كرّمت «جائزة الشارقة للإبداع العربي» (الإصدار الأول)، مجموعة من الكاتبات والكتّاب العرب الفائزين في دورتها الـ(26)، من بينهم الروائي الموريتاني أحمد سيدي، الذي استضافته مجلة (الشارقة الثقافية) ضمن فعاليات تتويج الفائزين بجائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها الجديدة، وكان لنا معه الحوار التالي
توجت بجائزة الشارقة للإبداع العربي.. هل كنت تتوقع ذلك؟
- بداية أشكر لكم هذه المساحة التي نتنسم من خلالها عبق الأدب.. وفيما يخص جائزة الشارقة للإبداع العربي، وتوقع الفوز بها، فالإجابة قد تكون معقدة قليلاً؛ فهذه الجائزة كما تعلمون تتنافس عليها سنوياً مئات الأعمال الأدبية من مختلف الدول العربية والناطقين بالعربية حول العالم، ولكن الثقة بالعمل المشارك كانت حاضرة، ومردّها الأول متعلق بنقطتين أساسيتين: الأولى مرتبطة بصدق المعالجة وابتعادها عن التحيّز، والثانية تتمثل في ذلك النفس الثوري الذي لا يجامل أحداً، ولا يضع اعتباراً للمحاذير الاجتماعية، غير المستندة إلى أساس ديني أو أخلاقي
• كيف كان شعورك عندما وصلك نبأ حصولك على الجائزة؟
- قبل الحديث عن شعوري لحظة الفوز بالجائزة، دعني أعد بك قليلاً إلى الوراء. رواية (الذيب) كانت جاهزة منذ أشهر قبل الإعلان عن استقبال الأعمال المشاركة في جائزة الشارقة للإبداع العربي، وكنت أترقب تلك اللحظة التي يتاح لي فيها إرسال الرواية إلى القائمين على هذه المسابقة، وفعلاً تم الإعلان عن استقبال المشاركات.. كان ذلك في بداية شهر أكتوبر، فجهزت العمل وأرسلته في اليوم الأول، وانتظرت رسالة تأكيد استقبال المشاركة.. وهي الرسالة التي لم تأت إلى اليوم الأخير من تاريخ استقبال المشاركات، في ذلك اليوم قررت الاتصال بالقائمين على الجائرة، وحينها تأكدت أنها (الذيب) ضلت الطريق.. فعاودت إرسال المشاركة مجدداً، وبقي ذلك الموقف عالقاً بذهني إلى اليوم الذي استقبلت فيها اتصالاً يؤكد فوز (الذيب) بجائزة الشارقة للإبداع العربي. أما وصف الشعور في تلك اللحظة فلا أدري كيف يمكنني فعل ذلك، ولكنه كان شعوراً مميزاً على أية حال.
• ما الذي تمثله لك الجائزة في بداية مسارك الأدبي، وما الإضافة التي قدمتها لك؟
- أن تستهلّ مشوارك الأدبي بجائزة مرموقة كجائزة الشارقة للإبداع العربي.. فهذا يحفزك من دون شك على مواصلة المسير في نفس الاتجاه، لتحقيق المزيد من النجاحات، بشرط أن تحافظ على تواضعك، وأن تحرص على مواصلة التعلم والاستفادة من أخطائك ومن تجارب الآخرين.. أما من يرى أنه قد وصل إلى القمة وهو على أول السكة.. فهذا سيبقى مبتدئاً على الدوام.
• حدثنا عن بدايتك في عالم الكتابة.. هل هناك حدث معين جعلك تدخله، ولماذا الرواية الأدبية تحديداً؟
- الكتابة شغف قديم.. وعمل يومي، ومتنفس دائم. فقبل أن أستهلّ مشواري في عالم الرواية كان لدي ديوان منشور، ونصوص شعرية متناثرة في زوايا البيت، وقبل ذلك أيضاً كنت وماأزال صحافياً سلاحه القلم، لهذا فإن الكتابة جزء من عملي اليومي، ومشغل من مشاغلي الدائمة.
أما الرواية.. والاتجاه إلى هذا الباب الأدبي الواسع والمزدحم في الوقت ذاته، فلا أستطيع أن أضع يدي على دافع بعينه، سوى إحساسي بالقدرة على إيصال الأصوات الغائبة من بوابة الرواية، فهنا مساحة التعبير أرحب، وقدرة الكاتب على الوصف وإيصال الانفعالات والمشاعر أكبر، ولربما كان هذا أحد الدوافع.
• عرفت موريتانيا ببلد المليون شاعر.. كيف ترى موريتانيا الروائية، ولماذا فضلت مختلف الأصوات الإبداعية الشعر على باقي الأجناس الأخرى؟
- صحيح أن موريتانيا عرفت ببلد المليون شاعر، وأن الشعر يشغل مساحة كبيرة على خريطة الأدب الموريتاني، ولكن الروائي شاعر أيضاً بمعنى من المعاني.. فهو يشعر بهموم ذاته وإخوته ووطنه وأمته، وهذا الشعور قد يترجم في قالب شعري أو سردي، والمدار في نظري على صدق المعالجة، وقوة السبك، وجمال التعبير، والقيمة التي يقدمها النص للقارئ، سواء كان ذلك النص قصيدة أو أي عمل أدبي آخر،
كذلك إن الاتجاه إلى الأعمال الروائية في موريتانيا تأخر قليلاً، نتيجة لتأخر الاحتكاك بالآداب العالمية، وتركيز الذائقة الجماهيرية على الشعر العربي في عصوره الذهبية.. ومع ذلك فإن أعمالاً روائية عديدة ظهرت في موريتانيا، بداية مع رائد هذا المجال الروائي والشاعر السيد أحمد ولد عبدالقادر، وأعماله القيمة كـ(الأسماء المتغيرة، والقبر المجهول، والعيون الشاخصة)، ومروراً بغيره من الروائيين الكبار في موريتانيا مثل، موسى ولد إبنو صاحب (مدينة الرياح) العظيمة، ووصولاً إلى الجيل الحالي الذي حظيت أعماله بإشادات كثيرة.
وقد فازت الأعمال الروائية الموريتانية بجوائز عديدة على المستويين الدولي والعربي.. منها أعمال مبارك ولد بيروك التي فازت بعدة جوائز أوروبية، وكذلك أعمال موسى ولد إبنو. أضف إلى ذلك أيضاً رواية (وادي الحطب) للدكتور الشيخ أحمد ولد البان، شفاه الله وعافاه، التي فازت بجائزة (كتارا) للرواية العربية، ورواية (كتاب الردة) للروائي المبدع محمد فاضل عبداللطيف الفائزة بجائزة نجيب محفوظ، وغيرها كثير.
• ما الأسماء الإبداعية العربية والأجنبية التي تأثرت بها؟
- قرأت لأسماء عديدة، بعضها عربي وآخرون أجانب.. وقرأت كل ما وقع في يدي من أعمال الروائيين الموريتانيين، وفي الحقيقة لا تحضرني الآن أسماء تأثرت بها أكثر من غيرها، ولكنني معجب بأعمال تنتمي إلى مدارس وثقافات مختلفة، بعضها من الأمريكيتين، وبعضها من روسيا وألمانيا وفرنسا، وبعضها من الوطن العربي.
ولا تقتصر قراءاتي على الأعمال السردية دون غيرها من الأجناس الأدبية، ولا على مدرسة دون غيرها من المدارس، يعجبني الشعر الجاهلي وكذلك الأموي والعباسي، وأستمتع بالشعر الحر وبالقصة والرواية، ويوصلني الأدب الحساني إلى أقصى درجات الطرب، وأقرأ في التاريخ والسيّر واللغة والفلسفة.. هذه الفسيفساء إن صح التعبير يمكن القول إنها أسهمت مجتمعة في تشكيل ذائقتي الأدبية، وأثرت بدرجات متفاوتة في شخصيتي وأسلوبي، ومع ذلك فإن الواقع يبقى هو مدرستي الأولى والأهم، وهو أكثر ما استندت إليه في رواية (الذيب)، التي لا تختلف عن الواقع إلا بقدر ما تتطابق معه، ولا تستند إلى قصة حقيقية، لكنها تروي الحقيقة.
• تجري أحداث رواية (الذيب) في مطلع القرن العشرين في موريتانيا، وتعطي صورة عن حياة المجتمع الموريتاني في تلك الحقبة.. إلى أي حد يمكن للعمل الروائي أن يكون صورة للمجتمع، وما الفكرة التي كنت تود إيصالها للقراء أكثر من غيرها عن المجتمع الموريتاني؟
- ثمة صور عديدة، منها طبيعة الحياة، ومنها تفكيك التركيبة الاجتماعية، والانتصار لذوي المظالم الأبدية، ممن ظلمهم التاريخ برغم دورهم الكبير في وصول موريتانيا إلى ما وصلت إليه على كافة الصعد، العلمية والثقافية والأدبية، ومنها معجزة المحظرة، التي نسفت نظرية استئثار الحواضر والمدن بالعلم والمعرفة.. فكانت البادية الموريتانية بادية عالمة، ولم يحل التنقل والترحال دون تكوين مجتمع علمي متمكن من العلوم الشرعية واللغوية في بلاد شنقيط.
• عملت على التنويع في مواضيع الرواية ما بين عالم الحرب والاستعمار، والحب والقضايا الاجتماعية في موريتانيا. لماذا؟
- تناولت الرواية مواضيع متعددة ومتناقضة أحياناً.. ولكن الواقع متناقض أيضاً، وهي رواية تسير بمحاذاة الواقع كما أقول دائماً، لهذا فمن الطبيعي أن تتناول الحب والحرب والقضايا المرتبطة بالمجتمع والمقاومة والاستعمار، لأن هذا كله يؤثر في حياة الناس، والرواية ينبغي أن تكون وفية لبيئتها، لتعكس ما هو إيجابي وتنتقد ما هو سلبي، أملاً في إنصاف أولئك الذين سقطوا من التاريخ سهواً أو عمداً، بغير قصد أو بفعل فاعل، لأن هذه- في رأيي- واحدة من والوظائف الأدبية الأساسية.