تشهد بريطانيا تصاعداً غير مسبوق في ظاهرة سرقة الهواتف الذكية، وقد كشف تحقيق نشرته صحيفة صنداي تايمز، في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، عن تورط عصابات دولية تستغل هذه الجرائم لتحقيق أرباح ضخمة. وتتصدر لندن، المعروفة بـ"عاصمة سرقة الهواتف في أوروبا"، هذه الأنشطة الإجرامية التي تتجاوز حدود البلاد، لتتحول إلى تجارة عالمية مربحة. تُهرَّب آلاف الهواتف سنوياً إلى دول مثل الجزائر والصين وروسيا، ما يثير تساؤلات حول دور شركات التكنولوجيا والسلطات الأمنية في التصدي لهذه الظاهرة التي تهدّد أمن المستخدمين، وتسلط الضوء على ثغرات أمنية خطيرة.
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يوضح المتحدث باسم مكتب إعلام شرطة العاصمة، سيمون فيشر، أن الشرطة تعمل بجد للتصدي لجرائم سرقة الهواتف الذكية، وأنّها دعت منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مصنعي الهواتف لمعالجة الثغرات الأمنية. يشير فيشر إلى تصريحات القائد أوين ريتشاردز الذي أكد عزم الشرطة على تكثيف الدوريات في المناطق الأكثر عرضة للجرائم، واستخدام التكنولوجيا لتعقّب الجناة وتقديمهم للعدالة. ويلفت إلى أنّ البيانات الحديثة كشفت استغلال آلاف الهواتف المسروقة في الخارج لتحقيق أرباح كبيرة، ما يعكس الثغرات التي تستغلها العصابات المنظمة.
في السياق نفسه، تقول محررة المنتجات والخدمات الرئيسية في منظمة "ويتش؟" غير الربحية التي تُعنى بحماية حقوق المستهلكين في المملكة المتحدة، ناتالي هيتشينز، لـ"العربي الجديد": "للأسف، نشهد تزايداً في حالات سرقة الهواتف، فمن الضرورة اتخاذ خطوات لحماية نفسك ومعرفة كيفية التصرف إذا تعرضت لمثل هذا الموقف. من المهم التأكد من تفعيل خاصية 'العثور على هاتفي' في إعدادات الجهاز، فهي أداة فعالة لتتبع هاتفك في حال فقدانه أو سرقته. ويُنصح بالاحتفاظ برقم الهوية الدولية للأجهزة المتنقلة (IMEI) الخاص بهاتفك، الذي يمكن العثور عليه في إعدادات جهازك، أو عن طريق الاتصال بـ*#06# على أجهزة أندرويد، إذ ستحتاجه لتقديم بلاغ للشرطة". تضيف هيتشينز: "في حال تعرض هاتفك للسرقة، يُفضل أن تبدأ بمحاولة الوصول إلى بيانات الهاتف عن بُعد لحذفها أو تأمينها، لمنع السارق من استغلالها. بعد ذلك، ينبغي التواصل مع مزوّد خدمة الشبكة لتعليق بطاقة الجهاز، ما يمنع استخدامه لإجراء المكالمات أو الوصول إلى الإنترنت. ويوصى بالاتصال بالبنك لتعليق أي خدمات دفع إلكترونية مرتبطة بالهاتف، ومن ثم تقديم بلاغ للشرطة عبر الرقم 101 أو بزيارة أقرب مركز شرطة".
خلال حملة أمنية كبرى العام الماضي، ضبطت الشرطة 170 هاتفاً ملفوفاً بورق الألمنيوم في شقة بمنطقة نوتنغ هيل، وهي وسيلة تُستخدم لتعطيل تتبع الأجهزة. كانت الشقة مركزاً لعصابة يقودها الجزائري زكريا سيناجكي، الذي تعامل مع أكثر من خمسة آلاف هاتف مسروق خلال 18 شهراً، فاستغلت العصابة هذه الهواتف لشراء سلع فاخرة والحصول على قروض بقيمة تجاوزت 5.1 ملايين جنيه إسترليني. وصدر حكم بالسجن على سيناجكي وشركائه لمدة 19 عاماً.
تُظهر مداهمات سكوتلاند يارد اتساع نطاق سرقة الهواتف الذكية في لندن، فسُجّل أكثر من 64 ألف حادثة سرقة في عام 2023، وهو ضعف الرقم المسجل قبل عامين، مع وقوع 40% من السرقات في مناطق سياحية رئيسية. تتجاوز هذه الجرائم نطاق اللصوص الشباب، لتتحول إلى شبكة احترافية تديرها مجموعات الجريمة المنظمة الكبرى، مثل عصابات من ألبانيا ورومانيا وشمال أفريقيا. تشير تقديرات شرطة العاصمة إلى أن ثلث نشاط هذه المجموعات في لندن يرتكز على سرقة الهواتف وجرائم "الاستحواذ". وأظهر تحليل حديث أن 78% من الهواتف المسروقة تُصدّر إلى الخارج، فتتصدر الجزائر السوق، متجاوزة الصين. تتبع العصابات نمط تجارة المخدرات، من ناحية الاعتماد على الشباب لجمع الأجهزة وتسليمها مقابل مكافآت نقدية.
تعمل شرطة العاصمة بالتعاون مع مكتب عمدة لندن على تعزيز لوائح تسمح بعمليات تفتيش غير معلنة لهذه المتاجر. تواجه لندن تصاعداً ملحوظاً في جرائم سرقة الهواتف الذكية، مع استخدام العصابات أساليب متطورة لاستهداف الأجهزة وتهريبها إلى الخارج. تشمل هذه الأساليب اعتراض شاحنات البريد السريع ومداهمة المكاتب الخلفية لمتاجر الهواتف المحمولة في ساعات متأخرة من الليل. وفي بعض الحالات، تُهرَّب الهواتف المسروقة عبر مطارات رئيسية، مثل هيثرو وغاتويك، فتُخفى داخل أمتعة المسافرين أو صناديق فاراداي المصممة لمنع الإشارات الكهرومغناطيسية من الدخول أو الخروج منها، لمنع تتبعها.
للتعامل مع هذه الجرائم، تعمل شرطة العاصمة على تعزيز جهودها بالتعاون مع قوة الحدود البريطانية ووكالة الجريمة الوطنية (NCA)، التي تمتلك شبكة ضباط دوليين لجمع المعلومات الاستخبارية حول العصابات الأجنبية. تأتي هذه الجهود ضمن استراتيجية أوسع لمواجهة التهريب والتجارة غير القانونية للهواتف المسروقة من المملكة المتحدة.
ودعا مفوض الشرطة مارك رولي شركات التكنولوجيا مثل "آبل" و"غوغل" و"سامسونغ" إلى اتخاذ خطوات عاجلة للحد من إمكانية إعادة استخدام الهواتف المسروقة. وتشمل المطالب: حظر الهواتف المسروقة من إعادة الاتصال بالخدمات السحابية، ما سيعيق استخدامها لاحقاً. جعل رقم الهوية الدولية للأجهزة المحمولة (IMEI) أكثر سهولة للإبلاغ والتحقق من سرقة الهواتف. تطوير تقنية "مفتاح القفل" لتدمير الهواتف رقمياً بعد سرقتها، ما يمنع إعادة استخدامها عالمياً. في المقابل، أعربت كبرى شركات التكنولوجيا عن التزامها بحماية المستخدمين.
من جهة ثانية، أكدت "غوغل" أنها توفر ميزات مكافحة السرقة مجاناً، بينما شددت "آبل" على استخدام فحوصات التعرّف إلى الوجه بوصفها طبقة أمان إضافية. من جانبها، ذكرت "سامسونغ" أنها تعمل عن كثب مع السلطات المحلية لمعالجة الظاهرة، بيد أنّها شدّدت على ضرورة تعاون جميع الأطراف لحل المشكلة.
هذا الشهر، سيعقد مؤتمر حكومي بحضور وزيرة الداخلية، إيفيت كوبر، وشركات التكنولوجيا الكبرى لبحث حلول جذرية لمكافحة ظاهرة سرقة الهواتف الذكية، التي أصبحت تهدّد أمن المستخدمين وتجذب اهتمام الجريمة المنظمة في الداخل والخارج.