تخطي إلى المحتوى
احتفالا بيومها العالمي… نقاد وكُتاب مصريون: اللغة العربية قادرة على التواصل مع المستقبل احتفالا بيومها العالمي… نقاد وكُتاب مصريون: اللغة العربية قادرة على التواصل مع المستقبل > احتفالا بيومها العالمي… نقاد وكُتاب مصريون: اللغة العربية قادرة على التواصل مع المستقبل

احتفالا بيومها العالمي… نقاد وكُتاب مصريون: اللغة العربية قادرة على التواصل مع المستقبل

: تقرر الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول من كل عام، وهو تاريخ اعتمادها ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل داخل الأمم المتحدة. وتأتي احتفالية هذا العام تحت عنوان (اللغة العربية والتواصل الحضاري) كإشارة لما كانت تعنية هذه اللغة في الماضي ودورها في الحضارة الإنسانية، وربما إمكانية تفعيل قدرتها ثانية. وبما أن مكانة لغة ما تتحدد وفق القوة السياسية والحرية الأدبية والعلمية المؤثرة لمتحدثيها، فإن العربية تعاني بدورها من مأزق المتحدثين بها، لكنها في الوقت نفسه لغة ترتبط بالمقدس، ومن هنا تكمن المفارقة. لذا استطلعنا آراء نقاد وكُتّاب مصريين عن لغتنا ودورها في الوقت الراهن..

لغة المشرق والمغرب

بداية يرى كريم الصياد مدرس الفلسفة في جامعة القاهرة، أن الفكر العربي يتمتع بظاهرة تُميزه عن الفكر الغربي، ألا هي وحدته اللغوية على المستويين الجغرافي والتاريخي. فالمثقف العربي قادر على فهم نصوص أنتجها الفلاسفة والمفكرون العرب منذ أكثر من ألف سنة، وفي رقعة جغرافية وثقافية شاسعة، تمتد من المشرق إلى المغرب، وتجمعها العربية الفصحى، حتى إن كانت تفرقها اللهجات المحلية، بينما لا يتمتع الفكر الغربي بوحدة اللغة، ولا امتدادها التاريخي، فرغم أن الألمانية يمتد عمرها لألف سنة تقريبا، وأنها أهم لغة في العلوم الإنسانية والاجتماعية حاليا من حيث المصادر الأساسية، وأنها اللغة الأم الأولى في أوروبا، إلا أن عدد من يجيدونها ـ بسبب صعوبتها مقارنة بالإنكليزية أو الفرنسية مثلا ـ كلغة ثانية قليل نسبيا على مستوى العالم كله. ورغم أن الإنكليزية هي اللغة الأكثر انتشارا بعد الصينية والإسبانية في العالم، إلا أن امتدادها التاريخي وأهميتها في العلوم الإنسانية والاجتماعية أقل من الألمانية. وتقع الفرنسية في موقع متوسط بين الاثنتين في كل هذه النواحي. وكل من تلك اللغات ليس لها الامتداد الجغرافي/التاريخي الذي للغة العربية، فحتى لو صارت الألمانية اللغةَ الأكثر انتشارا في الغرب، فهي لا تمثل صلة بالتراث اليوناني واللاتيني والعبري، الذي شكّل الثقافة الغربية فعلا، وردَّ فعلٍ. ولم يزل على قارئ كانْط وهايْدِغر أن يجيد الألمانية، بالإضافة إلى اللاتينية واليونانية نظرا لوجود فقرات كثيرة في هاتين اللغتين الأخيرتين في كتاباتهما.
ويضيف الصياد أنه بخلاف ما يراه بعض العرب المعاصرين من ضرورة تنحية الفصحى، والكتابة بالعامية بهدف تجديد العقل والهوية، فإن هذا الاقتراح يفقِد المثقفَ العربيَّ تواصله مع عدد أكبر بكثير من القراء العرب، يمكن له أن ينشر أفكاره التنويرية بينهم، كما أن الاقتصار على العامية يقطع صلة المثقفين العرب بالماضي الثقافي، فلا يعودون قادرين على نقده، بل حتى على مجرد استيعابه، بينما تعمل المركبات الثقافية المجاورة في الجغرافيا، والسابقة في التاريخ عند العرب بقطع النظر عن اللغة في جميع الحالات. إن سيادة مذهب معين في الفقه مثلا، يريد المثقف العربي نقده، لن تتوقف بعد إحلال العامية محل الفصحى، بل ستكون الفصحى في هذه الحالة وسيطا أساسيا لفهم منطلقات هذا المذهب البعيدة، ومن ثم نقدها. وتثبِت لنا الكتابات العربية القديمة من القرون، الثالث والرابع والخامس الهجرية أن الفلاسفة العرب كانوا قادرين على تلقي الأفكار الأجنبية، وإعادة صياغتها، ونقدها، والاستفادة من خلال كل ذلك منها، على ضد الأطروحة الاستشراقية القديمة القائلة إن عقولا معينة هي وحدها القادرة على الإبداع. وعليه فإن استمرار لغتهم تاريخيا لا يعني فقط أن العرب أسرى التقليد، بل يعني كذلك أنهم كانوا قادرين على الإبداع، وأنهم يمكن لهم ذلك في المستقبل.

هدف اللغة الأول هو التواصل، وكلما زادت قدرتها على التواصل، انتشرت وسادت، يمكن من هذه الناحية النظر إلى عصور سيادة اللغة العربية، في ما يعرف بعصر الحضارة الإسلامية الذهبي، وظل هذا العصر سائدا، رغم التراجع السياسي في نهايات العباسيين في المشرق والموحدين في الأندلس.

المكانة والتحديات

وتبدأ الناقدة والكاتبة فاطمة الصعيدي أستاذة اللغة في جامعة حلوان بالتساؤل.. لماذا تظل اللغة الأم هي قناة التواصل الأساسية بالنسبة لأبنائها؟ حتى لو امتلكوا القدرة على التعبير عبر لغة أو لغات أخرى؟ وترى أن الإجابة عن هذا السؤال قد تبدو سهلة: أولها أن اللغة الأم تمثل الرمز الأول للتعبير الذي استقبلته العيون والآذان، إضافة إلى كون هذه اللغة تحمل ميراث الأجداد وتراثهم وحيواتهم عبر نصوص ظلت باقية نرددها في الفصول الدراسية، أو نطالعها في المكتبات العامة والخاصة. وإذا كانت اللغة تكتسب مكانتها بقدر عطائها الحضاري، فقد شهدت اللغة العربية قرونا زاهرة، حيث ازدهر التراث الحضاري والمعرفي والعلمي العربي، سيظل القرن الرابع الهجري شاهدا على ذلك العطاء الزاخر للغة العربية، إذ استطاعت اللغة العربية تكوين هذه القاعدة المعرفية عبر الترجمة من اليونانية والفارسية والسريانية والهندية، فترجموا العلوم المختلفة: الطب والفلك والجغرافيا، فلم يتوقف العرب على النقل أو الأخذ أو الترجمة فقط، وإنما صدّروا إلى الأوروبيين كثيرا من علومهم، فظل كتاب «القانون في الطب» لابن سينا مصدرا أساسيا لدراسة الطب طوال خمسة قرون، والخوارزمي في الرياضيات أيضا له المكانة المتفردة في علم الجبر. إن هذه الحركة التفاعلية المزدوجة من ترجمة لعلوم الأمم الأخرى ونقلها إلى العربية، حفظت كثيرا من هذه المعارف وتلك العلوم.
وتضيف الصعيدي أن اللغة العربية سايرت التقدم العلمي والتطور التكنولوجي، فعبرت عبر الشعر عن المخترعات التي صاحبت عصر الصناعة، ولم تكتف بهذا فقط، بل أدخلت إلى المعجم العربي كثيرا من الكلمات المعربة؛ لتصبح ضمن الكلمات المسموح باستخدامها. وزاد على ذلك إسهام اللغة العربية في الأوعية التكنولوجية الجديدة، مثل تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، فاللغة العربية موجودة عبر المدونات والرواية التفاعلية، وغير ذلك من الفرص الإضافية التي أتاحت للمبدعين العرب فرص الانتشار والتواصل عبر هذه التطبيقات، التي أدخلت هذه أنماط من القراءة ومراجعات النصوص؛ لتسهم في ما يعرف بعالمية الأديب، وبالتالي عالمية الأدب، رغم كل هذا التفاعل والوجود الحيوي للغة العربية؛ فإنها ما تزال تواجه عديدا من التحديات التي تؤثرعليها بشكل واضح مثل: العشوائية وتصدر النصوص الضعيفة تحت شعار زائف ـ الأكثر مبيعا ـ فضلا عن تراجع الاهتمام باللغة العربية في مراحل التعليم الأولي تحت شعار ما يعرف بالمدارس الدولية. وفي الأخير.. تقاس مكانة أي لغة بحجم ما تعطي، بحجم ما تضيف إلى الذاكرة الإنسانية، فلنسهم جميعا في إعادة شمس العربية الذهبي ليشع علما وفنا وأدبا أصيلا.

الإيمان بالمستقبل

ومن جانبه يرى القاص والروائي أحمد عامر فاضل، أننا نتحدث اللغة العربية، هذه بديهية يجب الإيمان بها، وبعد ذلك نبني كل المسائل المتعلقة بقدرتها على العمل الآن. تاريخنا مكتوب باللغة العربية تلك بديهية أخرى، يجب الإيمان بها، وبعد ذلك يكون السؤال عن دور اللغة العربية فى صناعة الحاضر والمستقبل. من المؤسف أن هاتين البديهتين أصبحتا محل جدل وشك ونفي عبثي فى كثير من الأحيان، استنادا إلى المغالطات المنطقية وارتباك التفكير. حياتنا عربية ولغتنا العربية.. نعيش فى واقع متعدد الأقطاب والأجناس واللغات، نعيش حضارة إنسانية تساهم فيها كل الأمم بأجناسها المختلفة ولغاتها المختلفة، فكيف نتصور أن نعيش حاضرنا دون لغتنا! إن أمكن ذلك، فكأنما يمكننا أن نصبح أمة أخرى غير عربية. لا نستطيع شيئا إلا الإيمان بقدرتنا على الحياة، وعلى المشاركة فى صناعة الحاضر والمستقبل، ولا يمكننا إلا أن نؤمن بقدرة لغتنا على القيام بدورها الخاص والمميز، كما قامت به من قبل.

الانتصار والانكسار

وفي الأخير يرى الشاعر والكاتب المسرحي أحمد سراج، أن هدف اللغة الأول هو التواصل، وكلما زادت قدرتها على التواصل، انتشرت وسادت، يمكن من هذه الناحية النظر إلى عصور سيادة اللغة العربية، في ما يعرف بعصر الحضارة الإسلامية الذهبي، وظل هذا العصر سائدا، رغم التراجع السياسي في نهايات العباسيين في المشرق والموحدين في الأندلس. حتى كتابة هذه السطور فنقابة الأطباء الإسبانية تحمل اسم (الزهراوي) وهو لقب لطبيب عربي معروف، بل إن رقصات أمريكا اللاتينية هي تطوير للموشحات الأندلسية، التي حملها الموريسكيون من أبناء إشبيلية إليهم. في المقابل تراجع هذا الدور العالمي للغة العربية بتخلي ابنائها عن الريادة العلمية، وصار الأمر للغة الإنكليزية. بين اللغات حرب خطرة يقول سراج، تخيلوا معي ما أشبه الأمر بجيشين يتهاجمان، انظروا ثمة جيش ينتصر، وجيش يفر. هل سيتوقف المنتصر؟ بالطبع لا، انظروا إنه يحتل عناوين المحال، وتنتشر جنوده (مفرداته) بين العامة، يا إلهي، لقد حاصروا جيش اللغة العربية في المجامع اللغوية وسجنوها فيها. انظروا صارت لغة النخبة ولغة الدرس والتدريس غير العربية. خطر الهزيمة أننا ننقل ما يريده الآخرون؛ فنثبت ما نريد نفيه، ونُثبِّت ما نريد محوه. نقول: كانت الحروب الصليبية حروبا غير دينية (هل يعقل أن نستخدم المصطلح المؤكد لدينية الحروب ثم ننفي عنها هذا الدين). نحن مهزومون من الداخل، ويمعن قائمون على الأمر في هزيمتنا؛ فنجد مناهج دراسية للغة العربية دون قرآن كريم أو حديث شريف، ونجد نصوصا ركيكة، ما خطر هذا؟ حين يغيب النص الأبلغ والأجمل فكيف يحب أبناؤنا اللغة؟ العزيمة تقهر الهزيمة، فأين عزمنا وعزيمتتا!

المصدر: 
القدس العربي