تخطي إلى المحتوى
الرواية الناجحة.. عند ماريو بارغاس يوسا الرواية الناجحة.. عند ماريو بارغاس يوسا > الرواية الناجحة.. عند ماريو بارغاس يوسا

الرواية الناجحة.. عند ماريو بارغاس يوسا

كتب الكثير من النقاد عن الرواية والروائيين، وعن الإبداع الروائي، واتسمت أغلبية هذه الكتابات، إن لم يكن جميعها، بجدية مفرطة، وأخضعوا الرواية ومؤلفيها، إلى مباضعهم الجراحية، وكأنهم في غرفة التشريح.. وترشح من كتاباتهم النقدية، مناهج تجريبية، مع أغلفة إيديولوجية، دينية أو علمانية، وشخصانية أحياناً تلبس لباس الموضوعية. مع أن الرواية كعمل إبداعي، له خصوصية إنسانية، ذاتية ومجتمعية، إضافة إلى عناصر كثيرة، لا يمكن لأي عدسة نقدية مكبرة أن تكتشفه.

في سياق مغاير؛ يكتب الروائي البيروفي، الحائز جائزة نوبل عام (2010م)، (ماريو بارغاس يوسا)، الذي لا يشذ عن كتّاب لاتينيين آخرين مارسوا السياسة والصحافة، كتابه (رسائل إلى روائي شاب)، الصادر عن دار المدى (2005م)، وهي عبارة عن أجوبة لرسائل مفترضة، من روائي يطلب منه النصح والإرشاد لكي يصبح روائياً ناجحاً ومعروف

تأتي الرسائل الاثنتا عشرة، إجابات عن تلك الأسئلة، التي تبحث عن أجوبة، لدى كل من يحاول الكتابة في مجال الرواية، وهي كتابة يختار بارغوس يوسا، أن يكتب عنها بطريقة مختلفة عما قرأناه وألفناه من كل النقاد.

ونتعرف من خلال هذه الرسائل، إلى العديد من الزوايا والخفايا في روايات نعرفها، أو التي لا نعرفها لكبار الروائيين العالميين. وبأسلوب سلس وممتع وبعيد عن التعقيد الضجر والمنفر، بحيث إن القارئ لا ينهي الرسالة الأولى حتى يأتي إلى الرسالة الأخيرة. وسنحاول استعراض هذه الرسائل بإيجاز شديد، وما تتضمنه من إيضاحات ونصائح. وتتضمن بعضاً من العناوين المهمة والشروط، مثل: الميل الأدبي، اختيار الموضوعات، الشكل والأسلوب، المكان والزمان... إلخ.

يعتقد (ماريو يوسا) أن (الميل) الأدبي، هو نقطة الانطلاق لكي يصبح المرء كاتباً، وهي (مسألة مبهمة، محاطة بعدم اليقين والذاتية، وهي استعداد فطري ذو أصول غامضة). والتمرد هو نقطة الانطلاق في العملية الإبداعية، التي تنتج عالماً من الخيال، بديلاً عن العالم الواقعي الذي يرفضه، (فالتخييل هو أكذوبة تخفي حقيقة عميقة)، ولهذا فإن محاكم التفتيش سابقاً، والرقابة الرسمية حالياً، ترتاب في هذه الروايات، لأنها طريقة لممارسة الحرية. وإجابة عن سؤال: من أين تخرج القصص، وكيف تخطر الموضوعات على الروائيين؟ فإن الأصل يعود إلى تجربة من يبتكرها، وهذا لا يعني أنها سيرة حياة مستترة لمؤلفها

أما في ما يتعلق بالموضوعات؛ فإن الروائي يتغذى من تجربته التي تركت في نفسه، أو في لاوعيه أثراً عميقاً.

وتتعرض لتحولات عميقة، وتخيلات مختلفة ومرمزة. والمبدع هو الذي يستطيع أن يحول رواياته، من كذبة إلى قوة إقناع عبر تقنيات إلهامية. والكتّاب الذين يختارون موضوعات عقلانية وببرود، هم كتّاب سيئون. (فقدرة رواية على الإقناع، عندما نشعر بأنها مكتفية بذاتها، وانعتقت عن الواقع الواقعي، وتتضمن في ذاتها ما تحتاج إليه لكي تحيا.. وتضييق المسافة الفاصلة بين الوهم والواقع، هذه هي الخدعة الكبرى التي تقترفها الروايات العظيمة). ولهذا؛ فإن الفصل بين (المحتوى والشكل)، هو أمر مصطنع إلا لأسباب تحليلية.

أما عن (الأسلوب)، فإنه (يتوجب علينا استبعاد فكرة السلامة اللغوية، المهم هو أن يكون فعّالاً). ويعطي مثالاً على الملتزمين الناجحين: (سرفانتس، ستاندال، ديكنز، وغارسيا ماركيز). بينما كانت أعمال آخرين كبار تنقصهم هذه السلامة، مثل: (بلزاك، جويس، بيو بارخا، وسيلين) وغيرهم.. ويعتقد أن فعّالية الرواية تعتمد على (تماسكها الداخلي، وطابعها كضرورة لازمة)، والبحث عن الكلمة الدقيقة القادرة على التعبير عن الفكرة، والابتعاد عن التقليد. وفي توضيحه عن الراوي والمكان، فإنه يعتقد أن المشاكل التي يواجهها كل من يريد كتابة رواية، تتضمن أربع مجموعات كبيرة، الراوي، المكان، الزمان، ومستوى الواقع.

وهناك ثلاثة أنواع من الرواة، وكل منهم له علاقة مختلفة بالمكان والزمان، راوٍ يروي بضمير المتكلم، وراوٍ (كلي المعرفة)، يروي بضمير الغائب، وراوٍ ملتبس مختبئ وراء شخص نحوي (ضمير المخاطب، أنت)، ويمكن أن تتضمن الرواية عدة رواة

وحول الزمن، يعتبر (يوسا) أن هناك تمييزاً بين الزمن المتسلسل (كرنولوجي)، والزمن النفسي (سيكولوجي)، (الذي يطول ويقصر حسب تجاربنا وانفعالاتنا). وأن زمن الروايات مشيد انطلاقاً من الزمن النفسي الذي يقصر لمدة ثوانٍ فقط، كما في قصة لامبروس بيرس (حادث على جسر البومة)، التي تروي عملية إعدام أحدهم أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، وتبدأ بالأنشوطة حول رقبة الرجل، ومن ثم يتخيل أنه هرب وعبر الجسر، ووصل إلى بيته والتقى زوجته، وكل هذه التخيلات السريعة، قبل أن تطوق الأنشوطة عنقه.

ومثلها قصة بورخيس (المعجزة السرية). وهناك نقلات أو (قفزات نوعية)، من عالم موضوعي (واقعي)، إلى عالم آخر (فانتازي)، أحياناً قفزات سريعة أو بطيئة، كروايتَي كافكا: (القصر)، و(المحاكمة)، والأدب الفانتازي الحقيقي لا يكون مقصوداً، وإنما يحدث بطريقة تلقائية.

وسيلة أخرى يستفيد منها الرواة، وهو ما يمكن تسميته (العلبة الصينية)، وهي عبارة عن علبة تتضمن أشكالاً مماثلة لها

وأصغر حجماً، وتصل إلى ما هو متناه في الصغر، وهذا ما تتضمنه القصة أو الرواية أحياناً، حيث تتوالد أحداث وقصص أخرى عن الرواية الرئيسية

كما يحدث في قصص (ألف ليلة وليلة)، وفي رواية (سرفانتس- الكيخوتة)، في بعض الروايات توجد هناك (معلومة مخبأة) وعلى القارئ أن يكتشفها، وربما أبرز مثل لها، قصة (القتلة) لأرنست

همنجواي، وأيضاً رواية (ماتزال الشمس تشرق)، ورواية (الغيرة) لروب غرييه، وفي رواية فوكنر (الملاذ).

لا يزعم المؤلف أنه أحاط بجميع عناصر الرواية الناجحة، فالرواة الجيدون يزودون قصصهم المتخيلة بسحر يستسلم له القارئ، ولا يمكن لأحد أن يعلم الآخرين الإبداع.

 

المصدر: 
مجلة الشارقة الثقافية