تخطي إلى المحتوى
المقاهي النسائية تقاوم الثقافة الذكورية في الجزائر المقاهي النسائية تقاوم الثقافة الذكورية في الجزائر > المقاهي النسائية تقاوم الثقافة الذكورية في الجزائر

المقاهي النسائية تقاوم الثقافة الذكورية في الجزائر

نادراً ما تكون المقاهي وِجهة للنّساء أو الفتيات الجزائريات، حتى في المدن الكبرى مثل الجزائر العاصمة، ووهران، وعنابة وقسنطينة، لكن الأعوام الأخيرة شهدت بروز تجارب عدة لإنشاء مقاهٍ خاصة بالنساء، كما امتدت تلك التجارب إلى مدن داخلية محافظة، من بينها الأغواط، وبشار في مناطق جنوب البلاد. 
قررت الإعلامية هجيرة بن سالم اللجوء إلى هذه الوسيلة كي تتجاوز الكثير من العوائق، فقامت بإنشاء مقهى نسائي كان الأول من نوعه في منطقة "الشراقة" بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية، وأطلقت عليه اسم "الفراشة". 
تقول بن سالم لـ"العربي الجديد": "مثلما تمكنت المرأة من ولوج العديد من القطاعات التي كانت حكراً على الرجال، وفرضت نفسها ونجاحاتها في مجالات كثيرة، بات من حقها إيجاد فضاءات خاصة بها تشعر فيها بالراحة والخصوصية". تضيف: "نظراً إلى مسؤولياتها العظيمة، والضغوط التي تواجهها بين حياتها المِهنية والأسرية، فإن المرأة الجزائرية ليست بحاجة إلى المقاهي فقط، وإنما هي بحاجة إلى مرافق خاصة تستطيع من خلالها التخلّص من المتاعِب اليومية التي تعاني منها، أو حتى التخلص من جزء من تلك المتاعب لفترة محدودة من الوقت".
داخل المركب السياحي "القرية" في محافظة تيبازة قررت إدارة المركب إنشاء مقهى خاص بالنساء اعتماداً على النقص الكبير في الفضاءات والمرافق المخصصة للمرأة، والتي تسمح لها بممارسة حريتها الكاملة عبر الجلوس في وضعية مريحة خالية من الاختلاط أو الإزعاج.
قوبلت الفكرة باستحسان كبير من النسوة في المنطقة، وبات المقهى يشهد إقبالاً كبيراً، خاصة في عطلة نهاية الأسبوع، حيث تتجمع العديد من الموظفات والطالبات الجامعيات لاحتساء الشاي والقهوة، أو لتنظيم جلسات أو حفلات صغيرة، كلها نسوية مائة في المائة. 
تقول المكلفة بالإعلام بمؤسسة التسيير السياحي في تيبازة نعيمة علوش، لـ"العربي الجديد"، إن "الكثير من النسوة يفضلن القدوم إلى المقهى بعد ممارسة الرياضة في القاعة النسوية المحاذية له، فضلاً عن استمتاعهن بالخدمات المقدمة في المكان، والتي تشمل التكفل بالأطفال الرضع أو الصغار من طرف مربيات وحاضنات لمنح الأمهات الوقت والحرية لممارسة الرياضة، ثم الاستمتاع بجلسات المقهى من دون إزعاج من أبنائهن"، مضيفة أن "الأمن المتوفر في داخل المركب يساهم كثيراً في زيادة الإقبال على المقهى، على عكس المقاهي الموجودة في المدينة، والتي تكون النساء فيها عرضة للاستفزاز أو التحرش، أو الإزعاج من طرف الشباب والمراهقين".
نساء أخريات فكّرن في إقامة فضاءات خاصة، في خطوة تسمح للنساء حصراً بأن يرتدن هذه الأماكن، ويجدن فيها راحتهنّ من دون عيون تراقبهن، وشيئاً فشيئاً تحول هذا النوع من المقاهي إلى "موضة جديدة رائجة"، وتجاوزت العرف المجتمعي الذي كان يجعل المقهى ركناً خاصاً بالرجال.في مدينة عين البيضاء بولاية أم البواقي شرقي الجزائر أنشأت وهيبة عون مقهى ومحلاً لبيع الحلويات التقليدية مخصصاً للنساء، وهي تعتبر أن محلها يتيح الفرصة لالتقاء النساء والعائلات، وتناول المشروبات والحلويات براحة كبيرة.
كما فتحت شابة من مدينة البليدة قرب العاصمة الجزائرية مقهى كتبت على لافتته الخارجية "خاص بالنساء"، وافتتح مقهى آخر للنساء في وسط مدينة الأغواط، وثار بشأنه جدل محلي كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما افتتح مقهى "دار فايزة" في مدينة عنابة، ومقهى "الحلم الأبيض" في مدينة ميلة، ومقهى "كتاب" الخاص بالنساء في مدينة باتنة، وهو مقهى ثقافي في ذات الوقت، وغيرها من المقاهي المماثلة.
وبلمسة نسائية خالصة، فتحت السيدة مريم عابدين مقهى "أزهار ملهمة" في مدينة بشار (جنوب) كفضاء نسوي، وباتت ترتاده أستاذات في الجامعة، ومحاميات، وموظفات أعجبن بالفكرة، ووجدن في المقهى متنفساً لهن، كما افتتح مقهى "المائدة الجيجلية" كأول مقهى مخصص للنساء في ولاية جيجل (شرق).
تكسر هذه التجارب حاجز الفكرة المتجذرة في ذهنية الجزائريين حول كون المقاهي خاصة بالرجال، ثم تحولت الفكرة إلى مشروع تجاري، ربما كردّ فعل على احتكار الرجال لهذا النشاط، إضافة إلى كونه وسيلة تتيح تجمع النساء في أوقات الراحة أو الفراغ.
من بين الشابات اللواتي نجحن في تحقيق الفكرة زهرة معروف، والتي كانت تعمل لدى شركة اتصالات، وهي ترى أن مقاهي النساء فكرة جيدة لأن نمط العيش في الجزائر صار مختلفاً عن السنوات الماضية، وتقول لـ"العربي الجديد": "ما دامت المرأة تخرج إلى العمل، فإنها ترى في المقهى ملاذاً لها، مثلها مثل الرجال، للتحرر من إكراهات البيت ومسؤولياته. الفضاء المخصّص للنّساء يجعل المرأة ترتاح كثيراً، ويعطي لها متنفساً لتغيير الجو الذي تعودت عليه في اليوميات، سواء في البيت أو في الوظيفة، فضلاً عن كون المقاهي الخاصة بالنّساء أمكِنة متاحة للملتقيات اللازمة لتناول الشأن الخاص، ومساحة للنقاش الثقافي والاجتماعي".

والملفت أن المقاهي الخاصة بالنساء أصبحت تستقطب النسوة لأسباب من بينها احترامها للخصوصيات، وعروضها المميزة، أو ما يسميه البعض تقاسم الأدوار بين الذكور والإناث في الفضاءات العامة. وعلى الرغم من التطور المجتمعي اللافت في الجزائر، إلا أن البعض ما زال ينظر إلى فكرة المقهى النسوي بصورة ملتبسة، بل إن البعض يعتبره خطوة دخيلة على المجتمع، خاصة أن فكرة الذهاب إلى المقهى ظلت لصيقة بالذكور، ووجود المرأة في المقهى ما زال في بعض المناطق معيباً، ويعتبر دُخول امرأة إلى المقهى أمراً غير مستحبّ في بعض المناطق.

في المقابل، يرى باحثون في علم الاجتماع أن وجود مثل هذه المقاهي الخاصة مؤشّر إضافي على تحوّلات تشهدها الأسرة الجزائرية، والمجتمع برُمَّتِه. وينظر باحثون في علم الاجتماع إلى المقاهي النسائية باعتبار أنها ظاهرة جديدة على المجتمع الجزائري، توفر خصوصية معينة، وأمكِنة للملتقيات الخاصة، وفضاء خاصاً بنوع اجتماعي، كما تكرس تقاسماً للفضاءات العامة، وكسر فكرة المقهى كمجال ذكوري.
ويقول الباحث في علم الاجتماع بجامعة جيجل شرقي الجزائر، فريد لعلاونة، إن "المقهى الخاص بالنساء يهدف إلى الحفاظ على الخصوصية التي تتميز بها المرأة عموماً، إذ يمنحها هذا الفضاء مساحة من الحرية، في مقابل ترسخ عقلية عدم ولوج الجزائريات للمقاهي المختلطة، أو المقاهي التي ما زالت ذكورية بامتياز"، ويضيف أن "هناك نساء رافضات للاختلاط بالرجال، ويعتبرن المقاهي من الممنوعات بناء على العرف المجتمعي، أو البيئة الثقافية السائدة في العديد من المناطق الجزائرية، حيث المقهى خاص بالرجال، وبالرغم من أن المقهى النسائي ما زال في خانة غير المألوف، إلا أنه يمكن أن يمنح المرأة مساحة حرية واسعة تحميها من أي نظرات أو مضايقات تسعى النساء إلى تلافيها أثناء قضاء لحظات التمتع بحرية ارتشاف القهوة والاستماع إلى الموسيقى، أو الاحتفال بمناسبة مثل عيد ميلاد صديقة أو ابنة".

المصدر: 
العربي الجديد