تخطي إلى المحتوى
مسألة العالمية تتلبّسها الكثير من الأوهام مسألة العالمية تتلبّسها الكثير من الأوهام > مسألة العالمية تتلبّسها الكثير من الأوهام

مسألة العالمية تتلبّسها الكثير من الأوهام

يسعى الكتّاب ويهرولون بمتاع وغير متاع، نحو كوكب العالمية، وفي طريقهم ومعراجهم، يتعثّرون بمصطلح لعله أرقى وأنبل من شعاع الضوء الذي يلهثون خلف غباره، وينسون أن الإنسانية، هي كبد الأدب وجوهره النبيل.

يبدو أن مصطلح عالمية الأدب، جاء متأخرا نسبيا، مقارنة بأقدمية وتقادم إنسانية الأدب، ولعلّ انطماس الهوية القومية للأدب، واحلال بديل العالمية عنه، يرجع ليوهان غوته الألماني، الذي دعا دعوة صريحة، إلى ضرورة الالتفات للمشترك الإنساني بين الثقافات والحضارات والأديان، وفي دعوة هذا الأخير، نلمس جذوة الخاصية الإنسانية، وتعالقها مع مفهوم عالمية الأدب المزعومة.

لقد كَتب المؤلفون القدامى كتبهم من الآداب والمعارف، ولم يدر في خلدهم يومها فكرة العالمية، التي أتت مع فتوحات التكنولوجيا والتواصل، كل الذي كُتب لهم من أعمالهم؛ هو الخلود.. الذي يتجاوز مصطلح العالمية، إذ قد تتحقّق العالمية لكاتب من الكتّاب، ولا يكتب لنصوصه الخلود، وهو أمر نلمسه في بعض الأعمال التي حازت أرقى الجوائز؛ ولكن سرعان ما خبا نورها، ورُميّت في ركام التاريخ، وبالمقابل قد نجد أعمالا، لم تحرز جزائز؛ لكن كُتب لها الخلود، وسارت بها القوافل.

بيد أن تحريك النقاش بالوسط الثقافي الجزائري حول مسألة عالمية الأدب، جاء بعد التصريحات السجالية للكاتب ياسمينة خضرا، الذي ادّعى لنفسه، التفرّد المطلق بوصول الأدب الجزائري للعالمية، وردم كل التراكمات القبلية، وهو كلام خطير نسبيا، ولا يمكن قبوله بالسهولة التي تصورها ياسمينة خضرا، حتى وإن سلّمنا معه في بعض الحقائق منها، ترجمة أعماله إلى 53 لغة غربا وشرقا.

التحفّظ في قبول كلام ياسمينة خضرا، يأتي من التراكم التاريخي القبلي، المشهود لبعض الكتّاب الجزائريين، من أمثال محمد ديب، وآسيا جبار ودخولها للأكاديمية الفرنسية، فضلا عن ترشّحها لجائزة نوبل، دون نسيان جهود الطاهر وطار، وحفريات رشيد بوجدرة وواسيني الأعرج وأمين الزاوي وغيرهم مما يضيق التمثيل بحصرهموعدهم، فبالنسبة للشرق مثلا، لا يكاد يذكر المشارقة معادلة الأدب الجزائري، دون تجاوز رقم الطاهر وطار، كما أن الغربيين، لا يمكن أن يتحدّثوا عن الأدب الجزائري، دون أن يلسنوا بمحمد ديبب وكاتب ياسين وآسيا جبار، وبقليل من الحكمة، يمكن وضع المسألة ضمن سياقها التاريخي لكلا الحالتين، عندها نجد المؤثرات الآنية، التي ساعدته دونهم.

صحيح.. ياسمينة خضرا، وجد ما لم يجده غيره، في عبور رواياته لقارات العالم، ولا يمكننا طمس ذلك أو نكرانه؛ لأنه بالج.. وبالمقابل لا يمكننا التسليم بأحاديته في وصول الأدب الجزائري للعالمية؛ لأننا ردمنا جهودا سبقته، ولا يمكن له ولغيره طمسها أو مسحها، وحتى نقترب من الموضوعية أكثر، وجب القول، إن عالمية الأدب الجزائري، يصنعها لفيف الكتّاب الجزائريون عبر الأجيال، ممن قبله ومنه ومن يأتي بعده..

في اعتقادي أن مسألة العالمية، تتلبّسها الكثير من الأوهام، فالترجمة وإن سلّمنا بنوافذها وهوائها المنعش؛ غير أننا لا يمكننا اعتبارها معيارا بالمطلق، فكثير من الكتّاب، ساعدتهم الأبواق الإعلامية والدعائية بالدوائر الغربية، نظير تقديم تنازلات لبعض القيّم التي تخدم أجنداتها وإيديولوجياتها.

من هذا المنطبق، يتّضح لنا أن مفهوم العالمية وانبثاقه في الأدب، يأتي من خلال مقاسمة المشترك الإنساني مع الشعوب الأخرى، لثقافتنا وخصوصيتنا المحلية، ومحاولة تصديرها وتقديمها بالوجه اللائق بها، ولا يتأتى هذا إلا من خلال الاهتمام بالإعلام الثقافي عندنا في الجرائد والمجلات والقنوات الفضائية، وكذا انتعاش انقد الجامعي النائم بالمخابر، فضلا عن تخصيص ميزانية من وزارة الثقافة سنويا لترجمة أدبنا للغات العالمية، كما تفعل مصر وبعض الدول العربية.

المصدر: 
جريدة الخبر الجزائرية

يسعى الكتّاب ويهرولون بمتاع وغير متاع، نحو كوكب العالمية، وفي طريقهم ومعراجهم، يتعثّرون بمصطلح لعله أرقى وأنبل من شعاع الضوء الذي يلهثون خلف غباره، وينسون أن الإنسانية، هي كبد الأدب وجوهره النبيل.

يبدو أن مصطلح عالمية الأدب، جاء متأخرا نسبيا، مقارنة بأقدمية وتقادم إنسانية الأدب، ولعلّ انطماس الهوية القومية للأدب، واحلال بديل العالمية عنه، يرجع ليوهان غوته الألماني، الذي دعا دعوة صريحة، إلى ضرورة الالتفات للمشترك الإنساني بين الثقافات والحضارات والأديان، وفي دعوة هذا الأخير، نلمس جذوة الخاصية الإنسانية، وتعالقها مع مفهوم عالمية الأدب المزعومة.

لقد كَتب المؤلفون القدامى كتبهم من الآداب والمعارف، ولم يدر في خلدهم يومها فكرة العالمية، التي أتت مع فتوحات التكنولوجيا والتواصل، كل الذي كُتب لهم من أعمالهم؛ هو الخلود.. الذي يتجاوز مصطلح العالمية، إذ قد تتحقّق العالمية لكاتب من الكتّاب، ولا يكتب لنصوصه الخلود، وهو أمر نلمسه في بعض الأعمال التي حازت أرقى الجوائز؛ ولكن سرعان ما خبا نورها، ورُميّت في ركام التاريخ، وبالمقابل قد نجد أعمالا، لم تحرز جزائز؛ لكن كُتب لها الخلود، وسارت بها القوافل.

بيد أن تحريك النقاش بالوسط الثقافي الجزائري حول مسألة عالمية الأدب، جاء بعد التصريحات السجالية للكاتب ياسمينة خضرا، الذي ادّعى لنفسه، التفرّد المطلق بوصول الأدب الجزائري للعالمية، وردم كل التراكمات القبلية، وهو كلام خطير نسبيا، ولا يمكن قبوله بالسهولة التي تصورها ياسمينة خضرا، حتى وإن سلّمنا معه في بعض الحقائق منها، ترجمة أعماله إلى 53 لغة غربا وشرقا.

التحفّظ في قبول كلام ياسمينة خضرا، يأتي من التراكم التاريخي القبلي، المشهود لبعض الكتّاب الجزائريين، من أمثال محمد ديب، وآسيا جبار ودخولها للأكاديمية الفرنسية، فضلا عن ترشّحها لجائزة نوبل، دون نسيان جهود الطاهر وطار، وحفريات رشيد بوجدرة وواسيني الأعرج وأمين الزاوي وغيرهم مما يضيق التمثيل بحصرهموعدهم، فبالنسبة للشرق مثلا، لا يكاد يذكر المشارقة معادلة الأدب الجزائري، دون تجاوز رقم الطاهر وطار، كما أن الغربيين، لا يمكن أن يتحدّثوا عن الأدب الجزائري، دون أن يلسنوا بمحمد ديبب وكاتب ياسين وآسيا جبار، وبقليل من الحكمة، يمكن وضع المسألة ضمن سياقها التاريخي لكلا الحالتين، عندها نجد المؤثرات الآنية، التي ساعدته دونهم.

صحيح.. ياسمينة خضرا، وجد ما لم يجده غيره، في عبور رواياته لقارات العالم، ولا يمكننا طمس ذلك أو نكرانه؛ لأنه بالج.. وبالمقابل لا يمكننا التسليم بأحاديته في وصول الأدب الجزائري للعالمية؛ لأننا ردمنا جهودا سبقته، ولا يمكن له ولغيره طمسها أو مسحها، وحتى نقترب من الموضوعية أكثر، وجب القول، إن عالمية الأدب الجزائري، يصنعها لفيف الكتّاب الجزائريون عبر الأجيال، ممن قبله ومنه ومن يأتي بعده..

في اعتقادي أن مسألة العالمية، تتلبّسها الكثير من الأوهام، فالترجمة وإن سلّمنا بنوافذها وهوائها المنعش؛ غير أننا لا يمكننا اعتبارها معيارا بالمطلق، فكثير من الكتّاب، ساعدتهم الأبواق الإعلامية والدعائية بالدوائر الغربية، نظير تقديم تنازلات لبعض القيّم التي تخدم أجنداتها وإيديولوجياتها.

من هذا المنطبق، يتّضح لنا أن مفهوم العالمية وانبثاقه في الأدب، يأتي من خلال مقاسمة المشترك الإنساني مع الشعوب الأخرى، لثقافتنا وخصوصيتنا المحلية، ومحاولة تصديرها وتقديمها بالوجه اللائق بها، ولا يتأتى هذا إلا من خلال الاهتمام بالإعلام الثقافي عندنا في الجرائد والمجلات والقنوات الفضائية، وكذا انتعاش انقد الجامعي النائم بالمخابر، فضلا عن تخصيص ميزانية من وزارة الثقافة سنويا لترجمة أدبنا للغات العالمية، كما تفعل مصر وبعض الدول العربية.

المصدر: 
جريدة الخبر الجزائرية