وفوجئ ابن حزم ذات يوم حين توفي أحد أهله واجتمع أرحامه كلهم وأقرباؤه في دارهم.. فوجئ بمحبوبته تقف وسط النساء في جملة البواكي، فأثارت في قلبه وجداً دفيناً، وحركت نفسه حركة ألم وشوق، فتجددت أحزانه التي خفت شيئاً ما، وذكر حبه التليد، واهتاج فؤاده وبلابل نفسه، فإذا به يعود مصاباً مكلوماً وتضاعف حزنه.. وما أسرع ما انهملت دموعه التي ظنها الراؤون دموع حزن على الميت .. وما هي إلا على إلف غير موافق، وحينٍ من الدهر معاند.
من أجواء الرواية :
أعاد النظر إلى ماري ..أشفق عليها، هذا الوجه الحبيب إليه الذي يعني كل شيء عنده.. الوجه الذي خفق قلبه بحبه حينما وقعت عيناه عليه أول مرة.. ما يزال يرى فيه كلما اجتمع بها لوناً جديداً من الحب.. نظرات تقول أشياءَ كثيرةً.. في كل مرة يرى فيه حكاية غامضة أو مكشوفة.. وجه يبحر فيه نحو عالم مملوء بالآفاق، يأخذه إلى رحاب فسيحة.. ولكنه اليوم وجه تتلبّسه أمارات أخرى من القنوط والفزع والدهشة.. فتُغير تلك القسمات الرائعة، وخفق قلبه نحوها بالخوف.. أعداه كذلك فزع ماري. أيحصل لها شر يقضي عليها.. إن كان سيحصل ذلك فسوف يصاب حتماً بالجنون، جنون مبهم. لفّه ذهول وحيرة.. يا رب استر.. يا رب أدركنا بالنجاة