تخطي إلى المحتوى

دار الحديث الأشرفية بدمشق -دراسة تاريخية توثيقية

20% خصم 20% خصم
السعر الأصلي $5.50
السعر الأصلي $5.50 - السعر الأصلي $5.50
السعر الأصلي $5.50
السعر الحالي $4.40
$4.40 - $4.40
السعر الحالي $4.40

يتحدث عن تأسيس دار الحديث الأشرفية وتاريخها، وشيوخها ومدرسيها، والقراء والأئمة والرواة ، وخزانتها وتأسيس أعداتيتها.

المؤلف
التصنيف الموضوعي
336 الصفحات
24×17 القياس
2001 سنة الطبع
9781575478586 ISBN
0.51 kg الوزن

شيوخ دار الحديث

تمهيد

افتتح الملك الأشرف دار الحديث ليلة النصف من شعبان سنة (630هـ) وأوقفها للشافعية، وشرط في وقفيتها أن يكون شيخها محدث الشام أبا عمرو بن الصلاح، واشترط أن يكون شيخها من بعده أعلم الناس بالحديث بدمشق، وأن يكون صاحب رواية ودراية، فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدم صاحب الرواية، ونصَّ أيضاً أن يستقدم إليها من له ميزة في رواية الحديث لاتكون في غيره من علو سنة أو تفرد في الرواية، فوردها سنة (630هـ) المسند الكبير الحسن بن المبارك الزبيدي (ت 631هـ)، واستجابة لرغبة الملك الأشرف الذي فرح بقدومه والذي أنزله عنده سمع عليه (صحيح البخاري) في أيام معدودة، ثم أنزله دار الحديث، وكانت قد فتحت من نحو شهر، فحشد الناس وازدحموا عليه وسمعوا منه (الصحيح) للبخاري. وذلك لما عرف عنه من علو بالسند، ومن تلاميذه الذين سمعوا عليه: أحمد بن الحجار مسند الشام، فقد سمع على الأخير أمم لايحصون كثرة، من الشاميين والمصريين وذلك بدار الحديث سنة (730هـ) فيكون سماعه من شيخه الزبيدي وإسماعه للناس مئة سنة.

والمتتبع لتراجم مشايخها وطلابها يجد أنهم أشهر علماء الحديث في العالم الإسلامي دراية ورواية وتأليفاً، مع العلم الجم والزهد والتقى، وكانت حلقات العلم ورواية الحديث في كلِّ زاوية من زواياها، وفي كل جانب من جنباتها، وفي كل غرفة من غرفها، وكانت مجالس الإملاء للحديث، وقراءة الكتب الكبار والأجزاء الحديثية يحضرها مئات الطلبة من الذكور والإناث والأطفال - الذين أوردتُ لهم نماذج من سماعاتهم من خلال تراجم شيوخ الدار - وفي هذه الدار ألفت مئات الكتب المعتمدة في علم الحديث وغيره.

وفي نظرة سريعة لما كان عليه شيوخها - من عظمة وعلم وتأليف وتعليم وتوجيه وإرشاد للطلبة خاصة وللأمة عامة - يتبين لنا مدى الدور الكبير الذي قامت به دار الحديث في أداء رسالة العلم ونشره. فنجد أن:

العلامة ابن الصلاح (ت643هـ) قد ألَّف وأملى كتابه (علوم الحديث) في الدار بدءاً من أول رمضان سنة (630هـ) حتى آخر محرم سنة (634هـ)، وأنه أقرأ وسمع كتاب (السنن الكبرى) للبيهقي في (757) مجلساً، في كل مجلس عدد لايحصى من الطلاب والحضور، وانتهى من قراءته سنة (635هـ)، عدا الكتب والأجزاء الحديثية الأخرى.

وأما أبو شامة (ت665هـ) مؤلف (شرح الشاطبية) و(الروضتين) وغيرهما فيصف لنا درسه الأول بدار الحديث فيقول: ((حضر عندي فيه أول يوم ذكرتُ الدرس فيها قاضي القضاة ابن خلكان وأعيان البلد من المدرسين والمحدثين وغيرهم، وذكرت من أول تصنيفي في كتاب (المبعث) الخطبة والحديث والكلام على سنده ومتنه مع زيادات على ذلك من مكان آخر، وكان بحمد الله وقوته مجلساً جليلاً، عليه سكون وإخبات، وجلالة وإنصات من الحاضرين، ووقار من المستمعين))، ويقول ابن كثير في وصفه هذا الدرس: ((ذكر خطبة كتاب (المبعث) وأورد الحديث بسنده ومنته وذكر فوائد كثيرة مستحسنة، ويقال: إنه لم يراجع شيئاً حين أورد درسه، ومثله لايستكثر عليه ذلك)).

أما الإمام النووي (ت 676هـ) الذي قال عنه السبكي: إنه لم يتول الدار أورع منه - فقد حدَّث بدار الحديث (بالصحيحين) سماعاً وبحثاً وقطعة من سنن (أبي داود) و(الرسالة القشيرية) و(صفوة التصوف) و(الحجة على تارك المحجة) لنصر المقدسي و(شرح معاني الآثار) للطحاوي، ولم يتناول أي معلوم مخصص لمشيختها تورعاً وزهداً.

ولايمكن أن يُنسى فضل الإمام الفارقي (ت703هـ) صاحب الكرامات الباهرات، والذي باشر أوقاف الدار وعمَّرها وجددها بعد تخريبها في وقعة قازان من التَّتر سنة (699هـ).

وأقرأ ابن الوكيل (ت716هـ) مواضع كثيرة من (صحيح مسلم) وقد وصفه من ترجمه بالتوكل والكرم والجود النادر المثيل.

وفيها قرأ الإمام الزملكاني (ت727هـ) وهو المؤلف الكبير الذي له كتاب (العمل المقبول في زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم) ردّاً على ابن تيمية.

وممن درَّس فيها وتولى مشيختها الإمام صاحب الشهرة الفائقة الإمام المزي (ت742هـ)، والذي كان أعجوبة زمانه، صنف وأسمع كتاب (تهذيب الكمال) في دار الحديث، وهو المجمع على أنه لم يصنف مثله، ومثله كتابه (الأطراف)، وقد قال ابن تيمية في وصفه: ((لم يل وظيفة دار الحديث من حين بنائها إلى الآن أحق بشرط الواقف منه، أي لما اجتمع فيه من الرواية والدراية)). كما أنه سمع العدد الكثير من الكتب والأجزاء الحديثية بدار الحديث وغيرها، وكان يتزاحم على حضور دروسه في الدار الرجال والنساء والأطفال.

كما أن زوجته قد شاركته في تعليم النساء والأطفال بالدار أيضاً.

وأما فقيه الشافعية وقاضي القضاة تقي الدين السبكي (ت756هـ).

فيحدثنا ابن تاج الدين السبكي عنه بقوله: ((الذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه، ولاأحفظ من المزي، ولا أورع من النووي وابن الصلاح)).

وممن تولاها من مشاهير الحفاظ الكبار العلامة ابن ناصر الدين (ت 842هـ) صاحب المؤلفات الكثيرة التي تدل على علو منزلته في علم الحديث والرجال، فقد ألَّف وأملى كتابه (توضيح المشتبه) بدار الحديث، والذي يعدّ خاتمة كتب رجال الحديث توثيقاً.

وأما ابن كثير الدمشقي (ت 774هـ) المؤرخ والمفسِّر والمحدِّث والذي كان تلميذاً وزوجاً لابنة شيخه المزي - فقد قرأ فيها الكثير من الكتب، كما أنه أقرأ فيها عدد لايحصى من الكتب.

ولايفوتنا أن نذكر أنه قد تولاها بعض العلماء من القضاة الكبار المشهورين المصريين مثل السبكي والبلقيني وابن جماعة وابن حجر العسقلاني الذين عرف عنهم الفضل والمنـزلة العالية في العلم والحديث والفقه.

ويمكننا القول إن دار الحديث كانت المركز الأول لعلم الحديث بدمشق، فكل من أراد الرواية وجدها فيها، ومن رغب في الدراية التمسها فيها، ومن طلب الفقه وغيره درس فيها.

وكانت تقام بين الفترة والأخرى المجالس الحديثية للرواية، يحضرها كبار علماء دمشق إضافة إلى شيوخ المدرسة ومدرسيها وذلك لإسماع الحديث للأطفال ليحصلوا على الأسانيد العالية، وهذا ما حدثنا به ابن طولون في وصف مجلس في القرن العاشر؛ ففي 29 رمضان سنة حضر كبار العلماء وأحضروا أولادهم، كما حضر عدد كبير من الأولاد وذلك للإسماع على عدة مشايخ فقرؤوا الحديث المسلسل بالأولية وبعضاً من أحاديث الكتب الستة، وعدداً آخر من كتب الحديث زادت على ستين كتاباً.

على أنه بعد القرن العاشر ضعف شأن التدريس بالمدرسة، وأصبح يتولاها عدد من الفقهاء، مما أدى إلى قلة دروسها في علم الحديث، وتسلط على أوقافها بعض المتنفذين، شأنها شأن بقية مدارس دمشق. إلىأن هيّأ الله لها الشيخ يوسف المغربي والأمير عبد القادر الجزائري اللذين أعادا ما اغتصب من أوقافها وجدّداها ليتولى مشيختها الشيخ يوسف، فكان عملهما بشارة بإعادة مجدها وعزّها بباعث نهضتها ورفعتها محدِّث العصر الشيخ محمد بدر الدين الحسني، فأصبحت دار الحديث في عهده مصدر إشعاع علمي وحضاري تعليماً وتوجيهاً، انتشر منها العلم الجمّ إلى العالم الإسلامي الذي نشره شيخها من خلال ما تلقاه تلاميذه عنه والذين أصبحوا علماء الأمة وسادتها، والذين لايمكن إحصاؤهم عدّاً ولابيان وصفهم فضلاً، فكانوا منارات يستضاء بهم، ومصدر خير وبركة وعلم وتوجيه وريادة للأمة.

وفي بحثنا هذا عن شيوخ المدرسة نتعرَّف على المنـزلة العالية التي وصلوا إليها من خلال تراجمهم الذين رتبتهم حسب توليهم للمدرسة، كما نجد المنهج في تدريس علم الحديث فيها، والمؤلفات التي ألَّفوها، ثم نتعرف على النهضة الكبرى للدار في عهد المحدث الأكبر الشيخ محمد بدر الدين الحسني نفعنا الله به في الدنيا والآخرة، وأعلى منـزلته مع النَّبيين والصِّديقين والشُّهداء والصّالحين وحَسُن أولئك رفيقاً.

أورد الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي فيما سبق تراجم موجزة لمن تولى مشيخة دار الحديث الأشرفية، وسأورد فيما يلي تراجم شيوخها بشكل موسع وفق ترتيب ابن ناصر الدين مع ما توافر لدي من وثائق عنهم، ثم أُتبع ذلك تراجم من تولاها بعد ابن ناصر الدين حتى عصرنا الحاضر:

قال العلامة ابن ناصر الدين الدمشقي المتوفى سنة (842هـ) شيخ دار الحديث الأشرفية، في التعريف بالملك الأشرف واقف دار الحديث، وتراجم شيوخها حتى عصره، وذلك في كتابه (تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ}) والذي أملاه دروساً في دار الحديث، وهو من مخطوطات المكتبة الظاهرية برقم (284) حديث.

كان للقادة المسلمين دور كبير في رعاية العلماء وطلاب العلم، لذلك بنّوا المعاهد، وساعدوا العلماء على بناء أمة متعلّمة ذات حضارة عالمية. وكان لدمشق النصيب الأكبر في بناء هذه المدارس، والمعاهد، ودور العلم.

ولعلّ من أميزها (دار الحديث الأشرفية)، التي بناها الملك موسى الأشرف ابن الملك العادل الأيوبي، حيث تولّى إدارتها آنذاك الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، وقد توالى على هذه الدار مشاهير علماء الحديث الذين ألفوا

الكتب العمدة في علم الحديث منهم: النّووي، وأبو شامة، والفارقي، والمِزّي، والسُّبكي، والبُلقيني، وابن حَجَر، وابن كثير، وابن جماعة، وابن الجزري، وابن الزبيدي، والفيروزآبادي، ونزل بهذه الدار العديد من الصالحين والأولياء.

ولعل ما تميز به النظام الوقفي لهذه المدرسة، ولاسيما الشّرط أن يتولاها أعلم رجل بالحديث في دمشق، كان وراء نبوغ الكثير من روادها من المشايخ والطلاب.

في الأشرفية صنّفت أمهات الكتب في الحديث وغيره، فكانت مراجع أساسية، اشتهرت شهرة فائقة مثل (علوم الحديث) لابن الصلاح، و(تهذيب الكمال) للمِزّي، و(تلخيص المتشابه) لابن ناصر الدين.. وسواها من الكتب العديدة التي يتداولها العلماء وطلبة الحديث.

وما كانت هذه الدار لتُقْصَرَ على الرجال فحسب، بل كان من روّادها النساء والأطفال والإماء والعبيد. جاؤوا كلُّهم لسماع الحديث وروايته، وطلب العلم.

بقيت المدرسة كذلك حتى القرن الحادي عشر الهجري حيث بدأ الضعف يدب إليها كغيرها من مدارس دمشق، إلى أن هيأ الله لها عالمين جليلين استطاعا بجهودهما أن يعودا بالمدرسة إلى سابق عهدها، فاستؤنفت فيها حلقات العلم، وقراءة الحديث وروايته منذ عام (1272هـ)، كل ذلك مجهود الشيخ يوسف المغربي، ودعم الأمير عبد القادر الجزائري، وكان عملهما هذا تمهيداً لبروز مجدد القرن الرابع عشر الهجري المحدث الأكبر الشيخ محمد بدر الدين الحسني الذي تسلّم مشيختها، وأعاد لها عزها ومجدها وفخرها، فأحيا بها دوارس الحلقات، ورواية الحديث، فعادت المدرسة داراً للحديث بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى. وبقي الخير مستمراً في دار الحديث، واستمر العطاء من تلاميذ الشيخ وأهله بعد وفاته، وهذه الدراسة الموجزة لدار الحديث الأشرفية عرفت بتاريخ هذه المدرسة ومشايخها وطلابها ومناهج مدرسيها بالحديث، لذلك كان هذا الكتاب معنيّاً بدراسة هذه الظاهرة المتميزة في تاريخنا الإسلامي.

إنها أول دار للحديث النبوي الشريف أسسها السلطان نور الدين الشهيد، لتدل على اهتمامه واهتمام خلفائه فيما بعد بالعلم عامة وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة... ولذا فإنَّ كتاباً من مثل هذا الكتاب إن خصص للحديث عنها وعن تاريخها وفضلها وشيوخها وحلقات العلم فيها وأثرها... لن يكون كثيراً في حقها؛ ذلك لأنها من المدارس التي أسهمت في بناء الحضارة العلمية في بلاد الشام، وكانت إحدى المؤسسات العلمية المقصودة، إضافة إلى كونها لعبت دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية.

لم يترك الكتاب أثراً مهماً يتعلق بدار الحديث الأشرفية إلا وتناوله بطريقة منهجية موثقة. فجاء مصدراً يعتمد عليه في هذا المجال.

يتحدث عن تأسيس دار الحديث الأشرفية وتاريخها، وشيوخها ومدرسيها، والقراء والأئمة والرواة ، وخزانتها وتأسيس أعداتيتها.