تخطي إلى المحتوى
اشتهرت بالشِّعر والجمال وأن من يتزوّجها لا يعمّر كثيراً... عاتكة بنت زيد اشتهرت بالشِّعر والجمال وأن من يتزوّجها لا يعمّر كثيراً... عاتكة بنت زيد > اشتهرت بالشِّعر والجمال وأن من يتزوّجها لا يعمّر كثيراً... عاتكة بنت زيد

اشتهرت بالشِّعر والجمال وأن من يتزوّجها لا يعمّر كثيراً... عاتكة بنت زيد

اشتهرت بين قومها بثلاثة أمور: براعتها في الشِّعر، جمالها الفائق، وأن كل مَن يقترن بها لا يعمّر في الدنيا طويلاً ويموت سريعاً حتى قيل بحقّها "من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة بنت زيد".

إنها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية، واحدة من أجمل نساء قريش، أخوها سعد بن نفيل، أحد العشرة المبشرين بالجنة، زوج فاطمة بنت الخطاب التي كانت سبباً في إسلام شقيقها عمر لاحقاً، ووالدها زيد بن عمرو، أحد الحنفاء، الذين رفضوا عبادة الأصنام وقضَى حياته يتلمّس الدين الحق، أنشد قبل الإسلام قائلاً:

وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ/لَه الأرضُ تحمِل صخراً ثقالا

دحاها فلما رآها استوتْ/على الماء أرسى عليها الجبالا

وكثيراً ما كان يُردد: "اللهم إني لو أعلم أحبَّ الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلم"، لذا قال النبي بحقّه إنه "يُبعث يوم القيامة أمة وحده".

قال محمد حامد محمد في كتابه "أجمل نساء الدنيا" (2008) عن عاتكة: "لم يقع بامرأة ما نعمتْ به، فقد تزوجت أربع مرات؛ تزوجت بابن خليفة رسول الله، وثنّت بخليفة خليفة رسول الله، وثلّثت بحواري رسول الله، وربّعت بِابن رسول الله، وكلٌّ قتلت".

وهكذا تزوّجت عاتكة بأربعة رجال من فطاحل الإسلام كلهم ماتوا في حياتها عقب زواجها بفترة قصيرة، فقرّرت عدم الزواج مُجدداً كي لا يموت المزيد من الرجال على يديها، حسبما اعتقدت في أواخر حياتها، كما ذُكر في كلّ من "كتاب الطبقات الكبير" لابن سعد و"الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني.

الأول: ابن أبي بكر

حينما تزوج عبد الله بن أبي بكر من العروس الحسناء هام بها حبًاً وانشغل بها عن العالم، كفَّ عن الخروج للمغازي والصلاة وسكن داره لأطول وقتٍ ممكن يُلاطف زوجته طيلة الوقت، ما أغضب والده أبا بكر فأمره بتطليق عاتكة. كرهاً استجاب عبدالله لأمر أبيه، لكن ظلَّ فؤاده معلّقاً بها وقال فيها شِعراً:

أعاتكُ، قلبـي كـلَّ يوم ولـيلةٍ/إليكِ بما تخفي النفوسُ مُعَلَّـقُ

ولم أر مثلي طلَّقَ اليومَ مثلَـهـا/ولا مثلَها في غير جُرْمٍ تُطلَّـقُ

لها خُلُقٌ جَزْلٌ، ورأي ومَنْصِبٌ/وخَلْقٌ سَويٍّ في الحياء ومَصْدَقُ

حينما سمع أبو بكر هذه الأبيات، رقَّ قلبه لحال ولده، فأذن له بإعادتها إليه مُجدداً على شرط ألا ينقطع عن مغازي المسلمين.

حينما ضرب المسلمون حصاراً على الطائف، انتشل عبدالله نفسه من حبيبته وخرج ضمن صفوف جيش المسلمين ولم يعد! إذ تلقّى سهماً في مقتل أودَى بحياته.

رثته عاتكة بالشعر قائلة:

فلِلَّهِ عَيْـنًا من رأى مِثْلَهُ فَـتَى/أكَرَّ وأحمى فى الهياج وأصــبرا

إذا شُعَّت فيه الأسِنُّةَ خاضـها/إلى الموت حتى يترك الرُّمح أحمرا

فأقسمـت لا تنفك عينى سَخينة/ عليــك ولا ينفكُّ جلدى أغْـبرا

الثاني: عمر بن الخطاب

رغب الخليفة الثاني في الاقتران بها -هي ابنة عمه أيضاً-، فلم تُبدِ تمنّعاً، ولكن كان أمامهما عقبتان صغيرتان؛ الأولى عبدالله بن أبي بكر كان قد منحها حديقة هديةً على ألا تتزوّج من بعده. رأى عُمر عدم جواز قبول شرط ابن أبي بكر من الأساس لأنه "تحريم ما أحلَّ الله"، لكنهما زيادة في التوثق، استفتيا علي بن أبي طالب، فطلب الأخير من عاتكة أن تردَّ الحديقة إلى أهل زوجها الراحل حتى تتزوّج مبرّأة من شرط عدم الزواج، وقيل في مروية أخرى أن استعادة الحديقة جاءت برغبة عائشة، أخت عبدالله، التي طالبت عاتكةَ بحديقة أخيها بعدما نكثت وعدها له بعدم الزواج بعده.

العقبة الأخرى، وهي أن عاتكة اشترطت على زوجها ألا يمنعها الصلاة في المسجد كما تحبُّ، فوافق على مَضض، استجابةً لما سمعه من النبي من قبل: "إذا استأذنتكم نساؤكم إلى الصلاة فلا تمنعوهن"، وبرغم غيرته.

تزوجها ابن الخطاب في العام 12 هجرياً حسبما ذكر عبد العزيز الشناوي في كتابه "زوجات الصحابة". ويقول حامد محمد في مؤلّفه سابق الذكر، أن عليًاً كلّم عاتكة -خلال عُرسها على ابن الخطاب- وذكّرها بالقصائد التي قالتها قديماً بحقِّ عبد الله بن أبي بكر، وأيمانها الشِعرية بألا تتزوج من بعده أبداً.

عجزت عاتكة عن الردّ وبكت، لكن علي استكمل كلامه، بأنه لم يخبرها ذلك إلا ليُرسّخ في نفسها معنى الآية "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون". لاحقاً لامَه عُمر على هذا التصرّف مُبرِّراً تراجع عاتكة عن قرارها بعدم الزواج عقب وفاة رجلها، بأن النساء كلهن يفعلن ذلك!

ووفقاً لما جاء في كتاب "الورع" (1988) لأبي بكر أبي الدنيا، فلقد لعبت عاتكة دوراً رئيسيًاً في إحدى المرويات التي أرّخت لعدالة عُمر وحِرصه على المال العام؛ إذ أتى عليه يومٌ جاءته في كميات من الطيب من البحرين، احتاج عُمر إلى امرأة تزن له الطيب كي يقسّمه بين المسلمين بالعدل، ولما عرضت عليه عاتكة المساعدة بدعوى أنها "جيدة الوزن"، خاف أن تمسح بعضه على وجهها وعنقها فرفض كي لا يصيب "فضلاً على المسلمين"

أيضاً، يُروَى أن أبا موسى الأشعري أهداها "طنفسة" (بساط)، فغضب عُمر وضرب بها رأسها، ثم استدعى الأشعري وصاح فيه غاضباً: "ما يحملك أن تهدي لنسائي، خذها فلا حاجة لنا فيها".

بعد زواجها من عُمر، أنجبت عاتكة ولداً اسمه "عياض".

وحسبما أورد محمد الغزالي في كتابه "من هنا نعلم" (1996)، فإن عاتكة طيلة زواجها بعُمر حافظت على عادة الصلاة داخل المسجد، وهو ما لم يرق لابن الخطاب بسبب غيرته عليها، فقال لها: "إني ما أحب هذا"، فأجابته "لا أنتهي حتى تنهاني". لم ينهها عُمر بسبب عدم وجود دليل شرعي يحرّم عليها ارتياد المسجد، وحافظت على الصلاة خلفه -كإمام للمُسلمين- حتى طُعن أمام عينيها على يديْ أبي لؤلؤة خلال صلاة الفجر.

وعقب مقتل زوجها قامت تنعاه:

عينُ، جودي بعبـرةٍ ونـحـيبِ/لا تَمَلّي على الإمام النّـحـيبِ

قل لأهل الضَّراءِ والبؤسِ: موتوا/قد سقَتْهُ المَنونُ كأسَ شَعـوبِ

الثالث: الزبير العوام

عقب انقضاء عِدّتها، تزوّج منها الزبير بن العوام، ولما طلب منها ألا تغادر المنزل إلى المسجد أبَتْ، وقالت له مستنكرة: "أتريد أن أدع لغيرتك مُصلّى صليتُ مع رسول الله وأبي بكرٍ وعمر عنهما فيه؟"، فوافق الزبير على مضض، لكنه دبّر في نفسه حيلة ماكرة؛ انتظرها أن تخرج إلى الصلاة، فاختبأ خلفها وصفعها على مؤخرتها، فخافت ورجعت إلى المنزل، وقالت لزوجها: "فسد الناس"، ولم تعد تخرج للصلاة من المنزل بعد تلك الواقعة.

وفي يوم معركة الجمل سنة 36هـ، قُتل الزبير على يديْ عمرو بن جرموز في وادي السّباع، وحينما أتاها الخبر ودّعت الزبيرَ قائلة:

غدر ابن جرموز بفارس بهمة/يوم اللقاء وكان معرد

يا عمرو لو نبّهته لوجدته/ لا طائشاً رعش البنان ولا اليد

عقب وفاته، أرسل لها عبد الله بن الزبير 80 ألف درهم إرثها في زوجها ووالده.

"لأضنَّ بكَ عن القتل" يا علي

اقتنعتْ عاتكة بكلّ ما ردّده الناس من حولها كونها "فأل نحس" على أي رجل تتزوّجه، وهو ما تجلّى في رفضها خطبة علي بن أبي طالب لسبب وحيد وهو "إني لأضنُّ بكَ عن القتل"، على حد قولها.

بعد هذه الواقعة، اختلفت كتب التاريخ في تحديد هوية "الزوج الأخير" لعاتكة، فقيل إنه الحسين بن علي وقيل إنه محمد بن أبي بكر، وفي كلا الحالتين حفظت لنا المرويات أشعار رثاء منسوبة إلى عاتكة تودّع الرجلين بعد مقتلهما كما فعلت مع أزواجها السابقين، لتستكمل تلك العادة الشعرية الجنائزية رسوخها معنا كلما تفحصنا بعض جوانب سيرتها.

الحسين بن علي

وفقاً لما ورد في كتاب "الأغاني"، فإن الحسين تزوجها، وأنها صاحبتْه يوم كربلاء، حيث شاهدت جيش الأمويين وهو يقتله فهرعت إلى الحسين ورفعت جبينه من فوق التراب، وهي تقول بحقّه:

وحُسَيْـنًا فلا نَسِيتُ حُـسَـيْـنا/أقصدتْهُ أسِـنَّـةُ الأعْـــــدَاءِ

غَـادَرُوهُ بِكَرْبِـلاءَ صَـرِيعا/ جَادَتِ الْمُزْنُ فِى ذُرَى كَرْبِـلاءِ

محمد بن أبي بكر

أما سعاد ماهر في كتابها "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون" (1971)، فتقول إن عاتكة تزوجت من ابن أبي بكر، وصحبته إلى مصر إبان إمارته عليها خلال الفترة الأولى من عهد علي، وهي فترة شديدة الاضطراب بحُكم صراع علي مع معاوية على السُلطة، صراعٌ انتهى بمقتل محمد بن أبي بكر، فرثته قائلة:

إن تقتلوا وتمثّلوا بمحمدٍ/فما كان من أجل النساء ولا الخمر

رحيلها

بحسب كتاب "صور من سير الصحابيات" (2012) لعبد الحميد السحيباني، فلقد تُوفيت عاتكة في أول خلافة معاوية سنة 42هـ. ووفقاً لكتاب سعاد ماهر، فإن عاتكة دُفنت في مصر، ولا يزال ضريحها معروفاً حتى الآن بين المصريين تحت اسم "مشهد عاتكة"، وبمرور الزمن اعتقد البعض أنه لعاتكة عمّة النبي، لكنه أمر غير صحيح، فعمة النبي لم تخرج من الجزيرة طيلة حياتها، وعاشت وماتت فيها.

ومن جانبه، شكّك معاذ لافي الباحث في الآثار قائلاً لرصيف22 في صحة نسبة الضريح لعاتكة بنت نفيل بسبب الغموض الذي لاحق وفاتها، و"اللغط الذي لاحَق سيرتها" في كتب المرويات بسبب تعدد زيجاتها.

المصدر: 
رصيف 22