أسئلة تتراود أذهان الكثير بعد تحوّل إذاعة BBC المشهورة بشكل كامل إلى الرقمنة، هل على جميع القطاعات في المجتمعات مواكبة التحول الرقمي، وما الفائدة المنتظرة من هذا التحول؟ هل الهدف فقط مواكبة التطور أم هو قلق الخروج من سوق المنافسة والخسارة؟ وللإجابة عن تلك الأسئلة لابد من التعرف إلى ماهية الاقتصاد الرقمي وأهميته وأبرز أدواته ومبادئه الرئيسية.
في وقتنا الحالي باتت الرقمنة شيئاً أساسياً ولها دور مهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي، وبالتعريف فإن الاقتصاد الرقمي يقصد به تضمين التقنيات الرقمية في مختلف نواحي العمل، وذلك لإحداث تحوّل جذري في عمل القطاعات كافة وإنتاجها للقيمة.. وتختلف مظاهر التحول الرقمي تبعاً لمجال عمل المؤسسة وأهدافها والبنى التحتية لها، ومن الممكن أن يتم الاكتفاء بالرقمنة وهي طرق رقمية جديدة للعمل بكفاءة وسرعة أكبر
و بحسب تعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCED فهو "جميع الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على استخدام المدخلات الرقمية بما في ذلك التقنيات الرقمية والبنية التحتية الرقمية والبيانات، أو تلك التي يساعد استخدام مدخلات رقمية على دعمها وتعزيزها بشكل كبير، بما يشمل المنتجين والمستهلكين، بما في ذلك الحكومة".
وقد ساهم فعلاً الاقتصاد الرقمي في زيادة النمو الاقتصادي في العديد من البلدان بسحب تقرير للبنك الدولي 2020 وكان له أثر مهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، حيث تُشير التقديرات أنه يُسهم بنسبة 15.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وبحسب التقرير الصادر عن البنك الدولي 16\03\2022 بعنوان "إيجابيات التكنولوجيا الرقمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كيف يمكن أن يؤدي اعتماد التكنولوجيا الرقمية إلى تسريع وتيرة النمو وخلق فرص العمل"،
ولعل أهم محددات النمو الاقتصادي هي زيادة الإنتاج، ولكن زيادة الإنتاج هذه تأتي بحسب الاقتصادي بول رومر من الإصلاحات الداخلية التي تقوم بها الدولة في كل القطاعات ومواكبة التكنولوجيا والتطور التقني، وإذا نظرنا إلى النتائج التي خلفتها الزيادة الهائلة في الإنتاج منذ الثورة الصناعية العالمية إلى يومنا هذا، نجد استنزافاً للموارد الطبيعية وأضراراً لحقت بالبيئة والعالم بشكل كبير وإشارات تهدد بقرب نهاية البشرية.
وبات تطبيق هذا المفهوم واضحاً في العديد من الدول المتقدمة وبعض الدول العربية، إذ تركزت الجهود للانتقال إلى التحول الرقمي بكافة المجالات والقطاعات لما له من أثر إيجابي كبير على النمو الاقتصادي.. وخصوصاً بعد أن عاش العالم أجمع تجربة التحول الرقمي في أزمة كورونا سواء في عمل الشركات أو التعليم أو الإعلام وغيرها من المجالات التي واكبت التحول الرقمي بشكل كامل.
مزايا الاقتصاد الرقمي وتحدياته
لتنمية الاقتصاد الرقمي لا بدّ من توافر بنية تحتية رقمية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحسينها وزيادة سرعة الإنترنت بالإضافة إلى خدمات الدفع الرقمي والتي تُعدّ من الضروريات لعمل الاقتصاد الرقمي، أيضاً البيئة التنظيمية والتي تشمل مجالات واسعة كالتوقيعات الإلكترونية وحماية البيانات ومكافحة الاحتكار وضرورة توافر منظومة جمع البيانات الضخمة والبيانات المفتوحة المصدر وتحليلها والخدمات السحابية وأتمتة المعلومات وإنترنت الأشياء وتهيئة البنية التحتية الإحصائية وتطوير أساليبها ودعمها بشكل قوي لمواجهة تحديات قياس الاقتصاد الرقمي المضطرب بشكل متزايد.
وبالرغم من مزايا الاقتصاد الرقمي الاجتماعية والاقتصادية المتعددة إلا أنه يأتي بتحديات إذا لم تتم إدارته على نحو مناسب، أهمها الخصوصية وحماية البيانات من السرقات والانتهاكات الإلكترونية والهجمات السيبرانية والأمن الرقمي وسياسة الاستهلاك والمنافسة والابتكار والوظائف والمهارات..
الاقتصاد الرقمي: تركيا نموذجا
في الحديث عن تجربة التحول الرقمي نجد أن تركيا سعت لتطبيق التحول الرقمي في جميع القطاعات، ويشير معهد الإحصاء التركي في تقريره 14 أيلول 2022 أنه بلغت نسبة الشركات الناشئة التي لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت وتستخدم تكنولوجيا المعلومات 96.0% لعام 2022 ومن ناحية المبيعات الإلكترونية فتشير النسب أن واحداً من كل خمس شركات حققت مبيعات إلكترونية بمقدار 6.8 نقاط لعام 2021
ويتم حساب تقدم الاقتصاد الرقمي من خلال تقييم نشاط الدول في خمسة قطاعات رئيسية (الاتصال والتواصل مع الخدمات الرقمية عبر اتصالات النطاق العريض والمتنقل والأجهزة الذكية وإنترنت الأشياء وخدمات الترفيه الرقمي كخدمات بث الفيديو والفيسبوك وغيرها والمدفوعات الرقمية وبرامج المؤسسات والحوسبة السحابية
الإعلام والاقتصاد الرقمي
أكدت دراسات عديدة عربية وأجنبية أن صناعة الإعلام والصناعات الإبداعية والثقافية من أهم روافد الاقتصاد الرقمي الجديد وصناعة المعلومات، إذ تلعب وسائل الإعلام دوراً مهماً من خلال أدواتها ووسائلها في تعزيز نشر المعرفة العلمية ودعم برامج التطور العلمي وأبحاث التكنولوجيا، وفي تهيئة السوق ونشر الوعي بين الجماهير لتبنّي التحول الرقمي، بالإضافة لما تحققه من عائدات استثمارية أيضاً، فهي لها دور كبير في تسويق النموذج الجديد ودفع المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال في مجال الصناعات والخدمات الجديدة وتشجيع العملاء والمستهلكين على الاستجابة لهذه التغيرات والقبول بها لضمان توافر بيئة مواتية لنجاح الاقتصاد الرقمي.
ولكن في الفترة الأخيرة غلبت التعاملات التجارية على مضمون وسائل الإعلام وظهرت تحديات كثيرة تقف عائقاً لممارسة الإعلام دوره في النمو الاقتصادي، أهمها ابتعاد المحتوى المقدَّم عن القيم المهنية والمسؤولية الاجتماعية تجاه الجمهور ومشاكل المجتمع، بالإضافة لانعدام الاستقلالية وانتشار السطحية، أيضاً الإصرار على التمسك بالوسائل القديمة لطرح القضايا والتركيز على نماذج ومفاهيم ونظريات تقليدية تجاوزها الزمن وعدم الاهتمام بضرورة التدريب والتطوير وتبنّي نماذج وأساليب جديدة لمواكبة التقدم التكنولوجي والاستفادة من الفرص الجديدة التي تشهدها بيئة الاقتصاد الرقمي لدفع الإعلام لمستويات متقدمة.