تخطي إلى المحتوى
للشاعر التركي الصوفي "نجيب فاضل قيصا كورك" رواية " الكذب المنعكس في المرآة" للشاعر التركي الصوفي "نجيب فاضل قيصا كورك" رواية " الكذب المنعكس في المرآة" > للشاعر التركي الصوفي "نجيب فاضل قيصا كورك" رواية " الكذب المنعكس في المرآة"

للشاعر التركي الصوفي "نجيب فاضل قيصا كورك" رواية " الكذب المنعكس في المرآة"

أحس كأنّ قدميه انفصلتا عن التراب، ولم يعد يشعر بحواسه الخمس بالعالم المادي.. رأى نفسه في مرآة طويلة، وكأنما كان يطارد أحداً فيها.. ولكن هل هذا ممكن؟ هل الممكن السير في المرآة؟ وهل المسافات هي نفسها؟ أجل.. إنسان على الأريكة.. إنسان كإنسان، إنسان ذو شارب أبيض مقصوص ولحية طويلة... لا يدرك ناجي شيئاً آخر منه.. كبر الشخص في المكان الذي يجلس فيه، ولامس رأسه السقف ليجد ناجي نفسه في أحضانه يعلو ويرتفع إلى السماء.
سماوات كشلال الأنوار، سماوات سبع متداخلة كعجلات سبع. تدور على عكس دوران بعضها بعضاً.. تعزف أكثر الألحان شجواً، تحلّ أسرار الأموات، وتنسجها نتيجة معادلات الغموض.. ما من متكلم هناك، وإنما الموجود معانٍ تجري كشلال موسيقي.

 رواية ممتعة لأديب تركيا الأول نجيب فاضل قصاكوريك، ترجمة نورا ياماج، تتحدث عن الصراع الفكري بين العلمانيين والإسلاميين، بحيث يعري الكاتب بطريقته الروائية الملفتة خلفيات هذا الصراع الحاد ومواقف المتطرفين لينتهي به الأمر إلى سلوك طريق التصوف الذي يعده طريق السعادة. رواية جديرة بالقراءة

 

من أجواء الرواية

ألقى نظرة حوله باحثاً عن جنوده، لقد أخذوا السيارة إلى ضفة النبع لتبديل مائها الحار... سار إليهم.

على رأس النبع فتاةٌ بيدها جرّة، تنتظر الجنود ليفرغوا مِن ملء الماء...

ما هذا؟!.. ما هذا المظهر الأخّاذ... يرمق ابتسامتها الخفيَّة بطرف عينه. أما الشعور الساخر الذي وقع في صدره،  شعور أميرانهار مغمى عليه بمجرد رؤية محبوبته، وفتاة مضفورة الشعر أضحت ملقاة في فراشها بعد فقدان أميرها... كما في القصص والحكايات...

اِنصدام صاعق متبادل... لكن... ليس هناك مغمىً عليه ولا صاحٍ مِن غيبوبته... والفتاة على ما هي عليه لم يُصبها شيء... ذات شخصية رائعة، ووجه رُسمت عليه ابتسامة لطيفة... حاول مبادلتها الابتسامة واقترب منها.

فاحت رائحة خليط رائحة القرنفل ، والقِرفة والزعفران، تطايرت هذه الرائحة لتصفع وجهه فيحظى بطعم هذا الخليط...

وجّه سؤالاً انبثقَ مِن شفتيه دون استئذان:

- لقد أبَطأ عليك الجنود!.. هل آمرهم بإفراغ النبع؟

تخرج تلك الكلمات كنُظم موسيقا في غاية الرّقة:

- لا داعي يا سيدي... سأنتظر.

- هل أنتِ مِن هنا؟

- نعم...

- هل رأيتِ مدينة إسطنبول؟

- لم أذهب أبداً؟ ولم أحظى بِمَن يصحبني إلى هناك؟

- ما اسمك؟

- خديجة...

 

لمحة عن الكاتب

وُلد الشاعر والكاتب والمفكر التركي “أحمد نجيب فاضل قيصا كيوريك” بعام 1904 في إسطنبول، ويعد نجيب فاضل أحد أهم الشعراء الذين سطع نجمهم بعد سقوط الخلافة العثمانية وتأسيس الدولة التركية الحديثة  .

تربّى في قصر جده حلمي أفندي رئيس محكمة الجنايات والاستئناف في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وحفظ القرآن الكريم حينما أتم عمر الخامسة عشر، وقرأ للعديد من المفكرين والكتّاب والأدباء في سن مبكرة جدًا. نشر نجيب فاضل كتابَ شعره الأول “بيت العنكبوت” في عمر الحادية عشرة.

درس نجيب فاضل في العديد من المدارس المختلفة، ففي عام 1912 سجله جده في مدرسة فرنسية بمنطقة “الفاتح” في إسطنبول، ولكن بعد فترة قصيرة انتقل إلى “المدرسة الأمريكية” التي كانت من أرقى المؤسسات التعليمية بالمدينة في ذلك الوقت، ولكن بسبب مشاغبته طرد من هذه المدرسة.

وفي عام 1916 التحق نجيب فاضل بمدرسة “الفنون البحرية”، وكانت هذه الفترة نقطة التحول في حياته، إذ بدأ هناك اهتمامه بالشعر، وفي أثناء دراسته بهذه المدرسة اكتسب لقب “الشاعر”.

التحق نجيب فاضل في عام 1921 بقسم الفلسفة في كلية الآداب في جامعة إسطنبول، وتعرف هناك على الكثير من الشعراء المشهورين مثل “أحمد هاشم” و”خالدة أديب”.

بعد ذلك اشتهر بكتاب شعره “الأرصفة” في 1928 وعلى إثره لُقّب بشاعر الأرصفة، وتتناول أشعاره العديد من الموضوعات الفلسفية العميقة، كقضية الوجود والهوية والمعرفة.

كتب نجيب فاضل قرابة مائة كتاب، في السياسة والتاريخ والشعر، كما كتب عددًا من الروايات والمسرحيات والتي ترجم بعضها إلى العربية، مثل مسرحية “خلق إنسان”، التي تتحدث عن الموت والخوف من النهاية.

 وتوفي في 25 مايو/أيار عام 1983 ودفن بمنطقة أيوب في إسطنبول. ويُذكر أنه  كتب شعراً عن الموت قبل وفاته.

المصدر: 
دار الفكر