تخطي إلى المحتوى
الذكاء الصناعي ما بين الإيجابية والسلبية الذكاء الصناعي ما بين الإيجابية والسلبية > الذكاء الصناعي ما بين الإيجابية والسلبية

الذكاء الصناعي ما بين الإيجابية والسلبية

 كثر في الآونة الأخيرة الحديث حول الذكاء الصناعي ومميزاته وفوائده للمجتمع البشري، وبأنه الثورة التكنولوجية القادمة التي ستخدم العالم وتبهره وتنقله إلى آفاق جديدة، لكن لم يتحدث أحد بعد حول تأثيراته السلبية المحتملة على العديد من دول العالم النامي في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وقد يستغرب الكثيرون من طرحي بأنه من المحتمل أن تكون للذكاء الصناعي، وهو حديث الساعة بجوانبه المشرقة، آثارٌ سلبيةٌ على البشرية.

ما أعتقده أن مسائل التطور التكنولوجي الحديث يجب ألا تؤخذ بأنها أحادية التأثير، أو أن يتم النظر إليها بأساليب عاطفية محضة، فهي تحتاج إلى نظرة موضوعية فاحصة، لأنها متعددة الجوانب، وجوانبها تحمل في طياتها تفاصيل، والشيطان يكمن في التفاصيل. الدول الصناعية المتقدمة، والدول ذات الكثافات السكانية القليلة التي تحتاج إلى العمالة الماهرة النادرة يعتبر الذكاء الصناعي بالنسبة لها نعمة وحل عملي لتلبية احتياجاتها من العمالة النادرة قليلة الأجور، لكن ماذا عن دول العالم النامي التي تعتبر العمالة الرخيصة أحد مصادر دخلها الوطني، وأحد مرتكزات طموحاتها المستقبلية في التنمية الاقتصادية والصناعية؟

وفقاً لهذا السؤال يعد العالم اليوم أمام معضلة، وسأحاول توضيح أين تكن مشكلة الذكاء الصناعي لدى الدول النامية، وكيف يمكن للعالم أجمع أن يستفيد منه، وفقاً لمقولة العرب الشهرية والراسخة «لا ضرر ولا ضرار». النظام الدولي الجديد القائم على عمالقة التكنولوجيا الحديثة المتقدمة والذكاء الصناعي سيجمع بين فائزين ينالون كل شيء، اقتصادياً وتجارياً، مع تركيز غير مسبوق للثروة في أيادي قلة من الشركات في الصين والولايات المتحدة الأميركية واليابان، وعدد من النمور الآسيوية الذين يشكلون الدول الصناعية الجديدة، وعدد محدود من دول الاتحاد الأوروبي.

هذا هو ما أرى بأنه يشكل خطراً مستقبلياً للذكاء الصناعي على الدول التي لا تحوزه، والتي ستصبح أكثر فقراً وستدخل في فوضى اجتماعية عارمة وانهيار سياسي واقتصادي يتولد وينبعث من بطالة عمالة تنتشر بشكل واسع، وهوة من عدم المساواة بين الدول. لو انتشر الذكاء الصناعي سريعاً، فإن المكانة العملاقة التي تستخدم في تحريك الصناعة ستقلل من قيمة الميزة الاقتصادية الوحيدة التي في يد دول العالم النامي تاريخياً، وهي العمالة منخفضة الأجور.

ومن المرجح للمصانع التي تشغلها عناصر الذكاء الصناعي أن تغادر أماكن تركزها إلى مواقع قريبة من أسواق الاستهلاك الضخمة، ساحبة بعيداً السُلّم الذي ارتقت عليه سابقاً أممٌ ناميةٌ، كالصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وهي في طريقها لكي تصبح أمماً ذات اقتصادات تقودها التكنولوجيا المتقدمة. وبذلك، فإن الهوة بين الذين يملكون على المستوى العالمي، والذين لا يملكون ستتسع كثيراً مع عدم وجود مؤشرات ووسائل واضحة أو معروفة تجاه تضييقها أو ردمها.

وما يمكن أن يحدث هو أن النقص والاضطراب في أسواق العمل والفوضى والتقلبات عبر المجتمعات ستزيد في مقابل التراجع الذي سيطال أكثر الأهداف الإنسانية التي يسعى البشر إلى تحقيقها على المستوى الإنساني، وهو الطموح الشخصي في العمل والإنتاج والترقي والإنجاز - وهذه خسارة نفسية لدى الإنسان في هذه الحياة وهي العمل وتحقيق الحياة الحرة الكريمة. ولقرون عدة، يملأ البشر حياتهم الشخصية وأيامهم عن طريق العمل والتجارة، ويقدمون وقتهم وجهدهم في مقابل الحصول على المال، والعديدون منهم أصبحوا يستمدون شعورهم بالقيمة بأنهم بشر لهم قيمتهم الذاتية من سلوكيات عملهم اليومي. لذلك يعتبر ظهور الذكاء الصناعي وانتشاره تحدياً لهذه القيم الإنسانية وتهديداً بأن يقتل في البشر الشعور بقيمة البقاء في هذه الدنيا.

وحقيقة أن التحديات صعبة، لكنها ليست مستعصية على الحل. إن الكثيرين يواجهون خطراً أخلاقياً ومشكلة في الهدف في الحياة. لكن هذه التجربة تفتح بصيرتهم على حلول للمشكلة التي يتسبب فيها لهم الذكاء الصناعي. ومعالجة المشكلة تتطلب وسائل تحليل واضحة، وفحصاً فلسفياً عميقاً لكل ما هو مهم في حياة الإنسان، وهذه وظيفة لعقول البشر وأفئدتهم.

المصدر: 
جريدة الاتحاد الاماراتية