تخطي إلى المحتوى
شيهان كاروناتيلاكا يفوز بـ"البوكر" البريطانية برواية عن مآسي سريلانكا "أقمار معالي الميديا السبعة" تعتمد السخرية والواقعية السحرية لترسم أهوال الحرب الأهلية شيهان كاروناتيلاكا يفوز بـ"البوكر" البريطانية برواية عن مآسي سريلانكا "أقمار معالي الميديا السبعة" تعتمد السخرية والواقعية السحرية لترسم أهوال الحرب الأهلية > شيهان كاروناتيلاكا يفوز بـ"البوكر" البريطانية برواية عن مآسي سريلانكا "أقمار معالي الميديا السبعة" تعتمد السخرية والواقعية السحرية لترسم أهوال الحرب الأهلية

شيهان كاروناتيلاكا يفوز بـ"البوكر" البريطانية برواية عن مآسي سريلانكا "أقمار معالي الميديا السبعة" تعتمد السخرية والواقعية السحرية لترسم أهوال الحرب الأهلية

فاز الروائي السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا المولود عام 1975، بجائزة "البوكر" البريطانية عن روايته "أقمار معالي الميديا السبعة" التي أشادت لجنة التحكيم باتساع نطاق عالمها، وبجرأتها الممزوجة بالفكاهة والمرح.

وتدور أحداث "أقمار معالي ألميدا السبعة" خلال فترة الحرب الأهلية التي عاشتها سريلانكا (1983 ـ 2009)، وتحكي، بأسلوب من السخرية السوداء والتلاعب الخيالي بالواقع، حكاية مصوّر حربي ميّت يُمنَح أسبوعاً واحداً فقط (أو سبعة أقمار) من أجل التنقّل بين عالم الآخرة والحياة الدنيا لاستعادة مجموعة من صوره الفوتوغرافية، ومعرفة هوية قاتله، وإقناع أصدقائه بمشاركة صوره على نحو واسع من أجل فضْح وحشية الحرب الأهلية.

وحشية التمرد في سريلانكا

يفتتح كاروناتيلاكا روايته الهجائية بمشهد من العالم الآخر، حيث يستيقظ الصحافي والمصور المتجول معالي ميتاً. للوهلة الأولى يعتقد أنه تحت تأثير حبوب مخدرة أعطاها له أحد أصدقائه، لكن الحقيقة أنه مات بالفعل، وهو الآن محبوس في عالم سفلي غرائبي، حيث يتعامل البيروقراطيون السماويون مع الوافدين الجدد، ومنهم معالي، من خلال مكتب ضرائب يحاول الأموات تخفيضها باستماتة، وتحيط به أرواح أخرى بأطراف مبتورة وملابس ملطخة بالدماء، تبدو غير قادرة على تشكيل طابور منظم لملء استماراتهم.

هؤلاء هم ضحايا العنف الذي ابتليت به سريلانكا في الثمانينيات، ومن ضمنهم أستاذ جامعي قتل بالرصاص لانتقاده جماعة نمور التاميل الانفصالية التي راح ضحية صراعها مع الحكومة، ما لا يقل عن 65 ألف شخص، ومعهم ضحايا ثوار الماركسية، أو حزب التحرير الشعبي، الذي شن تمرداً مماثلاً ضد الحكومة السريلانكية، ولم يتورع عن قتل عديد من المدنيين اليساريين والطبقة العاملة الذين اعترضوا طريقه.

هنا يشتبك مع الاشعر الإيطالي دانتي ليؤكد رأي القاص والشاعر بورخيس في الإبداع، باعتباره استنساخاً لنصوص قائمة، لكن الأساطير والفلكلور تزحم عالمه بالتوازي، وتشتبك بروح الفكاهة لدى شعب سيريلانكا الذي اشتهر بإطلاق النكات وسط أهوال الحرب، وهذا ما يجعلنا أمام "كوميديا إلهية" من نوع آخر، فبموجب أعراف هذا العالم، يسمح لكل روح بسبعة أقمار (أسبوع) تتجول فيه على راحتها لتتذكر حياة الماضي، وبعد ذلك، يتوجب عليها أن تنسى.

الراوي الفاسد

كان معالي شاهداً على تلك المجازر، وعمل وسيطاً بين بعض الفصائل المتناحرة، ولكنه كان مقامراً وملحداً وشاذاً، أي ببساطة، لدينا راوٍ فاسد عليه أن يعرف خلال هذه الفترة القصيرة من الذي قتله ويلاحقه على الأرض، وكذلك إرشاد صديقه وصديقته إلى الصور التي التقطها خلسة أثناء عمله، وهي صور تكشف الرعب الحقيقي للجرائم المرتكبة ومستوى التدخل الأجنبي والحكومي. لقد تمكن معالي من التقاط صور للوزير وهو يتابع مجموعة من المتوحشين يقومون بإحراق منازل التاميل وذبح سكانها، وصوراً للصحافيين المختطفين والنشطاء المختفين، مقيدين ومكممين ومقتولين في الحجز. هذه الصور مخبأة تحت سرير في منزل عائلته. يقول، "يريدونك أن تنسى، لأنك عندما تنسى، لا شيء يتغير"، ولكنه لا يريد كشاهد أن تصبح رؤيته طي النسيان، بل يطمح في أن "تفعل للحرب الأهلية في سريلانكا ما فعلته فتاة النابالم العارية لفيتنام".

تروى القصة بضمير المخاطب، وفي أحد المقاطع، يتأمل الراوي "لديك إجابة واحدة لأولئك الذين يعتقدون أن كولومبو مكتظة. انتظر حتى تراها مملوءة بالأشباح. يسأل آخر، هل تحصل الحيوانات على حياة أخرى؟ أم أن عقابها أن تولد من جديد كبشر؟". لقد كتب كاروناتيلاكا كارثته الوطنية على أنها قصة أشباح، كما قال، لأنه "يبدو أن الموتى فقط هم من يمكنهم تقديم تفسيرات معقولة للمأساة السريلانكية، حيث من الواضح أن الأحياء ليس لديهم دليل يتبعونه". هذه النبرة العبثية، إلى جانب الحس الكوميدي المؤثر، يحركان السرد إلى مناطق تعج بالشياطين والغول والمعذبين والسياسيين والعشاق، مما جعل هذه الرواية المليئة بالعنف التي يرويها ميت، ضاجة بالحياة.

ذهب النقد إلى مقارنة كاروناتيلاكا بسلمان رشدي وغابرييل غارسيا ماركيز في ما يخص الواقعية السحرية. أما هو فيذكر الكاتب كارل مولر باعتباره المعلم، "كتب "شجرة فاكهة المربى" عام 1993، وكان من أوائل الذين استخدموا الطريقة التي يتحدث بها السريلانكيون. اقترضت منه فكرة أن يروي رجل مخمور حكاية طويلة، هذا هو المكان الذي خرجت منه هذه العلامة التجارية للكتابة السريلانكية غير المقدرة".

تغلبت رواية كاروناتيلاكا على قائمة قصيرة مؤلفة من ستة عناوين، "تريكل ووكر" رواية العلم والأسطورة للكاتب البريطاني ألن غارنر، أكبر مرشح لـ"البوكر" منذ منذ تأسيسها عام 1969، والذي صادف يوم ميلاده الـ88، موعد الإعلان عن الفائز النهائي، مما جعل البعض يرجحون كفة فوزه، إلى جانبه الرواية السياسية "المجد" المستوحاة من مزرعة حيوانات أورويل، للكاتبة الزيمبابوية نوفيوليت بولاوايو، و"أوه وليام" الجزء الثالث من سلسلة "انغاش" للأميركية إليزابيث ستراوت، و"الأشجار" للكاتب الأميركي بيرسيفال إيفريت، و"أشياء صغيرة مثل هذه" للإيرلندية كلير كيغان التي تفضح معاملة الكنيسة القاسية للأمهات غير المتزوجات.

 

حيثيات الفوز

قال رئيس لجنة التحكيم هذا العام نيل ماكغريغور إنه على رغم أن جميع الكتب الستة في القائمة القصيرة كانت مختلفة تماماً، "فقد أصبح من الواضح إنها تدور كلها حول سؤال واحد، ألا وهو "ما أهمية حياة الإنسان كفرد؟".

في حفلة هذا العام، عرضت مقتطفات من العناوين الستة قبل أن يتسلم كاروناتيلاكا الكأس الأصلية لجائزة "البوكر" لعام 1969 إحياء لذكرى مبتكرها، مؤلف كتب الأطفال يان بييكوفسكي، الذي توفي في فبراير (شباط) الماضي، من يد كاميلا، عقيلة الملك البريطاني الجديد، في أول مشاركة رسمية لها. وقام الفائز السابق بـ"البوكر" ديمون غالغوت بتسليمه مبلغ الجائزة وقدره 50 ألف جنيه استرليني، ليصبح كاروناتيلاكا ثاني مؤلف من مواليد سريلانكا يفوز بـ"البوكر"، بعد مايكل أونداتجي، الذي فاز بها عام 1992 عن روايته "المريض الإنجليزي".

يرى ماكغريغور أنه "تم اختيار الرواية لأنها تأخذ القارئ في رحلة أفعوانية عبر الحياة والموت، إلى ما يصفه المؤلف بالقلب المظلم للعالم". ويضيف "وهناك يجد القارئ مفاجأة الفرح والحنان والحب والولاء". انضم إلى ماكغريغور في هيئة التحكيم، الأكاديمية والمذيعة شهيدة باري، والمؤرخة هيلين كاستور، والمؤلف والناقد جون هاريسون، والروائي والشاعر آلان مابانكو، صاحب رواية "زجاج مكسور".

صدرت الرواية المتوجة بـ"البوكر" هذا العام عن دار "سورت أوف بوكس"، وهي دار نشر مستقلة، وهي المرة الأولى التي تفوز بالجائزة.