تخطي إلى المحتوى

المعاملات المالية المعاصرة / بحوث وفتاوى وحلول

20% خصم 20% خصم
السعر الأصلي $20.00
السعر الأصلي $20.00 - السعر الأصلي $20.00
السعر الأصلي $20.00
السعر الحالي $16.00
$16.00 - $16.00
السعر الحالي $16.00

مسائل مستجدة في المعاملات المالية المعاصرة تتطلب الإجابة الشرعية عنها، وهذا ما يقوم به هذا الكتاب.

المؤلف
التصنيف الموضوعي
632 الصفحات
24×17 القياس
2008 سنة الطبع
9789933105723 ISBN
1.09 kg الوزن

تمهيد

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فهذه إرشادات ضرورية لكل مسلم ومسلمة، ولا سيما تجار الأسواق، لتبيان فقه الحلال والحرام في المعاملات، والتزود بمعرفة ضرورية عن شرائع الإسلام وأحكامه، في الحياة المعاصرة، وهو المراد بالفقه الضروري.

وهي غاية طيبة وحميدة، لأن أغلب الناس يُعْنون فقط بأحكام العبادات، ويهملون دراسة المعاملات من الناحية الشرعية، وهذا خطأ كبير، إذ إن المعاملات من عقود وتصرفات لا تقل أهمية عن العبادات، بل هي دليل واضح أو معيار صحيح على مصداقية التدين، والالتزام بشرع الله ودينه.

وذلك لأن أطول آية في القرآن وردت بعد الكلام على إباحة البيع وحرمة الربا هي: في المعاملات، وهي آية كتابة الدَّيْن وتوثيقة بالشهادة أو بالرهن، ومطلعها: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً فَاكْتُبُوه..} [البقرة: 2/282]، ووردت أحاديث كثيرة ثابتة تبين مجمل القرآن، وتوضح أصول التعامل وضوابطه، لمعرفة الحلال والحرام، فيكون التفقه فيها من ضروريات الدين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).

ويوضح هذه الغاية من الناحية العملية قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لا يبيع في سوقنا إلا من تفقه، وإلا أكل الربا، شاء أم أبى)).

خطـة البـحث في القسم الأول

يتناول البحث ما هو ضروري إجمالاً من بيان تعاريف العقود والتصرفات وحكمها ودليلها بإيجاز، في ضوء الخطة الآتية:

- المكاسب.

- البيوع: العقد والتصرف، تسليم المبيع والثمن، الخيارات.

- ضمان البيع.

- أنواع البيع: البيع الصحيح، الفاسد، بيع المعدوم، بيع الغرر.

- بيع الغش.

- بيع الطعام قبل قبضه، الشراء ببوليصات الشحن.

- بيوع الآجال - البيوع الربوية - أنواع البيوع الباطلة والفاسدة والمنهي عنها.

- الربا: المعاملات المصرفية في البلاد الأوربية والأمريكية ونحوها.

- عقد الاستصناع.

- بيع المرابحة، المساومة، المزايدة، التقسيط.

- بيع إنتاج مصنع كامل لسنة.

- بيع صفقات لسنوات.

- الإجارة وأنواعها، الجعالة.

- القرض، الرهن، الوكالة، الكفالة، الحوالة، الشركة وأنواعها، المضاربة.

- المزارعة، إحياء الموات، المساقاة والمغارسة.

- المصارف الإسلامية وشروط الصحة فيها.

- وضع الأموال في المصارف الإسلامية وعدم وضعها في البنوك الأجنبية.

- التأمين الإسلامي في الشركات الإسلامية.

- المستجدات في البيوع وعقود الإيجار، وشركات الأسهم (الشركات المساهمة).

- شروط الأسهم والسندات (وحكم كل منها).

- نصائح عامة للتعامل الإسلامي في كل مجالات الحياة العملية.

* * *

المكاسب

س1 - ما أنواع المكاسب وما أفضلها؟

ربط الإسلام الرزق بالكسب أو العمل، وحض عليه وعدّه جهاداً وعبادة لإعفاف النفس وسد حاجة الأهل، قال الله تعالى:

{وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا..} [القصص: 28/77] وقال سبحانه: {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 62/10] وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أمسى كالاًّ من عمل يده، أمسى مغفوراً له)) وقال أيضاً: ((من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهمّ بطلب المعيشة)).

والمكاسب المشروعة كثيرة، وأهمها الزراعة والتجارة والصناعة، والغنائم الحربية الناجمة عن الجهاد المشروع، وقد برزت في عصرنا الحاضر مكاسب تعتمد على تقديم الخدمات من أنواع إجارة الأعمال أو العمال، والمحاماة، والتعليم، والطب، والهندسة، والوساطة العقارية (السمسرة) والصيدلة ونحو ذلك، كخدمات المصارف الإسلامية.

وأفضل المكاسب: الغنائم الحربية، فهي مكسب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشرف المكاسب، لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى. ويليها التجارة، ثم الزراعة، ثم الصناعة، قال النووي رحمه الله: والصواب أن أطيب المكاسب: ما كان بعمل اليد، وإن كان زراعة فهو أطيب المكاسب، لما يشتمل عليه من كونه عمل اليد ولما فيه من التوكل، وتحقيق النفع العام للآدمي، وللدواب، والطير. وهذا موافق للحديث النبوي عن رفاعة بن رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ((أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكلُّ بيع مبرور)): وهو ما خلص عن اليمين الفاجرة (اليمين الغموس الكاذبة عمداً) لتنفيق السلعة، وعن الغش في المعاملة. وقد تتبدل الأفضلية بحسب حاجة البلاد والأمة، فالصناعة الحربية مثلاً وقت الحرب متعينة وأفضل من غيرها، ثم إن حضارة العصر قامت على النهضة الصناعية في جميع أنحائها، فهي سبيل الازدهار وتحقيق الثراء.

* * *

س2 - هل العلم بكيفية المكاسب مطلوب شرعاً؟

العلم بوجوه الكسب الحلال واجب على كل مسلم مكتسب، لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم، وهو طلب العلم المحتاج إليه، والمكتسب يحتاج إلى علم الكسب. روي عن عمر رضي الله عنه كما تقدم أنه كان يطوف في السوق، ويضرب بعض التجار بالدِّرة (العصا) ويقول: ((لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا شاء أم أبى)).

* * *

س3 - ما أهم عقود الكسب؟

علم العقود والتصرفات واسع وكثير التفريعات، ولكنَّ هناك عقوداً ستة، لا تنفك المكاسب عنها: وهي البيع، والربا، والسَّلم، والإجارة، والشركة، والقراض (أي المضاربة).

ومن أهم ضوابط كون التجارة أبرك المكاسب ما يأتي:

1ً - مراعاة مصلحة المسلمين وتبعية مصلحة الواحد لذلك: على المسلم أن يختار من أنواع التجارة ما يحقق النفع العام للأمة، ويتجنب ما يلحق بها ضرراً أو إفساداً، لأن المسلم مؤتمن في جميع أعماله الخاصة والعامة، فيحرم عليه الاتجار بالخمور والمخدرات والأطعمة الفاسدة وآلات اللهو، فكل ذلك ضرر ووباء يضر العامة والخاصة، والشخص والجماعة. وعلى المسلم أيضاً الامتناع عن الاتجار فيما يمس المصلحة العامة أو يؤدي إلى الفتنة والفساد كتجارة الأسلحة والطاقة من بنزين ونحوه، واحتكار المواد الاستهلاكية الضرورية كالأرز أو السكر مثلاً.

2ً - التحرز عن مال الغير: فلا يتاجر المسلم في مال حرام كالمسروق والمغصوب، أو مصادَر أو مأخوذ بالباطل، أو مشتبه فيه كالأراضي أو الأموال المتنازع عليها، أو معجوز تسليمه للمشتري منعاً من الوقوع في الخصومات أو المنازعات.

3ً - تجنب المتاجرة في المشتبه فيه: لأنه وسيلة إلى التورط في الحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((.. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه..)).

* * *

البيوع

س4 - ما تعريف البيوع وكيف تنعقد وما مدى مشروعيتها؟

البيوع: أكثر العقود الشائعة في الحياة العملية، فلا يكاد إنسان يخلو من إبرام عقد بيع أو أكثر في اليوم الواحد، لتحقيق حاجته المتكررة، من شراء الطعام والشراب والكساء والدواء، والمسكن، والمركوب، لضمان بقاء الحياة على الوجه اللائق أو المناسب الذي أمر الله تعالى به.

والبيع: مبادلة مال بمال على وجه مخصوص بالتراضي، تمليكاً وتملكاً.

وينعقد البيع: إما بالإيجاب والقبول: وهما التعبيران الدالان على التراضي المتبادل بين البائع والمشتري، وإما بما يعرف بالمعاطاة أو المراضاة: وهي تبادل المبيع والثمن بالفعل، من غير تعبير أو نطق، كأن يجد الراغب في شيء سلعة وثمنها مكتوب عليها، فيسلِّمه للبائع، ويأخذ السلعة، من غير كلام من كليهما أو من أحدهما.

ويتم البيع بتوافر عناصر ثلاثة معينة: وهي العاقد (البائع والمشتري) والمعقود عليه (محل التعاقد) واللفظ أو التعبير الصادر من العاقدين، أو ما يقوم مقامه وهو المبادلة الفعلية أو المعاطاة، وهذا عند الجمهور، وأما عند الحنفية: فالصيغة: وهي الإيجاب والقبول هي ركن البيع، ولا تسمى العناصر الأخرى أركاناً.

والبيع إذا توافرت شرائطه أو عناصره المطلوبة شرعاً: مباح أو مشروع، لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 2/275] وقوله سبحانه: {ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ..} [النساء: 4/29].

* * *

س5- ما الشروط المطلوبة شرعاً في عناصر البيع؟

يشترط لانعقاد البيع في العاقدين وهما البائع والمشتري: توافر العقل (أي التمييز وهو بلوغ سن السابعة) والاختيار أو الرضا (تراضي العاقدين)، فلا يصح بيع الصبي غير المميز (ما دون السابعة) ولا المستكره (وهو من هُدِّد بإلحاق ضرر بنفسه أو ماله أو عرضه لبيع شيء أو شرائه) للآية السابقة {إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 4/29] وللحديث الصحيح: ((إنما البيع عن تراض)) ولا يصح بيع المجنون، لفقد العقل.

أما البلوغ: فهو شرط انعقاد عند جماعة، وشرط نفاذ عند آخرين، فلو باع الصبي المميز مال نفسه، انعقد البيع موقوفاً على إجازة وليه (أب أو جد مثلاً) أو إجازة نفسه بعد البلوغ.

والخلاصة: تشترط الأهلية في العاقد: وهي أن يكون كل من الموجب والقابل عاقلاً مميزاً، يدرك ما يقول، ويعنيه حقاً.

ويشترط في صيغة العقد (الإيجاب والقبول): توافق الإيجاب والقبول، أي تطابقهما على مبيع واحد وثمن واحد، فلو لم يتطابقا، كأن باع البائع حقيبة بكذا، فوافق المشتري على شراء حذاء مثلاً بالثمن نفسه، أو كان الثمن مئة، فقبل المشتري بثمانين، لم ينعقد العقد.

ويشترط فيها أيضاً أن تكون منجّزة، أي غير معلقة على شرط، ولا مؤقتة بزمن، كأن يقول البائع: بعتك هذا الشيء إذا قدم والدي من السفر، أو بعد شهر، أو يقول المشتري مثل هذه العبارة، لم ينعقد العقد. ويشترط كون الصيغة في مجلس واحد هو مجلس العقد.

ويصح البيع بكل لفظ يدل على الرضا، ولو كان بحسب العرف المتداول. مثل: بعت أو اشتريت بلفظ الماضي، أو أبيع أو أشتري بلفظ المضارع، أو بلفظ الأمر أو الاستدعاء مثل: بعني بكذا، أو اشتر بكذا، وهذا أخذ بفقه الواقع هنا وهو فقه المالكية القائلين: ينعقد البيع بما يدل على الرضا ولو عرفاً.

ويصح كون الإيجاب والقبول قولاً، أو فعلاً وهو البيع بالتعاطي، كما تقدم.

ويصح التعاقد بوساطة رسول مرسل أو بالمراسلة (أي الكتابة) أو بوسائل الاتصال الحديثة كالهاتف والفاكس، ولا يصح التعاقد مع غائب غير موجود في مجلس العقد من غير وسيلة اتصال.

ويشترط في المعقود عليه وهو المبيع والثمن خمسة شروط وهي:

1 - أن يكون المبيع موجوداً حين العقد: فلا ينعقد بيع المعدوم كبيع الثمر وقت الإزهار قبل انعقاد الثمر حباً، وبيع ما يثمره الشجر هذا العام، ولا بيع ما له خطر العدم، كبيع حمل أغنامه، وبيع اللبن في الضَّرع، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان، ومنه بيع ملازم الكتاب قبل إتمام طباعته.

ولكن الثمن لا يشترط فيه هذا الشرط، فيصح كونه حالاً أو مؤجلاً إلى أجل معلوم، لآية الدين: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 2/282].

2 - أن يكون المعقود عليه مالاً متقوماً: والمال: كل ماله قيمة مادية يضمنها متلفه عند الاعتداء عليه. والمتقوم: هو ما يباح الانتفاع به شرعاً، فلا يصح بيع ما ليس بمال ولا الشراء به كالميتة والدم، ولا بيع ما لا يحل الانتفاع به، كالخمر والخنزير والتمثال والصليب، للحديث الصحيح: ((إن الله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)).

ولا يصح بيع أجزاء الإنسان تكريماً له كالشعر والدم، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 17/70]، ويحرم بيع المصحف لمسلم أو كافر، لأن تعظيمه واجب ويتم تبادله بين المسلمين بالهبة ولو بعوض.ويصح التبرع بالدم وغيره من أعضاء الإنسان عند عدم الضرر. ولا مانع من مكافأة المتبرع من غير اشتراط.

ولا يصح عند غير أبي حنيفة بيع آلات الملاهي، لأنها معدة للفساد، ويحرم الانتفاع بها.

3 - أن يكون المعقود عليه مملوكاً لصاحبه: فلا يصح بيع ما يملكه غيره، أو أن يشتري به، إلا بتوكيل منه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبع ما ليس عندك)) أو ((لا بيع إلا فيما تملك)) فلا يصح بيع الكلأ أو العشب النابت بماء المطر في الأرض ولو مملوكة، ولا بيع الحطب والحشيش وصيد البر أو البحر قبل إحرازه أو تملكه.

4 - أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه عند العقد: فلا يصح بيع معجوز التسليم كالطير في الهواء، والسمك في الماء، والحيوان الشارد أو الضائع، والمغصوب لغير الغاصب أو غير القادر على تسلمه، ونصف كتاب معين تنقص قيمته عند القسمة، لما فيه من الغَرَر، ((لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر)): وهو بيع الأشياء الاحتمالية المترددة بين الوجود والعدم، أو ما خفي أمره وجهلت عاقبته.

5 - أن يكون المعقود عليه معلوماً قدره وصفته: فلا يصح بيع المجهول أو الشراء به، كبيع أحد هذين الشيئين، أو الشراء بأحد هذين المبلغين، لأن الجهالة تفضي إلى المنازعة، والمنازعة تؤدي إلى فساد العقد، فيكون العقد مشتملاً على غرر.

ويتحقق العلم بالشيء: بالتعيين أو بالإشارة إليه، أو بالرؤية أو المشاهدة، أو بالوصف إذا جاء الموصوف بحسب الطلب والاتفاق، وإلا ثبت فيه الخيار. فيصح بيع هذا الشيء بهذه الدراهم، أو هذه الصبرة (الكَوْمة) بكذا، أو برؤية الشيء في الحال. أو في الماضي دون احتمال تغيره، أو برؤية الدار من الداخل أو الأرض ولو من خارجها، كما يصح عند جماعة بيع الشيء برؤية بعضه وهو البيع بالنموذج، إذا كان متماثل الأجزاء، ويصح بيع العين الغائبة أو غير المرئية بالوصف عند القائلين بمشروعية خيار الرؤية.

* * *

س6 - ما الفرق بين العقد والتصرف؟

التصرف في رأي جمهور الحنفية أعم من العقد، فهو أي التصرف يشمل ما يصدر من الشخص المالك، من جانب واحد أو من جانبين، وما يدل على التنازل عن بعض ما يملك من حقوق، كحق الشفعة (حق تملك العقار المبيع من شريكه أو جاره جبراً عن المشتري) وحق رد المبيع المعيب بعيب يجيز له ردّه، وفسخ البيع، وما يدل على إنشاء التزام (أو دين) أو تعديله أو إنهائه كالوقف والجعالة أو الوعد بمكافأة أو جائزة لحافظ القرآن أو مخترع آلة، أو مكتشف دواء، وتأجيل الدين الذي له عند آخر، أو إبرائه منه.

وأما العقد: فهو في الاصطلاح الشائع: ربط بين كلامين أو ما يقوم مقامهما، نشأ عنه أثره الشرعي. وتنشأ عنه التزامات متبادلة تقوم بينهما، مثل البيع والإجارة والوكالة والشركة والمضاربة ونحوها.

س7 - ما المراد بتسليم المبيع والثمن ومن الذي يجب عليه التسليم أولاً؟

تسليم المبيع والثمن: هو من التزامات أو واجبات العاقدين بعد إبرام العقد، ليتحقق الملك في البدلين، فعلى البائع تسليم المبيع، وعلى المشتري تسليم الثمن.

والتسليم أو القبض معناه: التخلية: وهو أن يخلِّي البائع بين المبيع وبين المشتري، برفع الحائل أو المانع بينهما، على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه، فيَجعَل البائع مسلِّماً للمبيع، والمشتري قابضاً له.

والتخلية (إزالة الموانع من القبض) كافية، سواء أكان المبيع عقاراً (وهو الشيء الثابت الذي لا يتغير والذي لا يمكن نقله من مكانه كالأرض والدار) أم منقولاً (وهو الذي يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر كالكتاب والثوب والطعام) إلا المكيل والموزون، فإن قبضه يكون باستيفاء قدره، أي بكيله كالحبوب، أو وزنه كالقطن والحديد. فتسليم الأرض يكون بالوقوف قريباً منها، وتسليم الدار بالوقوف في داخلها أو بتسليم مفتاحها إن وجد، وقبض المنقول كالأمتعة والأنعام (الإبل والبقر والغنم) والدواب يتم بحسب العرف الجاري بين الناس.

والتخلية بين المشتري وبين المبيع قبض، وإن لم يتم القبض حقيقة أو فعلاً، فإن هلك المبيع بعدها، يهلك على حساب المشتري.

ويراعى عند الحنفية الترتيب فيمن يجب عليه التسليم أولاً في أغلب البيوع الشائعة، وهي التي توصف عند الفقهاء بأنها بيع عين بدين، كبيع صندوق تفاح بمئة ليرة، فيجب على المشتري تسليم الثمن (أي الدين) أولاً إذا طالبه به البائع حتى يتعين، فيتساوى مع المبيع الذي هو شيء معين، وللحديث المروي: ((الدين مقضي))(1) فلو تأخر تسليم الثمن عن تسليم المبيع، لم يكن هذا الدين مقضياً، ثم يجب على البائع تسليم المبيع إذا طالبه به المشتري، حتى يتحقق التساوي بينهما، إلا إذا كان أحد البدلين مؤجلاً، كالمبيع المؤجل تسليمه، والثمن المؤجل.

أما في بيع عين بعين (معين بمعين) ككتاب بساعة، أو بيع دين بدين وهو عقد الصرف (بيع النقد بالنقد) فيجب على العاقدين التسليم معاً، تحقيقاً للمساواة في المعاوضة، المقتضية للمساواة عادة بين العاقدين، إذ ليس أحد العاقدين أولى بالتقديم من الآخر. وهو مذهب الشافعية في كل بيع.

* * *

قذفت الحياة المعاصرة بعديد من المشكلات والمسائل المستجدة التي تتطلب الإجابة الشرعية عنها، تصدت لكبرياتها مجامع الفقه والبحث في الحجاز ومصر وأوربة وأمريكا.. وبقي في الساحة العلمية والواقع العملي كثير من الجزئيات والتفصيلات في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والمعاملات والعلاقات الدولية وغير ذلك، الأمر الذي دفع المؤلف إلى إعداد هذا الكتاب، وجعله في قسمين: الأول تعريف عام بالمعاملات المالية وفيه أكثر من مئة جواب. والثاني أحكام المعاملات المالية الحديثة.. كل ذلك في أسلوب واضح علمي موضوعي.

يبحث هذا الكتاب في المعاملات المالية المعاصرة فيعرفها ويجيب عن أكثر من مئة سؤال عنها، فيبين أحكام المكاسب، وعقود البيع والتصرف، وتسليم المبيع والثمن، والخيارات، وضمان البيوع، وأنواع البيع الصحيح منها، والفاسد والمعدوم والغرر والغش والآجال، والربوي والباطل والفاسد والطعام قبل قبضه، والشراء ببوليصات الشحن.
ويدرس المعاملات المصرفية الربوية في البلاد الأوربية والأمريكية، وعقد الاستصناع، وبيع إنتاج مصنع كامل لسنة، وبيع صفقات لسنوات، وبيع المرابحة (المساومة والمزايدة والتقسيط)، والإجارة وأنواعها، والجعالة، والقرض والرهن والوكالة، والكفالة والحوالة، والشركة وأنواعها، والمضاربة، وإحياء الموات (المزارعة والمساقاة والمغارسة)، ووضع المال في المصارف الإسلامية وليس في غيرها، وشروط الصحة فيها، والتأمين الإسلامي في الشركات الإسلامية، وأحكام الأسهم والسنوات وشروطها، والمستجدات في البيوع وعقود الإيجار والشرطات المساهمة، مع نصائح عامة للتعامل الإسلامي في كل مجالات الحياة.
ويبين أحكام المعاملات الحديثة، فيبحث في النقود والمتاجرة بالعملات، وغرامة المدين المماطل، وحكم الشرط الجزائي، والتصرفات في الديون بالبيع وغيره وتطبيقاتها، وتعامل الأقليات الإسلامية في الخارج مع البنوك الربوية والشرطات، وعقد التأمين وبيعي السلم والتقسيط، والأسهم والسنوات وحصص التأسيس، وشرعية الإجارة المنتهية بالتمليك، وأثر إصدار الشركات لأسهم ممتازة على صناديق الاستثمار الإسلامية، وأدوات الاستثمار الإسلامية، والمشاركة، وشركة المضاربة، والمزارعة، ومصادر تمويل المصارف الإسلامية ونبذة عنها وأحكام التعامل معها، والسوق المالية، وعقود الاختيارات، وبطاقات الائتمان، وبدل الخلو، وحق الإبداع والابتكار.