتَ غير قادرٍ بَعدُ على القراءة، فسيكون من دواعي سرور والديك ومُعلِّميك أن يَرْوُوا لك هذه القصص بطريقةٍ تُناسب عُمُرك، وتساعدك على الإجابة عن الكثير من الأسئلة في كتاب النشاط، بالإضافة إلى استمتاعك بالأنشطة ذات الصلة.
وقد عملنا على اقتباس قصص من ثقافاتِ الآخرين وتراثهم كي نساعد على توضيح هذه الأفكار؛ كقصص الهنود الأمريكان الأصليين، واليابان، وقصص آسيا الوسطى، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على أن نلتمس العِلم من أي مكان في العالم.
تمَّ توضيح هذا الكتاب بصورٍ لأطفالٍ حقيقيين يعيشون في أصقاع العالم الإسلامي، ليكون بمقدوركم بهذه الطريقة أن تَلتقوا بأشقائكم وشقيقاتكم من بلاد العالم.