لم أقرأ ترجمات لقصائد عبرية كتبت في الحرب هذه أنجزها الفلسطينيون المهتمون بالشعر العبري إلا قليلاً.قبل عقود اهتم بعض الشعراء أمثال راشد حسين ومحمد حمزة غنايم وفاروق مواسي وسلمان ناطور وأنطوان شلحت وآخرين مثل أنطون شماس مترجم إميل حبيبي، اهتموا بالشعر العبري وترجمته.
الآن يتابع الترجمة نبيل طنوس، ومؤخراً ترجم ثلاث قصائد ألقيت في بيت الكرمة في حيفا في ٢١/ ١٢/ ٢٠٢٣، وترجم أيضاً قصائد لشعراء وشاعرات من الأرض المحت. لة في ١٩٤٨، إذا ما قورنت موضوعاتها ونغمتها بالشعر الفلسطيني الذي كتب في حرب ١٩٦٧ بدت مختلفة كلياً، ولا أظن أن محتواها وصيغتها يمكن أن تزج بقائليها في السجو ن أو تعرضهم إلى المساءلة، كما حدث مع أسلافهم توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم و...، وهذا عموماً موضوع آخر.
ما قرأته من مقاطع، من قصائد عبرية قيلت في الحرب، قرأته في مقال كتبه يحيى عبد الله أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة المنصورة تحت عنوان «شيطنة الشعب الفلسطيني وتجريده من إنسا نيته في الخطاب الشعري الإسرائيلي» (٢٩/ ١/ ٢٠٢٤)، وقد لاحظ أن الشعراء الإسرائيليين نشطوا في الكتابة منذ بداية الحرب، حيث واكبتها قصائدهم، ونعتوا مقا. ومي ح. ماس بما نعته به قادتهم السياسيون، وهو ما تداولته وسائل الإعلام «مسخ ومخر ب وعا. هر وجبا. ن وحيو. ان ومفتر. س وأرنب شرير وانتها زي جبان... إلخ» وأنه قت. ل الأطفال وبقر بطون الحوامل وق. طع الرؤو س أيضاً.
مضمون ما قرأته ذكرني بقصيدة الشاعر (رئوبين) التي كتبها قبل ١٩٤١ وعنوانها «أنشودة النصر» ونشرها في جريدة (دوار هايوم) العبرية، ورد عليه في حينه إبراهيم طوقان (نص القصيدتين أوردته، مع كتابة عنهما، في كتابي «الأديب الفلسطيني والأدب الصهيو@ ني» ١٩٩٣).
ويبدو أن حيونة الفلسطيني وشيطنته بدت أوضح في تلك القصيدة التي ترجمها الفلسطينيون، فاستفزت شاعر فلسطين الأبرز في تلك الفترة إبراهيم طوقان ورد عليها بقصيدته التي غالباً ما خلت منها بعض طبعات دواوينه - خلوها من شعره الماجن الذي حفظه النابلسيون عن ظهر قلب وتداولوه فيما بينهم مشافهة - والقصيدة عنوانها «في الرد على رئوبين شاعر اليهود» ومطلعها:
«هاجر أمنا ولود رؤوم
لا حسود ولا عجوز عقيم».
وتقول الموازنة بين ما ورد في القصائد التي اقتبس منها يحيى عبد الله وما ورد في قصيدة (رئوبين) إننا منذ ٣٠ القرن٢٠، حتى الآن، ما زلنا نراوح في الدائرة نفسها، باستثناء بعض الأصوات التي تعزف خارج سيمفونية العداء وتبدو نشازاً، ولها ترجم طنوس ثلاث قصائد ألقيت في لقاء مشترك للعرب واليهود الرافضين للحرب.
وفي كل حرب عموماً تخرج أصوات يهو دية تحتج وتسخر من القيادات القائمة عليها.
في حرب ١٩٦٧ مثلاً ذاع صيت (حانوخ ليفين) الذي تأثر بنتاجه محمود درويش، فكتب تحت عنوان «أنا وأنت والحرب القادمة».
طبعاً بالإضافة إلى أصوات أخرى ظهرت بعد ١٩٧٣ وفي أثناء حرب ١٩٨٢ كتب عنها سلمان ناطور مطولاً في كتابه «كاتب غضب».
في مطلع قصيدة (رئوبين) نقرأ الآتي:
« أحاط بنا الأعداء، ألبوا علينا المدينة والقرية، وفتحت الصحراء فاها
خرج الفلاحون من أوكارهم، من دير ياسين مأوى الذئاب
من المالحة التي تبنى بأموال اليهو د، من قالونيا، من شعفاط
من بيت صفافة، ومن صور باهر مكمن اللصوص
تجمعوا من منازلهم، وجاؤوا بالعصي يتظاهرون،
وكان السلا. ح النا ري، مخبوءا تحت عباءاتهم
تقاطروا من أنحاء البلاد: أشرار يافا نفاية البحر العكر
وجاء وحوش الصحراء للبلد من جبال اليهو دية ومن سهول أريحا
جاؤوا للتنكي. ل والتد مير والسل. ب.
حار بنا أعداءنا على أبواب القدس، وماجت الجموع في مسجد عمر،
حتى كأن المسجد مغارة قطاع طرق، أو بيت معد لعشرات الألوف
من قاذورات سكان فلسطين».
رد إبراهيم طوقان جاء أيضاً قاسياً. كأنك حين تقرأ القصيدتين، إن كنت من قراء الشعر العربي القديم، كأنك تقرأ قصائد لشعراء النقائض في العصر الأموي، حيث كل شاعر يفخر بحسنات قومه ويقلل من الأقوام الآخرين الخصوم.
عندما درس البروفيسور (شموئيل موريه) مدرس الأدب العربي في الجامعة العبرية في ٧٠ و ٨٠ و ٩٠ القرن العشرين صورة اليهو. د في مرآة الأدب العربي قال إنه «في فترات الحرب غالباً ما ينظر كل طرف إلى الآخر بمرآة مقعرة تضخم الصورة وتشوهها»، ومنذ ٧٥ عاماً والصراع هو الصراع ولم تسهم فترة السلام القصيرة في تحسين صورة الآخر في أدب كلا الطرفين القومي.
لقد ازدادت في كلا الجانبين قوة التيار الديني تأثيراً، وغالباً ما تأثر الشعراء بما ورد في الكتب القديمة، وقد بدا هذا في الحر. ب الدائرة حالياً جلياً لدى الطرف الإسر. ائيلي.
في ١٩٨٨ كتب محمود درويش «عابرون في كلام عابر» وترجمها الإسر. ائيليون فشيطنوه واتهموه بأنه يطالب
اليهو. د بالرحيل، وأن يأخذوا معهم أيضاً جثث موتاهم.
رأى الكاتب التشيكي اليهودي (فرانز كافكا) في قصته «بنات آوى وعرب» أن العداوة بين الطرفين هي في الدم. هل شيطن اليهو. د، هو الذي كتب إلى أبيه لائماً ومعاتباً وقاسياً، بل وكارهاً، فلم تكن علاقته بأهله ودية، أم أنه انتقص من قيمة العرب حين جعلهم وبنات آوى في قصة واحدة واختار لها العنوان المذكور؟