رمضان بكل ما فيه من جماليات وروحانيات يختلف تماماً في عيون الناس عن بقية الأشهر، وتظل له مكانة غالية على نفوس البشر صغيرهم وكبيرهم، فالجميع يجل ويعظم هذا الشهر الكريم، وخاصة المبدعين الذين يتصفون بشفافية عالية تجاه الأحداث والمناسبات، فماذا يمثل رمضان بالنسبة للمبدع، وماذا يقرأ خلاله، وماذا يكتب، وكيف يقضي أوقاته؟
يقول الأديب المصري ناصر عراق: "أتخيل أن شهر رمضان الكريم يختزن في ثناياه طاقات جبارة على المستويات كافة، فهو شهر التواصل الروحاني الشفيف مع الله عز وجل، وهو شهر يعزز أنبل مقاومة لأشرس غريزة وهي غريزة الجوع والانتصار عليها، وهو شهر يسترد أرق العلاقات الاجتماعية وأكثرها حميمية من كهف الشحوب، عبر الزيارات المتبادلة بين الأهل والأقارب والأصدقاء".
ويضيف: "أما بالنسبة لمصر، بشكل خاص، حيث نشأتي وطفولتي وشبابي الأول، فرمضان يتسم بطقوسه الخاصة الإبداعية والفنية، فمنذ عقود طويلة وأنا أنفعل وأسعد بما تبثه الإذاعة من برامج رائعة ومسلسلات لطيفة، كما أتابع ما يعرض على شاشة التليفزيون المصري، قبل ظهور الفضائيات بشغف كبير ومحبة أكبر، باختصار رمضان شهر استثنائي يحلق بالخيال بعيدًا، ويشرح الصدر ويمتع الوجدان".
وبالنسبة لقراءاته في هذا الشهر الفضيل، يتابع عراق: "علاوة على تأملي الدائم في آيات القرآن الكريم، سواء في رمضان وفي غير رمضان، فإنني أخصص الكثير من وقتي في هذا الشهر المبارك للاطلاع على تاريخ مصر الحافل بالأحداث والوقائع، من أول قدماء المصريين حتى القرن العشرين، وأخص بالذكر الحقب التي شهدت تحولات جذرية عميقة وعنيفة مثل ظهور إخناتون وسقوطه الذي كان أبرز حكام الأسرة 18، إذ مات في عام 1334 قبل الميلاد، أو فترة احتلال العثمانين لمصر عام 1517 م، أو قدوم حملة نابليون بونابرت سنة 1798 م، وهكذا، فضلا عن قراءتي لبعض الروايات التي صدرت حديثًا ولم أطلع عليها بعد".
وعن كيفية توزيع وقته يوضح: "لا تتغير عاداتي في القراءة والكتابة كثيرًا خلال الشهر الفضيل، حيث أجلس أمام مكتبي في الخامسة فجرًا كل يوم لأقرأ وأكتب، وإن كان الوقت المخصص للقراءة يزداد بشكل كبير خاصة في آخر النهار، ولا أقرأ أو أكتب عندما يأتي المساء، وإنما أكتفي بمتابعة أبرز الأعمال الدرامية إذا كانت جيدة".
وعن ولادة بعض أعماله الإبداعية في رمضان يقول: "أتذكر أن روايتي (العاطل) انبثقت فكرتها الرئيسة وأنا أجلس مع صديقين على مقهى في عجمان في مساء رمضاني بديع سنة 2008، كذلك اقتحمتني الفكرة الجوهرية لروايتي (الأزبكية) خلال نهار رمضاني مشرق عام 2013 وأنا أتجول في حواري حي الحسين وأزقته بالقاهرة، كذلك تلقيت أول إلهام خاص بروايتي (الأنتكخانة) في صباح رمضاني جميل سنة 2022، حيث كنت أطالع كتابًا عن الخديو إسماعيل وأنا في الطائرة المتوجهة من دبي إلى القاهرة، لكن ظلال رمضان الرائعة بحضورها الروحاني طبعت جميع رواياتي بسمت خاص، إذ إنني أعكف على أي رواية لمدة تزيد عن عام، وبالتالي كان الشهر الفضيل يمر على وجداني وأنا منكب على الكتابة، فييسر لي ما تعطل من سرد، ويوفر لي فرصًا أعمق وأجمل للقص".
وبالنسبة للكتب التي يرشحها للقراء كي يطلعوا عليها في هذا الشهر الكريم، يختم الأديب عراق: "أظن أن حلول الشهر الكريم يمثل فرصة ذهبية لكي يتزود كل عاشق للقراءة وكل طامح في الكتابة المميزة، يتزود بجماليات اللغة العربية، من خلال قراءته للقرآن الكريم بتركيز وتمعن من أجل فهم آياته بصورة أعمق وأشمل، ليكتشف أسرار لغتنا العربية وعبقريتها، أما الكتب التي أرشحها للقراءة، فكثيرة ومتنوعة، المهم أن يواظب المرء على القراءة بانتظام وتركيز وحب، ويا حبذا لو اطلع الواحد منا على الروايات الجميلة والدواوين الشعرية الفاتنة وكتب التاريخ، علاوة على الكتب العلمية التي تخاطب القارئ العام، فبدون التزود بالعلم بجميع فروعه، وبالتفكير العلمي العقلاني لن تتقدم الأمم، لذا ليتنا نولي المنطق العلمي في فهم حياتنا اهتمامًا أكبر"