لا يزال شعار الهوية الثقافية لمصر وسؤال المستقبل هو الهاجس المسيطر على المؤسسة الثقافية الرسمية، فللعام الثاني على التوالي يظهر هذا العنوان بالبنط العريض، في الصحف والمواقع الإلكترونية كافة، كشعار أوحد لا منافس له في أجندة الأفكار والمُقترحات الخاصة بفعاليات العيد السنوي للكتاب. ورغم وجاهة الشعار المتكرر وارتباطه الجوهري بالفعاليات الثقافية للمعرض الدولي الكبير، إلا أن ظهوره واختفاءه المُفاجئ في الدورة الماضية، كان محل سؤال مُدهش لم يُجب عنه أي من المسؤولين الكبار، أو الصغار.. لماذا اخترتم هذا الشعار بالذات ولماذا بدلتموه في اللحظات الأخيرة قبيل بداية الدورة الماضية؟
مضت الدورة الثانية والخمسون، وجاءت الدورة الجديدة، التي ستبدأ في موعدها السنوي 26 يناير/كانون الثاني وتستمر حتى 7 فبراير/شباط لتحمل شعار الهوية ذاته، مع تغيير طفيف في الصياغة وثبات في المعنى «هوية مصر.. الثقافة وسؤال المستقبل» والغريب أن السؤال مطروح بشكل مُطلق، فلم يحتوِ على مغزى معين، يشير إلى رؤية مُحدده تدل على وجهة المستقبل المقصودة في مسألة الهوية، باعتبار أن كلمة الهوية جامعة مانعة تتصل بكل شيء وأي شيء داخل السياق الثقافي وخارجه، وهو أمر قد يكون صحيحاً، لكن عند اقترانه بحدث ثقافي دولي كبير، كمعرض الكتاب، لا بدّ من أن يكون هناك تحديد خاص لعملية التماس بين الثقافة والهوية، وبيان ما إذا كانت لها علاقة بالسياسة، أم أنها مجرد إشارة عامه يُمكن أن تؤخذ على أي محمل، بعيداً عن التأويل السياسي المُباشر.
وبغض النظر عن الشعار ومعناه ومغزاه، فإن اللافت هذا العام هو ذلك الدمج بين ثقافة الأطفال وثقافة الكبار، وفق المُبين في دلالة اختيار اسم كاتب أدب الأطفال الشهير عبد التواب يوسف، شخصية العام في المعرض، مُقترناً باسم الأديب الراحل يحيى حقي، الذي اختير أيضاً، شخصية مُعتبرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ورمزا من رموز الأدب المصري والعربي. وحسب ما هو قائم فإن التفسير الدال على هذا الدمج بين مجالين إبداعيين منفصلين مُتكاملين، يأتي على خلفية التنبيه إلى اهتمام وزارة الثقافة بأدب الطفل، وعنايتها به على وجه الخصوص وتأكيدها على أنها لم تغفل حق الأطفال في ما يُعبر عنهم، وما يُشير إلى مستقبلهم الثقافي والإبداعي المُبشر. كما أنها، أي وزارة الثقافة، لم تنس أصحاب الفضل من رواد ثقافة الطفل والمؤسسين لثقافة نوعية خاصة، تتطلب مزيداً من الجهد والوقت والموهبة، وهو بالطبع أمر حسن فالطفل المصري والعربي، يحتاج أضعاف هذا الاهتمام، لأنه المنوط به التأهيل والاستعداد لمواجهة ما ينتظره في المستقبل من تحديات صعبة على أصعدة كثيرة.
نأتي إلى ما يميز الدورة الثالثة والخمسين التي ستُقام في مركز مصر للمعارض والمؤتمرات ويشارك فيها نحو 1076 ناشراً من 51 دولة افريقية وعربية وأجنبية، وتُستضاف فيها اليونان كضيف شرف لهذا العام كنوع من تعزيز العلاقات الثقافية الدولية بين مصر واليونان، وانفتاح الجانبين على الفكر الأدبي والإبداعي الخاص بالدولتين. وعلى مستوى التنظيم يشهد المعرض تطورات جديدة ومختلفة خلال دورته المُنتظرة، حيث يتم استخدام بعض التقنيات الحديثة لربط الجمهور بالفعاليات، من خلال نظام الهولوغرام، الذي يتم بموجبه عرض صور للكاتب الروائي الكبير يحيى حقي، إلى جانب عرض مباشر لنماذج من قصص الكاتب عبد التواب يوسف، وهي المرة الأولى التي يُفعّل فيها هذا النظام التقني المتطور داخل أجنحة المعرض.
وعلى جانب آخر تُخصص الهيئة العامة للكتاب منصة إلكترونية لبيع الكتب، مع إضافة خدمة توصيل الكتب للمنازل في أي مكان في محافظة القاهرة، وبقية محافظات مصر، بالتعاون مع فروع الهيئة في الأقاليم. وتعتني الهيئة بصفة خاصة بكتب التراث وتعمل على توفيرها في منافذ البيع كافة، غير أن هناك تميزاً آخر يختص بزيادة القيمة المالية لجوائز المعرض في هذا العام من عشرة آلاف جنية إلى 40 ألف جنيه مصري، لكل فرع من فروع الإبداع، إضافة إلى تخصيص جائزة لأفضل ناشر عربي بقيمة نقدية كبرى.
وعلى هامش الاستعدادات، وفي ما يخص التحذيرات أوصت الهيئة بعدم تعليق أي مُلصقات للدعاية على الحيطان، أو داخل الممرات، ولم تسمح إلا بتعليق بعض المُلصقات واللافتات الصغيرة داخل الأجنحة فقط، فضلاً عن حظر إقامة حفلات التوقيع، إلا في حدود المُتفق علية والوارد في برنامج الحفلات الرسمية، وربطت ذلك بتوقيع عقوبة الغرامة المالية على المخالفين وقدرها 500 جنيه مصري. وبهذا يكون معرض القاهرة الدولي للكتاب قد انتهج نهجاً تنظيمياً جديداً، لعله يُسفر عن نتائج أفضل فتخرج دورته المُقبلة بشكل لائق يكون عنواناً لمرحلة ثقافية مختلفة.