أوجزت الموسوعة العربية الصادرة في الجمهورية العربية السورية (المجلد التاسع ص556-558) تسلسل مفهوم الديمقراطية على الصعيد التاريخي. تعود كلمة الديمقراطية إلى القرن الرابع عشر (1370) عندما ادرجت في معجم المفردات. وهي مشتقه من الكلمتين اليونانيتين Demos وتعني الشعب وKratos وتعني السلطة.
بمعنى آخر تعني هذه الكلمة العلاقة بين السلطة والشعب أو بين الحاكم والمحكوم. وهي بمثابة حكم يقوم برضى الحاكم والمحكوم والقوي والضعيف في جو يتمتع كل منهما بكامل حريته. ولمـــّا لم يكن للحرية أن تنفصل عن مفهوم الديمقراطية فإن المزيج الوثيق بينهما يتبلور في علاقة يتمتع كل منهما في التحكم بمصيره واستقلاله بجسده وفكره وبعده عن كل إكراه وصولا إلى حرية الرأي.
كانت كلمة الديمقراطية في القرن الرابع عشر جديدة بحد ذاتها، كما تشير الموسوعة العربية، إلا أن فحواها يعود إلى عدة سنوات قبل الميلاد. وقد تناول الفيلسوف اليوناني وكبار المفكرين أرسطو أو أرسططاليس Aristote (384-322 ق.م) العلوم العملية التي تبتغي سعادة الإنسان بصفته فرداً وعضواً في المجتمع وتنقسم إلى علم الأخلاق وعلم السياسة. أما الأخلاق في مفهوم أرسطو فكانت تتصل بعلم النفس، وهي أخلاق سعادة لا أخلاق واجب. إذ رأى أرسطو أن الإنسان بطبيعته ينزع إلى امتلاك الخير الأسمى والسعادة القصوى على طريق الفضيلة. والخير هنا هو الذي يُطلب ويُحب من أجل ذاته لا كوسيلة لبلوغ خير أسمى منه كاللذة والجاه والسلطة والمال وغير ذلك من أمور عابره أو خيرات ناقصة وزائلة تولد في أغلب الأحيان الألم والحرمان.
لم يكن أرسطو يسبح في فلك مثالي، خيالي أو وهمي كما يعتقد بعضهم، إذ انطلق من المفهوم الوجودي أي الطبيعة البشرية، جوهر الذات. فبقدر ما يوجه الإنسان عقله وإرادته إلى اكتساب الفضيلة بقدر ما تصبح الفضيلة ملكه راسخة، لاصقة بطبيعته. الفضيلة في مفهوم أرسطو إرادية والرذيلة إرادية والإنسان هو رب أفعاله صالحة كانت أم طالحة.
بدورها قامت الفلسفة الهندية، البوذية على يد بوذا Buddha نحو(566-486 ق.م) على كشف الأخطار المحدقة...بالحريات الأساسية للإنسان جرّاء العنف والفاقة والاستغلال والظلم. تلتها الفلسفة الصينية لتقف وقفة طويلة أمام واجبات الإنسان تجاه أخيه الإنسان بما يكفل حقوقه الأساسية في الحياة والسعادة وحرية التعبير عن الذات. ويُنسب إلى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس Confucius نحو (551-479 ق.م) قوله الشهير ((الإنسان لا يتعلم المدنية إلا عندما يُطعم ويُكسى بشكل لائق)).
وإن كان الفلاسفة والسياسيون خاصة هم الأوفر حظاً في تناول كلمة الديمقراطية على أساس أنها على الصعيد الايديولوجي تفرض المساواة أمام القانون في الفرص وفي الحقوق والواجبات إلا أن الديمقراطية هي مبتغى كل إنسان ولا تقف عند نظريات الفلاسفة أو رجال السياسة، فهي تتجاوز عالمي السياسة والفلسفة، وتندرج كما عرّفها أرسطو في علم الأخلاق الذي يملي على الإنسان فضائل الأخلاق والارتقاء الفكري الذي يجسّد القيمة الأخلاقية للإنسان، ويسهم في نقل الحقوق الاجتماعية إلى حيز التنفيذ فتصبح التزاماً على كل فرد. عندئذ سيكون إدراك الإنسان وفهمه للديمقراطية منوطاً بمقدار ما يبذله من جهد شخصي وعقل حكيم وتفكير سليم. أوصت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم اليونسكو Unesco) ) (راجع بحث حقوق الإنسان في الموسوعة العربية) بتدريس حقوق الإنسان مادة مستقلة في شتى مراحل التدريس أو ادخالها كمقرر خاص من متطلبات التخرج الجامعي في كليات الجامعات العربية. وهنا نتساءل هل يحتاج الإنسان المؤمن، أكان مسلماً أم غير مسلم، إلى من يُعّرفه حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وسماحة التعامل بين الناس. وقد نزلت الرسالات السماوية هداية للعقل البشري وبما فيها من الحكمة وحلّا لمشكلات الإنسان على هذه الأرض. وأبرزت الرسالة الربانية في الكتب المقدسة كرامة الإنسان والمساواة بين الجميع بوصفهم ((عيال الله)).
وقد أولى القرآن الكريم جل الاهتمام إلى مكارم الأخلاق. علّم الخالق الإنسان ماله وما عليه من واجبات، ومن حقوق خاصة وعامة. ووُضعت أمام المسلم مجموعة من الأحكام المنظمة للعلاقات بين الناس بحيث يكون العقل البشري، مؤهلاً لتفكير صائب وسلوك اجتماعي سليم.
حملت الرسالة السماوية في القرآن الكريم منهجاً للفكر السوّي، العادل الذي يستوعب رسالة التوحيد، عبادة الخالق وحده، ورسالة التوحيد بين العباد في الدين.
)قُولُوا آمَنّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلَى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( [البقرة:2 / 136].
يقول سبحانه لمن يجادل في الدين )يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ( [آل عمران:3 / 65].
وبيّن تعالى أنّ إبراهيم عليه السلام هو أول من أطلق كلمة الإسلام على كل من أسلم وجهه لله )وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ( [الحج:22/78].
)ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرانِيّاً وَلَكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( [آل عمران:3 / 67]
)وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً( [مريم:19 / 41].
)إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( [النحل:16 / 120].
أي موحداً في دينه، مسلماً لوجه الله وحده ونّبأ سبحانه برسوله خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام
)رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً * فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ( [البينة:98 / 2-5].
وأمره
)قُلْ آمَنّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:3 / 84].
التزم الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنون بأمر الله
)آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ( [البقرة:2 / 285].
نزل كلام الله تباعاً في )التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ( [التوبة:9/111].
وأوصل )الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ( [الأعراف:7/157].
)إِنَّ هَذا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى( [الأعلى:87 / 18-19].
)وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ( [البقرة:2 / 87].
بقي الإنسان جباراً، عنيداً يتجاهل ويستكبر. ووصف سبحانه جبروت الإنسان في صورة فرعون وكل متكبر يسعى إلى التفرقة.
)إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ( [القصص:28 / 4].
حذّر سبحانه في أكثر من آية التفرقة في الدين )شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ( [الشورى:42 / 13].
)وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا( [آل عمران: 3/103].
الساعون إلى التفرقة هم الكافرون )قَوْمٌ يَفْرَقُونَ( [التوبة:9 / 56].
والجاهلون )أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الأَوَّلِينَ( [المؤمنون:23 / 68].
وكذلك الظالمون )وَما تَفَرَّقُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ( [الشورى:42/14].
وفي آية أخرى
)وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الأَمْرِ فَما اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ( [الجاثية:45/17].
يفرّق الظالمون بين الناس ويبغي بعضهم على بعض )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ( [البقرة:2 / 176].
يتفرقّون ويتعادون ويتحاربون. يختلفون على رسلهم فمن بين مصدق لهم ومكذب. يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام ((نحن معاشر الأنبياء ديننا واحد)) (تفسير ابن كثير م2 ص520)
خالق واحد لا شريك له ودين واحد وإن اختلفت الشرائع )إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ ( [الأنبياء:21 / 93].
وفي سورة وآية أخرى نقرأ )وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ( [المؤمنون:23 / 52-53].
)اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ( [الشورى:42/15].
عن موسى عليه السلام )قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الأَوَّلِينَ( [الشعراء:26 / 26].
التفرقة في الدين ليست لصالح المؤمنين فما من وسيلة تزعزع الإيمان بكلمة الحق في القلوب مثلما تزعزعها التفرقة والانقسامات بين العباد. وفي النتيجة يجد الكافرون فيها سبيلاً )إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ([النساء:4 / 150].
حذّر سبحانه المؤمنين أيضاً من التفرقة )وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً( [النساء:4 / 152].
ومن يؤمن بكلام الله الموّحد بين العباد لا يعرف التعصب الديني والذي ينجم عنه عداوة واقتتال مخلفاً حروباً عقائدية ودينيه. يفقد الإنسان في تعصبه عقلانيته وصوابه ولا يمكن أن يحقق على أي صعيد مساواة أو عدالة اجتماعية. في قصة موسى عليه السلام عبرة مفادها أن القتل يجر القتل مع أن أمر الله يسقط القتل عن المؤمن )وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ( [الأنعام: 6/151].
)مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً( [المائدة:5/32].