تخطي إلى المحتوى
تحولات السياسة والمجتمع تعيد تقديم الرواية الليبية عربيا تحولات السياسة والمجتمع تعيد تقديم الرواية الليبية عربيا > تحولات السياسة والمجتمع تعيد تقديم الرواية الليبية عربيا

تحولات السياسة والمجتمع تعيد تقديم الرواية الليبية عربيا

 أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية، قبل أيام، قائمتها الطويلة لدورتها للعام 2023، وضمت القائمة -التي شملت 16 رواية- عملين روائيين ليبيين: الأول "صندوق الرمل" لعائشة إبراهيم، والثاني "كونشيرتو قورينا إدواردو" لنجوى بن شتوان.

الجائزة التي اشتملت قائمتها الطويلة على كتّاب من 9 دول عربية، لم تكن المشاركة الأولى لكل من الروائيتين الليبيتين بها، بعد مشاركة أولى وصلت خلالها بن شتوان إلى القائمة القصيرة، عن روايتها "زرايب العبيد" بالدورة العاشرة 2017. في حين كانت مواطنتها ضمن القائمة الطويلة للجائزة بدورتها رقم 12 لعام 2019، عن "حرب الغزالة".

"200 راوٍ و400 رواية"

مشاركات حققت أصداء إيجابية في ليبيا وخارجها، لتتوج بحصول رواية ليبية على الجائزة للمرة الأولى بالدورة السابقة (رقم 16) عام 2022، عن "خبز على طاولة الخال ميلاد" للقاص والروائي الشاب محمد النعاس الأمر -الذي يعده عبد الله مليطان المؤرخ والأكاديمي صاحب معجم الكتاب والأدباء الليبيين- نقلة نوعية كبيرة على يد مجموعة من الأقلام الشابة بعد أن كان الحضور العربي للرواية الليبية مقتصرا لعقود على إبراهيم الكوني والراحل أحمد إبراهيم الفقيه.

ورغم تردد اسم الكوني، الملقب بصائد الجوائز في النسخة الدولية للجائزة بلغتها الإنجليزية ووصوله إلى القائمة القصيرة عام 2015، ومن قبله الروائي الشاب هشام مطر عام 2006 وهو أول عربي يفوز بجائزة "بوليتزر" عام 2017 عن روايته "العودة" فإن الظهور العربي للراوية الليبية عده كثيرون تطوراً كبيراً في مسيرة الرواية الليبية.

فالمؤرخ والأكاديمي مليطان يؤكد للجزيرة نت أن الرواية الليبية حققت في العقد الأخير قفزة نوعية ومتميزة حتى من حيث عدد الكتاب والروايات المنشورة، مشيرا إلى أن الأسماء الروائية لم تكن تتجاوز 80 اسما، في حين وصل خلال السنوات الأخيرة إلى 200، نشروا أكثر من 400 رواية بنهاية العام الماضي.

وينوه مليطان بالزيادة الكبيرة في الأسماء النسائية التي جاوزت 40 روائية، في الوقت الذي لم تكن في ليبيا سوى 4 روائيات بنهاية الثمانينيات هن فوزية شلابي وشريفة القيادي ونادرة العويتي، ومرضية النعاس صاحبة أول رواية نسوية بالبلاد سنة 1972.

ما الذي تغير؟

ويرجع مدير المركز الليبي للدراسات الثقافية صالح قادر بوه هذا التألق لالتفات الرواية في ليبيا إلى الشخصيات المركونة وحياة الفئات الأقل أثرا، وتحويل هذه الحيوات المهمشة لموضوعات أكثر تأثيرا وأقرب إلى سؤال الأدب الكبير.

ويضيف قادر بوه للجزيرة نت موضحا أن هذه الأعمال المتألقة تتساءل عن "من هو الإنسان وكيف يحيا ولماذا يتعثر؟" ويردف مفسرا "انتقلت الكتابة من الحلم التاريخي والتوصيف إلى تحليل العلاقات بين الشخوص ومساءلة هذه الشخوص نفسها".

الأمر الذي يذهب إليه أيضا مليطان الذي يقول "قليلون اهتموا بالواقع الاجتماعي الليبي في الرواية وعلى رأسهم خليفة حسين مصطفى وصالح السنوسي، رغم شهرة الكوني والفقيه على المستوى العربي فإن هؤلاء ويضاف لهم عبد الله الغزال حالياً ركزوا على الجانب الاجتماعي".

واعتبر مليطان أن التركيز على الواقع الاجتماعي يفسر أيضا إلى حد بعيد "القفزة التي حققتها المرأة كذلك من خلال الرواية سواء بتحقيق جوائز أو دونها لكنها تجارب تحتاج دراسات معمقة لأنها أصوات نقلت الرواية الليبية الى مصاف آخر قياسا بجيل الرائدات على أهميتها".

الربيع العربي "أزهر إبداعا"

في حين يذهب الروائي منصور بوشناف إلى أن التحولات السياسية الكبرى في ليبيا والمنطقة تقف وراء هذه النقلة، مضيفاً للجزيرة نت أنه "ربما (يكون) من أفضل ما أنتج الربيع العربي بعضُ الأصوات الجديدة الأكثر جرأة وتمكنا وإيمانا بقيم العدالة والنهضة، وبهؤلاء أظل متفائلا بمستقبل أفضل رغم غمامات التخلف والنكوص والنوستالجيا (الحنين إلى الماضي) القبيحة التي تهيمن على المشهد".

وينوه بوشناف بما يعتبره قلقا وهشاشة وسيولة الكيان الليبي وتشظي سردياته المتعاقبة والمنقطعة التي يصفها بالروافد التي لا تصب في مجرى واحد، بل تتشتت على غير هدى، ويردف موضحا أن ذلك التشظي "انعكس على ميراثنا الثقافي وجعله واحات متباعدة ومنعزلة مكانا وزمانا، معمارا وتأثيثا".

يرى مدير المركز الليبي للدراسات الثقافية أن هذا البروز لأعمال روائية ليبية لا ينفي وجود الرواية الليبية أساسا وإنجازاتها والكتاب والكاتبات الذين كانوا منتجين سابقين للقص عن الإنسان وحياته والمجتمع وعقده المتعددة، ويضيف مستدركا "غير أن حظ الكتاب اليوم هو هذا التقدم الكبير في مجال الفن، والحرية التي أتاحت بالتأكيد كتابة أكثر جرأة وأصالة في التعبير الأدبي عن الوجود والفاعلين فيه، الفاعلين غير الضروريين أحيانا، ما حقق لكتاب الرواية الليبية اليوم الوصول إلى المتلقي الجديد الذي يشعر أن الكتابة الصافية والقلقة والموجعة هي شكل وجعه ووعيه وحلمه وخيبته".

قادر بوه يشدد على ضرورة عدم إغفال أثر الأزمات العامة ومراكز التأثير الكبرى داخليا وخارجيا في الضغط على عقل هذا الإنسان وتشكيل بعض مسالكه في العيش، فالحديث عن التفاصيل الخاصة لم يعد بمعزل تام عن هيمنة التحول الوجودي الحاد محليا وإنسانيا "فتكون الكتابة الأدبية حينئذ مطرقة كسر حبة اللوز وأيضا كسر ما بداخلها، ما يعني مستقبلا غياب الرمزية بالمعنى النمطي وإفساح السبيل للترميز الجديد المنتصر لموت الإنسان في حياته".ويشير مدير المركز الليبي للدراسات الثقافية إلى التحولات الكبرى في ليبيا والمنطقة، وأثرها على الأدب والثقافة بشكل عام.

وعن وجه التطور بالرواية الليبية، يختم بوشناف حديثه للجزيرة نت بالتركيز على رواية "صندوق الرمل" تحديدا عادا إياها نقلة مهمة في الرواية العربية ككل لا الليبية وحسب "بتناولها العلاقة بيننا والأوروبيين في لحظة تاريخية قاسية وبشكل مختلف ولافت في صور نابضة بالحياة".

ويشير بوشناف إلى التصوير الطبيعي لما كان يجري بإيطاليا استعدادا لغزو ليبيا وما قدمته عائشة إبراهيم عن العلاقة مع الآخر "ليس على النحو الذي تعودناه من قبل، فالعلاقة بالآخر تبدو كاملة وطبيعية والآخر ليس نموذجا أحاديا بل كإنسان يحمل كل صفات الإنسان، القاتل والقتيل، العدو والمتعاطف وحتى النصير، لذا صندوق الرمل من أفضل ما قرأت من روايات عربية" السنوات الأخيرة.

المصدر: 
الجزيرة نت