تخطي إلى المحتوى
اللعبي يصون بالفرنسية القصيدة الفلسطينية الشابة في "أنطولوجيا" جديدة اللعبي يصون بالفرنسية القصيدة الفلسطينية الشابة في "أنطولوجيا" جديدة > اللعبي يصون بالفرنسية القصيدة الفلسطينية الشابة في "أنطولوجيا" جديدة

اللعبي يصون بالفرنسية القصيدة الفلسطينية الشابة في "أنطولوجيا" جديدة

يستمر الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي في حمل هم الإسهام في صيانة ذاكرة الشعر الفلسطيني، والتذكير براهنية مأساة فلسطين، بإصدار جديد يهتم بأبياتٍ شابة من فلسطين المحتلة.

“أنطولوجيا الشعر الفلسطيني اليوم”، مؤلف جديد يضم قصائد اختارها وترجمها إلى اللغة الفرنسية الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، وجمعها الشاعر والروائي المغربي ياسين عدنان، ومن المرتقب أن تصل المكتبات في شهر مارس الجاري. كما ستصدر هذه الأنطولوجيا في أصلها العربي عن دار المتوسط.

قائمة الشعراء

وتضم الأنطولوجيا شعر رجاء غانم، أشرف الزغل، أنس العيلة، جمانة مصطفى، نجوان درويش، مازن معروف، رولا سرحان، هلا الشروف، غياث المدهون، مروان مخلوف، خالد سليمان الناصري، مايا أبو الحيات، وكوليت أبو حسين.

كما ترد فيها أشعار لهند جودة، رائد وحش، طارق حمدان، أسماء عزايزه، داليا طه، نداء عوينة، أمينة أبو صفط، هشام أبو عساكر، حسن مخلوف، رزان بنورة، وإيناس سلطان.

ومن بين الأسماء الشعرية التي ترد في “أنطولوجيا الشعر الفلسطيني اليوم” أيضا، الشاعر أشرف فياض الذي سبق أن عمم عبد اللطيف اللعبي نداء لإطلاق سراحه، بعنوان “لدَيّ صديق في السجن”، بعدما اعتقل بالسعودية بتهمة التجديف ويقضي حكما بثماني سنوات مع 800 جلدة.

الشاعر ياسين عدنان اعتبر هذا العمل الصادر عن دار “بوان” الفرنسية، “هديّة من المغرب الأدبي للشعريّة الفلسطينية المتميزة، والمتجددة باستمرار”.

وقال عدنان: “حينما اقترح عليّ الصديق العزيز الشاعر عبد اللطيف اللعبي فكرة الاشتغال على أنطولوجيا جديدة للشعر الفلسطيني تهيّبتُ إلى حد كبير، ذاك أن مَن دعاني إلى مرافقته في هذا الاختراق المدهش لأحراش الشعر الفلسطيني الراهن رجلٌ خَبِرَ هذا الشعر جيّدًا. فهو أوّل من قدَّمه إلى القارئ الفرنسي في أنطولوجيا (شعر المقاومة الفلسطيني) سنة 1970، قبل أن يُصدِر بعد عقدين، بباريس دائمًا، (أنطولوجيا الشعر الفلسطيني المعاصر)”.

وأضاف: “لذا، ما إن اقترح عليّ اللعبي مُشاركَتَه إنجاز هذه الأنطولوجيا ليُترجِمها إلى الفرنسية، حتى عدتُ إلى رفوف مكتبتي لأستلَّ لائحةً من مجايِليَّ الفلسطينيّين، وهم شعراء لامعون وأصدقاء أعزّاء. لكنّ (مجنون الأمل) يصبو إلى فتح (الراهن الشعري الفلسطيني) على المستقبل ما أمكن. هكذا جرَّبتُ الانفتاح على جيلٍ أحدث”.

هذا الانفتاح كانت حصيلته “هذه الباقة التي تُشكِّلُ أصواتُها ما يمكن المجازفةُ بتسْمِيته (جيل الألفية الجديدة)”، وتضمُّ “شعراء لهم صيتٌ عربي وحضورٌ دولي. لكنّ بينهم أصواتًا ما زالت قيد التَّخلُّق، وأخرى لا يتجاوز حضورُها الشعري صفحات فيسبوك. لكن العِبْرة بطراوةِ التجربة وقدرتِها على فتح الشعرية الفلسطينية على أفق جديد، قد يبدو للبعض مُلتبسًا مُشوَّشًا، لكنَّ الخطوَ باتجاههِ حرٌّ جريء”.

ذاكرة السكّان الفلسطينيين

وفي تقديم الأنطولوجيا، كتب عبد اللطيف اللعبي أنه “يكفي أن يُنْطَقَ اسم فلسطين (التاريخ، الأرض، البلد، الشّعْب، عدالة القضية، الكفاح من أجل الحياة، والآن الكفاح من أجل البقاء) ليحضر الشِّعرُ كضيفٍ من تلقاء نفسِه. ونادرا ما نَجِدُ في تاريخ الأدب اسم بَلَدٍ، والأمر يتعلّق هنا بفلسطين تحديدًا، يستحيل في حدّ ذاته شِعريّةً. ويجب الإقرار هنا بأنّ هذه المكانة تعود في جزء كبير منها لشعراء فلسطين”.

هؤلاء الشعراء، يضيف اللعبي، هم “الرّواد الذين طفقوا في بداية القرن الماضي يُدرجون في ذاكرة شعوب الشرق الأدنى ذاكرةً خاصّة قيد التّكوّن، ذاكرة السكّان الفلسطينيين الرّازحين تحت نَيْرِ الهيمنة البريطانية، وجيل الستّينيات، والسبعينيات، الذي كان مهندس النّشأة بوضعِه العناصر المكوِّنة للهوية الفلسطينية الوطنية والثقافية. وقد كان محمود درويش حاملَ مشعلِ هذا الجيل، ولو أن شجرته السّامقة لا يمكن أن تخفي غابةً من الأصوات القوية والأصيلة: معين بسيسو، توفيق زياد، فدوى طوقان، سميح القاسم، عز الدين المناصرة، محمد القيسي، أحمد دحبور، مريد البرغوثي، وليد خزندار، خيري منصور، وآخرين”.

وتابع اللعبي قائلا: “بعد ذلك، تعاقبت الأجيال لِتُغْني هذه الشّعرية وتحتكّ بالنزعات الجديدة للشعر المعاصر وتحمي وتُبْرِز ديمومة القضية الفلسطينية، هذه الشوكة التي تسعى قوى الموت إلى نزعها من الضمير العام”.

هنا يذكر اللعبي أن ما يقع في فلسطين المحتلّة “معركة داود ضدّ جالوت على نحوٍ معكوس!”؛ فـ”هذا الأخير، خلافًا للأسطورة، يعرف أكثر فأكثر كيف يُناور، ويُغَدّي السّراب، ويربح المسافات، حقيقةً ومجازًا، لأجل حشرِ الخصم في طريق مسدود وإغلاقِه عليه بعد تجريده من مِقلْاعِه. ويبدو أنها استراتيجية مربحة إذا اعتبرنا الصمت الذي يلفُّ لسنوات عديدة مصير الشعب الفلسطيني”.

وهذا ما يبرّر في نظر اللعبي هذا العمل، و”يُضفي عليه طابع الاستعجال”؛ لأن الأمر “يتعلق بالضبط بوضع حدٍّ لهذا الصمت، والتنديد عاليا بإنكار الحق وبتنظيم فقدان الذاكرة، وكذا بمنحِ الصوت من جديد للّواتي وللّذين يعيشون اليوم في ظلمة الطريق المسدود، وهم غير مرئيّين تقريبا ولا يُسْمَعون على أية حال. وهنا يقرَؤون ويكتبون ويحبّون ويحلمون ويسافرون بعيدا ويفكّرون بحرية”.

خلفيات الأنطولوجيا

بالإضافة إلى “هذه الأسباب المباشرة والمُلِحّة”، عدّد عبد اللطيف اللعبي أسبابا أخرى حفّزت الاشتغال على هذه الأنطولوجيا بالمقدار عينه، وهي: “رفع تحدٍّ لم يكن ممكنًا عقدا أو عقدين من قبل: ضمان مناصفةٍ دقيقة بين النساء والرجال عند اختيار الشاعرات والشعراء، وإقامة الدّليل من جديد على أنّه في اللحظات الأشدّ صعوبة في تاريخ شعبٍ ما يكون الشّعراء في الموعد ويقدّمون أحسن ما لديهم”.

وتحدث تقديم اللعبي عن “القضية الفلسطينية”، التي لاقت في زمن ماض “تضامنا واسعا عبر العالم”، وأضْحَت اليوم “مغيَّبة بذكاء من لدن الجالوت المحلّي، وتخلصت منها أنظمة الأشِقاء الزائفين وتخلّى عنها إلى حدٍّ كبير ما كان يُسَمّى آنذاك (الشارع العربي). فيما تغيّرت، علاوةً على ذلك، المعطيات المجتمعية والسياسية على أرض الواقع تغيّرًا جذريًّا. وقيام دولة فلسطينية لم يعد ينتمي لدائرة اليوتوبيا الجميلة وإنما أصبح بكل بساطة مستحيلًا. هكذا بدأ الفلسطينيّون يتحوّلون، حسب العبارة المتداولة، إلى (شَعْبٍ بلا أرض) على غرار الأكراد والأويغور والروهينغا وشعوب أخرى حُكِمَ عليها بالتّيه والكفاح المتواصل للحفاظ على هويتها وضمان بقائها”.

الشعراء والشاعرات الذين تحمل هذه الأنطولوجيا كلماتهم، “منتشرون في كل بقاع العالم أو محشورون داخل سجون بسماء مفتوحة أو مغلقة (غزة، الضفة، القدس الشرقية)، أو يعانون داخل إسرائيل من تمييز عنصري (أبارتايد) لا يعلن عن نفسه، أو مُجَمَّعون منذ عقود في مخيمات خَصَّتْهم بها مختلف بلدان الجوار (الأردن، لبنان، سوريا)، أو منفيون في بلدان الخليج دون أن يتمتعوا بأيٍّ من حقوق المواطنة”.

لكنهم أينما حطّوا الرِّحال، و”سواء كانوا أحرارًا أو يخضعون للقيود المفروضة عليهم أو داخل السجن”، “يمنحون في كتاباتهم الشّعور، بَل الإحساس القوي بالعيش داخل كيان لم يعودوا في حاجة حتّى لتسميّته: فردوسٌ مفقود، بلدٌ من وحي الاستيهام، أرضُ عذاب، أرضُ حربٍ مُسترسِلة، مقبرةٌ شاسعة، قدسُ الأقداس، عطور، ألوان، جمال الحجارة والأشجار وإبداعات الإنسان … التي لا مثيل لها. وهي في لغتنا: فلسطين!”.

“فلسطيننا، تجعلها الشاعرات ويجعلها الشّعراء بفعل سلطة فنّهم، حيّةً ملموسةً، ويُبرزون تفاصيل جسدها وروحها، وديْدَنها اليومي، العادي منه والضارب في الوحشية. وينتزعونها من بين مخالب الأساطير التي تُقيِّدُها، ليجعلوها في متناول أفهامنا وحسِّ العدالة لدينا، ثم قدرتنا على الرأفة ومتطلبات وعينا التي لا تقبل التجزئة”.

أما “الخاصّية المذهلة الأخرى” في المنجز الشعري الوارد في المؤلف الجديد، فهي “عقلية مشتركة لدى غالبية المتدخِّلين الذين تَمَّ تقديمهم هنا. فلا أحد منهم يتكلم باسم الكيان المشار إليه أعلاه، أو باسم الجماعة التي تعيش فيه وتعلن انتماءها إليه. لن نستمع إلّا لأفراد يسردون معيشهم الخاصّ، وما يرَوْنَه ويجسّون نبضه في واقعهم اليوميّ، وفي أحلام يقظتهم وكوابيسهم (وهذه الأخيرة لا تعدّ ولا تحصى!)”.

وكما وجد عبد اللطيف اللعبي في ترجمة هذا الشّعر “يُسْرًا” و”لذّة”، دعا قراء وقارئات “أنطولوجيا الشعر الفلسطيني اليوم” إلى أن يدعوا المُؤَلَّف “يفتح أعيننا وقلوبنا من جديد، ويُعيد إحياء حسّنا التشاركي، وإجمالًا أن يربطنا بالقيم النّفيسة لإنسانيّتنا”.

هسبريس -