يحفل تاريخ الأمة الإسلامية بأحداث ووقائع عظيمة شكلت منعطفات حاسمة في مسار المسلمين بصفة خاصة والبشرية بصفة عامة. وقد شكل شهر رمضان الكريم مسرحا زمنيا للعديد من تلك الأحداث نظرا لمكانته العظيمة في نفوس المسلمين، وتأثيره القوي في الرفع من عزائمهم وتقوية هِمَمِهِم. ونستعرض فيما يلي أهم عشرة أحداث خلدها التاريخ الإسلامي خلال شهر رمضان.
نزول الوحي
بدأ نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان من السنة الأولى للبعثة (610م). وهو حدث عظيم في حقيقته، ﺿﺨﻢ بأبعاده، وعميق ﺑﺂﺛﺎﺭﻩ على ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ جمعاء. فقد شاء الله تعالى في تلك اللحظة أن يكرم عباده وخلقه فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﻠﺘﻘﻰ ﻧﻮﺭﻩ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﻭﻣﺴﺘﻮﺩﻉ ﺣﻜﻤﺘﻪ الربانية، ﻭﻣﻬﺒﻂ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ النورانية، ومخرج الناس جميعهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة الحي الذي لا يموت. ليصبح هذا الحدث ﺃﻋﻈﻢ ﻟﺤﻈﺔ في أرشيف البشرية وأرقى محطة في تاريخ الانسانية.
تشريع الأذان
تم تشريع الأذان للصلاة في المساجد وبدأ العمل به في رمضان من السنة الأولى للهجرة، (623م). فقد كان من الصعب على الصحابة والمؤمنين آنذاك معرفة مواقيت الصلوات الخمس فتشاوروا في ذلك، فلما كان من الليل رأى عبد الله بن يزيد رضي الله عنه في المنام رجلا دَلَّهُ على الأذان وكيفيته. فلما أصبح، ذهب إلى النبي فأخبره بما رأى، فقال له صلى الله عليه وسلم: (إنها رؤيا حق ان شاء الله فقم مع بلال فألق عليه مارأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك). ومن تلك اللحظة، لا يزال الأذان يرفع للصلاة في كافة مساجد العالم.
غزوة بدر الكبرى
وقعت غزوة بدر الكبرى في سابع عشر رمضان من السنة الثانية للهجرة (624م). وهي غزوة بين المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم و المشركين بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي الذي قتل في المعركة. وقد اشتهرت هذه الغزوة بفضل انتصار ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من المسلمين على أزيد من ألف رجل من قريش. الأمر الذي مكن المسلمين من تحقيق مكاسب هامة جعلتهم مُهابي الجانب في قريش وأمدَّتهم بالأموال والغنائم وساهمت في رفع راية الإسلام وإعلاء كلمته إلى يومنا هذا.
فتح مكة
في رمضان من السنة الثامنة للهجرة (630م)، سجل التاريخ حدثا إسلاميا فريدا. فقد تمكن المسلمون من فتح مكة بعدما دخلوها غاضبين بسبب انتهاك قريشٍ لعهدها معهم في صلح الحديبية. وقد جهز الرسولُ صلى الله عليه وسلم جيشاً من عشرة آلاف مقاتل لفتح المدينة، فتحرَّك الجيشُ حتى وصل مكة ودخلها سِلْماً بدون قتال. وكان من نتائج هذا الفتح المبين تقوية شوكة المسلمين، وتقهقر جيوش المشركين، و إعجاب سكان مكة برحمة النبي وجيشه، فاعتنق الكثير منهم دينَ الإسلام، ومن بينهم سيد قريش، وكنانة أبو سفيان بن حرب، وزوجتُه هند بنت عتبة، وغيرهم كثير...
وفي رمضان من السنة الخامسة كان استعداد المسلمين لغزوة الخندق التي وقعت في شوال من العام نفسه.
وقعت بعض أحداث غزوة تبوك في رمضان سنة 9هـ، وفي رمضان كانت معركة القادسية، ومعركة البويب، وفتح رودس.
انتشر الإسلام في اليمن في السنة العاشرة في رمضان، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب على رأس سرية إلى اليمن، وحمل معه كتابًا إليهم.
هدم خالد بن الوليد لخمس بقين من رمضان في السنة الثامنة البيت الذي كانت تعبد فيه العزى في نخلة، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: ((تلك العزى ولا تعبد أبدًا)).
ووجه الرسول صلى الله عليه وسلم السرايا لهدم الأصنام.
قدم في السنة التاسعة في رمضان وفد ثقيف من الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون الإسلام، وهدم فيها صنم اللات الذي كانت تعبده ثقيف.
في صبيحة يوم الجمعة في 25 من رمضان479 هـ حدثت موقعة الزلَّاقة (سهل يقع على مقربة من البرتغال الحالية) أو يوم العروبة والإسلام، وانتصر فيها جيش المرابطين المسلمين في الأندلس بقيادة يوسف بن تاشفين على جيش الفرنجة البالغ ثمانين ألف مقاتل بقيادة الفونس السادس ملك قشتالة.
موقعة عين جالوت: (قرية بين بيسان ونابلس) حدثت في صبيحة يوم الجمعة في الخامس عشر من رمضان سنة 658 هـ الموافق 3 أيلول (سبتمبر) 1260م، بقيادة السلطان قُطُز سلطان المماليك في مصر، بعد أن صاح بأعلى صوته: وإسلاماه، وانتصر فيها على المغول الذين ولوا الأدبار لا يلوون على شيء، وتم فيها توحيد مصر وبلاد الشام، وإنقاذ الإسلام والمسلمين من همجية المغول، كما أن البطل صلاح الدين خاض معارك حاسمة ضد الصليبيين في رمضان.
فتح الأندلس
تمكن المسلمون من فتح الأندلس في رمضان سنة 92 للهجرة (711م)، ومكثوا فيها زهاء ثمانية قرون. بدأت القصة عندما جهز موسى بن نصير جيشًا بقيادة طارق بن زياد لفتح الأندلس عبر مضيق جبل طارق الذي سمي باسمه لاحقا. بعد بلوغ الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، قام طارق بن زياد بإحراق سفن جيشه كاملة كي لا يفكر جنوده في التراجع، وألقى فيهم خطبة بليغة قَوَّتْ معنوياتهم ورفعت هِمَمَهُم، فتحقق لهم النصر ودانت لهم الأرض بعدما تمكنوا من هزم القوط جنوب الأندلس في مرحلة أولى، ثم توغلوا إلى العمق ففتحوا إشبيلية وطليطلة، وسيطروا فيما بعد على كل ما يُعرف الآن بإسبانيا والبرتغال.
بناء جامع الأزهر
تم بناء الجامع الأزهر في القاهرة على يد الفاطميين في رمضان سنة 261 للهجرة (968م). ويعود أصل تسميته نسبة إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها و التي ينتسب إليها الفاطميون. وقد كان الهدف الأول من إنشائه هو الدعوة الإسلامية، ثم ما لبث أن تحول إلى جامعة أكاديمية تجذب طلاب العلم من كل حدب وصوب. ويعود الفضل في إسباغ الطابع العلمي على الأزهر إلى الوزير يعقوب بن كلس الذي أمر سنة 378 هجرية بتحويله من فضاء للعبادة ونشر الدعوة إلى معهد للدراسة ونشر العلوم. ولا تزال هذه المعلمة شامخة إلى يومنا هذا، حيث تلعب أدواراً دينية وتعليمية وثقافية وسياسية ومعمارية هامة.
معركة حطين
في 26 من شهر رمضان المُبارك سنة 583 للهجرة (1187م)، حدثت موقعة حطين العظيمة بين الصليبيين المحتلين، وجيوش المسلمين بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي. وقد شكلت قرية حطين الواقعة بين الناصرة وطبرية في أرض فلسطين المحتلة مسرحا لتلك المعركة الخالدة. حيث حقق المسلمون خلالها انتصارا ساحقا على الصليبيين، فتمكنوا من إسقاط المحتلين واسترجاع بيت المقدس وتحرير معظم الأراضي التي سيطر عليها الصليبيون من قبل. وكان لهذا الانتصار وقع عظيم في نفوس الأوروبيين، فكان أن جهزوا جيوشا ضخمة وشنوا هجومات وحشية على المسلمين في المقدس في إطار ما يعرف بالحملات الصليبية.
ﻓﺘﺢ ﺃﻧﻄﺎﻛﻴﺔ
ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ سنة 666 ﻟﻠﻬﺠﺮﺓ ( 1268م ) تمكن المسلمون ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﺒﺮﺱ من استرجاع ﻣﺪﻳﻨﺔ أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ ﻣﻦ قبضة ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ الذين احتلوها طيلة 170 ﻋﺎﻣًﺎ. فقد جهز بيبرس جيشا ضخما، اتجه به إلى المدينة المحتلة، وضرب حولها حصارًا محكمًا تُوِّجَ بطلب أهلها الاستسلام بشروط، لكن بيبرس رفض شروطهم فشدّد عليهم الحصار أكثر وتمكن من فتح أنطاكية بالقوة. فغنم المسلمون الغنائم الكثيرة، وأُطْلق من فيها من الأسرى المسلمين، وشكل سقوطها انتصارا عظيما على الصليبيين بعد معركة حطين الخالدة.
ولادة ابن خلدون
في رمضان سنة 732 للهجرة (1332م) ولد المؤرخ والفيلسوف العربي الشهير عبد الرحمن ابن خلدون في تونس. وشكل ميلاده فخرا للعرب والمسلمين بفضل نبوغه الفكري وإسهامه العلمي الغزير، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، وهو صاحب نظريات باهرة في قوانين العمران وبناء الدولة وأطوار ازدهارها وسقوطها. وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه مشاهير العلماء العالم لاحقا. ومن أشهر كتبه، كتاب (ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) المكون من سبعة مجلدات، أوَّلها المقدمة التي يتحدث فيها عن الجغرافيا والعمران والفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي تميز بعضهم عن الآخر.