تخطي إلى المحتوى
قوائم "جوائز بن" بعيد ميلادها الستين: حيوات وتجارب استثنائية قوائم "جوائز بن" بعيد ميلادها الستين: حيوات وتجارب استثنائية > قوائم "جوائز بن" بعيد ميلادها الستين: حيوات وتجارب استثنائية

قوائم "جوائز بن" بعيد ميلادها الستين: حيوات وتجارب استثنائية

من الصعب الإحاطة بالقوائم الطويلة لجوائز "بن" الأميركية في تقرير واحد، لأن هذا يتطلب المرور على إحدى عشرة قائمة تحمل أسماء لافتة، مثل جائزة همنغواي للرواية الأولى، وجائزة روبرت بينغهام لأول مجموعة قصصية، وجائزة فوكنر للشعر، وجائزة ديامونستاين سبيلفوغل لفن المقال. ونظرًا لأن كل قائمة تحتوي على عشرة أعمال، يصبح لدينا في نهاية المطاف أكثر من 100 كتاب في مجالات متنوعة. ربما لأجل هذا ولغيره، تعد جوائز "بن" واحدة من أهم الجوائز الأدبية المرموقة في أميركا. فمنذ انطلاقها عام 1963، حرصت على تكريم عدد من الأصوات الأكثر تميزًا في عالم الأدب عبر مختلف الأنواع، بما في ذلك الرواية والقصة القصيرة والشعر والمقالة والسير الذاتية وأدب الأطفال والدراما والكتب العلمية والترجمة، وغيرها من أشكال الكتابة الإبداعية.
في هذا العام، تحتفل مراكز "بن" الموزعة في أرجاء العالم، بالذكرى الستين على انطلاق جوائزها، وهو ما أسهم في جعل قوائمها الطويلة المنتقاة بعناية من إجمالي 1744 مشاركة، هي الأكثر تنوعًا وإثارة، بما تنطوي عليه من قصص قوية عن النزوح والهجرة والعدالة والعرق والحرب والأسرة والهوية، وغيرها من الموضوعات الشائكة والملحة. في تلك المناسبة، تقول كلاريس روساز شريف، رئيسة البرامج الأدبية: "على مدار 60 عامًا، استطاع الكتاب والمترجمون الذين تم اختيارهم للجوائز أن يزودونا بحيوات وتجارب استثنائية فتحت عقولنا على أفكار وموضوعات مثيرة للإعجاب".

أربعة كتب ترشحت لأكثر من جائزة

عد جائزة جين أوستن البالغ قيمتها 75000 دولار أميركي أعلى جائزة تمنحها "بن"، وهي لا تختص بفرع بعينه من فروع الإبداع، بل تمنح لأي كتاب يتوافر على الأصالة والاستحقاق ويعمل على فتح آفاق جديدة من خلال تجاوز حدود الشكل المقترح. وهو ما ترتب عليه وجود كتابين ضمن قائمة أوستن المؤلفة من عشرة أعمال، تأهلا للترشح في قائمة جائزة روبرت بينغهام البالغة 25 ألف دولار، التي تُمنح لأول مجموعة قصصية، هما "إذا نجوت منك/ If I Survive You"، لجوناثان إسكوفري، و"ليلة إحياء ريز/ Night of the Living Rez" لمورغان تالتي.

في مجموعته الأولى، يقدم إسكوفري مجموعة من القصص القصيرة المترابطة، كما يحدث في الرواية، وقد دأب بعضهم على تسمية هذا الخيط المتصل بـ"المتتالية". وتدور متتالية إسكوفري في مجملها حول عائلة جامايكية يحاول أفرادها البقاء على قيد الحياة في مدينة ميامي الضاجة بالعنصرية، فيندفعون من كارثة إلى أخرى، ويبحثون عن عالم أكثر لطفًا وعدلًا، غير أن أميركا تبرهن لهم على نحو قاس كم هي بعيدة كل البعد عن أرض الميعاد، تلك الولايات الفخورة بنفسها تحت رحمة الرأسمالية والبياض.
على المنوال نفسه، يستكشف تالتي في مجموعته الأولى "ليلة عودة رِز إلى الحياة" ما يعنيه أن تنتمي لمجتمع البينوبسكوت؛ أحد السكان الأصليين في أميركا الشمالية في القرن الحادي والعشرين، وذلك عبر اثنتي عشرة قصة رائعة تجري في ولاية ماين، وتتخذ من السخرية اللاذعة، والتعاطف الشديد، والبصيرة الثاقبة، وسائل أساسية لاستكشاف الروابط الأسرية والمجتمعية لمن يكافحون مع ماض مؤلم ومستقبل غير أكيد. تصف قارئة على غود ريدرز انطباعها قائلة: "إن الطريقة التي يكتب بها تالتي عن المطر والرياح والضباب والأشباح تجعلك تشعر كما لو أنها تندفع عبر طبقات ملابسك؛ تنبثق الاستعارات في الحياة، وتطالب بإيقاظ الحواس الخمس".

الخط الفاصل بين الواقع والخيال
إلى جانب إسكوفري وتالتي، ضمت قائمة أوستن مذكرات هيلتون أليس الرائعة المكونة من جزأين "My Pinup"، وفيها يبلور الكاتب الحائز على جائزة بوليتزر إحدى العلاقات العرقية في سياق الحياة الأميركية من خلال الموسيقى الشعبية ومعجبي المشاهير. أما التحفة الفنية لسارة مانجوسو "الناس شديدو البرودة/ Very Cold People"، فهي عن النشأة داخل وخارج القيود الخانقة لمدينة صغيرة قديمة وباردة جدًا. وكذلك الرواية المصورة "فصل التمثيل/ Acting Class"، لنيك درناسو؛ أحد أكثر رسامي الكاريكاتير الموهوبين، والذي أدرجت روايته "سابرينا" في القائمة الطويلة لجائزة بوكر 2018، لتصبح بذلك أول رواية مصورة تترشح للجائزة على مدار تاريخها. وها هي روايته الجديدة تحظى بالترشيح لجائزة "بن"، وتدور حول مجموعة من الأشخاص المضطربين يجتمعون لتلقي حصص في التمثيل من مدرب غامض ومشكوك فيه أخلاقيًا. هؤلاء العشرة تجمعهم مشاعر بالاغتراب عن محيطهم وهم في حاجة ماسة إلى التغيير، ما يجعل السيناريوهات الخيالية التي يؤدونها في فصل التمثيل تبدأ في الحدوث على أرض الواقع، وينمحي الخط الفاصل بين الخيال والحقيقة كما يحدث في العالم الافتراضي المضبب الآن.
شملت القائمة أيضًا "قطع الصُقْلاب الصغيرة/Milkweed Smithereens" لبرناديت ماير، و"إذا لم يستطع مصري التحدث بالإنكليزية / If an Egyptian Cannot Speak English" لنور النجا، و"الجامع الأبيض / The White Mosque" لصوفيا ساماتار، و"التقاليد/ Customs" لسولماز شريف. كما تضمنت رواية "دكتور نو/ Dr. No"، لبيرسيفال إيفريت، الذي فازت روايته "الأشجار" بجائزة بوكر لعام 2022. وتدور حول أستاذ الرياضيات اللامع، والا كيتو (كلمة والا تعني "لا شيء" باللغة التاغالوغية، وكيتو تعني "لا شيء" باللغة السواحيلية. لذا فهو خبير في لا شيء). يقول إيفريت في روايته على لسان إحدى شخصياته: "أستاذ، فكر في الأمر بهذه الطريقة. هذا البلد لم يقدم لنا أي شيء، ولن يفعل ذلك أبدًا. أعتقد أنه حان الوقت لأن لا نرد شيئًا".

العالم كتاب مفتوح

هنالك كتابان آخران ترشحا في قائمتين مختلفتين من قوائم بن 2023، أولهما رواية رامونا إيمرسون "مزلاج/ Shutter" حيث ظهرت في جائزة همنغواي عن الرواية الأولى، وجائزة "بن" للكتاب المفتوح، وهي الجائزة المخصصة لكتاب استثنائي من أي نوع شرط أن يكون من تأليف كاتب ملون. إيمرسون كاتبة ومخرجة من توهاتشي، نيو مكسيكو، وبرغم كون "مزلاج" روايتها الأولى، تُعدُّ من الأصوات الواعدة في قصص الجريمة والإثارة؛ ذلك اللون من الخيال الذي كلما طغت الرقمية على العالم اكتسب أرضًا جديدة. تقدم إيمرسون من خلال بطلتها ريتا توداشيني التي تعمل مصورة في شرطة البوكيرك، صورة مشوقة للعالم السفلي تنتقل فيه بقدرتها الخارقة من رؤية أشباح الجثث التي تلتقط لها أوضاع مختلفة أسهمت بالطبع في حل لغز عدد من الجرائم، إلى عالم الجريمة والعصابات من خلال إحدى الأرواح الغاضبة والعنيدة التي ترفض أن تتركها بسلام حتى تساعد في تقديم قاتلها للعدالة، فتجد نفسها في مرمى واحدة من أخطر عصابات البوكيرك.

الكتاب الثاني هو "سوليتو/ Solito" للكاتب خافيير زامورا، الذي ترشح لجائزة "بن" للكتاب المفتوح، وجائزة جون كينيث غالبريث للكتب الواقعية. وفيها يروي خافيير قصته عن الهجرة من السلفادور إلى الولايات المتحدة وهو في سن التاسعة. تقول الكاتبة إيما ستراوب: "قرأت سوليتو وقلبي في حلقي، ولم أنفجر في البكاء حتى الجملة الأخيرة. يا له من شخص، يا له من كاتب، يا له من كتاب".

سيرة خافيير زامورا الذاتية عبارة عن رحلة طولها ثلاثة آلاف ميل يخوضها طفل بمفرده من بلدته الصغيرة في السلفادور، عبر غواتيمالا والمكسيك، وعبر حدود الولايات المتحدة، بهدف الوصول إلى والدته التي غادرت قبل أربع سنوات، وأبيه الذي لا يكاد يتذكره، وسط مجموعة من الغرباء، وهو ما أثار استنكار إحدى القارئات من قسوة والديه: "كأم، لم أستطع تخيل أطفالي الأكبر سنًا يخوضون تجربة مثل تجربة خافيير، وقد تقطعت نياط قلبي وأنا أقرأ المشاهد المؤلمة والمروعة في تلك الرحلة الصعبة التي غمرتني بالغضب والإحباط من الكبار الذين وضعوا هذا الطفل الصغير في هذه التجربة المذهلة".
من ضمن الكتب الواردة في قائمة الكتاب المفتوح "الفأس الذهبي/ Golden Ax"ـ ريو كورتيز، "الفترة السوداء/ The Black Period" ـ هافيزا أوغسطس غيتر، وديوان "الجلد المنصت/The Listening Skin" للشاعرة غلينيس ريدموند.

لم أتلق منك كلمة حتى الآن

كانت جائزة "بن" للترجمة من أولى الجوائز التي تم منحها قبل 60 عامًا. وتضم قائمتها هذا العام ترجمات لمؤلفين من 20 دولة مختلفة بأكثر من اثنتي عشرة لغة، بما في ذلك البيلاروسية، والدنماركية، والفرنسية، والغلاسية، والألمانية، والإندونيسية، والإيطالية، واليابانية، والفارسية، والبرتغالية، والإسبانية. نذكر منها على سبيل المثال "كل أطفالك متناثرون"، لبياتا أوميباي مايريس، من الفرنسية بترجمة أليسون أندرسون، و"مجرة تاتامي"، لتوميهيكو موريمي من اليابانية بترجمة إميلي باليستريري، "جوبون"، لمونيكا أوجيدا من الإسبانية ترجمة سارة بوكر.
كما أدرج كتاب البروفيسور بيتر أورنر "لم أتلق كلمة منك حتى الآن/ Still No Word From You"، في قائمة "ديامونستاين سبيلفوغل لفن المقال". عندما كان جد بيتر أورنر على متن سفينة في جنوب المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية، تعوّد أن يرسل إلى زوجته كل يوم رسالة. لكنها نادرًا ما كانت ترد، ما دفعه إلى أن يكتب لها في عام 1945، "يوم آخر ولا كلمة تصلني منك". يخمن أورنر أنه "ربما نقرأ لأننا نحتاج إلى تلك الكلمة من شخص ما، من أي شخص". يتضمن كتاب أورنر أيضًا ملاحظات ثاقبة وحميمة عن الكتب والقصص والقصائد والحياة. جدير بالذكر أن تلك الجائزة مخصصة لـ"كاتب متمرس تعد مجموعة مقالاته توسعًا في مجمل أعماله وتحافظ على الشكل الفني المتميز للمقال"، وتبلغ قيمتها 15 ألف دولار، بينما تصل القيمة الإجمالية لمجموع جوائز "بن" إلى أكثر من 350 ألف دولار تمنح للكتاب والمترجمين الذين يتم الإعلان عن فوزهم النهائي في حفل يقام في نيويورك 2 مارس/ آذار.

المصدر: 
ضفة ثالثة