يواصل معرض الشارقة الدولي للكتاب عبر دوراته المتعاقبة تأكيد رسالته الثرية، التي تعطي الكتاب بعداً حضارياً يتجاوز الحدود الثقافية المجردة... فإذا كانت الثقافة تعبر عن الجوانب الفكرية والروحية والأخلاقية للمجتمع.
فإن الحضارة تتجاوز ذلك إلى جوانب أكثر اتساعاً وترتبط بواقع المجتمعات ومستقبلها، وهذا ما يركز عليه المعرض في شعاراته التي أصبحت علامة فارقة في مسيرته طوال أكثر من أربعين عاماً من الزمان... وما شعار «هكذا نبدأ» لهذا العام، إلا تجسيد لهذه الرؤية.
وانطلاقاً من ذلك، يمضي معرض الشارقة الدولي للكتاب كل عام في رحلة متجددة، يواكب فيها المتغيرات العالمية التي تشهدها صناعة المعرفة في العالم، ومع استضافته أكثر من 2520 ناشراً وعارضاً من 112 دولة.
وبرنامجه الذي يتجاوز 1300 فعالية متنوعة، بمشاركة ما يزيد على 250 ضيفاً من 63 دولة، يقدم المعرض نموذجاً مبتكراً لشكل معارض الكتب الدولية التي يتجاوز دورها تفعيل الحراك الثقافي إلى دفع مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة بكافة أبعادها. وفي هذا السياق، أكدت خولة المجيني، المنسق العام لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، لصحيفة «البيان» أن المعرض يمثل تجسيداً حيّاً لمشروع الشارقة الحضاري.
لذلك فإن التجديد فيه يمضي بالتوازي مع النهضة التي تشهدها الإمارة على المستويات كافة، وفي دورة هذا العام من المعرض فإن التجديد لا يقتصر على ابتكار فعاليات جديدة وحديثة فحسب، بل يمتد أيضاً ليشمل تحديث وتطوير بعض الركائز الأساسية للمعرض، كالمؤتمرات وورش العمل والمهرجانات المصاحبة، والبرنامج الثقافي والفني.
موضوعات تثري معارف الناشرين
وحول مؤتمر الناشرين، وما يشهده من تحديثات تأخذ في عين الاعتبار حاجة الناشرين وتطلعاتهم، أوضحت المجيني أن المؤتمر أصبح منصة يتطلع إليها الناشرون من مختلف أنحاء العالم، لتبادل حقوق النشر.
وهو ما ساهم في جعل معرض الشارقة للكتاب أكبر معرض للكتب على مستوى العالم لمدة ثلاث سنوات على التوالي، في بيع وشراء الحقوق، وهذا يتطلب بدوره إجراء جملة من التطويرات التي تضمن أقصى استفادة للمشاركين.
وقالت المجيني: «تتمثل أبرز التطويرات للمؤتمر في تنظيم 30 ورشة عمل تفاعلية تستعرض أهم التقنيات الحديثة التي تخدم قطاع النشر، وتساهم في توسع أعمال الناشرين، مثل تسويق المحتوى الصوتي، والذكاء الاصطناعي، والتوزيع الرقمي، مما يمنح المشاركين من 108 دول فرصاً قيّمة لتبادل الخبرات، والتعرف على التجارب الرائدة، وعقد شراكات جديدة».
وفيما يتعلق بالدورة التدريبية للناشرين، التي تقام بالتعاون مع جامعة نيويورك، أشارت المجيني إلى أنها ستركز هذا العام، ضمن الرؤية التطويرية للفعاليات المصاحبة، على توظيف تقنيات الميتافيرس و«بوك توك» لتعزيز كفاءة قطاع النشر، وتعريف الناشرين بأبرز الوسائل والأدوات التي يستفيدون من خلالها من تلك التقنيات، لتحقيق نقلة نوعية مستدامة في أعمالهم.
ولدى سؤالها عن تركيز المعرض على التقنيات الحديثة ورأيها في سيطرة الكتاب الإلكتروني على الورقي، قالت: «الجدل حول سيطرة الكتاب الرقمي على الورقي أصبح نقاشاً محسوماً، لأن التجربة أثبتت وتثبت أن العديد من الناشرين الذين أظهروا مرونة في استراتيجياتهم لا يزالون يبيعون ملايين النسخ الورقية.
ومن هنا فالنجاح لا يرتبط بكون الناشر متبعاً للتطورات التقنية فحسب، فالتطورات هي وسائل وليست غايات بحد ذاتها. فنجاح الناشر اليوم رهين قدرته على التكيف والاستجابة للتغيرات.
وتحديث الآليات والأدوات، فاتباع الوسائل الحديثة للترويج والتسويق والتوزيع، وتسهيل آليات انتقال الكتاب عالمياً وتسهيل الوصول إلى جمهور أوسع... كلها أدوات تساعد على خدمة قطاع النشر وتوسيع تأثير صناعته».
اختيار الشخصيات الثقافية
ولعل أبرز المستجدات التي لطالما توقعها عشاق المعرفة والقراء على مدى دورات المعرض، هي اختيار الكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية للدورة الـ43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب... فالمتابع يدرك حجم جمهور قراء أحلام، يشهد لذلك الحضور الكبير للقاءاتها وحواراتها وتوقيع جديد إصداراتها كل عام في المعرض.
وفي هذا الصدد، أشارت خولة المجيني إلى أن «اختيار شخصية ثقافية سنوياً في معرض الشارقة الدولي للكتاب يعكس التزام الهيئة بتسليط الضوء على النماذج المبدعة التي تساهم في إثراء الثقافة العربية والعالمية. ونحن نرى في هذا الاختيار ترجمة حية لرسالة الشارقة تجاه تقدير جهود المبدعين والاحتفاء بمسيرتهم الأدبية والفكرية».
أمسيات تعمق الروابط بين الأدب والفن
أوضحت المجيني: «انطلاقاً من رسالة المعرض في ربط مختلف القطاعات الفنية بالكتاب، تأتي المسرحيات والأمسيات الغنائية التي تستضيف نخبة من عمالقة الفن العربي والعالمي، من موسيقيين ومغنين وممثلين، ومسرحيين، حيث يستضيف المعرض في دورة هذا العام الموسيقار المصري الكبير عمر خيرت في 9 نوفمبر.
كما يحيي الفنان الكويتي حمود الخضر أمسية غنائية في اليوم الختامي من المعرض، إلى جانب تنظيم عدد من المسرحيات». وأشارت المجيني أن هذه الفعاليات الفنية تمثل دعوة للزوار لاكتشاف الجوانب المتنوعة للثقافة والفنون، «وهي جزء من رؤيتنا لتعميق الروابط بين الأدب والفنون المختلفة، لإضفاء طابع شامل على التجربة الثقافية التي نقدمها لجمهور المعرض تتجاوز حدود الكتاب إلى كل ما يبنى على الكتاب من تجارب إبداعية».
نافذة «الكلمة واللحن» على الثقافات
وفي ترجمة حية لمقولة «الموسيقى لغة العالم»، يمنح المعرض زواره تجربة تؤكد صلة القربى بين الكلمة واللحن، وذلك من خلال فعالية «معزوفات شعرية» التي تجمع بين الشعر والموسيقى بست لغات مختلفة.
حيث تؤكد المجيني أنها تأتي في إطار سعي «معرض الشارقة الدولي للكتاب لابتكار تجارب ثقافية متنوعة تتجاوز حدود الكلمة المكتوبة، وتقدم للزوار نافذة على ثقافات متعددة، تثري تجربتهم الثقافية وتعزز قيم الحوار بين الشعوب».
استكشاف التراث المغربي
ويستقبل معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ43 المملكة المغربية ضيف شرف، حيث تقدم المغرب برنامجاً ثقافياً متنوعاً. وعن هذه الاستضافة، قالت خولة المجيني:
«فكرة اختيارات ضيوف الشرف في المعرض ثمرة شراكات ثقافية راسخة وتواصل مستمر مع الجهات والمؤسسات العربية والعالمية، وهي فعالية متجددة في كل عام تفتح آفاقاً للحوار الثقافي والتبادل الفكري بين الشعوب.
وإن اختيار المغرب ضيف شرف هذا العام يضيف بعداً ثقافياً خاصاً لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث يقدم للزوار نافذة لاستكشاف غنى وتنوع الثقافة المغربية، ومنصة للقاء ومحاورة كبار روادها».