تخطي إلى المحتوى
"شهرزاد" تُعيد للحكاية العربية دورها في المنصات الرقمية "شهرزاد" تُعيد للحكاية العربية دورها في المنصات الرقمية > "شهرزاد" تُعيد للحكاية العربية دورها في المنصات الرقمية

"شهرزاد" تُعيد للحكاية العربية دورها في المنصات الرقمية

تهيمن شركات معروفة على العالم الافتراضي، بكل ما فيه من ترفيه وثقافة وضخ معلومات وشائعات وتوجيه للرأي العام. مثلما تهيمن اللغة الإنكليزية كمرجعية عالمية للتفاعل والتواصل والبرمجة وحجم المحتوى. بينما تبدو اللغة العربية متواضعة في حضورها وتأثيرها ولا تتناسب مع أكثر من أربعمئة مليون ناطق بها.

فمن نظرة عابرة يتبدى المحتوى العربي فقيرًا ويتسم بالعشوائية وعدم الدقة، ما دفع الأجيال الشابة إلى التواصل بلغة بديلة والكتابة بها في "السوشيل ميديا".

إن المسألة ليست تراجعًا للغة العربية التي كانت لغة العالم والتقدم في العصور الوسطى، بل تدهور للثقافة كلها ولتصورات الهوية، واكتمال لدائرة الاستهلاك ليس فقط في ما هو مادي وتقني بل حتى في ما هو روحاني ومعنوي.

إن العالم الافتراضي يموج الآن بكل صنوف المعلومات والمعارف، الغث منها والسمين؛ ويسيل سيلًا سريع الإيقاع إلى حد جعل المتابعة من قِبل القراء أمرًا يبدو شبه مستحيل، فضلًا عن غياب القدرة على الفرز وتتبع مصادر هذا المحتوى ومدى صحته، ليدخل المتلقي – المثقل بهموم وصراعات يومية لترويض أيام عصر ما زال لا يفهمه – في تيه حقيقي، جعله في حاجة إلى هُدنة مع الحياة؛ استراحة قصيرة يلتقط فيها أنفاسه لشحن طاقته واستعادة ابتسامته وتفاؤله ورغبته في المواصلة.

في هذا السياق جاء إطلاق مبادرة "شهرزاد" قبل أيام في القاهرة، لتكون واحة ساحرة من الحكايا تتحدى اختبار الزمن، وتصل الجيل الشاب بتراث عربي عظيم، وتعيد استنطاق لسان شهرزاد بالنصوص.

  مبادرة سردية

سألتُ المدير التنفيذي للمبادرة الكاتب والمترجم أحمد صلاح الدين صاحب الفكرة ومصممها: لماذا "شهرزاد"؟ فأجاب: هي مبادرة سردية نوعية يقدّمها مبادرون مؤمنون بقدرة الحكايا على إحداث تغيير نوعي في المحتوى العربي الرقمي وإثرائه من خلال متواليات حكائية في الفن والأدب والثقافة. راودتني الفكرة منذ دراستي في قسم اللغة الإنكليزية في جامعة عين شمس، حيث درسنا سردية الليالي الألف التي سحرت العالم وأثّرت في آدابه بقوة، وواصلت تأثيرها عليّ أثناء دراستي للأدب الروسي في موسكو. ولأن الأحلام لها أجنحة، فقد حلّقت الفكرة في سماء الواقع عندما تلاقت برغبة قديمة لدى منال أمين رئيس مجلس إدارة دار المحتوى، في تقديم مبادرة نوعية في مجال الثقافة العربية من أجل معرفة حقيقية تفيد المجتمع وتثري المحتوى العربي الرقمي. ومنال رائدة أعمال مصرية تملك باعًا طويلًا من الخبرات في صناعة المحتوى ورصيدًا من النجاحات محليًا وعالميًا. ثم انضمت إلينا مي عبد الوهاب كمدير لتطوير الأعمال، وهي شابة مصرية ذات خبرة وحضور كبير محليًا وعالميًا في المنتديات والمؤتمرات المعنية بالأمر، وتمتلك طموحًا كبيرًا لصناعة محتوى عربي نوعي مغاير لما هو سائد؛ يمتع الناس ويفيدهم.

وأضاف صلاح الدين: رغبنا في استعادة "شهرزاد" لأن الليالي الألف تعتمد على مبدأ السرد الإطاري – حكاية داخل حكاية، ولذلك اعتمد تصميم نموذج العمل للمبادرة على هذا الأساس، حيث تنطلق الحكايا وتدور لتقود إلى حكايا أخرى، فترافق السردية المتلقي دون عناء وبلا ضجيج أو إلحاح، ومع دوران الحكايا يجد المتلقي نفسه جزءًا منها، مستوعبًا محتواها لا شعوريًا، فيكبر معها وتكبر معرفته ويزيد رصيده من الوعي والحكمة.

حفل إطلاق

أقيم حفل إطلاق المبادرة بحضور قامات ومبدعين وإعلاميين مصريين من أجيال مختلفة، منهم الرئيس السابق للهيئة المصرية العامة للكتاب د. هيثم الحاج علي، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة د. محمد عفيفي، ومن الكتاب والنقاد: الشاعر أحمد الشهاوي، د. أيمن بكر، د. شوكت المصري، الكاتب أشرف الشافعي، والناقد السينمائي أحمد شوقي.

ورحبت رئيس مجلس الإدارة منال أمين بالحضور وتحدثت في عجالة عن تراجع المحتوى العربي في الإنترنت والحاجة الماسة إلى تطويره والانفتاح إلى صيغ مختلفة منها الكتب الصوتية.

وأضافت أمين: "شهرزاد" مبادرة تحمل في طياتها حكايا تجمع بين العبقرية الإبداعية وروح الاكتشاف، فنحن نعمل على تقديم محتوى متعمق ومثير يستحضر تجارب البشرية المشتركة. إننا نؤمن بقوة الحكايا في إلهام الناس وتسريتهم وتجاوز الحدود، وهذا هو ما نسعى لتحقيقه من خلال مبادرتنا الملهمة.

بينما أكدت مي عبد الوهاب، مديرة تطوير الأعمال، أهمية اللغة العربية، وحرصها كأم ألا يفقد أولادها القدرة على النطق بها وفقد الشغف بآدابها.

وتابعتْ: نحن لسنا فقط منصة إبداعية، بل مجتمع يتشارك في حكايا متعددة الأبعاد والتجارب الإنسانية. إنها تجربة رائدة تدمج بين الفن والثقافة والتقنية لتقديم تجربة استثنائية للجمهور العربي. ونسعى لتحفيز التفكير والتواصل من خلال قوة الحكايا، وتعزيز فهمنا المشترك للعالم من حولنا.

أربعة مراحل

رغم تحفظه على كشف تفاصيل المبادرة قال صلاح الدين: نحن نعمل حاليًا على مراحل عدة؛ الأولى عبارة عن مقالات حكائية أو حكايا في الفن والأدب والثقافة، تستهدف عقد صُلح ناعم وأُلفة وحوار ممتد بين الأدب والفن والثقافة، أو المعرفة بمعناها الأعم، وبين القطاع الأوسع من المتلقين. ويتولى مهمة الإشراف على تلك الحكايا رئيس التحرير زين العابدين خيري، وهو من الكوادر المصرية المتميزة في المجال الصحافي ويمتلك رصيدًا كبيرًا من الخبرات. وبالفعل نجح في تقديم محتوى، مستكتبًا مجموعة من ألمع الأسماء من الكُتّاب، والذين لن نكتفي بتقديم حكاياهم مكتوبة فحسب، بل سنقدّم خدمة جديدة للقراء من خلال تسجيل الحكايا صوتيًا كي نتيح للمتلقي متابعتها في كل أوقات اليوم دون عناء.

أما بقية المراحل فسوف تقدّم تباعًا، وهي الآن قيد الإعداد والتجهيز للإطلاق في مواعيد سيُعلَن عنها.

واستعانت إدارة «شهرزاد» بأفضل الكوادر والمواهب لأجل تقديم محتوى راق على أعلى مستوى من الجودة. لضمان تنفيذ محتوى مسموع ومقروء ومرئي للمتلقي بمنطلق سردية «شهرزاد» نفسه، وبعد الانتهاء منها جميعًا، ستغدو «شهرزاد» حكاية مكتملة ترافق المتلقي في كل وقت، وتقدِّم رحلة ساحرة إلى حكايا تمتد عبر الثقافات والعصور والمشاعر. 

وختم صلاح الدين بالقول: نحن لسنا مجرد مبادرة عن الحكايا؛ إنها عن تناغم الأصوات التي تردد في أروقة الزمن. ونؤمن بأن كل حكاية هي خيط في نسيج الإنسانية، يربطنا بطرق لم نكن نتصورها.

المصدر: 
جريدة النهار اللبنانية