تخطي إلى المحتوى
لحبيب السالمي: أكتب بالعربية لأن «الفرنسية» لم تسكن خلايا جسدي الروائي التونسي لـ «الشرق الأوسط»: معرض الرياض يهتم بقضايا المثقف العربي لحبيب السالمي: أكتب بالعربية لأن «الفرنسية» لم تسكن خلايا جسدي الروائي التونسي لـ «الشرق الأوسط»: معرض الرياض يهتم بقضايا المثقف العربي > لحبيب السالمي: أكتب بالعربية لأن «الفرنسية» لم تسكن خلايا جسدي الروائي التونسي لـ «الشرق الأوسط»: معرض الرياض يهتم بقضايا المثقف العربي

لحبيب السالمي: أكتب بالعربية لأن «الفرنسية» لم تسكن خلايا جسدي الروائي التونسي لـ «الشرق الأوسط»: معرض الرياض يهتم بقضايا المثقف العربي

الروائي التونسي الحبيب السالمي، أحد أبرز الروائيين التونسيين المنحدرين من القيروان، وهو أيضاً من أدباء المهجر، يقيم في باريس منذ 37 عاماً، لكنه ظلّ يكتب أعماله الروائية باللغة العربية موظفاً التراث التونسي وتفاصيل الحياة الشعبية في رواياته، مشتغلاً على هموم الطبقة الوسطى ومعاناتها، وهو الذي قاسى المعاناة في قريته العلا، حين فقد والديه في صباه، وظل يكافح حتى حصّل نصيبه من التعليم، وأصبح أحد أهم الروائيين في المغرب العربي. وعلى صعيد الموضوع اشتغل بالعلاقة مع الآخر وبقضايا الهوية، خصوصاً في ظل التحولات والهجرات.
الحبيب السالمي كتب نحو 11 رواية تأهّل بعضها للقائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية «البوكر»، وحصل على «جائزة كتارا للرواية العربية» في 2021 عن رواية «الاشتياق إلى الجارة». وقد ترجمت رواياته إلى لغات أجنبية عدّة؛ كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية.
رواياته هي: «بكارة»، و«جبل العنز» (1988)، و«صورة بدوي ميت» (1990)، و«متاهة الرمل» (1994)، و«حفر دافئة» (1999)، و«عشاق بية» (2001)، و«أسرار عبد الله» (2004)، و«روائح ماري كلير» (2008)، و«نساء البساتين» (2010)، و«عواطف وزوارها» (2013)، و«الاشتياق إلى الجارة» (2021)، بالاضافة لأعماله القصصية.
على هامش مشاركته في معرض «الرياض الدولي للكتاب»، التقت «الشرق الأوسط» الروائي التونسي الحبيب السالمي، وأجرت معه الحوار التالي:
(*) كيف رأيت معرض الرياض الدولي للكتاب؟
- كنت قد سمعت كلاماً جيداً عنه، وهذه المرة الأولى التي أُدعى إليه. وتأكدت مما سمعت عنه؛ فهو معرض ممتاز فعلاً من حيث التنظيم والفعاليات المتنوعة التي تتناول العديد من القضايا التي تشغل بال المثقف العربي.
(*) ما رأيك بالمشاركة التونسية في الرياض؟ وكيف استقبل المثقفون والجمهور السعودي الحضور الأدبي والثقافي والفني؟
- المشاركة التونسية في المعرض ممتازة، وكثير من دُور النشر التونسية حاضرة فيه، كما لاحظت، والجناح التونسي منظم ويجذب الزائرين. وبالإضافة إلى ذلك معظم الكُتاب والشعراء التونسيين الذين يشاركون في المعرض، هم من أهم المبدعين في تونس. أما عن استقبال الجمهور السعودي للحضور الأدبي والثقافي والفني فهو رائع حقاً.
(*) ما الفرص التي يوفرها المعرض للمثقفين للتعارف وإثراء المحتوى الثقافي؟
- يوفر فرصاً عديدة للمثقفين للتعارف والتلاقي وتبادل إنتاجاتهم الأدبية. وكثيراً ما يثار بينهم نقاش وجدل في قضايا الأدب والثقافة عموماً في البلدان العربية. شخصياً أشارك بحماس في هذا النقاش، وأستفيد منه كثيراً.
بدايات شاقة
(*) حدِّثنا عن بداياتك في معتمدية العلا بالقيروان.. كانت بداية صعبة فقدتَ والديك وأنت في سن الصبا، ولكنك شققت طريقك نحو النجاح.
- كانت صعبة فعلاً. وُلدت وقضيت الأعوام الأولى من طفولتي في قرية توجد في عمق الريف، لكن هذا لم يحدّ من رغبتي في التعلم والذهاب إلى الجامعة؛ حيث اكتشفت الأدب العربي وآداب العالم. وأنا لست الوحيد الذي كانت له طفولة صعبة. الكثير من الكُتاب العرب عانوا كثيراً في بداية حياتهم.
(*) ماذا تركت فيك تلك التجربة؟ إلى أي مدى أثّرت في أعمالك؟
- إنها حاضرة بقوة في كل قصصي ورواياتي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. من النادر ألا تجد في أعمالي ما يحيل إلى هذه التجربة. إنها جزء أساسي من عالمي في الرواية.
(*) لديك اشتغال بتوظيف التراث التونسي، والقيروان حاضرة في أعمالك بنحو خاص، ماذا تمنحك القيروان من إلهام رغم غربتك المكانية عنها؟
- القيروان مدينة تحتل مكانة استثنائية في تونس، فهي ضاربة بعمق في تاريخ العرب والمسلمين في هذا البلد العربي، بل في كل بلدان المغرب العربي. كل ما فيها من عمارة يحيل إلى هذا التاريخ المجيد. طبعاً للقيروان حضور في أعمالي؛ فقد كانت بالنسبة لنا، نحن السكان الذين نقيم في القرى والبلدات القريبة منها، هي المدينة. لكن لا بد من الإشارة إلى أن هذا الحضور على الرغم من أهميته، لا يعادل حضور قريتي العلا التي أمضيت فيها كل طفولتي؛ لسبب بسيط هو أنني لم أقم فيها لفترة طويلة.
الغربة والإبداع
(*) أنت من الأدباء المغتربين في فرنسا، ولكنك تكتب بالعربية. ألم تجذبك اللغة الفرنسية وعوالمها للكتابة بها؟
- أحب اللغة الفرنسية وأطالع بها كثيراً. معظم الأدب الأميركي والأوروبي أقرؤه في ترجمات فرنسية؛ لأنها أكثر دقة وأكثر حداثة. لكن حبي للغة العربية أكبر وأعمق. اللغة الفرنسية لم تنجح في أن تسكن كل خلية من جسدي. وهذا- في رأيي- شرط أساسي للكتابة بها. أتحدث هنا طبعاً عن الكتابة الإبداعية، وليس عن المقالات والبحوث. الكاتب لا يغير لغته بمجرد إقامته في بلد آخر. معظم الكُتاب الأوروبيين الذين عاشوا في فرنسا لم يفعلوا هذا. لقد تمسّكوا بلغتهم. جويس مثلاً، يمكن أيضاً أن نذكر غارسيا ماركيز، وفارغاس بوسا.
(*) كذلك تُرجمت أعمالك لعدة لغات، ماذا توفر الترجمة للعمل الأدبي؟
- نعم، تُرجم العديد من رواياتي إلى لغات كثيرة. الترجمة تنقل العمل الأدبي إلى فضاء ثقافي آخر، فضلاً عن أنها توسِّع من دائرة القراء. الترجمة تمنح النص حياة جديدة. عندما أقرأ بعض رواياتي المترجَمة إلى الفرنسية، أنتبه إلى أمور لم تكن تخطر ببالي عندما كتبتها، هذا يعني أن الترجمة تضيء النص من زاوية مختلفة.
(*) لديك العديد من الروايات التي ترشحت ضمن القائمة النهائية للروايات الست لجائزة (البوكر)، وحصلت «الاشتياق إلى الجارة» على «جائزة كتارا للرواية العربية» في 2021، ماذا تعني الجوائز للأديب والروائي؟
- الكاتب الحقيقي لا يكتب للجوائز. إنه يفعل هذا لأنه مسكون بشيء ما ويرغب في التعبير عنه. هذا هو الأساس في الكتابة. الجوائز تأتي فيما بعد، وهي تعني اعترافاً ما بقيمة ما يكتب الكاتب، ومن ثَم فإنها توفر له قليلاً من المال. الكاتب العربي عموماً يعيش في وضع مادي صعب؛ لأن عدد القراء ضعيف في العالم العربي، وهو يحتاج إلى هذا المال لكي يتمكن من الاستمرار في الكتابة.
(*) متى يصبح الكاتب عالمياً؟ إذا ترجمت أعماله وأصبحت مقروءة بلغات أخرى؟ أم يصبح عالمياً إذا حصل على جوائز عالمية؟
- هناك تفسيرات عدة لكلمة «عالمي»؛ هناك من يرى أن الكاتب يصير عالمياً عندما تترجَم أعماله إلى اللغات الأساسية في الغرب، وتحديداً الإنجليزية والفرنسية، وهناك من يعتقد أن هذا لا يكفي، لا بد من أن تلقى أعمال الكاتب المترجمة إقبالاً من القراء في البلدان التي تُرجمت فيها. وهناك من يشترط حصول الكاتب على جوائز عالمية، بالإضافة إلى الترجمة وإقبال القراء. شخصياً أميل إلى الرأي الثالث.
(*) من يقرأ رواياتك يجد أن موضوع الهوية يلحُّ على الكاتب ليطرحه في مختلف التفاصيل، كما يحضر التباين بين الحضارات. إلى أي مدى تمثل الهوية قلقاً في ظل هيمنة العولمة؟
- ثيمة الهوية تمتلك حضوراً قوياً في رواياتي؛ لأنها تقارب بطرق متباينة ومن زوايا مختلفة موضوع تلاقي الحضارات، الذي اكتسب بعداً آخر بعد انتشار العولمة. وهذه الهوية لا تتجلى في القضايا الكبرى المعروفة، وإنما أيضاً في تفاصيل الحياة اليومية وفي أمور قد تبدو لنا غير مهمة، لكن لا بد من أن أشير إلى أن الهوية ليست بالنسبة إليّ شيئاً ثابتاً متعالياً على الزمن، وإنما هي تتطور باستمرار.
(*) لديك توظيف رائع لثيمة (الحبّ) القادر على اختراق الطبقات، كما يتضح بقوة لي في روايتك «الاشتياق إلى الجارة»، كيف يمكنك توظيف هذه الثيمة لكسر حاجز الطبقات؟
- نعم، الحب قادر على أن يخترق كل الطبقات، بلّ كل التقاليد والعادات، لا شيء يستطيع أن يقف حاجزاً أمام الحب إن كان حقيقياً، إنه كالنهر الهادر يحطم كل ما يعوق سيره.
(*) على الرغم من أن أغلب رواياتك الـ11 تعالج مشكلات المجتمع والطبقات المتوسطة والفقيرة وعلاقاتها مع الذات والآخر. وليس بارزاً أي توظيف سياسي أو حزبي أو ديني في أعمالك، فإن مراقبين يقولون إنهم يتلمسون تأثيراً لروايتك «نساء البساتين» في اندلاع أحداث الثورة التونسية، ما رأيك؟
- لقد قيل كلام كثير من هذا النوع عن روايتي هذه، بل هناك من رأى فيها تنبؤاً بما حدث في تونس وما صار يسمى «الربيع العربي». عندما نقرأ هذه الرواية ندرك حجم الدمار الذي تعيشه تونس، ونشعر بأن الوضع لا يمكنه أن يستمر، وأن انفجاراً ما سيحدث، لكن الرواية لا تذكر أي شكل سيتخذه هذا الانفجار.

المصدر: 
الشرق الأوسط