في خضم معاينة الخراب والدمار المتسبب بهما العدوان الإسرائيلي على غزة، تجدر معاودة الفيلم الأردني "سليم" لتسليطه الضوء على الأضرار النفسية اللاحقة بالأطفال جرّاء الحروب. الفيلم الذي أنجزته المخرجة الأردنية سنثيا مدانات مع زوجها وشريكها، المنتج التنفيذي شادي شرايحة، وإنتاج شركة Digitales الأردنية، إلى جانب أكثر من 100 فنان أردني وعالمي، يسلط الضوء على القضايا المتعلقة بالصحة العقلية للأطفال من خلال قصة طفل شرق أوسطي أجبر على الفرار من منزله بسبب الحرب.
في بلدة صغيرة في الشرق الأوسط تدور أحداث "سليم"، وهو فيلم تحريك أردني للمخرجة سنثيا مدانات، يروي قصة قوية وملهمة عن الأمل والإرادة والصداقة والمجتمع، من خلال عدسة صبي يبلغ من العمر 9 سنوات. يصل سليم إلى البلدة الجديدة حاملاً أعباء الماضي، بعدما فقد والده وعاش تجربة النزوح مع والدته وشقيقيه. خارج شقتهم الصغيرة على السطح، يعثر سليم على صندوق خشبي. تطلب منه حمامة غامضة أن يفتحه، لتكشف عمّا يبدو أنه خريطة كنز. مع أصدقائه الجدد، فارس وزينة وعبود إلى جانبه، ينطلق سليم في مغامرة بحث عن الكنز ستغيّر حياته، ومليئة بالقرائن والتحديات والشفاء والنصر. قصة سليم الخلاصية الحميمة تسلط الضوء على الصحة العقلية لأطفال الحرب وتقدّم رؤى ثقافية فريدة وغنية. موضوعاتها العالمية تجعلها ذات صلة وذات مغزى للعائلات في كل مكان.
قصة سليم بسيطة. عائلة تغادر منزلها بعد جريمة قتل مأسوية. إنه وقت حرب. بعد أن يستقر سليم ووالدته في مكان جديد، يجب عليهما إيجاد طريقة لإعادة بناء حياتهما وتضميد جراح ماضيهما. والمدرسة هي المكان المثالي للقيام بذلك. وبمساعدة معلمته أمل وأصدقائه، يبدأ مغامرة نفسية، يُعبَّر عنها أيضاً بلعبة البحث عن الكنز.
مراراً وتكراراً، يعرض الفيلم التوتر بين التفسير النفسي لعواقب صدمة الطفولة ومتعة المغامرات الطفولية. مونولوجات الآنسة أمل الطويلة والتوضيحية تصحبها قصص تحوي بعض الحقائق من ماضيها. ومن اللافت كيف أن هذه القصص الصغيرة لا تعمل فقط على تعميق حياة الشخصيات الثانوية، ولكنها تسمح أيضاً للمخرجة بالاستكشاف من خلال خيال الطفولة ثنائي الأبعاد. بالنسبة لها، "كان المهم استعادة وجهة نظر الأطفال والتركيز على الفهم النفسي لما يدور في أفكار مَن هم بعمر سليم، ومعالجة الفيلم من وجهة نظره"، ومن هنا أهمية توظيف أسلوب مختلف في الرسوم المتحركة للقصص التي يستمع إليها سليم.
يُظهر مجموع قصص الإساءة التي نسمعها في الفيلم أيضاً طريقاً للصمود من خلال التضامن والمرافقة بين الأجيال المختلفة. وهذه واحدة من أبرز سمات "سليم"، فالأطفال لا ينعزلون في مغامرتهم الرائعة، بل يشاركونها مع بالغين يرغبون في مرافقتهم. تؤمن المخرجة بأن السينما جزء من سلسلة من الإجراءات والوسائط التي يمكن أن تساعد الأطفال على شفاء الجروح التي يحملونها. في نهاية قصة "سليم"، يكتشف الأطفال كتاباً ويُدعون لكتابة قصّتهم الخاصة. وهذه ايضاً طريقة أخرى لاستكمال العيش.
"المدن" التقت المخرجة سنثيا مدانات للحديث عن فيلمها ورحلة إنجازه...
بكلمات قليلة ما قصة «سليم»؟
قصة طفل صغير لطيف يعيش مع أمّه وشقيقه وشقيقته، بعد الاختفاء المأسوي لوالده في أحد الحروب. وبعدما أمضى فترة صعبة منذ ذلك الحين، سيقوم باكتشاف مذهل ويعيش رحلة لا تُنسى بفضل خريطة الكنز الموجودة في صندوقٍ قديم. من هناك، سيتمكّن في النهاية من تكوين صداقات جديدة، وإعادة فتح الذكريات المدفونة، والعثور على نفسه ببطء ولكن بثبات. "سليم" قصة صوفية وحديثة.
- حديثة كيف؟
لأننا لا نرى أشياء حديثة جداً أو ذات صلة بأيامنا. هي قصة حديثة، لكنها ليست قصة السنوات الأخيرة. بالأحرى تلك التي كانت في الثمانينات والتسعينات وتبدو أشبه بفترات طفولتي.
- مشاهدة فيلمك من جديد، أثناء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ أشهر، تبدو أشبه باستحضار طيف حلم بعيد المنال...
أتتني فكرة الفيلم قبل 5 أعوام، والبيئة التي تظهر في الفيلم تستمد مزيجها من خليط الثقافات الشامية، وإن كانت اللهجة المنطوقة فيه أقرب للأردنية. لكن قصة الفيلم تلامس كل طفل عاش ظروفاً صعبة بسبب الحرب والنزوح والفقد. أردنا إحياء الأمل داخل مَن يشاهد الفيلم، لا إعادتهم إلى صعوبات ما عاشوه. ما يحدث في غزة أكبر من أن تصفه كلمات. إحصاءات الشهداء تفيد بأن غالبية الضحايا أطفال ونساء. فيلمي لن يقدر على تغيير أي شيء، لكن أتمنّى أن يعطى ولو أملاً ضئيلاً في إمكانية وجود مستقبل مشرق بعد أن ينقشع هذا الظلام.
- "سليم" هو أول فيلم تحريك لكِ. كيف بدأ هذا المشروع؟
حتى لو لم يكن في بلدنا الأردن صراعات، فقد اعتمدنا على تجربة بعض اللاجئين. في العام 2017، قمنا بعمل حلقة على قناتنا في "يوتيوب" تحدثت عن فتاة صغيرة تعرضت للانتهاك الجنسي. وعلى الرغم من استنادنا إلى هذه الحقيقة المروعة، أردنا أيضاً توضيح كيفية حماية المرء منها وشرح كيفية تأثّر الأطفال بها. يتحدث "سليم" أيضاً عن صدمات الطفولة ونريد أن نعطي صوتاً لمن يعانون، بينما نتكلم ونحافظ على الأمل.
- لا بدّ أن عملية تمويل الفيلم واجهت بعض الصعوبات...
كان تحدياً حقيقياً، خصوصاً أننا أنفسنا استثمرنا الكثير لأننا نؤمن كثيراً بقصته. لكن لحسن الحظ لم نكن الوحيدين. وقد دعمتنا صناديق أخرى مختلفة، من مستثمرين من القطاع الخاص، وجمعيات خيرية للأطفال، وغيرهم من المشاركين النشطين للغاية في الفن والثقافة الأردنية.
- كيف اخترت ممثلات الدبلجة وهل كان الأمر معقداً مع الأطفال؟
كان الأمر صعباً ومعقداً بعض الشيء لأن الرسوم المتحركة ليست سوقاً كبيرة في بلدنا. قبل كل شيء، أردنا أصواتاً جديدة، ومواهب جديدة. في الواقع، لم يشارك الكثيرون في مثل هذا المشروع من قبل. أما بالنسبة للشخصيات البالغة، فقد قمنا باختيار ممثلات لديهن الخبرة بالفعل، مثل دوللي ديب التي تلعب دور "الآنسة أمل" والتي أنتجت أيضاً "سليم". كان أيضاً تحدياً حقيقياً بسبب كوفيد. بالإضافة إلى ذلك، وخلال 4 سنوات من التصوير، تغيّر صوت إحدى الطفلات (بعدما كبرت). لذلك كان علينا أن نحاول تحقيق الاستقرار بأفضل ما نستطيع.
- يلتقي "سليم" بشابتين مهمتين في حياته الجديدة "الآنسة أمل" و"زينة"... من دون الكشف عن الكثير، مَن هما؟
"الآنسة أمل" هي المرشدة النفسية للمدرسة التي يتواجد فيها "سليم"، وهي متعاطفة وحيوية للغاية. تتعرّف بسرعة على الأطفال عاطفياً وعقلياً وتحبّ التحديات. هي ليست مرشدة تقليدية وغالباً ما تخرج عن الطرق المعتادة لمساعدتهم. لكن لديها أيضاً ماضيها، ما يعني أن مساعدة الآخرين أحياناً تساعدها أيضاً. أما "زينة"، فهي دائماً مرحة ونشيطة وتلعب كرة القدم في كثير من الأحيان. إنها متعاطفة ومغامِرة ولا تخشى المجهول. غريزياً، ستثق بـ"سليم" سريعاً. جسدياً، أردنا أن نجعلها غير نمطية أكثر، بإضافة الشعر الأحمر والنمش.
- كيف كانت تحضيرات السيناريو ورسم الشخصيات؟
كانت هذه المرة الأولى التي نشارك فيها إلى هذا الحد في إنتاج فيلم (رسوم متحركة) روائي طويل. من أسهل الأشياء كانت جلسات العصف الذهني مع الكتّاب والمنتجين. لقد كان تعاوناً جيداً وتمكّنا سريعاً من تحديد الشكل الذي ستكون عليه الشخصيات جسدياً وبصرياً، وذلك بفضل التحضيرات المصوّرة. قررنا أن نأخذ وقتنا، من أجل ضمان عرض جيد الجودة، حتى لو اضطررنا إلى إجراء بعض التغييرات على القصة أو صور الشخصيات. لكن الشيء الأروع أن العديد من فنّانينا ساعدونا من الخارج. عملياً، وصل عدد العاملين على "سليم" ما يقرب من 100. وكانت هذه عملية رائعة لإدارتها وتنظيمها.
- ماذا يعني لكِ وجود الطائر؟
أعتقد أن الحمامة تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين. هذا يتوقف على المكان الذي نأتي منه. أردنا أن نجعلها رمزاً للأمل والراحة التي تجلب النصح والتي يحتاجها الجميع مرة واحدة على الأقل في حياتهم. تمثل الحمامة أيضاً - بالنسبة إلي - مساعدة روحية أو ميتافيزيقية إذا أردت، في ما يتعلق بالخالق أو الكون أو أي آلهة أخرى مرتبطة بمعتقدات الإنسان.
- عُرض فيلمك في قسم "Contrechamps" في "مهرجان آنسي الدولي لأفلام الرسوم المتحركة". ماذا يعني هذا بالنسبة لكِ وكيف تشعرين حيال ذلك؟
كانت هذه مفاجأة لا تصدّق بالنسبة لنا. نحن سعداء للغاية بأن "سليم" نال هذا القدر من التقدير، وأنه اختير في هذا القسم، لا سيما مع جانبه المأساوي. بصراحة، إنه لشرف لنا أن يتم اختيارنا والذهاب إلى هناك. ويسعدنا أيضاً أن نكون أحد الأصوات المسموعة، من بين جميع أصوات الأطفال في العالم، الذين يظلون صامتين. إنه مهرجان مهم للغاية في عالم الرسوم المتحركة، وحقيقة أن الجمهور يرى بعض معاناة الأطفال تظل مهمة.
- ما هي مشاريعك المقبلة؟
أعتقد أنني أستطيع أن أتحدث عن ذلك بالفعل... نحن نفكر في عمل جزء فرعي من فيلم "سليم". نفكّر بالفعل كثيراً في قصة مستوحاة من إحدى الشخصيات مثل "زينة" أو "الآنسة أمل" أو أي شخصية أخرى. لدينا أيضاً العديد من الأفكار الأخرى لأفلام قصيرة جديدة. لكن من دون روابط لـ"سليم".