يقول ابن الأثير وهو يستغفر ويسترحم، كان رجل من التتار سكران قصير أعزل يمشي في ميافارقين، المدينة التركية الواقعة في شمال شرق ديار بكر، بين دجلة والفرات، المهزومة المستسلمة، فطرق باب مسجد فوجده مشحوناً بالرجال المذعورين المهزومين المرتجفين المستسلمين لقدرهم، نظر إليهم، وكانوا عشرات أو مئات، المهم أن المسجد كان مشحوناً بهم، وكان في عودته من السكر أعزل، فصرخ بهم التتري، فركعوا يطلبون الرحمة، فأمرهم بالاستلقاء ليذبحهم فاستلقوا يستعدون للذبح.. بحث عن سكين، سيف، نصل، فلم يجد، فأمرهم بالبقاء هكذا مستلقين حتى يعود بالسلاح، ويقول ابن الأثير: المرعب المؤسي، ممزق القلب، أنهم ظلّوا مستلقين على الأرض لم يحاولوا الدفاع، لم يحاولوا الهرب، لم يحاولوا شيئاً، ينتظرون عودة ذابحهم ومعه سلاح الذبح.
واعتدت الهرب.. واعتادوا الإيقاع بي!! وأخذت أهرب من غابة إلى غابة، فلا أكاد أخلو لسعادتي؛ حتى يفاجئني الصارخون المنشدون!! كنت أحاول الإفادة من خبرتي في الهرب من فخاخهم و.. لا فائدة! فما إن أقع في الحفرة؛ حتى أجد الفيّالين السابقين بين الصارخين!!
وفجأة يتقدم منقذ آخر في ثياب جديدة.. لأجدني أنصاع لحنانه ورغبته في العون، وما إن أذعن له حتى أكتشف أنه واحد منهم، فأفرّ.
ولكن.. إلى أين يا إلهي؟! إلى أين؟!
فالغابة واحدة، والصارخون آحاد، والفيّالون متحدون ضدي منذ زمن طويل!! أنا الفيل الضخم.. الكبير النابين والأذنين.. الضائع فيما بين القارتين العجوزين الكبيرتين!!
أنا الفيل الوحيد!.